وما قيل (١) : إنّ الامتحان لا يصحّ في حقّه تعالى لأنّه عالم بالعواقب.
ففيه ما لا يخفى ، إذ لا تنحصر فائدة الامتحان في خصوص حصول العلم للآمر ، بل قد يكون للغير ، وللمكلّف ، ولإتمام الحجّة كما لا يخفى.
وبما ذكرنا (٢) يعلم الجواب عمّا يقال في هذا المقام أيضا ، بأنّه لو جاز الأمر لمجرّد مصلحة في نفس الأمر (٣) ممّا ذكر ، لما دلّ الأمر على وجوب المقدّمة ، ولا النهي عن ضدّه ، ولا على كون المأمور به حسنا ، فإنّ الدّلالة على المذكورات إنّما هي من خواصّ الصّيغة ، فلا يخرج عنها إلّا بالقرينة على المجاز ، ومجرّد الاستعمال لا يوجب الحقيقة حتّى يحصل الاشتراك الموجب للإجمال المانع عن الدّلالة ، ومن عدم إرادة المذكورات في بعض الأحيان ، لا يلزم عدم دلالة اللّفظ من حيث هو.
وأمّا المقام الثاني : فذهب أصحابنا فيه الى عدم الجواز ، وجمهور العامّة على الجواز ، وربّما [وبما] أفرط بعضهم (٤) فجوّزه مع علم المأمور بانتفاء الشّرط أيضا.
لنا : أنّه تكليف بما لا يطاق ، أمّا فيما انتفى فيه ما يتوقّف عليه الفعل عقلا فواضح. وأمّا فيما انتفى فيه ما جعله الشّارع شرطا للوجوب والوقوع معا ، كعدم
__________________
(١) القائل هو الشارح العميدي وتبعه صاحب «الأنيس» ونقل انّه ظاهر كلام صاحب «المعالم» أيضا. راجع «المعالم» : ص ٢٢٤ و «الذريعة» : ص ١٦٣ ـ ١٦٤.
(٢) والمقصود من المذكور هو أنّ الأمر حقيقة في طلب نفس الفعل ومجاز في طلب العزم عليه.
(٣) أي في نفس هذا الأمر الذي أمر به الآمر.
(٤) نسبه في «المعالم» : ص ٢٢٣ الى بعض متأخري العامة. وعدّه إفراطا لأجل انّ دليل المنع فيها آكد حيث انّ التكليف بما لا يطاق فيه ظاهر أول الواقع بخلاف صورة جهل المأمور به ، فإنّه يختص بالثاني.