الحكم عن مخالفة القانون ثم سار العضو الذي عن يمينه ثم الذي عن شماله ثم أمر الشاهد بالإنصراف وأنه إن عاد لمثلها أجرى عليه الحكم وانصرف ، ثم قام الرئيس والأعضاء ودخلوا من ذلك الباب الخاص ولحق بهم وكيل الحق العام وبعد نحو ربع ساعة خرجوا وأحضروا المحكوم عليه مع أحد أعوان الحاكم وقرأ الرئيس ورقة صغيرة بالحكم على الجاني ثم التفت إلى الجماعة الجالسين عن يمينه وهم الجوري وسألهم عما ظهر لهم؟ فوافقوه وانصرفوا جميعا وخرج المتفرجون ، إذ لم يكن ذلك اليوم إلا تلك النازلة وقد أفهمني وكيل الحق العام أن الحكم كان مهيئا من قبل لتمام النصاب بدون ذلك الشاهد ، غير أنه لما حضر تمم شهادته والمحكوم عليه جاني بتزوير السكة ، وكان جميع من حضر سكوتا بغاية التوقير للمجلس.
وذلك الشعر الذي يضعونه عارية على رؤوسهم الأصل فيه أن الملك لويس الرابع عشر كان رديء الشعر فاتخذ له عارية وكان إذ ذاك شيخا فاقتدت به أماثل البلاد وسرت منهم إلى غيرهم من الأمم وإن قل استعمالها الآن إلا في المواكب الحافلة والقضاة ، ومن أهم ما يذكر في أحوال الإدارة الحكمية تنبيه الضابطية وهم الحارسون للبلدان وشدّة تنقيرهم وبحثهم ومراقبتهم حتى يتمكنوا بسهولة على الجناة ، ومع هاتيك المراقبة والإحتراس الشديد يقع الإحتيال البليغ من الجناة لكي يتوصلوا إلى غاياتهم وكثيرا ما يبلغون إليها ، لكنهم أيضا كثيرا ما تكشف أمرهم الضابطية وتتمكن منهم ، فقد ذكر أن أحد الصيارفة الكبار في باريس كان جالسا يوما في محله وإذا برئيس ضابطية باريس قد جاءه فأكرم مقدمه ورحب به ، فأخبره الرئيس أنه محتاج لمبلغ وافر من المال لبعض المصالح غير أنه لا يريد إفشاء ذلك ولهذا أتاه بنفسه ليقرضه لمدة قصيرة إيهاما لضرورة المصلحة عاجلا مع رجوعها لمتعلقات وظيفته ، فأقرضه ذلك المبلغ على نحو القواعد الجارية عندهم وكتب له خط يده فيه وانصرف ، فمضى الأجل ولم يأت المال لصاحبه فبعد ثالث يوم ذهب الصيرفي بنفسه إلى رئيس الضابطية ودخل عليه وبعد السلام انتظره الرئيس فيما يقول لأنه من العادات المتأكدة عندهم أن الزائر لا يؤخر الكلام في مقصد زيارته ولا يخوض في الفضول سيما لأصحاب الوظائف ، لأن الزمان مقسم كما أنه لا يدخل عليهم إثنان معا ليس بينهما علقة في نازلة واحدة لكن الصيرفي اعتمد على علم الرئيس فيما هو مطلوب فيه ولم يذكر له شيئا ، فلما مضت بعض دقائق سأله الرئيس ما هي حاجتك فتعجب الصيرفي وقال : إنها ذلك المال الذي أتيت إليه بنفسك ولذا لم أرسل لك غيري ، فاستغرب الرئيس في سره وتلطف في السؤال بقوله ذكرني النازلة لأنه علم أنه الصيرفي من كبار الأغنياء المعتمدين ولا يقول كلاما مثل ذلك افتراء ويعلم من نفسه أنه لم يذهب إليه ، فعلم أنه لا بد للأمر من واقعة فبين له الصيرفي ما وقع منه إلى أن قال له : وكتبت خط يدك ، ففكر مليا وطلب منه التمهل بعض أيام أخر من غير كشف للسر إلى أن يقع الخلاص ، فخرج الصيرفي أيضا مفكرا فيما رأى من الرئيس وفي نفس الجواب لأن ذلك مخالف لعادة الإقراضات.