بها ، فأدخلوا عليه في حبسه مالك بن أنس ، وابن أبي ذئب ، وابن أبي سبرة ، وغيرهم من العلماء. فقال : اكتبوا بما ترون إلى أمير المؤمنين قال : وكان عبد الصّمد لما بلغه الخبر حل عنه الوثاق وألبسه ثيابا. وكنس البيت الذي كان فيه ورشّه ثم أدخلهم عليه فقال لهم الرسول : اكتبوا بما رأيتم. فأخذوا يكتبون : يشهد فلان ، وفلان ، فقال ابن أبي ذئب : لا تكتب شهادتي أنا أكتب شهادتي بيدي ، إذا فرغت فارم إلى بالقرطاس. فكتبوا محبسا لينا ، ورأينا هيئة حسنة ، وذكروا ما يشبه هذا الكلام. قال : ثم دفع القرطاس إلى ابن أبي ذئب فلما نظر في الكتاب فرأى هذا الموضع. قال : يا مالك داهنت وفعلت وفعلت وملت إلى الهوى ، لكن اكتب : رأيت محبسا ضيقا وأمرا شديدا ، قال : فجعل يذكر شدة الحبس. قال : وبعث بالكتاب إلى أبي جعفر قال : فقدم أبو جعفر حاجّا فمر بالمدينة فدعاهم ، فلما دخلوا عليه جعلوا يذكرون وجعل ابن أبي ذئب يذكر شدة الحبس وضيقه ، وشدة عبد الصّمد وما يلقون منه. قال : وجعل أبو جعفر يتغير لونه وينظر إلى عبد الصّمد غضبان ، قال الحسن بن زيد : فلما رأيت ذلك رأيت أن ألينه ، وخشيت على عبد الصّمد من أبي جعفر أن يعجل عليه. فقلت : يا أمير المؤمنين ، ويرضى هذا أحدا؟. قال ابن أبي ذئب : أما والله إن سألني عنك لأخبرنه. فقال أبو جعفر : وإني أسألك فقال : يا أمير المؤمنين ولى علينا ففعل بنا وفعل وأطنب فيّ ، فلما ملأني غيظا قلت : أفيرضى هذا أحدا يا أمير المؤمنين؟ ، سله عن نفسك ، فقال له أبو جعفر : فإني أسألك عن نفسي. فقال : لا تسألني. فقال : أنشدك بالله كيف تراني؟ قال : اللهم لا أعلمك إلّا ظالما جائرا. قال : فقام إليه وفي يده عمود ، فجلس قربه. قال الحسن بن زيد : فجمعت إلىّ ثوبي مخافة أن يصيبني من دمه. فقلت : ألا تضرب العمود؟ فجعل يقول له : يا مجوسي أتقول هذا لخليفة الله في أرضه؟ وجعل يرددها عليه ، وابن أبي ذئب يقول : نشدتني بالله يا عبد الله إنك نشدتني بالله. قال : ولم ينله بسوء. قال : وتفرقوا على ذلك.
قال أبو زكريا العابد : وحدّثني بهذا الحديث كله أبو عيسى كوفي نخعي وزاد فيه : فلما كان الغد دعى به ليدخل على أبي جعفر وكان لأبي جعفر خادم كريم عليه ، قال أبو عيسى : حدّثني فلان قال : فلقد رأيت ذلك الخادم حين دنا ابن أبي ذئب من الباب ليدخل على أبي جعفر قام إليه الخادم ، وكان أمر أن يدخله ، فجعل يمس على صدر بن أبي ذئب ويقول : مرحبا برجل لا تأخذه في الله لومة لائم.