ذلك فهو غير ممتاز عمّا سواه بمغفرة ما يأتي به صاحبه في المستقبل ، وإنّما يجبّ ما قبله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (١) ، وإلاّ لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجّه خطابها إلى المؤمنين أجمع.
وإنّا لم نجد في أعمال عثمان عملاً بارّا يستدعي هذه المغالاة الخارجة عن أُصول الإسلام ، غير ما أنفقه على جيش العسرة إن صحّ من ذلك شيء ، وما خسره على بئر رومة ، وقد علمت أنّ جيش العسرة أنفق عليه غيره ما هو أكثر ممّا أنفقه هو ، وما أكثر من حفر الآبار وكرى الأنهار وسبّل مياهها للمسلمين ، فلو كان عمل عثمان هذا يستدعي المغفرة إلى يوم القيامة لوجب أن يُغفر لأُولئك الأقوام والأُمم ذنوبهم إلى ما بعد القيامة بفئام وفئام ، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم. فتبصّر وأعجب!
وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثمّ نقموا عليه ما كان ينجم منه من هنات بعد هنات فلم يغفروها له مخالفين لله ولرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهم عدول؟ أو أنّهم سمعوا هذه الأفيكة ثمّ أودعوها في محفظة الأباطيل؟ غير أنّ ظنّي بها أنّ ميلادها بعد واقعة الدار وأنّها كانت في أصلاب الوضّاعين عند الحصارين ، وفي حشّ كوكب ، وفي مقبرة اليهود ، ولم تلدها بعد أُمّها العاقر ، حتى فُسِح المجال لاستيلادها على أيدي قوابل عهد معاوية فما بعد.
٣٠ ـ أخرج أحمد في مسنده (٢) (١ / ٧٠) عن بهز أبي الأسود البصري ، عن أبي عوانة الوضّاح البصري ، عن حصين ، عن عمرو بن جاوان البصري ، عن الأحنف ابن قيس البصري ، قال : انطلقنا حُجّاجاً فمررنا بالمدينة ، فبينما نحن في منزلنا إذ جاءنا آتٍ فقال : الناس من فزع في المسجد. فانطلقت أنا وصاحبي فإذا الناس مجتمعون
__________________
(١) محمد : ٢.
(٢) مسند أحمد : ١ / ١١٣ ح ٥١٣.