والعدل يحكم بأنّ ابن أبي سرح وهو مثال المآثم والمخازي إن حُمّل إثماً من جرّاء قولته هذه فإنّما هو جرأته على الله تعالى وتصغيره عظمة نيران القسط الإلهي ونهيه عن الصدقة لا ما سبق لعثمان اقترافه من السيّئات ، لكن هلمّ معي إلى ضئولة عقل من يصدّق تلكم المهزأة ، ويرتّب عليها آثاراً عمليّة حتى ندّد به الذكر الحكيم.
وهب أنّا غاضينا الراوي على عود الرجل إلى ما كان بعد نزول الآية الكريمة ، لكن ذلك لا يُجديه نفعاً يُزيح عنه وصمة ضعف الرأي وقوّة الرعونة فيه ، نعم ؛ كان يُجديه لو لم يعبأ بتلكم الضلالة ، أو أنّه عدل عنها بقوّة التفكير لا بتوبيخ الوحي الإلهي ، وليته لم يعدل فإنّه عدل إلى ما عرفت من سيرته في الصدقات ، وجاء يخضم مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.
ـ ٥٠ ـ
الخليفة لا يعرف المخلص من النار
أخرج ابن عساكر في تاريخه (١) (٢ / ٥٨) من طريق أحمد بن محمد ، أبي عليّ بن مكحول البيروتي قال : مرّ عمر على عثمان بن عفّان فسلّم عليه ، فلم يردّ عليهالسلام ، فجاء عمر إلى أبي بكر الصدّيق فقال : يا خليفة رسول الله ألا أُخبرك بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول الله؟ قال : وما هي؟ قال : مررت على عثمان فسلّمت عليه فلم يردّ عليّ السلام. فقال أبو بكر : أَوَكان ذلك؟ قال : نعم. فأخذ بيده وجاء إلى عثمان فسلّما عليه ، فردّ عليهماالسلام فقال أبو بكر : جاءك عمر فسلّم عليك فلم تردّ عليه؟ فقال : والله يا خليفة رسول الله ما رأيته. قال : وفي أيّ شيء كانت فكرتك؟ قال : كنت مفكّراً في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فارقناه ولم نسأله كيف الخلاص والمخلص من النار؟ فقال أبو بكر : والله لقد سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرني ، فقال عثمان : ففرّج عنّا ، قال أبو بكر : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : تمسّكوا بالعروة الوثقى : قول لا إله إلاّ الله.
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ٥ / ٣٨٧ رقم ١٦٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٢٦٨.