أحمد (١) : رمينا حديثه؟ أم قوله في موضع آخر : كذّبه أحمد؟ أم قول ابن حبّان (٢) : يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم ، لا يجوز الاحتجاج به؟ أم قول العقيلي (٣) : يُعرف ويُنكر ، تركه أحمد وقال : أحاديثه أحاديث سوء؟ أم قول أبي أحمد الحاكم : ليس بالقويّ عندهم؟ أم قول البغوي : ضعيف الحديث؟ أم قول الأزدي : متروك (٤).
وهذا كافٍ في وهن السند وبطلانه ، وإن غضضنا الطرف عن بقيّة ما فيه من الشاميّين أعداء الحقّ وأضداد العترة الطاهرة صلوات الله عليهم ، وما فيه من الإرسال الموهن للرواية ، ودع عنك ما في متنه ممّا يضادّ الأُصول المسلّمة من الترخيص في المعصية ممّا هو كائن إلى يوم القيامة ، فهو يوجب التجرّي على المعاصي فيما يستقبل الرجل من الأيّام ، وأيّ إنسان غير معصوم يقال له : إنّ كلّ ما سوف ترتكبه من المآثم مغفور لك ، فلا تحدوه شهواته إلى توهين اقترافها ، واستسهال ركوبها. والشهوة غريزة في الإنسان تقوده إلى مهاوي الهلكة كلّ حين ، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
نعم ؛ حقّا يقال : إنّ سيرة عثمان تُصدّق هذه الرواية ، فإنّها لا تشبه إلاّ سيرة من رُخّص بالمآثم ، وأُذن في اقتحام الطامات والموبقات ، وبشّر بغفران هناته وعثراته ، فكان غير مكترث لمغبّة فعاله ، ولا مبالٍ بمعرّة مقاله.
وهب أنّ الحسنات يذهبن السيّئات من غير حقوق الناس والكبائر المخرجة عن الدين التي سلفت من الإنسان ، ولكن أيّ عمل بار في الشريعة ـ ولا أقول من أعمال عثمان فحسب ـ يُبيح للمكلّف السيّئات فيما يأتي من عمره إلى يوم القيامة ويبشّره بالمغفرة فيها جمعاء؟ وليس في ميزان الأعمال ما هو أرجح من الإيمان ومع
__________________
(١) العلل ومعرفة الرجال : ٢ / ١٧٠ رقم ١٨٩٩.
(٢) كتاب المجروحين : ٢ / ٢٨٧.
(٣) الضعفاء الكبير : ٤ / ١٢٦ رقم ١٦٨٤.
(٤) ميزان الاعتدال : ٣ / ١٢٢ [٤ / ١١ رقم ٨٠٦٦] ، تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٠٧ [٩ / ٣٦١]. (المؤلف)