الصحابة العدول الذين يُحتجّ بما رووه أو رأوه من شدّة على عثمان وثبات عليها ، حتى إنّه يعدّ المحايدة يومئذٍ من الضلال الذي يأمر به السادة والكبراء الضالّون ، ويهدّد عثمان ويرعد ويبرق وينهى عن ردّ السلام عليه الذي هو تحيّة المسلمين ، ومن الواجب شرعاً ردّها ، وينزله عن منبر الخطابة إنزالاً عنيفاً بين الملأ ، ثمّ لم يزل يستخفّ به ويهينه ولا تأخذه فيه هوادة حتى منعه عن الدفن في البقيع ، فدفن في حشّ كوكب مقابر اليهود ، وكلّ هذه لا تلتئم مع حسن ظنّه به فضلاً عن حسن عقيدته.
نعم ، إنّ جبلة فعل هذه الأفاعيل بين ظهراني الملأ الديني الصحابة العدول وهم بين متجمهر معه ، ومخذّل عن الخليفة المقتول ، ومتثبّط عنه ، وراضٍ بما دارت على الخليفة من دائرة سوء ، ما خلا شذّاذاً من الأمويّين الذين وصفهم جبلة في بيانه ، وقدّمنا نحن تفصيل ما نزل من القرآن فيهم في الجزء الثامن (١) ، ولم تقم الجامعة الدينيّة لهم ولآرائهم وزناً.
ـ ٢٣ ـ
حديث محمد بن مسلمة أبي عبد الرحمن الأنصاري (بدريّ)
أخرج الطبري ؛ من طريق محمد بن مسلمة ، قال : خرجت في نفر من قومي إلى المصريّين وكان رؤساؤهم أربعة : عبد الرحمن بن عديس البلوي ، وسودان بن حمران المرادي ، وعمرو بن الحمِق الخزاعي ، وابن النباع (٢) ، قال : فدخلت عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم ، ورأيت الناس لهم تبعاً ، قال : فعظّمت حقّ عثمان ، وما في رقابهم من البيعة ، وخوّفتهم بالفتنة ، وأعلمتهم أنّ في قتله اختلافاً وأمراً عظيماً ، فلا
__________________
(١) راجع صفحة : ٢٤٧ ـ ٢٤٩ ، ٢٧٥ ، ٣١٨. (المؤلف)
(٢) كذا في تاريخ الطبري وفيما حكي عنه ، والصحيح : ابن البياع وهو عروة بن شُيَيم الليثي. (المؤلف)