أو أنّ الرجل كان يسمع هذه الكلمات الذهبيّة ، لكنّه لا يعيرها أُذناً واعية فنسيها؟ فإن كان لم يعِ هذه وهي أساس الدعوة فما الذي وعاه؟ وما الذي تعقّله من نبيّ جاء وذهب ولم يعرف ما هو المخلص من النار؟ ولم يبعث إلاّ لانتشال أُمّته منها ، وفي يده كتابه الكريم فيه تبيان كلّ شيء ، وأيّ نبيّ كان يحسبه عثمان ، نبيّ العظمة؟ وعلى أيّ أساس علا صُروح إسلامه؟ وأيّ مسلم هذا يدرك أيّام دعوة نبيّه كلّها ثمّ يدركه صلىاللهعليهوآلهوسلم الموت ولم يعرف المسكين بعدُ ما ينجيه من النار؟ نعم ؛ لم يألُ نبيّ الإسلام في تنوير سبل السلام ، وإنقاذ البشر من النار ، فما ذا عليه إن لم تصادفه نفس صاغية إلى تعاليمه فلم تحفظها؟
ـ ٥١ ـ
ترك الخليفة التكبير في كلّ خفض ورفع
أخرج أحمد بالإسناد عن مطرف عن عمران بن حصين قال : صلّيت خلف عليّ صلاة ذكّرني صلاة صلّيتها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والخليفتين ، قال : فانطلقت فصلّيت معه فإذا هو يكبّر كلّما سجد وكلّما رفع رأسه من الركوع فقلت : يا أبا نجيد من أوّل من تركه؟ قال : عثمان رضى الله عنه حين كبر وضعف صوته تركه (١).
قال الأميني : سيوافيك البحث الضافي في الجزء العاشر إن شاء الله تعالى حول التكبيرة في الصلاة عند كلّ رفع وخفض وأنّها سنّة ثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تسالمت عليها الأُمّة ، وعمل بها الصحابة ، واستقرّ عليهاإجماع أئمّة المذاهب ، وهذا الحديث يعطينا خُبراً بأنّ أوّل من تركها هو عثمان وتبعه معاوية وبنو أُميّة ، وما زال الناس على هذا المزن وتمرّنت عليه الأُمّة طوعاً أو كرهاً حتى ضاعت السنّة الثابتة ونُسيت ، وكان من جاء بها يُعدّ أحمق كأنّه ارتكب أمراً شاذّا عن الشرع المقدّس ، والتبعة في ذلك
__________________
(١) مسند أحمد : ٤ / ٤٢٨ ، ٤٢٩ ، ٤٤٠ ، ٤٤٤ [٥ / ٥٩٠ ح ١٩٣٣٩ و ٥٩٣ ح ١٩٣٥٩ و ٥٩٧ ح ١٩٣٨٠ و ٦٠٩ ح ١٩٤٥٠ و ٦١٦ ح ١٩٤٩٣]. (المؤلف)