عن المنكر فهل يجرّهم الحبّ المعمي والمصمّ إلى أن يقولوا بمثل ذلك في حقّ عظيم الدنيا والدين مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام؟ فهل كانت مفسدة هنالك مترتّبة على مقام الإمام في المدينة حتى يكون نفيه عنها أولى؟ وهل هو إلاّ الصلاح كلّه؟ وهل المصالح النوعيّة والفرديّة تُستقى من غيره؟ ولعمر الحقّ إنّ أُبّهة تسقط لمكان أمير المؤمنين عليهالسلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لَحرِيّة بالسقوط ، وايم الله لو وسع أُولئك المدافعين عن تلكم العظائم لدنّسوا ساحة قدس الإمام بالفرية الشائنة ، واتّهموه بمثل ما اتّهموا به غيره من صُلحاء الأُمّة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ولكن ....
ولو كان الخليفة يعير لنصائح الإمام عليهالسلام أُذناً واعية لصانه عن المهالك ، ولم تزل الأُبّهة مصونة له ، والعزّ والنجاح ذخراً له ولأهل الإسلام ، وكان خيراً له من ركوبه النهابير التي جرّعته الغصص وأودت به وجرّت الويلات على الأُمّة حتى اليوم ، ولكنّه ....
(لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (١)
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) (٢)
ـ ٤٤ ـ
تسيير الخليفة صلحاء الكوفة إلى الشام
روى البلاذري عن عبّاس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال : لمّا عزل عثمان رضى الله عنه الوليد بن عقبة عن الكوفة ولاّها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها ، فكان يجالس قرّاءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم : مالك بن
__________________
(١) النحل : ٢٣.
(٢) الإنسان : ٢٧.