أهمّ تلكم المنابر منبر يوم الغدير وقد حضره مائة ألف أو يزيدون ، فهل سمع أحد من أحدهم من الأعالي والساقة يحدّث أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم هتف عليه بأنّ عثمان في الجنّة؟ وهذه خُطب النبيّ الأعظم هل تجد في شيء منها عمّا تقوّلوه حسيساً أو تسمع منه ركزاً؟ وهل هؤلاء الصحابة البالغون مئات الألوف الذين سمعوا هذا المقال ووعوه تركوه وراء ظهورهم يوم الدار ، يوم قالوا له : والله أحلّ الله دمك (١) ، يوم كتبوا إليه يدعونه إلى التوبة وحاجّوه وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه (٢) ، يوم سلّم عليهم فما سمع أحداً من الناس يردّ عليه ، وكان فيهم من عُمد الصحابة من فيهم (٣) ، يوم رفعت أُمّهم عقيرتها وهي تقول : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر ، إلى أيّام قصصنا عليك حوادثها؟ أو أنّهم كلّهم نسوه فنالوا من الرجل ما نالوا؟
وهل حصل لهم مُذكّر من عند أنفسهم فلم يوافقوه على السماع؟ أو لم يعيروا له أُذناً مُصغية؟ هذا وهم عدول ، وإنّ ممّن سمع بطبع الحال هاتيك الكلمة نفس عثمان ، فلما ذا كان يخاف من القفول إلى مكة حذار أن يكون هو الذي سمع فيه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما مرّ من أنّه يُلحد بمكة رجل عليه عذاب نصف أهل الأرض؟
٢٣ ـ ذكر ابن كثير في تاريخه (٤) عند عدّ مناقب عثمان ، عن إسماعيل بن عبد الملك ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رافعاً يديه حتى يبدو ضبعيه (٥) إلاّ لعثمان بن عفّان إذا دعا له.
قال الأميني : حذف ابن كثير وغيره ممّن ذكر هذه المهزأة إسنادها وأرسلوها
__________________
(١) تاريخ الخميس : ٢ / ٢٦٠. (المؤلف)
(٢) راجع ما مرّ في هذا الجزء : ص ١٦٢. (المؤلف)
(٣) راجع ما أسلفنا في حديث طلحة بن عبيد الله : ص ٩٦. (المؤلف)
(٤) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٨ حوادث سنة ٣٥ ه.
(٥) كذا في المصدر ، والصحيح : ضبْعاه ، والضبع وسط العضد ، وقيل : العضد كلها ، وقيل : الإبط.