نعم ؛ هذه كلّها بين يدي الخطيب ، غير أنّ الغلوّ في الفضائل أبكمه فبكم (١). وذكر الذهبي هذه الرواية في ميزان الاعتدال (٢) في ترجمة حمّاد بن المبارك ، وقال : خبر غير صحيح.
ولو كان لهذا الخيال مقيل من الصحّة لاستدعى أن يكون ما اختلق فيه من كون عثمان في الجنّة أهمّ ما صدع به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من المعارف والأحكام والحِكَم ، فإنّا لم نجد ولا وجد واجد شيئاً منها يهتم صلىاللهعليهوآلهوسلم له هذا الاهتمام ويصدع به على كلّ منبر صعده ، نعم كان يكرّر بعض ما يصدع به في عدّة مقامات للكشف عن أهميّته غير أنّها ممّا تعدّه الأنامل ، حتى إنّ الصلاة التي هي عماد الدين لم يكرّرها هذا التكرار المملّ.
وليت شعري هل كون عثمان في الجنّة من أُصول الدين وأُسس الإسلام التي لا تتمّ الشريعة إلاّ بها ، فطفق صلىاللهعليهوآلهوسلم يبالغ في تبليغه هذه المبالغة في كلّ حين؟ فهل هو حكم شرعيّ؟ أو حكمة بالغة؟ أو ملكة فاضلة؟ أو ناموس إلهيّ يستحق هذا التأكيد والإصرار؟
ثمّ لو كان عثمان من المؤمنين لكفاه تبشير الآيات الكريمة الكثيرة والأحاديث الشريفة الجمّة لهم بالجنّة ، فما الحاجة إلى هذا التهالك في تخصيصه بالذكر تهالكاً لم يشاهد له نظير في شيء ممّا بلّغه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن ربّه؟
على أنّه لو كان صلىاللهعليهوآلهوسلم مرتكباً ذلك لوجب أن يسمعه منه جميع الصحابة حتى من حظي بالإصاخة إلى قيله ولو مرّة واحدة طيلة حياته ، ووجب أن يتواتر الحديث منه صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يختصّ بعزوه المختلق جابر ، ولم يك يسنده عنه أُناس دجّالون ، وإنّ من
__________________
(١) بكم بكامة : سكت تعمّداً. (المؤلف)
(٢) ميزان الاعتدال : ١ / ٥٩٩ رقم ٢٢٦٨.