على طول الزمان ، نحو : منذ حين ، ومنذ سنين ، وذلك خلاف وضعه ، لأن «إذ» لتعيين الزمان ؛ وهذا كما وضع «حتى» لتعيين النهاية ثم قيل : حتى حين ، وحتى مدة ؛
فعلى ما مرّ ، لا بدّ لمنذ ، في كل موضع دخله ، من معنى ابتداء الغاية ، ولا يكون بمعنى «في» وحده ، كما يجيئ ؛
وهذا الذي ذكرنا ، وإن كان في بعض مواضعه أدنى تعسّف (١) ، فان ذلك يجوز أن يغتفر ، مع قصد جعله في جميع استعمالاته راجعا إلى أصل واحد وعلى وتيرة واحدة ؛
ولنرجع إلى شرح ما في الكتاب (٢) من أحكام مذ ، ومنذ ، وهو مذهب جمهور البصريين ؛
قال : «مذ ومنذ بمعنى أول المدة ، فيليهما المفرد المعرفة» ، مذهبهم أنه إذا ارتفع الاسم بعدهما ، فهما اسمان في محل الرفع بالابتداء ، ولهما معنيان : إمّا أول مدة الفعل الذي قبلهما ، مثبتا كان أو منفيا ، نحو : ما رأيته منذ يوم الجمعة ، أي : أول مدة انتفاء الرؤية : يوم الجمعة ، فإذا كانا بهذا المعنى وجب أن يليهما من الزمان مفرد معرفة ؛ ويجوز كما ذكرنا ، أن يكون هذا الحدّ ، غير مفرد ، نحو : ما رأيته منذ اليومان اللذان عاشرتنا فيهما ، إذا لم يكن العدد مقصودا ، وكذا يجوز أن يكون نكرة ، نحو : ما رأيته منذ يوم لقيتني فيه ؛ إذ المقصود بيان زمن مختص ؛
وإمّا جميع (٣) مدة الفعل الذي قبلهما ، مثبتا كان الفعل أو منفيا ، نحو : صحبني منذ يومان ، أي : مدة صحبته يومان ، ومذ اليوم ومذ اليومان ، وقد تقدم أنه يجب أن يليه مجموع زمان الفعل من أوله إلى آخره المتصل بزمان التكلم ، ولا يشترط كون ذلك المجموع مقصودا فيه العدد ، وذلك لأنك تقول : ما لقيناه مذ عمرنا ، ومذ زماننا ، مع
__________________
(١) أطنب الرضى في شرح الرأي الذي اختاره من عدة آراء ؛ كما قال ، ومن عجب أنه ـ رحمه الله ـ كثيرا ما يرد بعض الآراء ، بأن من قبيل الرجم بالغيب ، وما أحرى رأيه هذا بأن يقال فيه مثل ذلك ، وكأنه هو شاعر بذلك فهو يعتذر عن هذا الطول ، ويعترف بأن فيه بعض التعسف ؛
(٢) أي ألفاظ المتن في أول البحث ؛
(٣) هو المعنى الثاني فيما إذا ارتفع ما بعدهما ،