لأنّ العرب قد عزمت على زيادتهما أوّلا ، إذا كان بعدهما ثلاثة أحرف أصول ، إلّا فيما شذّ ، على ما يبيّن في موضعه. فلمّا عزموا على ألّا يكونا اصلين لم يستعملوهما في ذينك الموضعين للإلحاق ، لأنّ في ذلك تقريبا لهما من الأصول ، وتنزيلا لهما منزلتها ، فيكون ذلك نقضا لما اعتزموه من زيادتهما.
وممّا يبيّن لك أنّهما ليسا للإلحاق وجود «أشدّ» و «مفرّ» في كلامهم ، والأصل «أشدد» و «مفرر» فلو كانا للإلحاق لم يدغما كما لم يدغم مثل «قردد».
فإن قال قائل : ولأيّ شيء خصّوا هذه الأحرف العشرة بالزيادة ، من بين حروف المعجم؟ فالجواب أنّ أمهّات هذه الزوائد ، والذي هو زائد منها بحقّ الأصالة ، الواو والياء والألف ، لكثرة دورها في الكلام واستعمالها ؛ ألا ترى أنه لا تخلو كلمة منها أو من بعضها ، أعني الحركات : الضّمّة والكسرة والفتحة ، لأنّ الضّمة بعض الواو ، والكسرة بعض الياء ، والفتحة بعض الألف.
ولمّا كانت أمّهات الزوائد لذلك كانت أكثر الحروف زيادة ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله.
وأما الهمزة والتاء والميم والنون فزيدت لشبهها بحروف العلّة : أما الهمزة فشبهها بحروف العلّة من جهة كثرة تغييرها بالتسهيل ، والحذف ، والبدل.
وأما التّاء فأشبهت الواو من جهة تقارب مخرجيهما ، ولذلك أبدلت منها في مثل «تراث» و «تكأة» ، لأنهما من «ورثت» و «توكّأت».
وأمّا الميم فمضارعة للواو أيضا ، من جهة تقاربهما في المخرج ، ومضارعة لحروف العلّة كلّها ، من جهة الغنّة التي فيها ، الشبيهة باللّين الذي في حروف العلّة ، لأنّ الغنّة فضل صوت في الحرف ، كما أنّ اللّين كذلك.
وأما النّون ، فأشبهت أيضا حروف العلّة ، من جهة الغنّة التي فيها.
ولمّا كانت هذه الحروف قريبة الشبه من حروف العلّة كانت تليها في كثرة الزيادة ، على ما يبيّن بعد ، إن شاء الله تعالى.
وأمّا السين واللّام والهاء فإنها زيدت لشبهها بالحروف المشبّهة بحروف العلّة.
أمّا اللّام فمشبهة للنّون ، من حيث تسطيل في مخرجها ، حتى تلحق بمخرج النون ، على ما يبيّن في الإدغام.
وأمّا السين فإنها تشبه التاء ، لهمسها وتقارب مخرجيهما.
وأمّا الهاء فمشبهة للهمزة ، من جهة تقارب مخرجيهما ، لأنّها من حروف الحلق.
ولمّا كانت هذه الحروف لم تشبه حروف العلّة ، بل أشبهت المشبّه بها ، لم تجىء