(وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) معطوف على الفعل الّذي تعلّق به «كذلك». كأنّه قال : كذلك فرقناه ورتّلناه ترتيلا ، أي : قرأناه عليك شيئا فشيئا على تؤده وتمهّل ، في عشرين سنة ، أو ثلاث وعشرين سنة. وأصله : الترتيل في الأسنان ، وهو تفليجها (١). يقال : ثغر مرتّل ورتل.
روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «يا ابن عبّاس إذا قرأت القرآن فرتّله ترتيلا. قال : وما الترتيل؟ قال : بيّنه تبيينا ، ولا تنثره نثر الدقل (٢) ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر السورة».
(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ) بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة ـ كأنّه مثل في البطلان ـ يريدون به القدح في نبوّتك (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) أتيناك نحن بالجواب الحقّ الّذي لا محيد لهم عنه ، الدافع لسؤالهم (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) وبما هو أحسن معنى من سؤالهم.
ولمّا كان التفسير هو التكشيف عمّا يدلّ عليه الكلام ، وضع موضع : معناه ، فقالوا : تفسير هذا الكلام كيت وكيت ، كما قيل : معناه كذا وكذا.
أو لا يأتونك بحال عجيبة يقولون : هلّا كانت هذه صفتك وحالك ، من مقارنة ملك بك ينذر معك ، وإلقاء كنز إليك ، أو كون الجنّة لك ، أو إنزال القرآن عليك جملة ، إلّا أعطيناك نحن من الأحوال ما يحقّ لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه ، وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه. ولهذا ينزّل عليك القرآن منجّما ، لأنّ تنزيله مفرّقا ، وتحدّيهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلّما نزل شيء منها ، أدخل في الإعجاز ، وأنور للحجّة من أن ينزّل كلّه جملة.
(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ) أي : مقلوبين ، أو مسحوبين عليها.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدوابّ ، وصنف على الأقدام ، وصنف على الوجوه».
وهو ذمّ مرفوع أو منصوب. أو مبتدأ خبره (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً)
__________________
(١) المفلّجة من الأسنان : المنفرجة.
(٢) الدقل : أردأ التمر. والهذّ : سرعة القراءة.