(وَقالَ الرَّسُولُ) محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم يومئذ ، أو في الدنيا بثّا إلى الله (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي) قريشا (اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) بأن تركوه وصدّوا عنه وعن الإيمان.
وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تعلّم القرآن وعلّق مصحفه ، ولم يتعاهده ولم ينظر فيه ، جاء يوم القيامة متعلّقا به ، يقول : يا ربّ العالمين عبدك هذا اتّخذني مهجورا ، اقض بيني وبينه».
وقيل : هو من : هجر إذا هذى ، أي : جعلوه مهجورا فيه ، فحذف الجارّ.
وهو على وجهين :
أحدهما : زعمهم أنّه هذيان وباطل وأساطير الأوّلين.
والثاني : أنّهم كانوا إذا سمعوه هجروا فيه ، كقوله : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) (١).
ويجوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر ، كالمعقول. والمعنى : اتّخذوه هجرا.
وفي هذه الحكاية تعظيم للشكاية ، وتخويف لقومه ، لأنّ الأنبياء صلّى الله عليهم إذا شكوا إلى الله قومهم عجّل لهم العذاب ولم ينظروا.
ثمّ سلّى سبحانه رسوله ، ووعده النصرة عليهم ، فقال : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) كما جعلناه لك ، فاصبر كما صبروا. والعدوّ يحتمل الواحد والجمع ، كقوله : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) (٢).
وملخّص المعنى : أنّ الله سبحانه أمر الأنبياء أن يدعوهم إلى الإيمان بالله تعالى ، وترك ما ألفوه من دينهم ودين آبائهم ، وإلى ترك عبادة الأصنام وذمّها ، وكانت هذه أسبابا داعية إلى العداوة ، فإذا أمرهم بها فقد جعلهم عدوّا لهم.
(وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) إلى طريق قهرهم والانتصار منهم (وَنَصِيراً) لك عليهم.
__________________
(١) فصّلت : ٢٦.
(٢) الشعراء : ٧٧.