(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) وخلقنا من الماء كلّ حيوان ، كقوله : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (١). وذلك لأنّه من أعظم موادّه ، فكأنّما خلقناه من الماء ، أو لفرط احتياجه إليه ، وانتفاعه به بعينه ، وقلّة صبره عنه. وإن كان جعل متعدّيا إلى مفعولين ، فمعناه : وصيّرنا كلّ شيء حيّ كائنا بسبب من الماء لا يحيا دونه.
وقيل : معناه : وجعلنا من الماء حياة كلّ ذي روح ونماء كلّ نام ، فيدخل فيه الحيوان والنبات والأشجار.
(أَفَلا يُؤْمِنُونَ) مع ظهور الآيات.
ثمّ بيّن كمال قدرته وشمول نعمته ، فقال : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا راسيات ثابتات. من : رسا إذا ثبت. (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) كراهة أن تميل بهم وتضطرب. أو لأن لا تميد ، فحذف اللام للقياس ، و «لا» لأمن الإلباس ، كما تزاد لذلك في نحو قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (٢). وهذا مذهب الكوفيّين.
(وَجَعَلْنا فِيها) في الأرض ، أو الرواسي (فِجاجاً سُبُلاً) مسالك واسعة ، فإنّ الفجّ هو الطريق الواسع. وإنّما قدّم «فجاجا» وهو وصف له ، كما في قوله : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) (٣) ليصير حالا ، فيدلّ على أنّه حين خلقها خلقها على تلك الصفة. أو ليبدل منها «سبلا» فيدلّ ضمنا على أنّه خلقها ووسّعها للسابلة ، مع ما يكون فيه من التأكيد. (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) إلى مصالحهم.
(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً) وخلقناها رفيعا فوق الخلق كالسقف (مَحْفُوظاً) عن الوقوع على الأرض بقدرته ، كما قال : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) (٤)
__________________
(١) النور : ٤٥.
(٢) الحديد : ٢٩.
(٣) نوح : ٢٠.
(٤) فاطر : ٤١.