جبروته ، وأرسله صادعاً بحكمه ، وجعله خازناً لعلمه ، فقام صلىاللهعليهوآله بأعباء الرسالة جاهداً ، وباع من الله روحه مجاهداً ، وقطع من قربت قربته ، ووصل من بعدت لحمته ، وهجر في الله الأذنين ، ووصل الأبعدين ، سل عنه اُحداً وبدراً كم خسف الله به فيهما للشرك بدراً ، وهتك للشرك ستراً ، وقصم للظلم ظهراً ، جاهد في الله حقّ جهاده ، وصبر على الأذى في الله من جهاد عباده حتى كسرت في اُحد رباعيته ، وشجّت لمناوشته (١) القتال جبهته ، وثفنت من دمه لمّته (٢) ، وقتلت عترته واُسرته.
كم نصبوا له غوائلهم (٣)؟ وكم وجّهوا نحوه عواملهم؟ وكم جرّدوا عليه مناصلهم (٤)؟ وكم فوقوا إليه معابلهم (٥)؟ وأبى الله إلا تأييده بنصره ، وتمجيده بذكره.
روي أنّ النبيُّ صلىاللهعليهوآله كتب إلى كسرى بن هرمز :
أمّا بعد :
فأسلم تسلم ، وإلاّ فأذن بحربٍ من الله ورسوله ، والسلام على من اتّبع الهدى.
قال : فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه واستخفّ به ، وقال : من هذا الذي يدعوني إلى دينه ، ويبدأ باسمه قبل اسمي؟ وبعث إلى رسول الله صلّى الله عليه
____________
١ ـ في هامش الأصل : المناوشة : الاسراع في النهوض.
٢ ـ اللِّمَّة : شعر الرأس.
٣ ـ الغوائل : الدواهي.
٤ ـ النَّصْلُ : حديدة السهم والرمح.
٥ ـ المِعبَلة : نصلٌ طويل عريض ، والجمع مَعابل ... ومنه حديث علي عليهالسلام : تكَنّفتكم غَوائلُه وأقصَدَتكم معِابِلُه. « لسان العرب : ١١ / ٤٢٢ ـ عبل ـ ».