يجوز خلوّ زمانٍ من خليفة لله يقوم بحججه ، ويرشد الناس إلى ما يريده الله منهم ممّا يوجب السعادة الأبديّة ، ويحذّرهم عمّا يوجب الشقاوة الأبديّة ، وهو الحاكم الذي يقوم به عمارة الدنيا وتحصيل الآخرة. ولولاه لخربت الدنيا في أقلّ من ساعة ، بل لم تقم أصلاً كما عرفت ؛ إذ هو باب الله الذي لا يؤتى إلّا منه ، فلو عدم لانسدّ باب الجود والهداية ؛ لعدم تمكّن الخلق من قبولها ومعرفتها بدونه كما بيّنا لك.
فإذن يجب بمقتضى جُود الله ورحمته وعدله وحكمته أن يكون شخص معصوم في كلّ زمانٍ ؛ إذ ليس أهل زمانٍ أولى بوجوده في زمانهم من غيرهم ، لأنه المرجع الذي يحكم لهم بالحقّ في أمر الدين والدنيا ، ويُبطل الباطل ويُصَحّح الصحيح ، فلولاه لم يرتفع التشاجر والخلاف ، ولم يُعرف الحقّ من الباطل ؛ فإن كلّ واحد يقول : الحقّ معي ويلزم غيري موافقتي ، والميزان الذي توزن به الأفعال والأقوال هو المعصوم الذي لا ينطق إلّا عن الله وبأمره.
ولمّا وصلت النوبة إلى نبيّنا محمد : صلىاللهعليهوآله واقتضت حكمة الله أن يكون خاتم الرسل وأنه لا نبيّ بعده ، وجب في الحكمة أن يختار الله له خليفة بعلمه كما اختاره هو من خلقه وجعله محلّ رسالته ، ولا بدّ أن يكون خليفته صفوة الخلق بعد الرسول : صلىاللهعليهوآله وأشرفهم من كلّ وجهٍ ، كما أن الرسول : صلىاللهعليهوآله كذلك.
ولمّا لم يجز في الحكمة أن يكون الرسول على قدر ما يختارونه البشر ويرضونه ، بل الله أعلم حيث يجعل رسالته ، كذلك لا يجوز ولا يمكن أن يكون خليفته باختيارهم ؛ لأن خليفة الرسول يجب أن يسدّ مسدّه من كلّ وجهٍ ، ولا يمكن أن يسدّ مسدّه في كلّ وجهٍ إلّا إذا كان معصوماً مثله ، مؤيّداً من الله ، مُسدّداً بإلهام الله ، عالماً بجميع ما يحتاج له الخلق ، ولا يجوز عليه الكذب بوجه ، ولا مذامّ الأخلاق ، لأنه خليفة الله ونائبه وبابه وسبيله الذي لا يؤتى إلّا منه. ومحال أن يعرف البشر مَن هو كذلك حتّى يقيموه إماماً ، وإلّا لأمكنهم أن يعرفوا مَن هو أهل للرسالة فيختاروه رسولاً.