فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه وإبصاره ، وعلى الليل هو ظلامه واستتاره ، من حيث إنَّهما كمالان لوجوديهما وللنظام الجمليّ ، لأمن حيث إن الليل يطمس الأبصار بفقد النور ، ولا من حيث أنه عدم النور والضياء ، فليس ظلامه الفطريّ إنكاراً لذلك الاسم الذي كتب عليه ، ولا لأنه لم يقبل تلك الصفة التي هي من فاضل نور اسمهم الأعظم وصفتهم العليا ، وإلّا لما كان مكتوباً عليه الاسم الأعظم بالفعل ، ولم يكن قولهم : إن الاسم كتب عليه فأظلم ، حقيقة ، وهو حقيقة كما يرشد إليه تفريع ظلامه على تلك الكتابة ، حيث قال عليهالسلام كتب على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم ، وعلى البرق فلمع ، وعلى الرعد فخشع (١).
ففرّع ذلك على الكتابة.
فهي إذن العلّة لضياء النهار ، وظلام الليل ولجميع كمالات الوجود ، فلا يكون ظلامه متسبّباً عن إنكاره وإبائه لقبول كتابة ذلك الاسم وتلك الصفة. وممّا يرشدك إلى ما قلناه ما رواه في ( الكافي ) بسنده عن أبي ولّاد قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : إن الله خلق حجاباً من ظلمة ممّا يلي المشرق ، ووكّل به ملكاً ، فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيده ، ثمّ استقبل بها المغرب يتبع الشفق ، ويخرج من بين يديه قليلاً قليلاً ، ويمضي فيوافي المغرب عند سقوط الشفق فيسرح الظلمة ، ثمّ يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتّى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس (٢).
فلو كان ظلام الليل متسبّباً وناشئاً عن إنكاره للاسم ، وعدم قبوله لتلك الصفة الكماليّة لما كان ظلامه إنما يخرج من كفّ الملك ، ولا كان الملك هو المغترف له من بحر ذلك الحجاب ، فلله حجب من ظلمة كما لَهُ حجب من نور.
عرفت (٣) أن ما في الساعة الفجريّة من الظلام هو من ظلام الليل ، فتكون من الليل ؛ إذ لو كانت من النهار لكان الاسم الذي كتب على النهار فأضاء قد كتب عليها ،
__________________
(١) شرح الجامعة الكبيرة ٤ : ١٦.
(٢) الكافي ٣ : ٢٧٩ / ٣.
(٣) جواب أداة الشرط ( إذا ) في قوله : ( فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه .. ) الواردة في أول الصفحة.