دون آبائه صلوات الله عليهم فإن الله تعالى بلطيف حكمته ورحمته أحبّ أن يعبد سرّاً وأن يعبد جهراً ، فلا بدّ أن يعبده أوّل العابدين وخلفاؤه بالوجهين ؛ فإنهم معلّمو الخلق العبادتين.
فمحال أن يكون نوع من العبادة لا يعبدونه بها ، ولو كان كذلك لكان سائر من يوجد في زمن القائم : وأنصاره الذين يقوم بهم نالوا درجة لم ينلها محمَّد صلىاللهعليهوآله : وخلفاؤه الماضين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وعبدوا الله بعبادة لم يعبدوه بها ، وحازوا عبادة السر والجهر دونهم ، وهذا محال. وهذا كلّه لا يتمّ ويندفع عنه ما قلنا إلّا بالرجعة ، فمن أنكرها أنكر فضل محمّد : وآله ، وأنكر قدرة الله تعالى ، نعوذ بالله من الجهل وجنوده.
ومنها : أن أحد الأمرين لازم ؛ إمّا القول بأن صاحب الأمر : عجّل الله فرجه حيّ لا يموت ولا يذوق الموت ولا يقتل ، أو أن الأئمّة يرجعون. والأوّل باطل بالضرورة عقلاً ونقلاً وإجماعاً ، بل ( كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١) ، ولا يلي أمر الإمام إلّا الإمام بالنصّ (٢) والإجماع ، ولا تخلو الأرض من حجّة لله بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً (٣) ، فثبت الثاني ، ولا قائل برجوع واحد منهم دون آخر.
ومنها : أنه لا بدّ أن ينال القائم : ما ناله آباؤه الكرام من الدرجة الّتي لا تنال إلّا بالشهادة ، بل لا بدّ له أن يقتل أوّلاً ويرجع ويموت كآبائه. فإذا مات أو قتل لا يمكن أن تخلو الأرض من حجّة لله على عباده ، به يحفظ الله الشريعة ، وبه تتمّ حجّة الله على الخلق ، وبه يمسك الله الأرض والسماوات ، ولا ترتفع الحجّة من الأرض إلّا إذا لم يكن لله في عباده حاجة ، وذلك قبل أن ينفخ في الصور ، بأربعين يوماً ( أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ) (٤).
ومنها : مقتضى كمال المقابلة بين العقل والجهل وجنودهما في التضادّ ، وذلك من وجوه :
__________________
(١) آل عمران : ١٨٥.
(٢) الكافي ١ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.
(٣) الكافي ١ : ١٧٨ ـ ١٧٩ / ١ ـ ١٣.
(٤) آل عمران : ١٤٤.