الواقع ، فهذا أمر ممدوح ، وأساس للوصول إلى الحقائق المستورة ، وإرساء لقواعد العلم ودعائمه.
إنّ الاختلاف بين الفقهاء أشبه بالخلاف الّذي وقع بين نبيّين كريمين : داود وسليمان ـ على نبينا وآله وعليهماالسلام ـ في واقعة واحدة حكاها سبحانه في كتابه العزيز وقال : ( وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ) (١).
وكما آتى سبحانه لكلّ منهما حكما وعلما ، فقد آتى لكلّ فقيه ربّاني فهما وعلما ، يدفعه روح البحث العلمي إلى إجراء المزيد من الدقّة والفحص في الأدلّة المتوفّرة بين يديه ، بغية الوصول إلى الواقع ، وهذا العمل بطبيعته يورث الاختلاف وتعدّد الآراء.
ولأجل ذلك نجم الاختلاف في الشريعة بعد رحيل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واتّسعت شقّته في القرن الثاني والثالث.
وقد اهتمّ كثير من العلماء منذ وقت مبكّر بالمسائل الخلافية وصنّفوا فيها كتبا متوفّرة ، جمعوا فيها آراء الفقهاء في مسائل خلافية إلى أن عادت معرفة العلم بالخلافيات علما برأسه وأساسا لصحّة الاجتهاد ، حتّى قيل : إنّ معرفة الأقوال في المسألة نصف الاستنباط. وإليك فيما يلي أسماء بعض الكتب الّتي ألّفت في الخلافيات ، فمن السنّة :
١ ـ « الموطّأ » للإمام مالك ( المتوفّى ١٧٩ ه ) يذكر فيه أقوال الفقهاء السابقين في مختلف أبوابه.
__________________
(١) الأنبياء : ٧٨ ـ ٧٩.