المعتبر بألفاظ محبرة (١) ، وعبارة (٢) محررة ، تظفرك بنخبة ، وتوصلك الى شعبه ، مقتصرا على ما بان لي سبيله ، ووضح [ لي ] (٣) دليله.
أقول : أما بعد كلمة فيها معنى الشرط ، تقديره مهما يكن من شيء فبعد (٤) حمد الله ، ولهذا دخلت الفاء في خبرها جزاء الشرط.
وبعد كلمة تسمى فصل الخطاب ، يؤتى بها إذا أريد الانتقال من كلام الى كلام ولما ذكر الله وأثنى عليه وذكر النبي وصلى عليه ، فصل بين هذا التحميد والصلاة وبين ما هو بصدده بقوله « أما بعد ».
وقيل : أول من تكلم بها داود النبي عليهالسلام بقوله تعالى ممتنا عليه « وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ » (٥) وقيل : بل علي عليهالسلام.
وفصل الخطاب الذي أوتيه داود عليهالسلام البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وانما سميت هذه الجملة بفصل الخطاب لان خطاب الخصوم لا ينفصل ولا ينقطع الا بها.
قيل : وسبب الامتنان على داود عليهالسلام بهذه الجملة واختصاصه بها أنهم كانوا قبله في أول زمانه يتحاكمون إلى سلسلة في بيت المقدس ، ويقص كل واحد من المدعي والمدعى عليه الدعوى بالسؤال والجواب ، ثم يتناول كل واحد منهم السلسلة فمن أصابها كان محقا ، ومن لم ينلها كان مبطلا.
فاتفق أن رجلا أودع آخر جوهرا ، فقال المدعي : بيني وبينك السلسلة وقد
__________________
(١) في « ق » و « س » : مخبرة.
(٢) في المطبوع من المتن : وعبارات.
(٣) الزيادة من المصدر.
(٤) في « ق » : وبعد.
(٥) سورة ص : ٢٠.