ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الثامنة : حكم الاخيرتين في البطلان‌ بترك الركن اذا تجاوز محله حكم الاوليين في المشهور ايضاً .

وقال الشيخ : انما تبطل في الاوليين أو في الصبح أو في ثالثة المغرب ، وان كان في الاخيرتين من الرباعية حذف الزائد وأتى بالفائت ، فلو ترك الركوع حتى سجد ولم يذكر حتى صلّى ركعة اُخرى أسقط الاُولى (١) .

وله قول آخر بالتلفيق وان كان في الاوليين (٢) كما هو قول ابن الجنيد وابي الحسن بن بابويه فيما عدا الاُولى ، فانّهما اعتبرا سلامة الاُولى لا غير (٣) .

والروايات مختلفة ، فروى ابو بصير عن الصادق علیه السلام : « اذا أيقن الرجل انه ترك ركعة من الصلاة ، وقد سجد سجدتين وترك الركوع ، استأنف الصلاة » (٤) ومثله رواه عن الباقر علیه السلام (٥) ورواه رفاعة عن الصادق علیه السلام (٦) .

وروى محمد بن مسلم ، عن الباقر علیه السلام في رجل شك بعد ما سجد انه لم يركع : « فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وان كان لم يستيقن الّا بعد ما فرغ فليقم وليصل ركعة وسجدتين » (٧) . وحمل الشيخ هذا على الأخيرتين (٨) ولم نقف على موجب هذا الحمل الا ما يظهر من الرواية عن الرضا علیه السلام : الاعادة في الاوليين

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١٩ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ .

(٢) الجمل والعقود : ١٨٦ ( ضمن الرسائل العشر ) ، الاقتصاد : ٢٦٥ ، والنهاية : ٨٨ .

(٣) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ١٢٩ .

(٤) التهذيب ٢ : ١٤٨ ح ٥٨٠ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ح ١٣٤٣ .

(٥) التهذيب ٢ : ١٤٩ ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ح ١٣٤٦ .

(٦) الكافي ٣ : ٣٤٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ ح ٥٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٥٥ ح ١٣٤٥ .

(٧) الفقيه ١ : ٢٢٨ ح ١٠٠٦ : التهذيب ٢ : ١٤٩ ح ٥٨٥ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ح ١٣٤٨ .

(٨) التهذيب ٢ : ١٤٩ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ .

٤١
 &

والشك في الاخيرتين (١) ولكنه ليس بصريح في المطلوب .

واعلم انّ رواية محمد بن مسلم قضيتها التلفيق ولو بعد التسليم ؛ لدلالة الفراغ عليه ، اذ هو بترك الركوع كانّه قد ترك الركعة اذ السجدتان لا عبرة بهما ، فيكون قد بقي عليه ركعة فيأتي بها .

التاسعة : لو نسي سجدة أو التشهد حتى ركع من بعد ، قضاهما بعد التسليم وسجد للسهو ؛ لرواية علي بن أبي حمزة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : « اذا قمت في الركعتين ولم تتشهد وذكرت قبل ان تركع فاقعد فتشهد ، وان لم تذكر حتى ركعت فامض في صلاتك ، فاذا انصرفت سجدت سجدتي السهو لا ركوع فيهما ، ثم تشهد التشهد الذي فاتك » (٢) .

وروى محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد انسي التشهد حتى ينصرف ، فقال : « إن كان قريباً رجع الى مكانه فتشهد ، والّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهد » (٣) .

وقال ابنا بابويه والمفيد ـ في العزية ـ : يجزئ التشهد الذي في سجدتي السهو عن قضاء التشهد المنسي (٤) ؛ لظاهر رواية ابن ابي حمزة (٥) ، ولرواية الحسين ابن ابي العلاء عن الصادق علیه السلام (٦) ، وسليمان بن خالد عنه : ان عليه سجدتي السهو ولم يذكر قضاء التشهد (٧) . وعن ابي بصير قال : سألته

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٧٧ ح ٧٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٤ ح ١٣٨٦ .

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٧ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٣٠ .

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٧ ح ٦١٧ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٣٣ ، المقنع : ٣٣ ، وحكاه عن المفيد وعلى ابن بابويه العلامة في مختلف الشيعة : ١٣٧ .

(٥) تقدمت في الهامش ٢ .

(٦) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦١٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ح ١٣٧٣ .

(٧) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٦٢ ح ١٣٧٤ .

٤٢
 &

عن الرجل ينسىٰ ان يتشهد ، قال : « يسجد سجدتين يتشهد فيهما » (١) .

لنا : ان سجدتي السهو يجب فيهما التشهد على ما يأتي في رواية الحلبي عن أبي عبد الله علیه السلام (٢) ، والتشهد يجب قضاؤه على ما مرّ في رواية محمد بن مسلم (٣) ، والاصل عدم التداخل .

العاشرة : لا فرق بين التشهد الاول والأخير في التدارك بعد الصلاة ، عند الجماعة في ظاهر كلامهم ، سواء تخلّل الحدث بينه وبين الصلاة أوْ لا . وقال ابن ادريس : لو تخلّل الحدث بين الصلاة والتشهد الاول لم تبطل الصلاة ؛ لخروجه عنها بالتسليم . ولو تخلّل بينها وبين التشهد الثاني بطلت ؛ لان قضية السلام الصحيح ان يكون بعد التشهد ، فوقوعه قبله كلاسلام ، فيكون حدثه قد صادف الصلاة فتبطل (٤) .

وفي هذا الكلام إشكالان : أحدهما على قضية مذهبه ، والثاني على غيره .

أمّا الاول : فلان قضية مذهبه انّ الخروج من الصلاة بالفراغ من التشهد ؛ لان التسليم مستحب عنده ، فكيف يحكم بالخروج منها بالتسليم ؟! وحينئذ يمكن تعليل الفرق بذلك بان يقال : انما يخرج من الصلاة بكمال التشهد ، وفي صورة نسيانه أخيراً لم يتحقق التشهد فلا يتحقق الخروج ، فيكون قد أحدث قبل الخروج .

وأمّا الثاني : فلان التسليم على القول بوجوبه قد وقع مقصوداً به الخروج من الصلاة فيكون كافياً ، والتشهد ليس بركن حتى يكون نسيانه قادحاً في صحة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٨ ح ٦٢١ .

(٢) تأتي في ص ٩٥ الهامش ٢ .

(٣) تقدمت في ص ٤٢ الهامش ٣ .

(٤) السرائر : ٥٥ .

٤٣
 &

الصلاة .

وفي المختلف نازع في تخلّل الحدث اذا نسي التشهد الاول وحكم بابطاله الصلاة ، وحكم بان التسليم وقع في محله وان نسي التشهد الاخير فتكون الصلاة صحيحة (١) .

وقال الصدوق في الفقيه : إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة واحدثت ، فان كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك ، وان لم تكن قد قلت ذلك فقد مضت صلاتك ، فتوضأ ثم عد الى مجلسك وتشهد (٢) .

وعوّل على رواية عبيد بن زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير ، فقال : « تمت صلاته ، وانما التشهد سنّة في الصلاة ، فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكاناً نظيفا فيتشهد » (٣) .

وعن زرارة عن الباقر علیه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة قبل ان يتشهد ، قال : « ينصرف فيتوضأ ، فان شاء رجع الى المسجد ، وان شاء ففي بيته ، وان شاء حيث شاء ، قعد فيتشهد ويسلم . وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » (٤) .

وهذان الحديثان معتبرا الاسناد ، ولكن يعارضهما انّ الحدث وقع في الصلاة فيفسدها ، ورواية الحسن بن جهم قال : سألته عن رجل صلّى الظهر والعصر فاحدث حين جلس في الرابعة ، فقال : « إن كان قال : اشهد ان لا اله الله وان محمداً رسول الله ، فلا يعد . وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد » والظاهر انه رُوي عن الامام (٥) . وفيه دلالة على قول ابن ادريس وعلى ما عللناه

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١٣٨ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٣٣ ، المقنع : ٣٣ .

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٣٤٢ ح ١٢٩٠ .

(٤) الكافي ٣ : ٣٤٧ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٣١٨ ح ١٣٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٤٣ ح ١٢٩١ .

(٥) الاستبصار ١ : ٤٠١ ح ١٥٣١ . وفي التهذيب ٢ : ٣٥٤ ح ١٤٦٧ عن ابي الحسن علیه السلام ،

=

٤٤
 &

به ، الّا ان ظاهر كلام الاصحاب العمل بالبطلان .

الحادية عشرة : تتدارك الصلاة على النبي وآله صلّى الله عليهم اذا سها عنها المصلي كما يتدارك التشهد ، فان كان في محل تدارك التشهد ـ أعني قبل الركوع ـ عاد لها ولا يضرّ الفصل بينها وبين التشهد ، وان كان بعده قضاها بعد التسليم كما يقضي التشهد .

وانكر ابن ادريس شرعية قضائها (١) لعدم النص .

قلنا : التشهد يقضى بالنص فكذا ابعاضه ؛ تسوية بين الجزء والكل .

ولو كانت الصلاة في التشهد الاخير ، أمكن انسحاب كلام ابن ادريس بالبطلان إذا أتى بالحدث أو المنافي ؛ لعدم الخروج من الصلاة بدونها .

ووجوب قضاء الصلاة وحدها ، مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان .

الثانية عشرة : لو ترك السجدة الواحدة ناسياً ثم ذكرها قبل الركوع وجب العود كما يذكر ، وله أحوال خمسة :

الحالة الاُولى : ان يكون قد جلس عقيب السجدة الاُولى ، واطمأن بنيّة انّه الجلوس الواجب . فهذا يعود الى السجود ، ولا يحتاج الى الجلوس لانه قد أتى به ، فلو جلس لا بنيّة لم يضر ، ولو نوى استحبابه أو وجوبه فهو فعل خارج عن الصلاة لا يبطل الّا مع الكثرة .

وقال بعض العامة : لا يكفي الجلوس الاول بل يجب الجلوس هنا ، لينتقل عنه الى السجود ، كما لو خفّ المريض بعد القراءة قاعداً فانّه يجب عليه القيام ليركع عن قيام (٢) .

__________________

=

وفي ١ : ٢٠٥ ح ٥٩٦ فيه : ( سألته ـ يعني ابا الحسن علیه السلام ـ ) .

(١) السرائر : ٥٥ . وفي ص ٥١ اوجب القضاء .

(٢) راجع : المجموع ٤ : ١١٩ .

٤٥
 &

قلنا : الفرق واضح ؛ لانّ الركوع من قيام لا بدّ منه مع القدرة عليه ولا يتمّ الا بالقيام فيجب ، ولانّ ناسي السجدة قد أتى بجلسة الفصل ، بخلاف المريض فانه لم يأت بالقيام المعتبر للركوع .

الحالة الثانية : ان يكون قد جلس بنيّة الاستراحة ، بناء على انه توهّم انه سجد السجدتين معاً . ففيه احتمالان :

احدهما : انّه يكتفي به ؛ لانّ قضية نيّة الصلاة الترتيب بين الأفعال ، فنيّة الاستراحة لاغية ؛ اذ قضية نيّة الصلاة كونها للفصل بين السجدتين .

والثاني : انه يجلس ثم يسجد ؛ لانّه قصد بها الاستحباب فلا يجزئ عن الواجب ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله : « وانما لكل امرئ ما نوى » (١) .

وقد سبق مثل هذين الوجهين فيمن اغفل لمعة في الغسلة الاولى فغسلها في الثانية بقصد الندب (٢) .

والوجه الاجتزاء بالجلسة هنا ، لقولهم عليهم السلام « الصلاة على ما افتتحت عليه » (٣) . وقد سبق ذكره فيمن نوى الفريضة ثم اتمّها بنيّة النافلة سهواً (٤) وهو من باب مفهوم الموافقة .

الحالة الثالثة : ان لا يكون قد جلس أصلاً . وفيه وجهان :

أحدهما : ـ وهو الذي جزم به الشيخ في المبسوط (٥) ـ انه يخرّ ساجداً ولا يجلس ؛ لان القيام يقوم مقام الجلسة بين السجدتين ؛ إذ الغرض الفصل

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، مسند احمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٩٠٧ ، سنن ابي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧ ، السنن الكبرى ٧ : ٣٤١ .

(٢) سبق في الطبع الحجري ص ٨٢ المسألة ١٢ .

(٣) التهذيب ٢ : ١٩٧ ح ٧٧٦ و ٣٤٣ ح ١٤١٩ .

(٤) سبق في ٣ : ٢٥٢ .

(٥) المبسوط ١ : ١٢٠ .

٤٦
 &

بينهما وقد حصل بالقيام .

والثاني : ـ وهو مختار الفاضل (١) ـ وجوب الجلوس ؛ لانه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه ، والفصل بين السجدتين يجب ان يكون بهيئة الجلوس لا بهيئة القيام وغيره . وهذا هو الأقوى .

ويتفرع عليه قضاء السجدة بعد التسليم . ووجوب الجلوس هنا بعيد لفوات الغرض به ؛ لانه هناك لتقع السجدتان على الوجه المشروع من الجلوس بينهما . ووجه وجوبه انه واجب في نفسه لا للفصل . وعلى قول الشيخ لا إشكال .

الحالة الرابعة : ان يكون قد جلس ولكن لم يطمئن . ولم أرَ لهم في هذه كلاماً ، وقضية الاصل وجوب الجلوس والطمأنينة كما لو لم يجلس ، فان الطمأنينة واجبة في الجلوس ولم تحصل ، ولا يتصور وجوب طمأنينة مستقلة فوجب الجلوس لتحصيلها ، ولا فرق بين ان تكون تلك الجلسة الخالية عن الطمأنينة جلسة الفصل أو جلسة الاستراحة .

الحالة الخامسة : ان يشك هل جلس أم لا ؟ وفيه عندي احتمالان :

أحدهما : ـ وهو الأقوى ـ انه يجلس ؛ لاصالة عدم فعله مع امكانه كالباقي في محله .

والثاني : انه لا يجلس ؛ لانه شك بعد الانتقال ، كما لو شك في أصل السجود بعد القيام فانّه لا يلتفت على الأقوى ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . والفرق بينهما : انّ هذا يجب عليه العود الى حالة القعود وهو اذ ذاك شاك فهو في محله حقيقة .

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١٣٧ .

٤٧
 &

فرعان :

احدهما : جلس فتجدّد عنده شك ، هل فعل السجدة الاولى أوْ لا ؟ فالظاهر الاتيان بها لعين ما قلناه .

الثاني : إذا رجع لتدارك السجدة أو السجدتين وكان قد تشهد ، وجب عليه إعادة التشهد ولا يكون ما فعله أولاً صحيحاً ؛ لوجوب رعاية الترتيب بين أفعال الصلاة ؛ لان النبي صلّى الله عليه وآله كان يرتّب دائماً وقد قال : « صلوا كما رأيتموني اُصلي » (١) والنسيان عذر في انتفاء الاثم لا في الاعتداد في المأتي به . وهنا يخرّ ساجداً على الاقوى ، للاكتفاء بالجلوس للتشهد عن جلسة الفصل .

وكذا إذا قام يجب عليه تدارك ما يلزمه من قراءة أو تسبيح ؛ لمثل ما قلناه .

ويتفرع عليه ما لو نسي السجدة الاخيرة وذكر بعد التشهد ، فانه يأتي بها ثم به على الاقوى .

ولو ذكر بعد التسليم ، فعلى القول بوجوبه الأقرب الاجتزاء بقضاء السجدة ؛ للحكم بخروجه من الصلاة وصدق الامتثال في التشهد المقتضي للاجزاء ؛ مع احتمال وجوب قضائه ضعيفاً تحصيلاً للترتيب ، ويلزم منه وجوب قضاء التشهد الاول لو نسي سجدته ولم يقولوا به .

وعلى القول بندب التسليم ، فان ذكر قبل الاتيان بالمنافي فوجوب استدارك التشهد قوي ؛ لانه في حكم المصلي بعد . ويحتمل عدمه ؛ للحكم بخروجه من الصلاة واتيانه بالمنافي ، اعني : التسليم . وان أتى بالمنافي غير التسليم ، وقلنا بعدم تأثيره في الصلاة ، قضى السجدة لا غير ، والّا أعاد الصلاة

__________________

(١) مسند احمد ٥ : ٥٣ ، سنن الدارمي ١ : ٢٨٦ ، صحيح البخاري ١ : ١٦٢ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٨٥ ح ١٦٥٦ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٣ ، السنن الكبرى ٣ : ١٢٠ .

٤٨
 &

من رأس .

تنبيه :

لا يكون القيام مانعاً من الرجوع ، ولا الشروع في القراءة مانعاً من الرجوع ايضاً الى السجدة أو السجدتين عندنا . اما الركوع فمانع اجماعاً منا في السجدة الواحدة ، ولا يجب غير قضاء السجدة الواحدة بعد الصلاة . ولو كانتا اثنتين فقد تقدم الخلاف في التلفيق ، وعلى القول به يلغو الركوع ويجعل السجدتين الآن للركعة السابقة .

الثالثة عشرة : لا تقضى السجدة الا بعد التسليم ، قاله المرتضى (١) والشيخان (٢) والمعظم (٣) .

وقال الشيخ ابو الحسن علي بن بابويه في رسالته : وان نسيت سجدة من الركعة الاُولى فذكرتها في الثانية من قبل أن تركع فارسل نفسك واسجدها ، ثم قم الى الثانية وابتدئ القراءة ، فان ذكرت بعد ما ركعت فاقضها في الركعة الثالثة . وان نسيت سجدة من الركعة الثانية وذكرتها في الثالثة قبل الركوع فارسل نفسك واسجدها ، فان ذكرتها بعد الركوع فاقضها في الركعة الرابعة . فان كانت سجدة من الركعة الثالثة وذكرتها في الرابعة فارسل نفسك واسجدها ما لم تركع ، فان ذكرتها بعد الركوع فامض في صلاتك واسجدها بعد التسليم (٤) .

وقال المفيد ـ رحمه الله ـ في العزية : اذا ذكر بعد الركوع فليسجد ثلاث سجدات واحدة منها قضاء (٥) .

__________________

(١) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٦ .

(٢) المقنعة : ٢٤ ، المبسوط ١ : ١٢٠ ، الخلاف ١ : ٤٥٤ المسألة : ١٩٨ .

(٣) راجع : الوسيلة : ١٠٠ ، المعتبر ٢ : ٣٨٣ ، مختلف الشيعة : ١٣١ .

(٤) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ١٣١ .

(٥) حكاه عنهما العلامة في مختلف الشيعة : ١٣١ .

٤٩
 &

وكأنهما عوّلا على خبر لم يصل الينا .

وفي صحيح ابن أبي يعفور عن الصادق علیه السلام : « اذا نسي الرجل سجدة فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلّم » (١) . وحمله في المختلف على الذكر قبل الركوع (٢) ولك ان تحمله على الاطلاق ولا يكون فيه دلالة على قول هذين الشيخين ؛ لانّ المشهور بين القدماء استحباب التسليم ، فيكون هذا قضاء بعد الفراغ من الصلاة .

والمعتمد المشهور ؛ لانّ في ذلك تغييراً لهيئة الصلاة ، وحكماً بما لم يُعلم موجبه .

الرابعة عشرة : حكم أبو الحسن بن بابويه بانّ ناسي التشهد أو التسليم ، ثم يذكر بعد مفارقة مصلّاه ، يستقبل القبلة ويأتي بهما قائماً كان أو قاعداً .

وقال بعض الاصحاب : تبطل الصلاة بنسيان التسليم إذا أتى بالمنافي قبله (٣) .

والحكمان ضعيفان :

أمّا الاول : فقد تقدم ما في نسيان التشهد ، وقضاؤه قائماً مشكل لوجوب الجلوس فيه .

وأمّا الثاني : فلان التسليم ليس بركن ، فكيف تبطل الصلاة بفعل المنافي ؟ !

فان قال : هذا مناف في الصلاة ؛ لانا نتكلم على تقدير انّ التسليم واجب .

قلنا : هذا انما يتم بمقدمة اُخرى ، وهي : انّ الخروج لا يتحقق الّا به ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٦ ح ٦٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٦٠ ح ١٣٦٦ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٣١ .

(٣) الناصريات : ٢٣١ المسألة ٨٢ .

٥٠
 &

ولا يلزم من وجوبه انحصار الخروج الشرعي من الصلاة فيه ، وقد سبق ذلك في بابه .

الخامسة عشرة : قد بيّنا ان زيادة الركن مبطلة وان كان سهوا ، ويغتفر ذلك سهواً في مواضع :

منها : في صورة الائتمام اذا سبق المأموم ثم عاد الى المتابعة ، كما يأتي إن شاء الله .

ومنها : لو زاد قياماً سهواً اذا جعلنا صورة القيام كيف اتفق ركناً .

ومنها : لو تبيّن المحتاط ان صلاته كانت ناقصة وان الاحتياط مكمل لها ، فانها مجزئة على الصحيح ، سواء كان ذكره بعد فراغ الاحتياط أو في اثنائه على الأقوى ، وقد وقعت هنا تكبيرة منوي بها الاحرام زائدة . وكذلك لو نقص من صلاته ثم ذكر وقد شرع في اُخرى ، ولما يأت بينهما بالمنافي ، فان المروي العدول الى الاُولى وان وقعت تكبيرة الاحرام (١) .

ومنها : لو استدرك الركوع لشكه فيه في محله ثم ذكر قبل رفع رأسه ، على ما ذكره الشيخ (٢) والمرتضى (٣) وجماعة منهم : أبو الصلاح (٤) وابن ادريس (٥) . وهو قوي ؛ لانّ ذلك وان كان بصورة الركوع ومنوياً به الركوع الّا انّه في الحقيقة ليس بركوع ؛ لتبيّن خلافه ، والهوي الى السجود مشتمل عليه وهو واجب فيتأدّى الهوي الى السجود به ، فلا تتحقق الزيادة حينئذ ، بخلاف ما لو ذكر بعد رفع رأسه من الركوع ، فان الزيادة حينئذ محققة ؛ لافتقاره إلى هوي الى السجود .

__________________

(١) الاحتجاج : ٤٨٨ .

(٢) المبسوط ١ : ١٢٢ .

(٣) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٦ .

(٤) الكافي في الفقه : ١١٨ .

(٥) السرائر : ٥٣ .

٥١
 &

فان قلت : قال عليه الصلاة السلام : « وانما لكل امرئ ما نوى » (١) وهذا قد نوى الركوع فكيف يصرف الى غيره ؟ ولان الطمأنينة فيه امر وراء الهوي فتشخص بها الركوع ، فتتحقق الزيادة حينئذ فيدخل تحت رواية منصور بن حازم وعبيد بن زرارة عن الصادق علیه السلام : « لا يعيد الصلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة » (٢) .

قلت : نيّة المصلي ابتداء اقتضت كون هذا الهوي للسجود ، وهي مستدامة والمستدام بحكم المبتدأ فيعارض النيّة الطارئة ، فيرجّح الاُولى عليها لسبقها ، ولكون النيّة الثانية في حكم السهو . ولهذا اجمعنا على انّه لو اوقع افعالاً بنيّة ركعة معينة من الصلاة فتبيّن انه في غيرها صحت صلاته ، مع ان الترتيب بين الافعال واجب . وقد سلف انّه لو دخل في صلاة بنيّة الفرض ، ثم عزبت عنه الى النفل سهواً واتمّها بنيّة النفل ، كانت صحيحة (٣) .

واما الطمأنينة فليست بركناً فلا تضر زيادتها .

واما الحديث فظاهره الركعة بتمامها . سلمنا انّه أراد به الركوع ، ولكن في صورة تحقّق زيادته وهي هنا غير محققة .

وقال الفاضلان : يعيد الصلاة (٤) .

واطلق ابن ابي عقيل انّه اذا استيقن بعد ركوعه الزيادة يعيد الصلاة (٥) .

ولقائل أن يقول : جميع ما عددتم من الصور نمنع تسميتها أركاناً .

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٦ ح ٥١٩ ، مسند احمد ١ : ٢٥ ، صحيح البخاري ١ : ٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٥١٥ ح ١٩٠٧ ، سنن ابي داود ٢ : ٢٦٢ ح ٢٢٠١ ، الجامع الصحيح ٤ : ١٠٧٩ ح ٢١٤٧ ، السنن الكبرى ٧ : ٣٤١ .

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٦ ح ٦١٠ ، ٦١١ .

(٣) تقدم في ٣ : ٢٥٢ .

(٤) المعتبر ٢ : ٣٩٠ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٣٦ ، مختلف الشيعة : ١٢٩ .

(٥) حكاه عنه المحقق في المعتبر ٢ : ٣٩٠ ، والعلامة في مختلف الشيعة : ١٢٩ .

٥٢
 &

فنقول : هي بصور الاركان ، وقد وقع النزاع في بعضها للتعليل بركنيتها ، اي انّ القائل ببطلان الصلاة علّل بالركنية .

٥٣
 &

المطلب الثالث : في الشك .

وفيه مسائل :

الْاُولى : لو غلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه بنى عليه ؛ لانّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الاحوال فاكتفي بالظن ؛ تحصيلاً لليسر ، ودفعاً للحرج والعسر .

وروى العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله : « اذا شك أحدكم في الصلاة ، فلينظر أحرى ذلك الى الصواب ، فليبن عليه » (١) .

وعن الصادق علیه السلام ـ بعدّة طرق ـ : « اذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه ، وان وقع وهمك على الأربع فسلم وانصرف » (٢) .

ولا فرق بين الشك في الافعال والاعداد ، ولا بين الاوليين والاخيرتين في ذلك .

ويظهر من كلام ابن ادريس انّ غلبة الظن تعتبر فيما عدا الاوليين ، وان الاوليين تبطل الصلاة بالشك فيهما وان غلب الظن (٣) . فان أراده فهو بعيد ، وخلاف فتوى الاصحاب ، وتخصيص لعموم الأدلة .

الثانية : لا حكم للشك مع الكثرة ؛ دفعاً للحرج ولصحيح محمد بن مسلم عن الباقر علیه السلام ، قال : « اذا كثر عليك السهو ، فامض على صلاتك ، فانه يوشك ان يدعك (٤) الشيطان » (٥) وفي معناه رواية زرارة وأبي

__________________

(١) تقدم صدره في ص ٣٣ الهامش ٨ .

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٣ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ١٨٤ ح ٧٣٣ عن عبد الرحمن بن سيابة وابي العباس ، وفيهما « رأيك » بدل « وهمك » في كلا الموضعين .

وسيأتي في ص ٧٦ الهامش ١ .

(٣) السرائر : ٥٣ .

(٤) في المصادر زيادة : « انما هو من » .

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٢٤ ح ٩٨٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ ح ١٤٢٤ .

٥٤
 &

بصير (١) وعبيدالله الحلبي (٢) .

واختلف العبارة في حدّ الكثرة ، ففي رواية محمد بن ابي حمزة عن الصادق علیه السلام : « ان كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو » (٣) . وظاهره تكراره ثلاثاً ، والعرف قاض بذلك مع توالي الشك .

وفي حسنة ابن البختري ـ وستأتي ـ : « ليس علىٰ الاعادة اعادة » (٤) . وهذا يظهره منه ان السهو يكثر بالثانية ، الّا ان يقال : يخص بموضع وجوب الاعادة .

وقال الشيخ في المبسوط : قيل : حدّه ان يسهو ثلاث مرات متوالية (٥) . وبه قال ابن حمزة (٦) .

وقال ابن ادريس : حدّه ان يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات ، فيسقط بعد ذلك حكمه . أو يسهو في أكثر الخمس ، أعني : ثلاث صلوات من الخمس (٧) .

والاول حسن ، ويفهم منه معنيان :

احدهما : ما مرّ .

والثاني : انه كلما صلّى ثلاث صلوات يقع فيها شك ، بحيث لا تسلم له ثلاث صلوات خالية عن شك ، وهو ظاهر اللفظ ؛ لانه أتى بـ « كل » الدالة على العموم . وحينئذ لا تكون فيه دلالة على نهاية الكثرة بل مرجعها ايضاً الى

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٨٨ ح ٧٤٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٤ ح ١٤٢٢ .

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٥ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٤ ح ٩٩٠ .

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٨ .

(٥) المبسوط ١ : ١٢٢ .

(٦) الوسيلة : ١٠٢ .

(٧) السرائر : ٥٢ .

٥٥
 &

العرف ؛ لامتناع العمل بظاهره والّا لم يتحقق الحكم بالكثرة ؛ لانّ الصلوات المتعاقبة داخلة في حيز « كل » الىٰ انقضاء تكليف المصلّي .

ثم قوله : « فهو ممن يكثر عليه » يحتمل ان يكون الحكم معلقاً بالثالثة على التفسير الاول ؛ لانّ « هو » ضمير الساهي في الثلاث فيدخل في الحكم . ويحتمل ان يعلق بالرابعة ؛ لدلالة ( الفاء ) على التعقيب ، وحينئذ يبني في الرابعة على فعل المشكوك فيه وان كان في محله .

ولو شك في عدد بنى على الاكثر ولا احتياط عليه ، وهذا معنى : ( المضي على الصلاة ) . ولو شك في لحوق مبطل لم يلتفت .

والظاهر انه تسقط عنه سجدتا السهو فيما لو كان الشك موجباً لهما ، كالشك بين الاربع والخمس .

فروع :

الأول : لو حصلت الثلاث غير متوالية لم يعتد بها . نعم ، لو تكرر ذلك أياماً فالظاهر الاعتداد ؛ لصدق الكثرة عرفاً كما قلناه .

الثاني : لو أتى بعد الحكم بالكثرة بما شك فيه ، فالظاهر بطلان صلاته ؛ لانّه في حكم الزيادة في الصلاة متعمداً الّا ان نقول هذا رخصة ؛ لقول الباقر علیه السلام : « فامض على صلاتك ، فانه يوشك ان يدعك الشيطان » (١) وان الرخصة هنا غير واجبة .

ولو تذكر بعد الشك أتى بما يلزمه . فلو كان قد فعل ذلك ، ففي الاجتزاء به وجهان ، اقربهما ذلك إن سوغنا فعله والّا فالأقرب الابطال ؛ للزيادة المنهي عنها . ويحتمل قوياً الصحة ؛ لظهور انها من الصلاة .

الثالث : لو حكم بالكثرة ثم زال شكّه غالباً ، ثم عرض من بعد ، أتى بما

__________________

(١) تقدم في ص ٥٤ الهامش ٥ .

٥٦
 &

يجب فيه من الاحكام حتى يعود الى الكثرة فيعود العفو ، وهكذا . وهل يكتفى في زواله بتوالي ثلاث بغير شك ؟ يحتمل ذلك ؛ تسوية بين الذكر والشك .

الرابع : لو كثر شكّه في فعل بعينه بنى على فعله . فلو شك في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضاً ؛ لصدق الكثرة .

الخامس : لو كثر السهو عن ركن فلا بدّ من الاعادة ، وكذا عن واجب يستدرك ـ اما في محله أو غير محله ـ لوجوب الاتيان بالمأمور به ، وما دام لم يأت به فهو غير خارج عن عهدة الأمر .

وهل تؤثر الكثرة في سقوط سجدتي السهو ؟ لم أقف للاصحاب فيه على نص وان كان ظاهر كلامهم يشمله ؛ لانّ عبارتهم : لا حكم للسهو مع كثرته ، وكذا الاخبار تتضمن ذلك الا انّ المراد به ظاهراً الشك ؛ لامتناع حمله على عموم اقسام السهو . والاقرب سقوط السجدتين ؛ دفعاً للحرج .

ولو كثرت زيادته سهواً لبعض الافعال ، فان كانت غير ركن ففي سقوط سجدتي السهو الوجهان . وان كان المزيد ركناً احتمل اغتفاره ؛ دفعاً للحرج ، ولانّ الركن قد بيّنا اغتفار زيادته في بعض المواضع .

الثالثة : لا حكم لشك الامام مع حفظ المأموم ولا بالعكس ؛ لوجوب رجوع الشاك الى المتيقن .

ولا حكم لسهو المأموم الموجب لسجدتي السهو في حال الانفراد ، بمعنى : انه لو فعل المأموم موجب سجدتي السهو ـ كالتكلم ناسياً ، أو نسيان السجدة ، أو التشهد ـ لم تجبا عليه وان وجب قضاء السجدة والتشهد . وكذا لو نسي ذكر الركوع أو السجود ، أو الطمأنينة فيهما ، لم يسجد لهما وان أوجبنا السجود للنقيصة . وذلك كله ظاهر قول الشيخ في الخلاف والمبسوط (١) واختاره

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٦٣ المسألة : ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، المبسوط ١ : ١٢٣ .

٥٧
 &

المرتضى ونقله عن جميع الفقهاء الا مكحولا (١) .

ورواه العامة عن عمر عن النبي صلّى الله عليه وآله : « انّه ليس عليك خلف الامام سهو ، الامام كافية ، وان سها الامام فعليه وعلى من خلفه » (٢) وهذا الحديث رواه الدارقطني وفي طريقه ضعف عند المحدّثين ، ولانّ معاوية بن الحكم تكلم خلف النبي صلّى الله عليه وآله فلم يأمره بالسجود (٣) .

وروينا في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله علیه السلام ، قال : « ليس على الامام سهو ، ولا على من خلف الامام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الاعادة اعادة » (٤) .

وقال الفاضل ـ رحمه الله ـ لو انفرد المأموم بموجب السهو ، وجب عليه السجدتان كالمنفرد (٥) لقول احدهما عليهما السلام : « ليس على الامام ضمان » (٦) .

قلنا : الخاص مقدم ، ويعارض بما رواه عيسى الهاشمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي علیه السلام ، انه قال : « الامام ضامن » (٧) .

وقد يحتج بما رواه في التهذيب عن منهال القصاب ، قال : قلت لابي عبد الله علیه السلام : أسهو في الصلاة وانا خلف الامام ، قال : فقال : « اسجد سجدتين ولا تهب » (٨) ويمكن حملها على الاستحباب .

__________________

(١) حكاه عنه المحقق في المعتبر ٢ : ٣٩٤ ، وراجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٤١ .

(٢) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ ، السنن الكبرى ٢ : ٣٥٢ .

(٣) هو الحديث المتقدم في ص ١٢ الهامش ٦ .

(٤) الكافي ٣ : ٣٥٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٣٤٤ ح ١٤٢٨ .

(٥) مختلف الشيعة : ١٤٤ ، منتهى المطلب ١ : ٤١٢ .

(٦) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٦٤ ح ١٢٠٧ ، التهذيب ٢ : ٢٦٩ ح ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤٠ ح ١٦٩٥ .

(٧) التهذيب ٢ : ٢٨٢ ح ١١٢١ .

(٨) التهذيب ٢ : ٣٥٣ ح ١٤٦٤ .

٥٨
 &

الرابعة : لو وجب على الامام سجدتا السهو ، فالذي اختاره الشيخ انه يجب على المأموم متابعته وان لم يعرض له السبب (١) لما مر ، ولقول النبي صلّى الله عليه وآله : « انما جعل الامام إماماً ليؤتم به » (٢) .

وقوّى الفاضلان انه لا يجب على المأموم متابعته ؛ لان صلاة المأموم لا تبنى على صلاة الامام (٣) ولهذا لو تبيّن حدثه أو فسقه أو كفره لم يقدح في صحة صلاة المأموم .

فروع على قول الشيخ ـ رحمه الله ـ في القاعدتين :

الاول : لو رأى المأموم الامام يسجد للسهو ، وجب عليه السجود وان لم يعلم عروض السبب ، حملاً على انّ الظاهر منه انّه يؤدي ما وجب عليه ، ولعدم شرعية التطوّع بسجدتي السهو .

الثاني : لو عرض للامام السبب فلم يسجد اما تعمّداً أو نسياناً ، وجب على المأموم فعله ، قاله الشيخ ؛ لارتباط صلاته به فيجبرها وان لم يجبر الامام (٤) .

وربما قيل : يبني هذا على انّ سجود المأموم هل هو لسهو الامام ونقص صلاته ، أو لوجوب المتابعة ؟ فعلى الاول يسجد وان لم يسجد الامام ، وعلى الثاني لا يسجد الا لسجوده (٥)

الثالث : لو سها المأموم بعد تسليم الامام لم يتحمله الامام ، وكذا لو سها

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٢٤ .

(٢) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٤٦١ ح ٤٠٨٢ ، مسند احمد ٢ : ٣١٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٤١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٦ ، سنن ابي داود ١ : ١٦٤ ح ٦٠٣ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، مسند ابي يعلى ١٠ : ٣١٥ ح ٥٩٠٩ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٧١ ح ٢١٠٤ ، ولم ترد في الجميع كلمة « إماماً » .

(٣) المعتبر ٢ : ٣٩٥ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٣٧ .

(٤) الخلاف ١ : ٤٦٤ المسألة : ٢٠٧ ، المبسوط ١ : ١٢٤ .

(٥) راجع المجموع ٤ : ١٤٣ المغنىٰ ١ : ٧٣٢ ، الشرح الكبير ١ : ٧٣١ .

٥٩
 &

منفرداً ثم عدل الى الائتمام إن جوّزناه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وكذا لو نوى الانفراد ثم سها .

الرابع : لو ظن المأموم سلام الامام فسلّم ثم ظهر عدم تسليمه ، فالظاهر انّ المأموم يعيد التسليم ، ولا سجود عليه لتحمّل الامام .

الخامس : انما يتحمّل الامام ويحمل اذا كانت صلاته صحيحة ، فلو تبيّن عدم طهارته لم يتحمل ولم يحمل ، ولو تبيّن فسقه فكذلك عندنا .

السادس : لو سجد الامام لما لا يراه المأموم موجباً للسجدتين ، وكان مجتهداً أو مقلداً لمن هو أعلم من الإِمام ، فالظاهر ان عليه السجدتين ؛ لظاهر الخبر (١) . اما لو ظن الامام موجب السجدتين ـ كزيادة سجدة ، أو قيام في موضع قعود ـ والمأموم يعلم انه لم يعرض له ذلك ، فانّه لا يجب على المأموم هنا السجود .

السابع : لو عرض للامام السبب ثم زال عن الامامة ، اما عمداً أو بعارض من حدث أو جنون أو غيرهما ، ففي وجوب السجود على المأموم وجهان : ان عللناه بسهو الامام وجب ، وان عللناه بمتابعته فلا . ويجي‌ء على قول الشيخ وجوب سجوده على الاطلاق .

ولو سها المأموم ثم عرض للامام قاطع للصلاة ، ففي سجود المأموم عندي نظر ، من حيث صدق الامامة حينئذ فيتحقق الحمل ، ومن عدم حقيقة الائتمام في جميع الصلاة ، والاول أقرب .

الثامن : لو اختلف اعتقاد الامام والمأموم في موضع السجدتين ، فوجب على الامام سجود فسجد قبل السلام ، لم يسجد المأموم الا بعد التسليم اذا خالفه في اعتقاده .

ولو رأى المأموم السجود قبل السلام والامام بعده ، وجب على المأموم

__________________

(١) تقدم في ص ٥٩ الهامش ٢ .

٦٠