ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-103-6
الصفحات: ٤٧١

١
٢

٣

٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخير بريّته محمّد المصطفى ، وعلى آله الغرّ الميامين.

تعاقبت على المتن الفقهي الشيعي مراحل عدّة وأدوار مختلفة ساهمت مساهمة فاعلة في بلورة طابعه الذي تميّز به ، وخصائصه التي تفرّد بها ، حتى اتّخذ أبعاده وموازينه القائمة حاليا.

ولقد كان للكفاح الفكري الدؤوب والجهود العلمية الهائلة التي بذلها أعلام الطائفة وأساطينها الأفذاذ ، الدور المشهود في تثبيت وتطوير واستقلالية الفقه الشيعي.

ولبعض هؤلاء الفطاحل الأمجاد اللمسات البارزة والدور الأكبر فيما تحقّق له من تكاملية وحيوية ، نخصّ منهم :

شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي ( م ٤٦٠ ).

المحقق الحلّي ، جعفر بن الحسن ( م ٦٧٦ ).

العلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف بن المطهّر ( م ٧٢٦ ).

الشهيد الأول ، محمّد بن مكّي العاملي ( م ٧٨٦ ).

٥

الوحيد البهبهاني ، محمّد باقر ( م ١٢٠٥ ).

الشيخ مرتضى الأنصاري ( م ١٢٨١ ).

وجماعة من أهل الفن والاختصاص حصروا هذه المراحل كلها في مرحلتين :

١ ـ مرحلة المتقدّمين.

٢ ـ مرحلة المتأخّرين.

والمراد من « المتقدّمين » في المتون الفقهيّة المصنّفة في القرن السادس والسابع : فقهاء عصر الأئمّة (ع). و « المتأخرين » : ما جاوز منهم فترة حضور الإمام (ع) ، أي سنة ٢٦٠ فما بعد.

وقد يطلق مصطلح « المتقدّمين » على شيخ الطائفة ومن تقدّمه ، و « المتأخّرين » على من بعده.

والمعروف من المتون الفقهية عموما أنّ المحقّق الحلّي ـ ولربما العلاّمة ـ هو الحدّ الفاصل وحلقة الوصل بين « المتقدّمين » و « المتأخّرين ».

وقد أضيف مصطلح آخر في المتون الفقهية المدوّنة في القرن الثالث عشر بعنوان : « متأخّري المتأخّرين » ، حيث يكون المراد من « متأخّريهم » من هم بعد زمن صاحب المدارك.

ولعلّ هذا التقسيم الثنائي يفتقد الدقّة في الضبط والتثبّت ، فهو في الحقيقة أشبه بمصادرة أو غفلة عن كثير من الخطوات العظيمة والابتكارات العملاقة والاقتراحات البنّاءة والآراء السديدة التي صنعت للمتن الفقهي الشيعي كيانا علميا وفكريا مستقلاّ.

نعم ، يمكن إيفاء المطلب حقّه إن قلنا : إنّ أدوار ومراحل الفقه الشيعي ـ على ضوء المحاسبات العلمية والتاريخية وما يقترن بهما من لوازم وعوامل مختلفة ـ تنشطر إلى ثمان :

١ ـ مرحلة عصر الأئمّة (ع).

٢ ـ مرحلة أهل الحديث.

٣ ـ مرحلة تفوّق الفقهاء وانحسار مدّ المحدّثين.

٦

٤ ـ مرحلة الشيخ الطوسي.

٥ ـ مرحلة الشهيد الأول.

٦ ـ مرحلة المحقّق الكركي.

٧ ـ مرحلة الوحيد البهبهاني.

٨ ـ مرحلة الشيخ الأنصاري.

ولا يخفى أنّ تفصيل وبيان كل مرحلة بحدّ ذاتها وما تمتاز به من خصائص ومواصفات ، يستدعي بسط البحث واستطالته ، مع أنّنا نروم التمحور ـ بعض الشي‌ء ـ حول مرحلة الشهيد قدس‌سره ، لما لذلك من صلة وارتباط بما نحن فيه ، مسلّطين الضوء بشكل خاطف على جوانب من ملامحها واطرها ، اللذين يمكن استخلاصهما من خلال استعراضنا لمختلف الظروف التي عايشها رضوان الله تعالى عليه ـ أخذا وعطاء ـ منذ النشأة وحتى الشهادة.

لذا فنحن نستلّ من تلك المراحل الثمان مرحلة الشهيد قدس‌سره ، فنخوض غمارها بنوع من التوسّع الذي يناسب المقام ، فنقول :

استطاع الفقه الشيعي في المرحلة الثالثة أن يشكّل بناء خاصا ويشيّد برنامجا مستقلاّ عن دور ومرحلة الحديث.

والملاحظ على المتون الفقهية التي صنّفت في تلك الفترة اتّصافها بالحالة الفقهية التقليدية التي كانت سائدة حينذاك ، تلك الحالة التي استلهم منها شيخ الطائفة تشييد أسلوبه ومنهجيته في صياغة كتابه « النهاية » ، إلاّ أنّه قدس‌سره وبتدوينه « المبسوط » و « الخلاف » قد خلق نوعا من التغيير والتحوّل في محتوى ومضمون المتن الفقهي الشيعي ، حيث سلك فيهما مسلك الأسلوب السنّي الحاكم آن ذاك ، فلا نجازف إن قلنا : إن هيكلية هذا الفقه قد اضطربت بذلك ، وأضحت خليطا من نظامين متفاوتين.

ولعلّ هذا كان منشأ التوهم القائل بنسبة الشيخ رحمه‌الله إلى مذهب الشافعية.

ولقد توغّل هذا المنهج في عمق الواقع الثقافي والفكري الشيعي حتى ترك لمساته‌

٧

البارزة على شتّى المصنّفات والتأليفات المنجزة حينذاك.

ويتلخّص هذا الأسلوب بـ : أنّه يستعرض أقوال ونظريات واستدلالات فقهاء العامّة أولا ثم يطرح أقوال ونظريات واستدلالات فقهاء الشيعة.

ولعلّ الفاضل الآبي قدس‌سره كان أول من انتفض على هذا الأسلوب وتلك المنهجية ، فصنّف كتابه « كشف الرموز » ممتنعا فيه عن ذكر أقوال ونظريات واستدلالات فقهاء العامّة.

وشدّ أزره وتابعه على ذلك من تلامذة العلاّمة الحلّي : ولده فخر المحقّقين في كتابه « إيضاح الفوائد » ، حيث استعاض عن نقل آراء وأدلّة فقهاء العامة بنقل آراء وأدلة فقهاء الشيعة.

ومع كلّ ذلك ، لا يمكن لنا أن ننكر النضوج والترقي اللذين أصابا الفقه الشيعي أبان مرحلة الشيخ الطوسي قدس‌سره ، فلا زالت آثاره المباركة إلى يومنا هذا مهوى أفئدة الطائفة بفقهائها ومفكّريها وأساتذتها وتلامذتها ، فهو المفخرة التي ساهمت في منح المذهب عزّة وكبرياء ومرتبة ورفعة. ولعلّ تفريعات « المبسوط » خير مصداق وأرفع مثل يحتذي به فيما نحن فيه.

كما لا يمكن تناسي دور العلاّمة الحلّي وكل من سبقه ومن تلاه في تدعيم وتثبيت أركان المؤسسة الفقهية الشيعية ، فلا زالت تفريعاته ـ لا سيّما في قسم المعاملات ، والمستفادة من النمط السنّي ـ مورد عناية وتوجّه أهل الفن والاختصاص ، والتي طبّقها على المتن الشيعي بشكل رائع من حيث الأساس والقواعد والأصول والمباني.

وشهيدنا الأول ، شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي ، وبفضل نبوغه الذاتي ومؤهّلاته الفريدة ، استطاع أن ينقّح الأصول والقواعد الأساسية للفقه الشيعي ، مجسّدا ذلك على متونه بشكل عملي قلّ نظيره ، وبخطواته الهائلة ـ التي حقّقها بجهوده العملاقة ـ تمكّن من أن يحدث فيه انقلابا وتحوّلا مصيريا ، مانحا إيّاه شخصيته الحقيقية وهويته المستقلّة.

٨

إنّ طرح الشهيد للتفريعات التحقيقية والفقهية القيّمة ذات الطابع الابتكاري الحديث ، وبسطه الفقه الشيعي وفتحه آفاقا جديدة له ، أكسبه حلّة بهيّة وذوقا رفيعا ومكانة شامخة ، تجلّت بأنصع الصور وأروعها ، فغدت « الألفية » و « النفلية » و « القواعد والفوائد » و « الدروس » و « الذكرى » و « غاية المراد » و « اللمعة الدمشقية » وغيرها ، من مصادر الفقه الشيعي ومراجعة المهمّة ، التي تعكس بكلّ وضوح هيبة مدرسة أهل بيت العصمة والطهارة بأرقى خصائصها ومميّزاتها.

وللمكانة التي نالها دور الشهيد وفكره الوقّاد ، فقد سار على دربه وتبع نهجه فقهاء الطائفة وأساطينها ، وذلك زهاء ما يقارب القرن والنصف ، وهم وإن طرحوا في آثارهم ومؤلفاتهم بعض المباني الجديدة والآراء المبتكرة ، إلاّ أنّ السمة البارزة عليها بيان أفكاره وشرح نظرياته وآرائه.

ومن أبرز هؤلاء الفقهاء :

ابن الخازن الحائري ، زين الدين علي بن الحسن ( م أوائل القرن التاسع ).

ابن المتوّج البحراني ، أحمد بن عبد الله ( م ٨٢٠ ) صاحب النهاية في تفسير الخمسمائة آية.

الفاضل المقداد ، المقداد بن عبد الله السّيوري الحلّي ( م ٨٢٦ ) صاحب التنقيح الرائع وكنز العرفان.

ابن فهد ، أحمد بن محمّد بن فهد الأسدي الحلّي ( م ٨٤١ ) صاحب المهذّب البارع والموجز الحاوي والمقتصد وغيرها.

شمس الدين محمّد بن شجاع القطّان الحلّي ( م النصف الأول من القرن التاسع ) صاحب معالم الدين في فقه آل ياسين.

المفلح بن الحسن الصيمري ( م بعد سنة ٨٨٧ ) صاحب كشف الالتباس وغاية المرام وغيرهما.

ابن هلال ، علي بن محمّد بن هلال الجزائري ( م بعد سنة ٩٠٩ ).

٩

إبراهيم بن سليمان القطيفي ( م بعد سنة ٩٤٥ ) صاحب إيضاح النافع.

الشهيد الثاني ، زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي ( م ٩٦٥ ) صاحب الروضة البهية وروض الجنان ومسالك الافهام وغيرها.

إنّ انتساب مرحلة من مراحل تطور متن الفقه الشيعي إلى الشهيد قدس‌سره يعدّ بلا ريب أغلى وسام ناله جرّاء كفاحه المرير ، ذلك الكفاح الذي ما ترك معه بابا من أبواب العلم والمعرفة إلاّ وطرقه وارتوى من نميره بما يكفيه ويسدّ حاجته ، فكانت سيرة عطرة وحياة مباركة غذّت شرايين الفكر والثقافة بأبهى الآراء وأجمل المقترحات وملأت سوح الفضيلة جلالة وفخرا ، متوّجا إيّاها بدماء زاكيات سالت على ثرى المبدأ والعقيدة الحقّة ، بعد أن أباحت هدرها فئة ضالّة قادها الحقد الدفين والتعصّب الأعمى إلى ارتكاب تلك الجريمة النكراء ، التي لا زال جبين الإنسانية يندى لها خجلا وحياء ، ولا عجب من ذلك ، فإنّ له في السبط الشهيد (ع) أسوة حسنة ونموذجا رائعا.

غاية المراد وتمام المقصود : أنّ الشهيد بما خلّفه من مخزون علمي خالد وتراث فكري فذّ ، شاد معهما أرسى القواعد وأمتن المباني وأعمق النظريات ، إنّما كان حصيلة إحاطته الفائقة بالعقليات والنقليات ، فجمع شتّى العلوم وألوان الفنون ، حتى غدى بحدّ ذاته مرحلة من مراحل الفقه الشيعي الثمان ، رفدت متونه بأغنى المفاهيم وأرقى الابتكارات.

هذا هو المدّعى ، أمّا إثباته فلنا أن نقول : إنّ إثبات كلّ مدّعى يحتاج ـ كما لا يخفى ـ الى المئونة الدليلية اللازمة مع القرائن المقبولة والشواهد المناسبة وصيغ الطرح الملاءمة وسائر اللوازم الأخرى ، التي تصونه من النقض والردّ وتقوّي فيه جانب الإبرام والثبوت ، فكم من المدّعيات التي ألغيت أو أسقطت لافتقادها لما يمكن أن تكادح به المنافيات وتقاوم معه المعارضات.

ولعلّ كلّ زاوية من زوايا سيرة الشهيد العلمية والفكرية لها اللياقة في تحقّق المدّعى وإثباته ، فالأدلّة على ذلك متزاحمة ، مضافا إلى ما يدعمها من مؤيّدات وقرائن‌

١٠

وشواهد ، ولتيسير الطريق فإنّنا نستعرض حياته بشكل سريع ، بما فيها : نشأته ، ورحلاته ، وأساتذته ، وتلامذته ، وما قيل فيه ، وآثاره ، وجملة من آرائه ومقترحاته وابتكاراته وملامح مدرسته وخصائصها ، ثم شهادته رضوان الله تعالى عليه. حينذاك سيتجلّى ثبوت المدّعى بكل وضوح وشموخ.

ولد قدس‌سره في جزّين إحدى قرى جبل عامل من جنوب لبنان ، سنة ٧٣٤ ه‍ ، جبل عامل ذلك المكان الذي تخرّج منه خمس علماء الشيعة ، مع أنّه لا يساوي عشر عشر بلاد الشيعة مساحة ، فكانت حركة العلم ومجالس الفكر والمعرفة مزدهرة آن ذاك ، فأطلّ الشهيد على الحياة الثقافية من أوسع منافذها ، حتى جالس منذ نعومة أظفاره ـ وبدافع من والده العالم الفاضل الشيخ مكّي جمال الدين ـ علماءها ، وخالط فقهاءها ، وارتاد ندواتها العلمية ، وشارك في حلقات الدرس ، التي كانت تعقد في المساجد والمدارس والبيوت ، وكثيرا ما كان يساهم في المناقشات التي كانت تدور بين الأساتذة والطلاّب أو الطلاّب أنفسهم ، فمنذ البدء تعوّد أن يبني لنفسه آراء مختصّة به في مختلف مسائل الفقه والأدب وغيرهما ، حتى أصبح ـ مع صغره ـ يشار له بالفضل والعلم ويتوقّع له مستقبل زاهر ومشرق.

شدّ الرحال ـ وهو في أوائل ربيعة السابع عشر ، أي في حدود سنة ٧٦١ ـ إلى حيث يمكنه تلقّي العلوم والمعارف ، فارتاد الحلّة وكربلاء المشرّفة وبغداد ومكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة والشام والقدس ، وتركّز استقراره في الحلّة التي كانت آن ذاك عامرة بأساطين الفقه وعلماء المعرفة ، حتى أضحت قطبا حيويّا ومدرسة رائدة من مدارس الفقه الشيعي ، وفي ظلّ هذا الازدهار وتلك الحيوية روّى الشهيد ضمأه من أصفى منابع العلم وأنقاها.

فتلمّذ على ولد العلاّمة فخر المحققين ( م ٧٧١ ) الذي كان من أجلّ مشايخه وأعظم أساتذته وأكثرهم دراسة عليه ، فأولاه من العناية ما لم يولها لغيره ، لما رأى فيه من النبوغ المبكر والمواصفات الفريدة ، حتى قال فيه : « استفدت منه أكثر ممّا استفاد منّي ».

١١

وقرأ على الفقيهين الكبيرين الأخوين : عميد الدين ، السيّد عبد المطّلب بن السيّد مجد الدين بن الفوارس ( م ٧٥٤ ) ، وضياء الدين السيّد عبد الله ، ابني شقيقة العلاّمة ، قدّس الله أرواحهم الزكية.

وتلمّذ أيضا على تاج الدين ، السيّد أبو عبد الله محمّد بن القاسم المعروف بـ : « ابن معيّة » ، الذي كان من كبار علماء الحلّة حينذاك.

وفي دمشق ، قرأ على قطب الدين ، محمّد بن محمّد الرازي البويهي ( م ٧٦٦ ) ، الكلامي الكبير ، والفيلسوف النحرير ، صاحب شرح المطالع والشمسية وغيرهما.

أمّا أساتذته ومشايخه من العامّة فهم كثيرون ، منهم : القاضي برهان الدين إبراهيم بن جماعة ، قاضي القضاة عزّ الدين عبد العزيز بن جماعة ، جمال الدين ـ أبو أحمد ـ عبد الصمد بن الخليل البغدادي ، محمّد بن يوسف القرشي الكرماني الشافعي المعروف بـ « شمس الأئمّة » ، ملك النحاة شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن الحسن الحنفي النحوي ، شرف الدين محمّد بن بكتاش التستري البغدادي الشافعي ، ملك القرّاء والحفّاظ شمس الدين محمّد بن عبد الله البغدادي الحنبلي ، فخر الدين محمّد بن الأعزّ الحنفي ، شمس الدين أبو عبد الرحمن محمّد بن عبد الرحمن المالكي.

قال قدس‌سره في إجازته لابن الخازن : وأمّا مصنّفات العامّة ومرويّاتهم فإنّي أروي عن نحو من أربعين شيخا من علمائهم بمكّة والمدينة ودار السلام بغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام إبراهيم الخليل عليه‌السلام (١).

وشرف التلمّذ عليه والرواية عنه فهما لكثير ، نخصّ بالذكر منهم : الفاضل المقداد السّيوري ، ابن نجدة الكركي ، ابن الخازن الحائري ، ابن الضحّاك الشامي ، الشقراوي الحنّاط ، الكرواتي ، عزّ الدين العاملي ، ابن هلال الكركي ، ابن زهرة الحسيني الحلبي ، عزّ‌

__________________

(١) نقول : إنّ هذا لدليل جلي من دلائل عدّة ، وشاهد بارز من شواهد كثيرة ، على سموّ فكر علماء الشيعة ونقاء سريرتهم وعدم إبائهم من تلقّي شتّى العلوم والمعارف عن طريق علماء سائر المذاهب ، مجرّدين أذهانهم بذلك عن كلّ حقد وتعصّب. بل لم يمنعهم علوّ مرتبتهم وجلالة مقامهم ـ باعتراف أكابر هذه المذاهب وفضلائها ـ من القيام بذلك.

١٢

الدين الحلّي ، بنته العالمة أم حسن ، فاطمة ، الملقّبة بـ : « ستّ المشايخ ».

ولو تأمّلنا في مدّة عمره الشريف ـ القصيرة نسبيّا ـ ورحلاته الى تلك البلاد وتلك ، وما خلّفه من تصانيف رائعة في شتى العلوم والفنون ، وإنظاره الدقيقة ، ومقترحاته العميقة ، يعلم أنّه من الذين اختارهم الله تعالى لتكميل عباده وعمارة بلاده ، وكلّ ما قيل أو يقال في حقّه فهو دون مقامه ومرتبته.

وإليك بعض الخصائص التي ميّزته رضوان الله تعالى عليه :

ـ أول من هذّب متن الفقه الشيعي من أقاويل المخالفين.

ـ من فقهاء الشيعة الخمسة الذين أحاطوا بأقوال العامّة والخاصّة ، أولهم زمانا : المحقق الحلّي ، ثم العلاّمة الحلّي ، ثم ولده فخر المحقّقين ، ثم الشهيد الأول ، ثم الشهيد الثاني.

ـ رجحان كفّته في كثير من الموازنات التي كان يعقدها كبار علمائنا بينه وبين فطاحل الطائفة وعظمائها.

ـ أفقه الفقهاء باعتقاد جماعة من الفقهاء والأساتيذ.

ـ تأليفه كتابه الشهير « اللمعة الدمشقية » في سبعة أيّام فقط.

ـ تمكّنه من أن يضيف إلى مدرسة العلاّمة ـ في الفقه والكلام ـ ومنهجيتها أشياء ، ويطوّرها ، ويحدّد المفاهيم ، بما لم يستطع عليه أساتذته وشيوخه.

ـ أول من بادر الى تشكيل وتأسيس نظام خاصّ بجباية الخمس ، وتوزيع العلماء في المناطق المختلفة ، وشبكة الوكلاء القائمة حاليا هي ثمرة جهوده المباركة.

ـ إنّه عصارة ورمز مرحلة من مراحل تطور الفقه الشيعي بأكملها ، حتى سميّت باسمه ، وهذا مقام لم ينله إلاّ نوادر عظماء الطائفة وأساطينها.

قيل الكثير في نعته والإطراء عليه ، وأثنى عليه أعاظم الفريقين ، نختار بعضا منه هنا‌ :

١٣

ـ مولانا الإمام العلاّمة الأعظم ، أفضل علماء العالم ، سيد فضلاء بني آدم ..

( أستاذه فخر المحققين )

ـ مولانا الشيخ الإمام ، العالم الفاضل ، شمس الملّة والحقّ والدين ..

( أستاذه ابن معيّة )

ـ شيخ الشيعة والمجتهد في مذهبهم .. وإمام في الفقه والنحو والقراءة ، صحبني مدّة مديدة فلم أسمع منه ما يخالف السنّة ..

( شمس الدين الجزري )

ـ المولى الأعظم الأعلم ، إمام الأئمّة ، صاحب الفضلين ، مجمع المناقب والكمالات الفاخرة ، جامع علوم الدنيا والآخرة ..

( أستاذه شمس الأئمّة الكرماني القرشي الشافعي )

ـ الشيخ الإمام العلاّمة ، الفقيه البارع الورع ، الفاضل الناسك الزاهد ..

( أستاذه عبد الصمد بن الخليل البغدادي شيخ دار الحديث ببغداد )

ـ الشيخ الفقيه ، وإمام المذهب ، خاتمة الكلّ ، مقتدى الطائفة المحقّة ، ورئيس الفرقة الناجية .. الشهيد المظلوم ..

( تلميذه ابن الخازن الحائري )

ـ ملك العلماء ، علم الفقهاء ، قدوة المحقّقين والمدقّقين ، أفضل المتقدّمين والمتأخّرين .. الرئيس الفائق بتحقيقاته على جميع المتقدمين ، مهذّب المذهب ..

( المحقّق الكركي )

ـ خاتمة المجتهدين ، محيي ما درس من سنن المرسلين ، البدل ، النحرير ، المدقّق ، الجامع بين منقبة العلم والسعادة ومرتبة العمل والشهادة ..

( الشهيد الثاني )

ـ الشيخ الإمام الأعظم ، محيي ما درس من سنن المرسلين ، محقّق حقائق الأولين والآخرين ..

١٤

( العلاّمة محمّد تقي المجلسي )

ـ شيخ الطائفة وعلاّمة وقته ، صاحب التدقيق والتحقيق ، من أجلاّء هذه الطائفة وثقاتها ، نقيّ الكلام ، جيّد التصانيف ..

( التفرشي صاحب نقد الرجال )

ـ كان عالما ماهرا ، فقيها ، محدّثا ، مدقّقا ، متبحّرا ، كاملا ، جامعا لفنون العقليات والنقليات ، زاهدا ، عابدا ، ورعا ، شاعرا ، أديبا ، منشئا ، فريد دهره ، عديم النظير في زمانه ..

( الحرّ العاملي )

ـ علاّمة العلماء العظام ، مفتي طوائف الإسلام .. مهذّب مسائل الدين الوثيق ..

العارج إلى أعلى مراتب العلماء والفقهاء المتبحّرين وأقصى منازل الشهداء السعداء المنتجبين ..

( المحقّق أسد الله التستري )

ـ أفقه جميع فقهاء الآفاق ، وأفضل من انعقد على كمال خبرته واستاديّته اتفاق أهل الوفاق ، وتوحّده في حدود الفقه وقواعد الأحكام مثل تفرّد شيخنا الصدوق في نقل أحاديث أهل البيت الكرام (ع) ، ومثل شيخنا المفيد وسيّدنا المرتضى في الأصول والكلام وإلزام أهل الجدل والألدّ من الخصام ..

( صاحب روضات الجنّات )

ـ تاج الشريعة وفخر الشيعة .. أفقه الفقهاء عند جماعة من الأساتيد ، جامع فنون الفضائل .. وقد أكمل الله تعالى عليه النعمة ..

( المحدّث النوري )

ـ كان رحمه‌الله بعد مولانا المحقّق على الإطلاق أفقه جميع فقهاء الآفاق ..

( صاحب الكنى والألقاب )

ـ كهف الشيعة وعلم الشريعة ، لم يزل فقهه مستقى علماء الإمامية في نظرياتهم ،

١٥

وكتبه مرجع فقهائهم ، وإنظاره العلمية مرتكز آرائهم .. فلا أطيل بتنسيق عقود الثناء فأكون كناقل التمر إلى هجر ..

( العلاّمة الأميني )

فليس من الهيّن حقّا أن يطري عليه قدس‌سره بكل هذا الإطراء وينعت بكل هذه النعوت الناصعة ، بل ما كان أن يكون ذلك لو لا همّته العالية وسعيه الهائل ومثابرته الدؤوبة وفضائله الروحية والأخلاقية ، حيث لم يأل جهدا ولم يضيّع فرصة من أجل الوصول الى هدفه المنشود ، فكان يقول في ذلك :

معدود من الخسران إن صرف الزمان في المباح وإن قلّ ، لأنّه ينقص من الثواب ويخفض من الدرجات ، وناهيك خسرانا بأن يتعجّل ما يفنى ، ويخسر زيادة نعيم سيبقى.

وقصّة تناظره مع ابن المتوّج البحراني معروفة ، فكان الشهيد قد غلبه مرّتين في ذلك وأفحمه ، فسأله ابن المتوّج عن السرّ فقال قدس‌سره : سهرنا وأضعتم.

أنّ الفترة التي عاشها رضوان الله تعالى عليه هي فترة توغّل وتعمّق فقه المحقّق والعلاّمة ، ومع ذلك فما نراه قد تأثّر بمدرسيتهما ، بل ابتعد عنهما إلى حدّ كبير ، وهذا ممّا هيّأ له الأرضية الخصبة لعرض ابتكاراته البنّاءة ومناهجه الجديدة على صعيد الاستدلال وتوسيع المسائل الفقهية ، بتبويب الفقه وتقسيمه على نحو لم يسبقه إليه غيره ، وقد تجلّى ذلك في مختلف مصنّفاته ، كاللمعة ، والقواعد والفوائد ، والذكرى ، والألفية والنفلية ، وغاية المراد ، والدروس ، وغيرها.

أمّا آثاره ومصنّفاته وتأليفاته قدس‌سره ، فسنستعرضها بنوع من التفصيل والتوسعة ، حيث هي المحور الأساسي من بحثنا هذا ، فمنها استنبط أغلب ما قيل فيه وفي منهجيته وأسلوبه ومقترحاته وبرامجه التي أعانت المتن الفقهي الشيعي على أن يقفز قفزته‌

١٦

المشهورة آن ذاك ، ومنها استطاع الشهيد أن يكوّن بفكره ومعارفه مرحلة من مراحل التطور والازدهار ، ومنها يتألّق دليلنا التامّ بكلّ شموخ ورقي كي يثبت المدّعى الآنف الذكر على غاية من القوّة والمتانة.

والحق أنّ آثار الشهيد كانت ولا زالت مراجع أساسية ومصادر مهمة من مصادر الدين والمذهب ، فلا يمكن الاستغناء عنها مطلقا ، لا سيّما وأنّها ـ إضافة الى كل ما أشرنا إليه ـ تتمتّع بسلاسة التعبير ورشاقة البيان والخلوّ من التعقيد والإبهام على نهج من الإيجاز والاختصار.

وننوّه الى أنّنا أثناء طرحنا لمؤلّفاته قدس‌سره سنشير الى قبسات من آرائه وابتكاراته ومقترحاته التي أتحف الفقه الشيعي بها ، وفتح من جرّائها منافذ وآفاقا جديدة لا زالت مورد المداولة والانتفاع.

١ ـ اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية :

مختصر لطيف وشريف ، ومؤلّف منيف ، مشتمل على أمّهات المسائل الشرعية ، جمع فيه أبواب الفقه ولخّص أحكامه.

ألّفه ـ كما قال ولده المبرور أبو طالب محمّد ـ بدمشق في سبعة أيام بالتماس من شمس الدين الآوي أحد أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك « سربداران » في خراسان ، الذي طلب من المصنّف رحمه‌الله التوجّه الى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطّف والتعظيم والحثّ على ذلك ، لكنّه أبى واعتذر إليه وصنّف له هذا الكتاب.

وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكّن أحد من نسخها منه لضنّته بها ، وإنّما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول ، تعظيما لها ، وسافر بها قبل المقابلة ، فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثم أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايرا للأصل بحسب اللفظ ، وذلك في سنة ٧٨٢ ه‍.

ونقل عن المصنّف رحمه‌الله أنّ مجلسه بدمشق ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور ، لخلطته بهم وصحبته لهم ، قال : فلمّا شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت‌

١٧

أخاف أن يدخل عليّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليّ أحد منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفيّ الألطاف.

وهذا ما يضعف قول الحرّ العاملي ومن تبعه في أنّه ألّفه في الحبس في السنّة الأخيرة من عمره الشريف حينما كان لم يحضره من كتب الفقه غير المختصر النافع.

مضافا إلى ذلك فإنّ الشهيد قد اعتقل لمدّة عام ثم استشهد ، بينما كان قد ذكر اللمعة في إجازته لابن الخازن عام ٧٨٤ ، أي حوالي سنتين قبل استشهاده. كما وأنّ الشهيد الثاني قد ذكر في مقدّمة الروضة البهية ما يدلّ على أنّه ـ أي الشهيد الأول ـ قد ألّف اللمعة قبل استشهاده بأربع سنوات تقريبا.

وعلى أيّة حال ، فهذا الكتاب من أشهر مصنّفات الشهيد ومتون الشيعة الفقهية ، وكتبت عليه العديد من الشروح والحواشي.

٢ ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية :

يشتمل على أغلب أبواب الفقه ، ويعدّ من أدقّ تأليفاته وأشهرها.

ابتكر فيه ترتيبا ونظما جديدين لم يسبقه فيهما أحد غيره ، حيث أضاف فيه عناوين جديدة للكتب ( الأبواب ) الفقهية ، مثل كتب : المزار ، الحسبة ، المحارب ، القسمة ، المشتركات ، الربا ، تزاحم الحقوق.

كما ونقل فيه آراء كثير من الفقهاء الذين لم تصلنا كتبهم ، كابن بابويه ، والعماني ، وابن الجنيد ، والجعفي ، وغيرهم.

لم ينقل فيه من آراء العامّة شيئا.

ولم يوفّق لإتمامه ، لاستشهاده.

خرج منه من الطهارة إلى الرهن.

٣ ـ البيان ، في الفقه :

مختصر يخلو من الاستدلال ، جمع فيه بين سهولة العبارة ومتانتها ، مشتمل على كثير من الأقوال.

١٨

خرج منه كتب : الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس.

استشهد قدس‌سره قبل إتمامه.

قال رضوان الله تعالى عليه في مقدّمته : أمّا بعد ، فإنّ الأدلّة العقلية والنقلية متطابقة على شرف العلوم ، ومن أهمّها معرفة شرع الحيّ القيّوم ، وهذا « البيان » كافل بالمهم منه والمحتوم على طريق العترة الطاهرة أولي الفهوم ، الذين نقلهم إسناد معصوم عن معصوم ، واستعنت على إتمامه بالله القادر العالم على كلّ مقدور ومعلوم.

٤ ـ غاية المراد في شرح الإرشاد ، في الفقه :

من آثار القيّمة ، حسن النظم ، دقيق في تقسيم المسائل ، وهو شرح « إرشاد الأذهان » للعلاّمة ، بل شرح للموارد الصعبة والمشكلة منه ، من أوله الى آخره .. فما قيل : إنّه إلى كتاب الأيمان ، لا وجه له.

ويمتاز بتكامل أبوابه على خلاف سائر مصنّفاته ، كالدروس والبيان وغيرهما.

بذل فيه غاية جهده للعناية بالمسائل الخلافية بين فقهاء الشيعة ، وخاض فيها خوضا عميقا ومسهبا.

ونقل فيه مطالب من الفقهاء وأساتذته ـ كفخر الدين وعميد الدين ـ كانوا قد ذكروها مشافهة ولم يوردوا في مصنّفاتهم.

وتتبّعه ومتابعته للنصوص تعدّ من خصائص هذا الكتاب.

حكى فيه مطالب كثيرة من كتب ورسائل قدماء الأصحاب التي لم تصل إلينا ولم ينقلها الآخرون في مصنّفاتهم ، وذلك لأنّه قد توفّرت لديه آثار ومؤلّفات القدماء والأولين أكثر ممّا توفّر عند المحقّق والعلاّمة.

ومن هذه الكتب والرسائل : الكامل والروضة والموجز لابن البرّاج ، البشرى لابن طاوس ، الفاخر للجعفي ، الواسطة لابن حمزة ، المنهج الأقصد لنجيب الدين ، المفيد في التكليف للبصروي ، غاية الأحكام للعلاّمة ، النيّات للراوندي ، النيّات للمصري ، الرافع والحاوي للجرجاني ، رسالة في المضايقة لورّام ، رسالة في المضايقة لأبي الحسن‌

١٩

الحلبي ، رسالة في قضاء الفوائت ليحيى بن سعيد ، رسالة في الإيراد على تعريف القواعد والطهارة للقاشي.

كما ونقل عن الكثير من كبار العلماء دون أن يسنده الى كتاب خاصّ منهم ، ومن هؤلاء العلماء : ابن الغضائري ، ابن جهيم ، الصهرشتي ، البزنطي ، ابن الفاخر ، الصوري ، الحمصي ، أبو صالح الحلبي ، الجعفي المعروف بالصابوني.

أشار فيه إلى بعض الأخطاء الواردة في أسناد روايات كتاب التهذيب وعدد من الكتب الفقهية.

ونستلّ من آرائه التي ضمّها هذا الكتاب عددا منها :

ـ التبعيض في حجّية الخبر ، أي لو سقطت حجّية قسم من الحديث ـ للمعارضة أو لسبب آخر ـ فإن باقي الحديث لا يسقط عن الحجّية.

ـ تطرّقه أحيانا إلى بعض رجال الحديث :

كقوله : وهذه في طريقها السكوني ، وهو عامّي .. وكفى بمذهبه جارحا.

وقوله : الطريق الى مسمع ضعيف جدّا.

وقوله : في الطريق أبان بن عثمان ، وفيه ضعف.

وقوله : وفي طريقها سهل بن زياد ، وضعّفه الشيخ في مواضع والنجاشي وابن الغضائري ..

وفي أصول الفقه ، فقد احتوى الكتاب على العديد من آرائه ، نذكر منها :

ـ العمدة فتوى مشاهير الأصحاب .. والأولى العمل بفتوى الأصحاب ، وهو الحجّة هنا ولا تعويل على الرواية ، ولهذه عمل بها من طرح أخبار الآحاد بالكلّية.

ـ المعتبر إفادة الظنّ الذي اعتبره الشارع.

ـ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة.

ـ التكليف يكفي فيه الظنّ الغالب.

ـ مفهوم الحصر حجّة.

٢٠