ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

تنبيه :

أكثر عبارة الاولين اعتبار أحد الأمرين : من الخفاء ، وعدم سماع الأذان (١) .

والمرتضىٰ اعتبر خفاءهما معاً في خروجه ، وفي دخوله يقصر حتىٰ يبلغ منزله (٢) .

واختاره الفاضل في الدخول والخروج (٣) . فعلىٰ هذا ادراك احدهما يجعله بحكم المقيم ، سواء كان خارجاً الىٰ السفر ، أو راجعاً منه .

والمفيد ـ رحمه‌الله ـ ظاهره اعتبار الأذان (٤) ، وبه صرّح سلار (٥) .

والصدوق ـ في المقنع ـ اعتبر خفاء الحيطان (٦) .

وابن إدريس نصّ علىٰ ان المعتبر بالأذان المتوسط دون الجدران (٧) .

وفي المبسوط ظاهره ان المعتبر الرؤية ، فان حصل حائل فالأذان (٨) .

والمعتمد خفاء ادراكهما فيهما ، عملاً بالروايتين الصحيحتين أولاً (٩) .

__________________

(١) راجع : الخلاف ١ : ١٢٨ المسألة ٦ ، المهذب ١ : ١٠٦ ، المعتبر ٢ : ٤٧٣ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٩ .

(٢) يوجد صدر المسألة في : جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضىٰ ، المجموعة الثالثة ) : ٤٧ ، ونقل ذيل المسألة عنه المحقق في المعتبر ٢ : ٤٧٤ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٨٩ .

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٩ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٧٢ .

(٤) المقنعة : ٥٥ .

(٥) المراسم : ٧٥ .

(٦) المقنع : ٣٧ .

(٧) السرائر : ٧٤ .

(٨) المبسوط ١ : ١٣٦ .

(٩) راجع ص ٣١٩ الهامش ٣ ، ٤ .

٣٢١
 &

فروع :

يكفي سماع الأذان من آخر البلد ، وكذا رؤية آخر جدرانه . اما لو اتسعت خطة البلد بحيث تخرج عن العادة ، اعتبرنا محلته وأذانها كما أوّلنا به الرواية .

ولا عبرة باعلام البلد كالمنائر والقلاع والقباب ، ولا بسماع الأذان المفرط في العلو ، كما لا عبرة بخفاء الأذان المفرط في الانخفاض .

والاقرب اجراء الصوت العالي مجرى الأذان ، والتمثيل بالأذان لانه أبلغ الاصوات .

ولو كانت القرية في علو مفرط أو وهدة اعتبر فيها الاستواء تقديراً ، وساكن الحلة ( يعتبر الاذان . وفي القرىٰ المفرطة في انخفاض البيوت يحتمل ذلك وتقدير رؤية الجدار ) (١) ، وكذا يحتمل رؤية الجدار في حلة البادية .

وتقارب القريتين لا يجعلهما بحكم الواحدة ، وان كثر اختلاطهما ودخول اهل كل منهما الاُخرىٰ من غير تغيير زي .

فحينئذ المسافر من احداهما في صوب الاُخرىٰ يعتبر جدار قرينة وأذانها .

ولو منع المسافر من تمام السفر ، فان كان قبل محل الترخّص أتمّ ، وان تجاوز محل الرخصة ورجا زوال المانع وجزم بالسفر قصّر .

ولو سافر في السفينة ، فردّته الريح الىٰ ان ادرك أحد الأمرين : من

__________________

(١) سقط من م ، اثبتناه من س .

٣٢٢
 &

الجدار والأذان ، أتمّ .

ولو عاد المسافر لحاجة قبل بلوغ المسافة أتمّ في طريقه ، لخروجه عن اسم المسافر . نعم ، لو كان غريباً فهو باق علىٰ القصر ، وإن كان قد نوىٰ المقام عشراً فيه ، أو مضىٰ عليه ثلاثون يوماً .

وها هنا اُمور اشترطها بعض العامة ، وليست شرطاً عندنا :

فمنها : الخوف (١) ، ولا يشترط مجامعته السفر ، لخبر يعلىٰ بن أُمية وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته » (٢) .

وقال ابن عباس : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سافر بين مكة والمدينة آمناً لا يخاف إلّا الله تعالىٰ ، فصلّىٰ ركعتين (٣) .

احتج داود بظاهر الآية (٤) .

قلنا : الحديث مبيّن للمراد منها .

ومنها : نيّة القصر (٥) . وليست شرطاً عندنا ، فلو دخل في صلاة ، وذهل عن نيّة القصر كانت صحيحة ، لأنّ المقتضي لتسويغ القصر الحكمة وهي لا تتغيّر بالنية .

ومنها : عدم الائتمام بالمقيم (٦) . وليس شرطاً ، فلو ائتم المقصّر بمقيم

__________________

(١) شرطه داود ، راجع : المحلىٰ ٤ : ٢٦٧ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٤ .

(٢) مسند احمد ١ : ٣٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٥٤ ، صحيح مسلم ١ : ٤٧٨ ح ٦٨٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٣٩ ح ١٠٦٥ ، سنن ابي داود ٣ : ٣ ح ١١٩٩ ، الجامع الصحيح ٥ : ٢٤٢ ح ٣٠٣٤ ، سنن النسائي ٣ : ١١٦ ، مسند ابي يعلىٰ ١ : ١٦٣ ح ١٨١ .

(٣) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٥١٦ ح ٤٢٧٠ ، الجامع الصحيح ٢ : ٤٣١ ح ٥٤٧ ، سنن النسائي ٣ : ١١٧ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٣٥ .

(٤) سورة النساء : ١٠١ .

(٥) شرطه جماعة راجع : المغني ٢ : ١٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ١٠٦ وروضة الطالبين ١ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٣ ، الحاوي الكبير ٢ : ٣٧٨ .

(٦) شرطه جماعة ، راجع المغني ٢ : ١٢٩ ، روضة الطالبين ١ : ٤٩٤ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٢ : ٣٨٠ .

٣٢٣
 &

لم يتمّ عندنا ، بل هو باق علىٰ قصره باجماعنا ، لاطلاق القرآن والاخبار .

احتجوا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « انما جعل الامام اماماً ليؤتم به » (١) .

قلنا : نمنع امامته في الزائد عن فرض المقصّر .

ومنها : انه لا يشترط كون السفر واجباً ، لعموم الأدلة (٢) وخلاف ابن مسعود مدفوع ، لانقراضه .

ولا يشترط كونه طاعة . واشتراط عطاء ذلك (٣) مردود ، واحتجاجه بان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقصّر إلّا في سبيل الخير مدفوع بان ذلك لا يمنع من التقصير في غيره .

__________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٤٦١ ح ٤٠٨٢ ، مسند احمد ٢ : ٣١٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٠٨ ح ٤١١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧٦ ح ٨٤٦ ، سنن ابي داود ١ : ١٦٤ ح ٦٠٣ ، سنن النسائي ٢ : ٨٣ ، مسند ابي يعلى ١٠ : ٣١٥ ح ٥٩٠٩ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٧١ ح ٢١٠٤ ، ولم ترد في الجميع كلمة « اماماً » .

(٢) قاله ابن مسعود ، راجع : المغني ٢ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٢ .

(٣) المغني ٢ : ١٠٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٩٢ .

٣٢٤
 &

المطلب الثالث : في الاحكام .

وفيه مسائل :

الاُولىٰ : لو أتمّ المقصّر عامداً بطلت صلاته ، لان القصر عزيمة . هذا مع العلم بان فرضه القصر . ولو كان جاهلاً بذلك ، فالمشهور انه لا اعادة عليه في الوقت ولا بعد خروجه :

اما مع بقائه فخالف فيه أبو الصلاح ـ رحمه‌الله ـ وابن الجنيد ، وقال ابن الجنيد : يستحب له الاعادة مع خروج الوقت (١) .

واما مع خروجه فلا نعلم فيه خلافاً ، إلّا ما يظهر من كلام ابن أبي عقيل حيث قال : من صلّى في السفر صلاة الحضر ، فصلاته باطلة وعليه الاعادة ، لان الزيادة في الفرض مبطلة (٢) .

لنا : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه‌السلام فيمن صلىٰ في السفر أربعاً : « ان كان قُرئت عليه آية التقصير ، وفسّرت له ، فصلّىٰ اربعاً أعاد . وان لم يكن قُرئت عليه ، ولم يعلمها ، فلا إعادة عليه » (٣) والنكرة في سياق النفي تعم ، فيدخل فيه بقاء الوقت وخروجه .

وسأل المرتضىٰ ـ رضي‌الله‌عنه ـ عن ذلك الرضي ـ رحمه‌الله ـ فقال : الاجماع علىٰ أنّ من صلّىٰ صلاة لا يعلم احكامها فهي غير مجزئة ، والجهل باعداد الركعات جهل باحكامها فلا تكون مجزئة .

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١١٦ ، وحكاه عن ابن الجنيد العلامة في مختلف الشيعة : ٦٦ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٦٤ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٧٨ ح ١٢٦٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ ح ٥٧١ .

٣٢٥
 &

فاجاب المرتضىٰ بجواز تغيّر الحكم الشرعي بسبب الجهل ، وان كان الجاهل غير معذور (١) .

الثانية : لو أتمّ الصلاة ناسياً ، ففيه ثلاثة أقوال :

اشهرها : انه يعيد ما دام في الوقت ، فان خرج فلا اعادة عليه (٢) . وصحيحة العيص بن القاسم عن الصادق علیه‌السلام تدل عليه ، حيث سأله عن مسافر أتمّ الصلاة ، قال : « ان كان في وقت فليعد ، وان كان الوقت قد مضىٰ فلا » (٣) فانه لا يجوز حملها على العامد العالم قطعاً ، ولا علىٰ الجاهل ، المعارضة الرواية الاُولىٰ ، فتعيّن حملها علىٰ الناسي .

القول الثاني : لابي جعفر الصدوق في المقنع : ان ذكر في يومه أعاد ، وان مضىٰ اليوم فلا اعادة (٤) . وهذا يوافق الاول في الظهرين ، واما العشاء الآخرة :

فان حملنا اليوم علىٰ بياض النهار فيكون حكم العشاء مهملاً .

وان حملناه علىٰ ذلك وعلىٰ الليلة المستقبلة اذ صلاة اليوم والليلة بمثابة اليوم الواحد ، وجعلنا آخر وقت العشاء طلوع الفجر كما سلف ، وافق القول الاول ايضاً وإلّا خالفه .

وان حملنا اليوم علىٰ بياض النهار وليلته الماضية ، فيكون جزما بان العشاء تقضىٰ اذا ذكر في بياض النهار ، وهذه مخالفة للقول الاول .

__________________

(١) راجع روض الجنان : ٣٩٨ .

(٢) قال به : الطوسي في النهاية : ١٢٣ المحقق في المعتبر ٢ : ٤٧٨ ، العلامة في مختلف الشيعة : ١٦٤ .

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٣٧٦ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ح ٣٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٦٠ .

(٤) المقنع : ٣٨ .

٣٢٦
 &

ومتمسكه صحيحة أبي بصير عن الصادق علیه‌السلام في الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات ، قال : « ان ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وان لم يذكر حتىٰ مضىٰ ذلك اليوم فلا إعادة » (١) .

والأولىٰ حمل كلامه والرواية علىٰ صلاتي النهار ، فانهما ظاهران فيه ، فيوافق الاول .

القول الثالث : الاعادة مطلقاً . وهو قول علي بن بابويه (٢) والشيخ في المبسوط وعلل فيه بان من قال من اصحابنا : ان كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة ، فظاهر ، ومن لم يقل يقول : قد زاد به فعليه الاعادة علىٰ كل حال (٣) .

ويتخرج هنا علىٰ القول : بان من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد بقدر التشهد تسلم له الصلاة ، صحة الصلاة هنا ، لان التشهد حائل بين ذلك وبين الزيادة .

فان قلت : فينبغي لو تعمّد الزيادة القول بذلك ، لتحقق الخروج من الصلاة بالتشهد ، فان هذا القول من روادف القول بندب التسليم .

قلت : إذا زاد متعمّداً لم تكن نيّة الخروج حاصلة بالتشهد ، ولا في حكم الحاصلة ، بل نيّة البقاء علىٰ الصلاة هي الحاصلة فتتحقق الزيادة في الصلاة ، وقد اسلفنا تحقيق الخروج من الصلاة في مسألة وجوب التسليم . والناسي وان لم تكن نيّة الخروج له حاصلة إلّا انها في حكم الحاصلة .

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ ح ١٢٧٥ ، التهذيب ٣ : ١٦٩ ح ٣٧٣ ، الاستبصار ١ : ٢٤١ ح ٨٦١ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٦٤ .

(٣) المبسوط ١ : ١٤٠ .

٣٢٧
 &

فرع :

لو قصّر المسافر غير الرباعية أعاد مطلقاً . وروىٰ اسحاق بن عمار في امرأة صلت في السفر المغرب ركعتين : « ليس عليها قضاء » (١) وهي متروكة شاذة .

الثالثة : لو صام المسافر الذي يجب عليه الفطر فرضاً عامداً عالماً وجبت الاعادة ، للنهي عن الصوم في الكتاب (٢) والسنة (٣) .

وان كان جاهلا بالقصر اجزأ ، للنص (٤) ورواية حماد عن الحلبي عن الصادق علیه‌السلام في الصائم في السفر : « ان كان بلغه انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهىٰ عن ذلك فعليه القضاء ، وان لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » (٥) وكذا في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عنه علیه‌السلام (٦) .

ولو كان ناسياً ، فالاشبه الاعادة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الله تصدق علىٰ مرضىٰ اُمتي ومسافريها بالافطار في شهر رمضان ، ايعجب احدكم ان لو تصدّق بصدقة أن ترد عليه ! » رواه الاصحاب عن الصادق علیه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٧) . وقال الصادق علیه‌السلام في هذه الرواية : « الصائم في شهر رمضان

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨٧ ح ١٣٠٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢٦ ح ٥٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٠ ح ٧٧٩ .

(٢) سورة البقرة : ١٨٤ ، ١٨٥ .

(٣) راجع : الكافي ٤ : ١٢٧ ح ٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ح ٦٣٠ .

(٤) لعله اشارة الىٰ ما في الكافي ٤ : ١٢٨ ح ٢ ، ٣ حيث هما نص صريح في ذلك .

(٥) الكافي ٤ : ١٢٨ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٩٣ ح ٤١٧ ، التهذيب ٤ : ٢٢٠ ح ٦٤٣ .

(٦) التهذيب ٤ : ٢٢١ ح ٦٤٦ .

(٧) الكافي ٤ : ١٢٧ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٩١ ح ٤٠٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ح ٦٣٠ .

٣٢٨
 &

في السفر كالمفطر فيه في الحضر » (١) . ولان فرضه الصوم في غير هذا الزمان فلا يجزىء عنه هذا الزمان .

وروىٰ ابن بابويه ـ في من لا يحضره الفقيه ـ عن محمد بن بزيع ، عن الرضا علیه‌السلام ، قال : سألته عن الصلاة (٢) بمكة والمدينة ، أتقصير أم تمام ؟ قال : « قصر ما لم يعزم علىٰ مقام عشرة أيام » (٣) وبه احتج علىٰ اعتبار نيّة الإقامة في إتمام الصلاة بالأماكن الأربعة (٤) .

الرابعة : لا فرق بين الصوم والصلاة في الشرائط والاحكام ، لما تقدم من قول الصادق علیه‌السلام : « هما واحد ، إذا قصرت افطرت ، وإذا افطرت قصرت » (٥) وقد سبق الخلاف في ذلك .

ويفترقان في الأماكن الأربعة ، فإنّ إتمام الصلاة جائز بل أفضل ، بخلاف الصوم فأنّي لم أقف فيه علىٰ نص ولا فتوىٰ ، وقضية الأصل بقاؤه علىٰ الفطر لمكان السفر ، وإن كان في بعض الروايات في الاماكن لفظ الاتمام فإنّ الظاهر أنّ المراد به الصلاة . والله اعلم .

الخامسة : قال الشيخ : فرض السفر لا يسمّىٰ قصراً ، لأنّ فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر (٦) . ويشكل بقوله تعالىٰ : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ) (٧) وبعض الأصحاب سمّاها بذلك . قيل : وهو نزاع

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٢٧ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٩١ ح ٤٠٣ ، التهذيب ٤ : ٢١٧ ح ٦٣٠ .

(٢) في النسخ : الصوم ، وهو سهو بيّن ، وتقدّم بلفظ الصلاة في ص ٨١٨ الهامش ٣ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٣ ح ١٢٨٥ ، عيون أخبار الرضا علیه‌السلام ٢ : ١٨ ، التهذيب ٥ : ٤٢٦ ح ١٤٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٣١ ح ١١٧٨ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٨٣ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧٠ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ح ٥٥١ .

(٦) المبسوط ١ : ١٣٦ ، الخلاف ١ : ١٢٨ المسألة ٤ .

(٧) سورة النساء : ١٠١ .

٣٢٩
 &

لفظي (١) .

السادسة : قال رحمه‌الله : إذا خرج حاجّاً إلىٰ مكة ، وبينه وبينها مسافة تقصر فيها الصلاة ، ونوىٰ أن يقيم بها عشراً ، قصّر في الطريق ، فإذا وصل إليها أتمّ . وإن خرج إلىٰ عرفة يريد قضاء نسكه ، لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلىٰ مكة كان له القصر ، لأنّه نقض . مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصّر في مثله . وإن كان يريد إذا قضىٰ نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتمّ بمنىٰ وعرفة ومكة ، حتىٰ يخرج من مكة مسافراً فيقصر (٢) .

وتبعه المتأخرون ، وإن عمّم بعضهم العبارة من غير تخصيص بمكة زادها الله شرفاً (٣) وظاهرهم اعتبار عشرة جديدة في موضعه الذي نوىٰ المقام فيه بعد خروجه إلىٰ ما دون المسافة (٤) وظاهرهم أن نيّة إقامة ما دون العشرة في رجوعه كـ : لانيّة .

السابعة : اجتزأ ابن الجنيد وحده في اتمام المسافر بنيّة مقام خمسة أيام (٥) .

وهو مروي ـ في الحسن ـ عن الصادق علیه‌السلام بطريق أبي أيوب وسؤال محمد بن مسلم (٦) ، وحمله الشيخ علىٰ الإقامة بأحد الحرمين ، أو علىٰ استحباب الاتمام (٧) . وفيهما نظر ، لأنّ الحرمين عنده لا يشترط فيهما خمسة ولا غيرها ، إن كان اقل من خمس فلا اتمام . وأمّا الاستحباب فالقصر عنده عزيمة ، فكيف قصّر رخصة هنا ؟ !

الثامنة : ذهب في النهاية إلىٰ أن من سافر فقطع أربعة فراسخ ، وصلّىٰ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٤ .

(٢) المبسوط ١ : ١٣٨ .

(٣) راجع : شرائع الاسلام ١ : ١٣٦ .

(٤) راجع : المهذب ١ : ١٠٩ ، مختلف الشيعة : ١٦٤ .

(٥) مختلف الشيعة : ١٦٤ .

(٦) الكافي ٣ : ٤٣٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢١٩ ح ٥٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٤٩ .

(٧) التهذيب ٣ : ٢٢٠ ، الاستبصار ١ : ١٣٨ .

٣٣٠
 &

قصراً ثم اقام ينتظر رفقة ، قصّر الىٰ ثلاثين يوماً . وان كان مسيرة أقل من أربعة فراسخ أتم حتىٰ يسير فيقصّر (١) .

وفي المبسوط : متىٰ خرج من البلد الىٰ موضع بالقرب من مسافة فرسخ أو فرسخين بنيّة ان ينتظر الرفقة هناك والمقام عشراً فصاعداً أتمّ . وان لم ينو عشراً واقام لانتظارهم قصّر الىٰ شهر .

وكلامه ظاهر في اعتبار خفاء الأذان أو الجدار لان الفرسخ مظنتهما .

وكلامه في النهاية يمكن بناؤه علىٰ أمرين :

احدهما : انّه غير جازم بحضور الرفقة وان سفره معلّق عليه .

والثاني : ان التقصير جائز في أربعة فراسخ كما هو مذهبه .

وقد قدّمنا القول في ذلك كله .

التاسعة : اعتبر ابن البراج في محل الترخص في البدوي أن يتجاوز موضعه ، وفي المقيم في الوادي ان يتجاوز عرضه ، وان سافر فيه طولاً فأنْ يغيب عن موضع منزله (٢) .

وكانّه في هذين الآخرين يعتبر سماع الأذان ورؤية الجدار ، وان قدرهما بما ذكره ، وفي البدوي لما لم يكن له دار انتفىٰ اعتبارهما ، والاقرب تقديرهما فيه ايضاً .

العاشرة : اعتبر ابن البراج ـ فيما يلوح من كلامه ـ في انقطاع سفر من مرّ علىٰ ضيعته أو اهله النزول ونيّة المقام عشراً (٣) .

وصرح أبو الصلاح باشتراط الوطن والنزول فيه ، فلو لم ينزله قصّر

__________________

(١) النهاية : ١٢٤ .

(٢) المهذب ١ : ١٠٦ .

(٣) المهذب ١ : ١٠٦ .

٣٣١
 &

الىٰ شهر عنده ما لم ينو المقام عشرة (١) .

وقد روىٰ اسماعيل بن الفضل ـ في الصحيح ـ انه سأل الصادق علیه‌السلام : « اذا نزلت قراك وضيعتك فأتمّ الصلاة » (٢) .

وفي موثقة عمار عنه علیه‌السلام في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دارٍ فينزل فيها ، فقال : « يتمّ الصلاة ولو لم يكن له إلّا نخلة واحدة » (٣) .

وروىٰ ابن بكير عن الصادق علیه‌السلام في الرجل له بالكوفة دار ومنزل فيمر بها مجتازاً لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين ، قال : « يقيم (٤) في جانب المصر ، ويقصّر » . قلت : فان دخل اهله ؟ قال : « عليه التمام » (٥) .

وفي المبسوط : اذا سافر فمرّ في طريقه بضيعة له ، أو علىٰ مال له ، أو كانت له اصهار أو زوجة ، فينزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصّر ، وقد رُوي انّ عليه التمام . وقد بيّنا الجمع بينهما ، وهو : انّ ما رُوي انه ان كان جاء منزله أو ضيعته مما قد استوطنه ستة أشهر فصاعداً تمّم ، وان لم يكن استوطن ذلك قصر (٦) ، واطلق .

فظاهره ان المرور كاف ، وتبعه المتأخرون (٧) وتشهد له صحيحة سعد

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١١٧ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٧ ح ١٣٠٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٠ ح ٥٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٢٨ ح ٨١٠ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢١١ ح ٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٩ ح ٨١٤ .

(٤) في النسخ : « يتم » .

(٥) قرب الاسناد : ٨٠ ، الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٢٠ ح ٥٥٠ .

(٦) المبسوط ١ : ١٣٦ ، وراجع : التهذيب ٣ : ٢١٢ .

(٧) راجع : الوسيلة : ١٠٩ ، المعتبر ٢ : ٤٦٩ ، شرائع الاسلام ١ : ١٣٣ ، مختلف الشيعة : ١٧٠ .

٣٣٢
 &

ابن أبي خلف ، قال : سأل علي بن يقطين أبا الحسن علیه‌السلام عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : « إن كان مما قد سكنه أتمّ فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر » (١) والمراد به السكنىٰ ستة أشهر لما سلف . وهو المعتمد .

الحادية عشرة : قال ابن الجنيد أيضاً : أنّ من لم ينزل بقريته يقصّر . وألحق بالملك منزل الزوجة والولد والوالد والاخ ، إن كان حكمه نافذاً فيه ولا يزعجونه منه لو أراد به المقام (٢) لموثقة الفضل البقباق عن الصادق علیه‌السلام في المسافر ينزل علىٰ بعض أهله يوماً وليلةً أو ثلاثاً ، قال : « ما أحب أن يقصّر الصلاة » (٣) .

وفي صحيح الفضل بن عبد الملك عن الصادق علیه‌السلام في المسافر ينزل علىٰ بعض أهله يوماً أو ليلة ، قال : « يقصّر الصلاة » (٤) .

فجمع بينهما بحمل الأولىٰ علىٰ نيّة المقام عشراً (٥) .

الثانية عشرة : قال بعض الاصحاب : لو قصّر المسافر اتفاقاً أعاد قصراً (٦) . وفيه تفسيرات :

احدها : أن يكون غير عالم بوجوب القصر ، فإنّه صلّىٰ صلاة يعتقد فسادها فيجب اعادتها قصراً . وهذا ذكره في المبسوط (٧) .

الثاني : أن يعلم وجوب القصر ، ولكن جهل بلوغ المسافة فقصّر فاتفق بلوغ المسافة ، فإنّه يعيد لأنّه صلّىٰ قصراً مع أنّ فرضه التمام ، فيكون

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١٢ ح ٥١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٠ ح ٨١٩ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٧٠ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٣ ح ٦٠٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٢ ح ٨٢٥ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٥ ، الاستبصار ١ : ٢٣١ ح ٨٢٤ .

(٥) مختلف الشيعة : ١٧٠ .

(٦) راجع : شرائع الاسلام ١ : ١٣٥ ، قواعد الاحكام : ٥١ .

(٧) المبسوط ١ : ١٣٩ .

٣٣٣
 &

منهياً عنه فيعيد في الوقت قصراً .

اما اذا خرج الوقت ، فيحتمل قوياً القضاء تماماً ، لانه قد كان فرضه التمام فليقضها كما فاتته . ويحتمل القضاء قصراً ، لانه مسافر في الحقيقة ، وانما منعه من القصر جهل المسافة وقد علمها .

وهذا مطرد فيما لو ترك المسافر الصلاة أو نسيها ، ولم يكن عالماً بالمسافة ثم تبيّن المسافة بعد خروج الوقت ، فان في قضائها قصراً أو تماماً الوجهين .

التفسير الثالث : ان يعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ، ولكن نوىٰ الصلاة تماماً نسياناً ، ثم سلّم علىٰ ركعتين ناسياً ثم ذكر ، فانه يعيد لمخالفته ما يجب عليه من ترك نيّة التمام ، وتكون الاعادة قصراً سواء كان الوقت باقياً أم لا ، لان فرضه القصر ظاهراً وباطناً .

ويحتمل قوياً هنا اجزاء الصلاة ، لان نيّة التمام لغو ، والناسي غير مخاطب ، والتسليم وقع في محله .

الثالثة عشرة : لو صلّىٰ المسافر قصراً ، ثم تبيّن انه في موضع سماع الأذان أو رؤية الجدار ، لم يجز لان فرضه التمام ، فان كان لم يأت بالمنافي أتمّها واجزأت علىٰ الاقرب ، لان نيّة جملة الصلاة كافية .

ولو نوىٰ المقام عشرة فقصّر ناسياً فكذلك .

ولو قصّر جاهلاً ، فالاقرب انه كالناسي . وقال الشيخ نجيب الدين بن سعيد ـ في الجامع للشرائع ـ : لا اعادة عليه (١) . ولعلّه لانّه بنىٰ علىٰ استصحاب القصر الواجب ، وخفاء هذه المسألة علىٰ العامة ، ولما رواه

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٩٣ .

٣٣٤
 &

منصور بن حازم عن الصادق علیه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « اذا اتيت بلدة فازمعت المقام عشرة أيام فأتمّ الصلاة ، فان تركه رجل جاهل فليس عليه اعادة » (١) .

وربما حمل الضمير في « تركه » علىٰ القصر للمسافر وان لم يجرِ له ذكر في الرواية ، لانه قد علم انّ الجاهل معذور في التمام .

الرابعة عشرة : تستحب صلاة النوافل المقصورة في الاماكن الاربعة ، لانه من باب اتمام الصلاة المنصوص عليه . ونقله (٢) الشيخ نجيب الدين محمد بن نما ـ رحمه‌الله ـ عن شيخه ابن إدريس .

ولا فرق بين ان يتمّ الفرضية أوْ لا ، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجاً عنها والنافلة فيها ، أو يصليهما معاً فيها .

الخامسة عشرة : يستحب ان يقول المسافر عقيب كل صلاة مقصورة : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا والله اكبر ، ثلاثين مرة ، جبراً لما نقص منها . وروىٰ ذلك سليمان بن حفص المروزي عن العسكري علیه‌السلام بلفظ ( الوجوب ) (٣) والمراد به تأكّد الاستحباب . وتوقّف الفاضل في عموم استحباب هذا العدد غير المقصورة (٤) والرواية عن العسكري مصرّحة بالمقصورة ، وصرّح به أيضاً ابن بابويه (٥) .

السادسة عشرة : يجوز الجمع بين الصلاتين المشتركتين في الوقت للحاضر والمسافر عندنا ، لما مر .

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٢ .

(٢) في م ، س : ونقل .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٠ ح ٥٩٤ .

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٧ ، تحرير الاحكام : ٥٧ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٩ ، المقنع : ٣٨ .

٣٣٥
 &

وهل يستحب للمسافر الجمع ؟ الظاهر ذلك ، لما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفعله ، منه رواية الحلبي عن الصادق علیه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان في سفر ، أو عجلت به حاجة ، يجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة » (١) .

قال : وقال الصادق علیه‌السلام : « لا بأس أن تعجل العشاء الآخرة في السفر قبل أن يغيب الشفق » (٢) .

وفيه اشارة إلىٰ أن تأخيرها أفضل ، ولكن روىٰ منصور عنه عليه علیه‌السلام وسأله عن صلاة المغرب والعشاء بجمع ، قال : « بأذان واقامتين لا تصل بينهما شيئاً ، هكذا صلّىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣) فعلىٰ هذا لا تصلي بينهما نافلة .

ولا فرق بين ان يجمع بينهما في وقت فضيلة الاُولىٰ ، أو في وقت الثانية .

السابعة عشرة : روىٰ البزنطي عن الرضا علیه‌السلام : حدّ المسافة بثلاثة بُرُد (٤) .

وروىٰ أبو بصير عن الصادق علیه‌السلام : « مسيرة يومين » (٥) .

وسندهما جيد ، إلّا أنّهما مخالفان إجماع الأصحاب ، فحملا علىٰ التقية ، أو علىٰ بُرُد لم تزد علىٰ بريدين أو مسير يوم في يومين (٦) .

وروىٰ محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما‌السلام : إن شيّع الرجل أخاه في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣١ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٣٣ ح ٦٠٩ .

(٢) الكافي ٣ : ٤٣١ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢٣٣ ح ٦٠٩ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٤ ح ٦١٥ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ح ٥٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ح ٨٠٠ .

(٥) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ح ٥٠٥ ، التهذيب ١ : ٢٢٥ ح ٨٠١ .

(٦) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ح ٥٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ح ٨٠١ .

٣٣٦
 &

الصيام يفطر له ، وتشييعه أفضل من صومه (١) .

وروىٰ عبد الله بن مسكان ومحمد بن النعمان ، عن الصادق علیه‌السلام : « انّ المسافر اذا ائتم بالحاضر ، فان كان في الظهر جعل الفريضة في الركعتين الاوليين ، وان كانت العصر فليجعل الاوليين نافلة والاخيرتين فريضة » (٢) . وفيه اشارة الىٰ كراهة الصلاة نفلاً بعد العصر ، والىٰ صحة النافلة ممّن عليه فريضة .

وروىٰ معاوية بن عمار عنه علیه‌السلام : « انّ المسافر يقضي نافلة الليل ماشياً ، يتوجه الىٰ القبلة ثم يمشي ويقرأ ، فاذا أراد أن يركع حوّل وجهه الىٰ القبلة وركع وسجد ثم مشىٰ » (٣) .

وفي رواية ابراهيم بن ميمون عنه علیه‌السلام . : يومئ بالسجود (٤) .

وفي رواية يعقوب بن شعيب عنه علیه‌السلام : يومئ بهما ، ويجعل السجود أخفض (٥) .

وفي مرسلة حريز عنه علیه‌السلام : لا يسوق المصلّي ماشياً الابل (٦) .

وروىٰ علي بن جعفر عن أخيه موسىٰ عليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل جعل لله عليه ان يصلّي كذا وكذا ، هل يجزئه ذلك علىٰ دابته وهو مسافر ؟ قال : « نعم » (٧) ويحمل ذلك علىٰ العجز ، أو ارادة الناذر ذلك .

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١٩ ح ٥٤٥ .

(٢) التهذيب ٣ : ١٦٥ ح ٣٦٠ ، ٢٢٦ ح ٥٧٣ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ح ٥٨٥ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٢٩ ح ٥٨٧ .

(٥) الكافي ٣ : ٤٤٠ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٢٩ ح ٥٨٨ .

(٦) الكافي ٣ : ٤٤١ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٨٩ ح ١٣١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٣٠ ح ٥٩٢ .

(٧) التهذيب ٣ : ٢٣١ ح ٥٩٦ .

٣٣٧
 &

الثامنة عشرة : يكره السفر في البحر ، وخصوصاً للتجارة . روىٰ محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : « كان أبي يكره الركوب في البحر للتجارة » (١) .

وقال علي علیه‌السلام : « ما أجمل الطلب من ركب البحر » (٢) .

وسأل محمد بن مسلم الصادق علیه‌السلام عن ركوب البحر ، فقال : « ولم يغرر الرجل بدينه ؟ ! » (٣) .

فإن ابتلىٰ بركوبه استحب أن يقرأ في السفينة : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) الآية (٤) ( بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٥) .

وإذا اضطرب به البحر فليقل متكئاً علىٰ جنبه الأيمن : « بسم الله اسكن بسكينة الله ، وقرّ بقرار الله ، واهدأ باذن الله ، ولا قوة إلا بالله » .

وروىٰ قول : « بسم الله » إلىٰ قوله : « ولا قوة إلا بالله » ابن بابويه عن أبي جعفر علیه‌السلام (٦) .

ويحرم ركوبه عند هيجانه ، لوجوب التحرّز من الضرر وان كان مظنوناً ، ولنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه (٧) والنهي للتحريم .

التاسعة عشرة : يتأكّد استحباب التحنّك بطرف العمامة في السفر . روى عمار عن الصادق علیه‌السلام ، انّه قال : « من خرج في سفره فلم يدر

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٣ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٦ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٤ .

(٤) سورة الزمر : ٦٧ .

(٥) سورة هود : ٤١ .

(٦) الفقيه ١ : ٢٩٢ ح ١٣٣٢ .

(٧) الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٥ .

٣٣٨
 &

العمامة تحت حنكه ، فأصابه ألم لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه » (١) .

قال ابن بابويه : وقال الصادق علیه‌السلام : « ضمنت لمن خرج من بيته معتمّاً ان يرجع اليهم سالماً » (٢) .

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٣ ح ٨١٤ .

(٢) الفقيه ١ : ١٧٣ ح ٨١٥ .

٣٣٩
 &

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة الجزء الرابع ـ الشهيد الأوّل

٣٤٠