ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الفصل الثاني في صلاة الخوف‌

ومطالبه خمسة :

الأوّل : صلاة ذات الرقاع ، واختلف في سبب التسمية بذلك ، فقيل : لأنّ القتال كان في سفح جبل فيه جدد حمر وصفر كالرقاع (١) .

وقيل : كانت الصحابة حفاة فلفّوا علىٰ أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق (٢) .

قال صاحب المعجم : وقيل : سمّيت برقاع كانت في ألويتهم .

وقيل : الرقاع اسم شجرة في موضع الغزوة .

قال : وفسّرها مسلم في الصحيح بأنّ الصّحابة نقبت أرجلهم من المشي فلفّوا عليها الخرق (٣) .

وهي علىٰ ثلاثة أميال (٤) من المدينة عند بئر أروما ، هكذا نقلها صاحب المعجم بالألف ، قال : وبين الهجرة وبين هذا الغزاة أربع سنين وثمانية أيام (٥) .

وقيل : مرّ بذلك الموضع ثمانية حفاة ، فنقبت أرجلهم وتساقطت

__________________

(١) معجم البلدان ٣ : ٥٦ .

(٢) في السيرة النبوية لابن كثير ٣ : ١٦٠ في حديث أبي موسىٰ : « إنما سميت بذلك لما كانوا يربطون علىٰ أرجلهم من الخرق من شدّة الحرّ » .

(٣) معجم البلدان ٣ : ٥٦ ، وراجع : صحيح مسلم ٣ : ١٤٤٩ ح ١٨١٦ ، صحيح البخاري ٥ : ١٤٥‌ .

(٤) في المصدر : ايام .

(٥) معجم البلدان ٣ : ٥٦ .

٣٤١
 &

أظفارهم ، فكانوا يلفّون عليها الخرق (١) .

وهذه الصلاة ثابتة بالكتاب والسنة ، لقوله تعالىٰ : ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ) الآية (٢) ، وصلّاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالموضع المذكور (٣) والتأسي به واجب .

وحكمها ثابت به عندنا وعند الجمهور ، إلّا أبا يوسف فإنّه زعم أنّها من خصائص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) لقوله تعالىٰ : ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ ) .

قلنا : ثبت وجوبها علينا بالتأسي به . ولهذا وجب أخذ الصدقة من المال ، وإن كان تعالىٰ قد قال : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) (٥) ومن ثم لم يسمع من مانعي الزكاة احتجاجهم بهذه الآية علىٰ منعها .

وقيل : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قبل نزول هذه الآية متعبّداً ، إذا خاف أخّر الصلاة إلىٰ أن يحصل الأمن ثم يقضيها ، ثم نسخ ذلك بمضمون الآية (٦) .

وزعم بعض العامة أنّها نسخت بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك (٧) .

قلنا : كان ذلك قبل نزول هذه الآية .

وتحقيقها يظهر في مسائل :

الاُولىٰ : صلاة الخوف مقصورة سفراً ـ إجماعاً ـ إذا كانت رباعيّة ،

__________________

(١) راجع : نهاية الاحكام ٢ : ١٩١ .

(٢) سورة النساء : ١٠٢ .

(٣) صحيح البخاري ٥ : ١٤٥ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٥ ح ٨٤٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٣ ح ١٢٣٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٧١ .

(٤) المجموع ٤ : ٤٠٥ ، المغني ٢ : ٢٥١ ، شرح فتح القدير ٢ : ٦٣ .

(٥) سورة التوبة : ١٠٣ .

(٦) سورة النساء : ١٠٢ .

(٧) صحيح البخاري ٥ : ١٤٥ ، صحيح مسلم ١ : ٥٧٥ ح ٨٤٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٣ ح ١٢٣٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٧١ .

٣٤٢
 &

سواء صليت جماعة أو فرادىٰ . وان صليت حضراً ، ففيه أقوال ثلاثة :

أحدها : ـ وهو الاصح ـ انها تقصر للخوف المجرّد عن السفر كما تقصر للسفر المجرّد عن الخوف ـ وعليه معظم الاصحاب (١) ـ سواء صليت جماعة أو فرادىٰ ، لظاهر الآية ، ولصحيح زرارة عن الباقر علیه‌السلام : « صلاة الخوف أحقّ أن تقصر من صلاة سفر ليس فيه خوف » (٢) .

وفي حسن محمد بن عذافر عن الصادق علیه‌السلام : « اذا جالت الخيل تضطرب بالسيوف اجزأ تكبيرتان » (٣) . وهو ظاهر في الانفراد ، لبعد الجماعة في هذه الحال .

وثانيها : أنّها لا تقصر إلّا في السفر علىٰ الاطلاق . وهو شي‌ء نقله الشيخ عن بعض الاصحاب (٤) اقتصاراً علىٰ موضع الوفاق ، وأصالة اتمام الصلاة .

وجوابه : إنّما يقتصر مع عدم الدليل وهو ظاهر الثبوت .

وثالثها : انها تقصر في الحضر بشرط الجماعة ، اما لو صليت فرادى اُتمّت وهو قول الشيخ (٥) ويظهر من كلام جماعة (٦) وبه صرّح ابن إدريس (٧) لانّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انما قصرها في الجماعة .

__________________

(١) راجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٤٨ ، المهذب ١ : ١١٢ ، الكافي في الفقه : ١٤٦ ، السرائر : ٧٧ ، مختلف الشيعة : ١٥٠ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٤ ح ١٣٤٢ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ح ٩٢١ .

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٧ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٣٠٠ ح ٩١٣ .

(٤) المبسوط ١ : ١٦٣ ، الخلاف ١ : ١٤٧ المسألة ٢ .

(٥) المبسوط ١ : ١٦٥ .

(٦) لاحظ : الوسيلة : ١١٠ ، الغنية : ٥٦١ ، المراسم : ٨٨ .

(٧) لاحظ ما ورد في الحدائق ١١ : ٢٦٥ . وانظر السرائر : ٧٧ .

٣٤٣
 &

قلنا : لوقوع ذلك لا لكونه شرطاً .

المسألة الثانية : هذا القصر كقصر المسافر‌ يردّ الرباعية إلىٰ ركعتين .

وقال ابن بابويه : سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول : رويت أنّه سئل الصادق علیه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (١) ؟ فقال : « هذا تقصير ثان وهو أن يردّ الرجل الركعتين إلىٰ ركعة » (٢) ، وقد رواه حريز عن أبي عبد الله علیه‌السلام في الصحيح (٣) .

وقال ابن الجنيد بهذا المهذب ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّىٰ كذلك بعسفان برواية الباقر علیه‌السلام ، وجابر ، وابن عباس ، وحذيفة (٤) .

وقال بعض الرواية : فكانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركعتان ، ولكل طائفة ركعة ركعة (٥) .

وهذا قول نادر ، والرواية به وإن كانت صحيحة فهي معارضة بأشهر منها عملاً ونقلاً ، كما رواه الحلبي عن الصادق علیه‌السلام وقد وصف صلاة الخوف : أنّه يصلي بالاُولىٰ ركعة ، ثم يصلّون الثانية وهو قائم ، ثم تأتي الثانية فيصلي بهم الثانية ، ثم يتمون ثانيتهم ويسلّم بهم (٦) ورواه أيضاً

__________________

(١) سورة النساء : ١٠١ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٩٥ ح ١٣٤٣ .

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٨ ح ٤ .

(٤) حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١٥١ . ورواية الباقر علیه‌السلام في : مختلف الشيعة : ١٥١ . ورواية جابر وابن عباس وحذيفة في : سنن أبي داود ٢ : ١٦ ح ١٢٤٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٢٦١ ـ ٢٦٢ ، وانظر : المغني ٢ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، ولكن ليس فيهما ذكر عسفان .

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١٧ ح ١٢٤٦ ، وانظر : مختلف الشيعة : ١٥١ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٢٦٢ ، والمغني ٢ : ٢٦٦ .

(٦) الكافي ٣ : ٤٥٥ ح ١ ، المقنع : ٣٩ ، التهذيب ٣ : ١٧١ ح ٣٧٩ .

٣٤٤
 &

عبد الرحمن بن ابي عبد الله عنه علیه‌السلام (١) .

الثالثة : شروط هذه الصلاة أربعة :

احدها : كون الخصم قوياً‌ بحيث يخاف هجومه في حال الصلاة . فلو ضعف بحيث يؤمن منه الهجوم انتفت هذه الصلاة ، لعدم الخوف حينئذ .

وثانيها : ان تكون في المسلمين كثرة تمكنهم ان يفترقوا فرقتين : احداهما . تصلي مع الامام ، والاُخرىٰ بإزاء العدو . فلو لم يكن ذلك لم تتحقق هذه الصلاة .

وثالثها : ان لا يحوج الحال الىٰ زيادة التفريق الىٰ اكثر من فرقتين ، لتعذّر التوزيع حينئذ إلّا ان يكونوا في صلاة المغرب ، ولا يحتاج الىٰ الزيادة علىٰ الثلاث فان الاقرب مشروعيتها حينئذ ، لحصول الغرض .

ولو شرطنا في الخوف السفر ، واحتاج الىٰ أربع فرق في الحضر ، فكذلك .

فلو زاد علىٰ الفرق الثلاث في المغرب ، وعلىٰ الفرق الاربع ، انتفت الصلاة علىٰ هذه الهيئة قطعاً .

ورابعها : عند بعضهم ان يكون العدو في خلاف جهة القبلة ، إما في استدبارها أو عن يمينها وشمالها ، بحيث لا يمكنهم مقاتلته وهم يصلون إلّا بالانحراف عن القبلة (٢) ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انما صلّاها والعدو في خلاف جهة القبلة .

فحينئذ لو كان العدو في القبلة ، وامكنهم ان يصلّوا جميعاً ويحرس بعضهم ـ كما يأتي في صلاة عسفان ـ اُثرت علىٰ هذه الصلاة ، إذ ليس فيها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٧ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ ح ٣٨٠ .

(٢) راجع : المبسوط ١ : ١٦٣ ، المعتبر ٢ : ٤٥٥ .

٣٤٥
 &

تفريق ولا مخالفة شديدة لباقي الصلوات : من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ائتمامه ، ومن انتظار الامام إياه ، وائتمام القائم بالقاعد .

قال الفاضل : ولو قيل بالجواز ـ وعنىٰ ذات الرقاع ـ كان وجها ، لعدم المانع منه ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقع اتفاقا لا أنّه كان شرطاً (١) . وهذا حسن .

وهذه شروط لهيئة ذات الرقاع لا لمجرد القصر ، فإنّ الخوف بمجرده موجب للقصر وإن لم تحصل باقي هذه الشروط . والمنفرد يصلّي قصراً بغير هذه الشروط . ويجوز أن تكون الفرقة واحداً إذا حصلت المقاومة به .

الرابعة : صفتها‌ ما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق علیه‌السلام ، قال : « يقوم الامام ، وتجيي‌ء طائفة من أصحابه فيقومون خلفه ، وطائفة بازاء العدو ، فيصلي بهم الامام ركعة ثم يقوم ويقومون معه ، فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم علىٰ بعض ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم . ويجيي‌ء الآخرون فيقومون خلف الامام فيصلّي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الامام ويقومون هم فيصلّون ركعة اُخرىٰ ، ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمة » .

قال : « وفي المغرب مثل ذلك ، يقوم الامام وتجيى‌ء طائفة فيقومون خلفه ويصلي بهم ركعة ، ثم يقوم ويقومون فيمثل الامام قائماً ويصلّون الركعتين ويتشهدون ويسلّم بعضهم علىٰ بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم . ويجيي‌ء الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم خلف الامام ، فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها ثم يجلس ويتشهد ، ويقوم ويقومون هم معه فيصلّون ركعة اُخرىٰ ، ثم يجلس ويقومون هم فيصلّون ركعة اُخرىٰ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٤ .

٣٤٦
 &

ويسلم عليهم » (١) .

وفي صحيحة عبد الرحمن ابن أبي عبد الله ، عنه علیه‌السلام قال : « صلّىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصحابه في غزاة ذات الرقاع صلاة الخوف ، ففرق أصحابه فرقتين ، أقام فرقة بأزاء العدو وفرقة خلفه . فكبّر وكبروا ، فقرأ وأنصتوا ، فركع فركعوا ، وسجد فسجدوا ، ثم استتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائماً وصلوا لانفسهم ركعة ، ثم سلم بعضهم علىٰ بعض ثم خرجوا الىٰ اصحابهم وقاموا بأزاء العدو . وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّىٰ بهم ركعة ثم تشهد وسلم عليهم ، فقاموا فصلّوا لأنفسهم ركعة وسلم بعضهم علىٰ بعض » (٢) .

ولم يذكر المغرب في هذه الرواية . وذكر هناك انتظارهم للتسليم ، وهنا تسليمه من غير انتظار ، وكلاهما جائزان وان كان الاول أشهر من الثاني ، وعلىٰ الثاني ابن الجنيد وظاهر ابن بابويه (٣) .

وقال ابن الجنيد : اذا سبقهم بالتسليم لم يبرح من مكانه حتىٰ يسلموا (٤) .

الخامسة : يجوز في صلاة المغرب ان يصلّي بالاُولىٰ ركعة والثانية ركعتين ، كما تضمّنته رواية الحلبي (٥) . قال ابن ابي عقيل : بذلك تواترت الأخبار عنهم ، لتكون لكلتا الطائفتين قراءة (٦) . وعليه أكثر الأصحاب إذ لم يذكروا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٥ ح ١ ، المقنع : ٣٩ ، التهذيب ٣ : ١٧١ ح ٣٧٩ .

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٧ ، التهذيب ٣ : ١٧٢ ح ٣٨٠ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٩٣ ح ١٣٣٧ . مع ملاحظة ما افاده في ١ : ٣ .

(٤) مختلف الشيعة : ١٥١ .

(٥) تقدمت في ٣٤٦ ـ ٣٤٧ الهامش ١ .

(٦) مختلف الشيعة : ١٥١ .

٣٤٧
 &

غيره (١) .

وخيّر الشيخ وأبو الصلاح بين ذلك وبين ان يصلى بالاُولىٰ ركعتين وبالثانية ركعة (٢) وجعل الاول أفضل في كتاب مسائل الخلاف (٣) واحوط في كتاب الاقتصاد (٤) واختاره ايضاً ابن الجنيد (٥) اعني : ايثار الاول .

وقد روىٰ زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الباقر علیه‌السلام : « انّه يصلي بفرقة ركعتين ، ثم يجلس ويشير اليهم بيده فيقومون فيصلّون ركعة ويسلمون ، وتجيى‌ء الطائفة الاُخرىٰ فيصلي بهم ركعة » (٦) .

واذا كان الحديثان معتبري الاسناد تعيّن التخيير . نعم ، الاول افضل ، ـ وهو مروي عن فعل علي علیه‌السلام (٧) ـ اما للتأسي به ، واما لفوز الفرقة الثانية بالقراءة المتعيّنة وبما يوازي فضيلة تكبيرة الاحرام والتقدم ، وذلك يحصل بادراك الركعتين . وعليه الفاضل في التذكرة (٨) .

وبعض العامة رجّح الثاني (٩) واختاره الفاضل في القواعد ، لئلا تكلف الثانية زيادة جلوس في التشهد . له وهي مبنيّة علىٰ التخفيف . وهذا ليس بشي‌ء ، لان هذا الجلوس لا بد منه واستدعائه زماناً ، فلا يحصل التخفيف

__________________

(١) راجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٤٨ ، الوسيلة : ١١٠ ، المهذب ١ : ١١٣ ، المراسم : ٨٨ .

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٦ .

(٣) الخلاف ١ : ١٤٨ المسألة ٤ .

(٤) الاقتصاد : ٢٧٠ .

(٥) مختلف الشيعة : ١٥١ .

(٦) التهذيب ٣ : ٣٠١ ح ٩١٨ .

(٧) انظر المغني ٢ : ٢٦٢ ، الشرح الكبير ٢ : ١٣٣ .

(٨) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٦ .

(٩) المجموع ٤ : ٤١٥ ، المغني ٢ : ٢٦٢ .

٣٤٨
 &

بايثار الاُولىٰ به . ولانه معارض بما انه إذا صلّىٰ بالاُولىٰ ركعتين وبالثانية ركعة ، فانها تجلس حيث لا يجلس الامام ـ اعني في تشهدها الاول ـ واذا انعكس كان جلوسها فيه حيث يجلس الامام ، وذلك علىٰ مقتضىٰ الكلام الاول نوع تخفيف .

السادسة : قال ابن الجنيد والمرتضىٰ : اذا صلّىٰ بالأولى في المغرب ركعة واتمّوا ، ثم قام الىٰ الثالثة التي هي ثانية للثانية ، سبّح هو وقرأت الطائفة الثانية (١) .

وابن ادريس قال : الاجماع علىٰ انه لا قراءة عليهم (٢) .

وسيأتي إن شاء الله بحث مأخذ ذلك في الجماعة .

السابعة : ظاهر الاصحاب بقاء اقتداء الثانية في الركعة الثانية حكماً ، وان استقلوا بالقراءة والافعال ، فيحصل لهم ثواب الائتمام ويرجعون الىٰ الامام في السهو ، وحينئذ لا ينوون الانفراد عند القيام إلىٰ الثانية .

وابن حمزة ـ في الواسطة والوسيلة ـ حكم بأنّ الثانية تنوي الانفراد في الركعة الثانية (٣) .

وكأنه أخذه من كلام الشيخ في المبسوط ، حيث قال : ومتىٰ سهت هذه الطائفة ـ يعني : الثانية ـ فيما تنفرد به ، فإذا سلّم بهم الامام سجدوا هم لنفوسهم سجدتي السهو . ومتىٰ سهت في الركعة التي تصلّي مع الامام ، لم يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شي‌ء (٤) . فنفىٰ الشيخ لازم الائتمام

__________________

(١) جمل العلم والعمل ٣ : ٤٨ ، مختلف الشيعة : ١٥١ .

(٢) السرائر : ٧٧ .

(٣) الواسطة : مخطوط ، الوسيلة : ١١٠ .

(٤) المبسوط ١ : ١٦٥ .

٣٤٩
 &

وهو وجوب سجدتي السهو ، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم .

ويدلّ علىٰ المشهور انهم عدّوا من جملة مخالفة هذه الصلاة : ائتمام القائم بالقاعد ، وانّه في رواية زرارة ـ الصحيحة ـ : انّ الباقر علیه‌السلام قال : « فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة ، وللآخرين التسليم » (١) .

ولا يحصل لهم التسليم إلّا ببقاء الائتمام .

وللشيخ وابن حمزة أن يمنعا كون ذلك مستلزماً لبقاء الائتمام حقيقة ، وإن كان مستلزماً له في ثواب الائتمام ، وهما يقولان به . علىٰ أنّ التسليم في الرواية مصرح به انّ الامام يوقعه من غير انتظارهم ـ كما يأتي ـ وذلك مقتض لانفرادهم حتماً ، وانما قال علیه‌السلام : « وللآخرين التسليم » لانهم حضروه مع الامام .

الثامنة : يستحب تخفيف الامام القراءة في الاُولىٰ وباقي الافعال ـ بالاقتصار علىٰ الواجب ـ ليخفّف عن الفرقة الاُولىٰ ما هم فيه من حمل السلاح ، ويخفّفون هم أيضاً في ركعتهم التي ينفردون بها ليسرعوا الىٰ موقف أصحابهم ، ويسرعوا اُولئك الىٰ الصلاة ليتوفّروا علىٰ مصادمة العدو .

التاسعة : مبدأ انفراد الاُولىٰ بعد السجود الثاني من الركعة الاُولىٰ ، لانتهاء الركعة التي اقتدوا فيها بذلك . ولو استمروا حتىٰ قام الامام وقاموا معه جاز ، بل هو افضل ، لاشتراكهم في ذلك القيام فلا فائدة في الانفراد قبله .

قيل : ويجب عليهم ايقاع نيّة الانفراد (٢) لوجوب نية الواجب . ويحتمل عدمه ، لان قضية الائتمام انما هو في الركعة الاُولىٰ وقد انقضت ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٠١ ح ٩١٧ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ ح ٢٥٧ .

(٢) راجع : المبسوط ١ : ١٦٣ ، الوسيلة : ١١٠ ، الجامع للشرائع : ١٠٤ .

٣٥٠
 &

وهذا أقوىٰ .

العاشرة : يستحب تطويل الامام القراءة في انتظار الثانية ، ولو انتظرهم بالقراءة ليحضروها كان جائزاً ، فحينئذ يشتغل بذكر الله تعالىٰ إلىٰ حين حضورهم . والاول أجود ، لان فيه تخفيفاً للصلاة ، وقراءته كافية في اقتدائهم به وان لم يحضروها كغيرهم من المؤتمين .

وإذا انتظرهم ـ لفراغ ما بقي عليهم ـ في تشهده طوّله بالأذكار والدعوات حتىٰ يفرغوا .

ولو سكت أيضاً فالأقرب جوازه .

الحادية عشرة : اذا صلّىٰ في المغرب بالاُولىٰ ركعتين انتظر الثانية في قراءة الثالثة ، فيطوّلها ـ كما تقدم ـ حتىٰ يجيئوا .

ولو انتظرهم في التشهد الاول حكم الفاضل بجوازه ، ليدركوا معه الركعة (١) من أولها (٢) . وفي صحيح الجماعة ـ زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم ـ عن الباقر علیه‌السلام ايماء اليه ، حيث قال : « ثم جلس بهم ، ثم اشار اليهم بيده ، فقام كل انسان منهم فصلّىٰ ركعة ثم سلّموا وقاموا مقام اصحابهم . وجاءت الطائفة الاُخرىٰ فكبّروا ودخلوا في الصلاة ، وقام الامام فصلّىٰ بهم ركعة ثم سلم ، ثم قام كل واحد منهم فصلّىٰ ركعة فشفعها بالتي صلّىٰ مع الامام ، ثم قام فصلىٰ ركعة ليس فيها قراءة . فتمت للامام ثلاث ركعات ، وللأولين ركعتين في جماعة » (٣) .

الثانية عشرة : يجب أخذ السلاح علىٰ الطائفتين ، لتوقّف الحراسة

__________________

(١) في النسخ : الركعتين ، وهو سهو بيّن .

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٦ .

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠١ ح ٩١٨ ، تفسير العياشي ١ : ٢٧٢ ح ٢٥٧ .

٣٥١
 &

عليه .

وقال في الخلاف : يجب علىٰ الطائفة المصلية ، لظاهر الآية (١) .

قلنا : وجوبه عليها يستلزم وجوبه علىٰ الاخرىٰ بطريق الاُولىٰ ، لانها المستعدة للقتال والمناجزة . علىٰ انه روي في التفسير عن ابن عباس انّ المأمورين بأخذ السلاح هم الذين بازاء العدو (٢) .

وابن الجنيد قال : يستحب أخذ السلاح ، والامر للارشاد (٣) .

والمراد بالسلاح هنا آلة الدفع من السيف والخنجر والسكين ونحوه مما يفري . وفي الجوشن والدرع والمغفر ونحوه مما يكنّ ولو منع شيئا من واجبات الصلاة ـ كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ المانع من السجود علىٰ الجبهة ـ لم يجز أخذه إلّا لضرورة .

وقال في المبسوط : يكره أخذه إذا لم يتمكن معه من الصلاة (٤) .

الثالثة عشرة : لو كان السلاح نجساً ، فان كان مما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً ، فهو عفو إذا لم تتعدّ نجاسته الىٰ غيره . ولو كان علىٰ الدرع وشبهه ، أو كان يتعدّىٰ الىٰ غيره ، وليست النجاسة معفوا عنه ، لم يجز أخذه إلّا لضرورة .

الرابعة عشرة : يجوز في أثناء الصلاة الضربة والضربتان والطعنة والطعنتان والثلاث مع تباعدها ـ اختياراً واضطراراً ـ لانه ليس فعلاً كثيراً . ولو احتاج الىٰ الكثير فأتىٰ به لم تبطل ، وتكون كصلاة الماشي .

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٤٩ المسألة ٧ .

(٢) مجمع البيان ٣ : ١٠٢ ، تفسير القرطبي ٥ : ٣٧١ ، تفسير الطبري ٥ : ١٥٩ .

(٣) مختلف الشيعة : ١٥٢ .

(٤) المبسوط ١ : ١٦٤ .

٣٥٢
 &

وكذا يجوز له إمساك عنان الفرس وجذبه إليه ـ كثيراً وقليلاً ـ لانّه في محل الحاجة .

الخامسة عشرة : لو ترك أخذ السلاح في موضع وجوبه لم تبطل صلاته ، لان الأخذ ليس شرطاً في الصلاة ولا جزءً منها ، وانما هو واجب منفصل عن الصلاة .

ولو منع عن كمال الافعال ـ كزيادة الانحناء في الركوع ـ كره أخذه إلّا لضرورة ، قاله الفاضل (١) .

ولو قيل بعدم الكراهة كان وجهاً ، لانا نتكلم علىٰ تقدير وجوب أخذه ، ولا يمنع من الواجب إلّا معارضة واجب ، وذلك الكمال غير واجب .

السادسة عشرة : لا تجب التسوية بين الطائفتين في العدد ، لأنّ الغرض ما يظنّ به القوة علىٰ المدافعة . ولا يشترط كون الطائفة ثلاثة ، والاتيان بضمير الجمع في قوله : ( فَإِذَا سَجَدُوا ) (٢) بناء علىٰ الغالب ، والطائفة قد تصدق علىٰ الواحد .

ولو علم الامام ضعف الطائفة الحارسة عن الحراسة في أثناء صلاته أمدّهم ببعض من معه ، أو بجميعهم ، ثم يبنون علىٰ صلاتهم وإن استدبروا القبلة ، للضرورة .

السابعة عشرة : لو عرض الخوف في أثناء صلاة الأمن أتمّها ركعتين .

ولو عجز عن الركوع والسجود أتمّها بالايماء ، لمكان الضرورة ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٧ .

(٢) سورة النساء : ١٠٣ .

٣٥٣
 &

ووجود المقتضي .

ولو أمن في أثناء صلاة الخوف ، أتمّها عدداً إن كان حاضراً ، وكيفية سواء كان حاضراً أو مسافراً .

ولا فرق بين أن يكون قد استدبر أوّلاً أو لم يستدبر .

وقال الشيخ في المبسوط : لو صلّىٰ ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل وصلّىٰ بقية صلاته علىٰ الأرض ، وان صلّىٰ علىٰ الأرض آمناً ركعة فلحقه شدة الخوف فكبر (١) وصلّىٰ بقية صلاته إيماء ، ما لم يستدبر القبلة في الحالين ، فان استدبرها بطلت صلاته (٢) . والاقرب الصحة مع الحاجة الىٰ الاستدبار ، لانه موضع ضرورة والشروط معتبرة مع الاختيار .

الثامنة عشرة : لا فرق في جواز القصر مع الخوف بين الرجال والنساء ، لحصول المقتضي في الجميع .

وابن الجنيد قال : يقصرها كل من يحمل السلاح من الرجال ـ حراً كان أو بعداً ـ دون النساء في الحرف (٣) ولعلّه لعدم مخاطبتهنّ بالقتال ، والخوف انّما يندفع غالباً بالرجال ، فلا أثر فيه للنساء قصرن أم أتممن .

التاسعة عشرة : لو رأىٰ سواداً مقبلاً فظنه عدواً ، فقصّر أو أومأ ، ثم ظهر خطأ الظن ، فالصلاة صحيحة سواء كان الوقت باقياً أو قد خرج ، لانه امتثل المأمور به ، فيخرج عن العهدة .

__________________

(١) كذا في النسخ والحدائق ١١ : ٢٨٤ عن المبسوط . واما في الجواهر ١٤ : ١٨٦ عن المبسوط ١ : ١٦٦ : ركب .

(٢) المبسوط ١ : ١٦٦ .

(٣) مختلف الشيعة : ١٥١ .

٣٥٤
 &

ولا فرق في ظهور الخطأ بين ظهور كون السواد إبلاً مثلاً ، وبين كونه عدواً لكن هناك حائل ، لتحقق الخوف علىٰ التقديرين . إلّا أن يكون الحائل سهل الاطلاع عليه ، وهناك مظنّته فتركوا الاطلاع ، فحينئذ لا تصح الصلاة للتفريط .

٣٥٥
 &

المطلب الثاني : صلاة بطن النخل‌ .

وقد ورد انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّاها بأصحابه (١) .

قال في المبسوط : روىٰ الحسن عن ابي بكرة عن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وصفتها : ان يصلّي الامام بالفرقة الاُولىٰ مجموع الصلاة والاُخرىٰ تحرسهم ، ثم يسلّم بهم ، ثم يمضوا الىٰ موقف أصحابهم . ثم يصلّي بالطائفة الاُخرىٰ نفلاً له وفرضاً لهم .

قال في المبسوط : وهذا يدلّ علىٰ جواز صلاة المفترض خلف المتنفل (٣) .

وشرطها كون العدو في قوة يخاف هجومه ، وامكان افتراق المسلمين فرقتين لا أزيد ، وكونه في خلاف جهة القبلة .

ويتخير بين هذه الصلاة وبين ذات الرقاع . ويرجّح هذه اذا كان في المسلمين قوة ممانعة ، بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية . ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس .

ولا تجوز صلاة الجمعة علىٰ هذه الهيئة ، لانها لا تنعقد ندباً ، ولا تشرع في مكان مرتين .

وتنعقد علىٰ هيئة ذات الرقاع اذا صليت حضراً ، فيخطب للاُولىٰ خاصة بشرط كونها كمال العدد فصاعداً ، ولا يضر انفراد الامام حال مفارقة

__________________

(١) سنن النسائي ٣ : ١٧٨ ، ١٧٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ٦٠ ح ١٠ ، ٦١ ح ١٢ ، ١٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٧ ح ١٢٤٨ .

(٢ و ٣) المبسوط ١ : ١٦٧ .

ورواية أبي بكرة في : مسند احمد ٥ : ٤٩ ، سنن ابي داود ٢ : ١٧ ح ١٢٤٨ ، سنن النسائي ٣ : ١٧٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ٦١ .

٣٥٦
 &

الفرقة الاُولىٰ في أثناء الصلاة ، لانه في حكم الباقي علىٰ الامامة من حيث انتظاره للثانية ، وعدم فعل يعتدّ به حينئذ . ولا تعدد هنا في صلاة الجمعة ، لأنّ الامام لم يتم جمعته مع مفارقة الاُولىٰ ، فالفرقتان تجريان مجرىٰ المسبوقين في الجمعة الذين يتمّون بعد تسليم الامام .

ولو خطب للفرقتين معاً ، ثم تفرقا حالة الصلاة ، كان أجود إذا أمكن ذلك .

فرع :

قال الشيخ : متىٰ كان في الفرقة الاُولىٰ العدد الذين تنعقد بهم الجمعة وخطب بهم ، ثم انصرفوا وجاء الآخرون ، لا يجوز ان يصلي بهم الجمعة إلّا بعد ان يعيد الخطبة ، لان الجمعة لا تنعقد إلّا بخطبة مع تمام العدد (١) .

ويريد به الانصراف قبل فراغهم من الصلاة وشروعهم فيها ، اما لو سمعوها وصلّوا معه ركعة واتموها لأنفسهم ، فلا تعاد الخطبة هنا لاجل الثانية قطعاً .

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٧ .

٣٥٧
 &

المطلب الثالث : صلاة عُسفان .

وقد نقلها الشيخ في المبسوط بهذه العبارة ، قال : ومتىٰ كان العدو في جهة القبلة ، ويكونون في مستوىٰ الأرض لا يسترهم شي‌ء ، ولا يمكنهم أمر يخافون منه ، ويكون في المسلمين كثرة ، لا تلزمهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف ، وان صلّوا كما صلّىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعسفان جاز .

فإنّه قام علیه‌السلام مستقبل القبلة والمشركون أمامه ، فصف خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صفّ ، وصفّ بعد ذلك الصفّ صفّ آخر ، فركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركعوا جميعاً ، ثم سجد علیه‌السلام وسجد الصف الذين يلونه وقام الآخرون يحرسونه ، فلما سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ، ثم تأخر الصفّ الذين يلونه الىٰ مقام الآخرين ، وتقدم الصفّ الآخر الىٰ مقام الصف الاول .

ثم ركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وركعوا جميعاً في حالة ، ثم سجد وسجد الصفّ الذي يليه وقام الآخرون يحرسونه ، فلما جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصفّ الذي يليه سجد الآخرون ، ثم جلسوا جميعاً وسلم بهم جميعاً .

وصلّىٰ بهم علیه‌السلام ايضاً هذه الصلاة يوم بني سليم (١) .

وقال الفاضل ـ رحمه‌الله ـ : لها ثلاث شرائط :

ان يكون العدو في جهة القبلة ، لانّه لا يمكن حراستهم في الصلاة الا كذلك .

وان يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها الافتراق فرقتين .

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٦ ـ ١٦٧ .

٣٥٨
 &

وأن يكونوا علىٰ قلّة جبل أو مستو من الارض ، لا يحول بينهم وبين أبصار المسلمين حائل من جبل وغيره ، ليتوقوا لبسهم والحمل عليهم ولا يخاف كمين لهم (١) .

قال الفاضلان : وفي العمل بمضمونها نظر ، لأنّه لم يثبت نقلها بطريق محقق عن أهل البيت علیه‌السلام (٢) .

قلت : هذه صلاة مشهورة في النقل ، فهي كسائر المشهورات الثابتة وان لم تنقل بأسانيد صحيحة ، وقد ذكرها الشيخ مرسلاً لها غير مسند ولا محيل علىٰ سند ، فلو لم تصحّ عنده لم يتعرّض لها حتىٰ ينبّه علىٰ ضعفها ، فلا تقصر فتواه عن روايته . ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر والتخلّف بركن ، وكل ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختياراً ، فكيف عند الضرورة .

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٥ .

(٢) المعتبر ٢ : ٤٦٤ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٥ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٩٢ .

٣٥٩
 &

المطلب الرابع : صلاة شدة الخوف‌ .

وهي ان ينتهي الحال إلىٰ إلتحام الابطال ، وقوة النزال ، وعدم التمكن من الافتراق علىٰ الوجوه السابقة .

فالصلاة هنا قصر في العدد ، إلّا المغرب والصبح فانهما بحالهما . ويقصر الجميع في الكيفية ، فيصلّون ركباناً ومشاة ويركعون ويسجدون ، ومع التمكن يومئون بهما ويجعلون السجود أخفض من الركوع ، ومع تعذر الايماء تجزئ عن كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا اله إلّا الله والله اكبر ، فعن جميع الصلوات تسبيحتان وعن المغرب ثلاث .

قال الله تعالىٰ : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ) (١) .

وروىٰ حماد بن عثمان عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه‌السلام يقول : « إذا التقوا فاقتتلوا فانما الصلاة حينئذ بالتكبير ، فاذا كانوا وقوفاً فالصلاة ايماء » (٢) .

وفي الصحيح عن زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه‌السلام ، قال : « في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال ، فانّه يصلي كل انسان منهم بالايماء حيث كان وجهه . فإذا كانت المسايقة والمعانقة وتلاحم القتال ، فأنّ أمير المؤمنين علیه‌السلام ليلة صفين ـ وهي : ليلة الهرير ـ لم تكن صلاتهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء عند وقت كل

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٩ .

(٢) التهذيب ٣ : ٣٠٠ ح ٩١٦ .

٣٦٠