ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

صلاة إلّا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء ، ولم يأمرهم باعادة الصلاة » (١) . في أخبار كثيرة (٢) .

فروع :

لا يضرّ هنا استدبار القبلة والافعال الكثيرة مع الحاجة إليها .

ولو تمكن من بعضها وجب بحسب المكنة .

ولو تمكن من السجود علىٰ عرف الدابة ، أو قربوس السرج ، أو من النزول له ، وجب .

وان تمكن من الاستقبال ولو بتكبيرة الاحرام وجب ، وإلّا سقط .

ولو تمكن من الاستقبال ابتداء وتعذّر في الاثناء ، أو بالعكس ، وجب فيما تمكن خاصة .

ولا بد من النيّة والتحريمة والتشهد والتسليم ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » (٣) .

وتجب الصيغة المشار إليها أولاً في التسبيح ، للاجماع علىٰ اجزائها . وظاهر الرواية انه يتخيّر في الترتيب كيف شاء (٤) . والاجود الاول ، ليحصل

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ح ٣٨٤ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٧٢ ح ٢٥٦ .

(٢) راجع : الكافي ٣ : ٤٥٨ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٩٦ ح ١٣٤٩ ، التهذيب ٣ : ١٧٤ ح ٣٨٥ ، ٣٨٦ .

(٣) الكافي ٣ : ٦٩ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٣ ح ٦٨ وانظر المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٧٢ ح ٢٥٣٩ ، مسند احمد ١ : ١٢٣ ، سنن ابي داود ١ : ١٦ ح ٦١ ، الجامع الصحيح ١ : ٨ ح ٣ .

(٤) الكافي ٣ : ٤٥٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ح ٣٨٤ ، تفسير العياشي ٢ : ٢٧٢ ح ٢٥٦ .

٣٦١
 &

يقين البراءة .

وتجوز الجماعة هنا ، ولا يشترط فيها الاستقبال مع تعذّره ، فيصلّون مقتدين به وان اختلفت الجهة ، ما لم يتقدّموا عليه في صوب وجهه ويكونون كالمستديرين حول الكعبة .

فان قلت : قد سلف انه لا يجوز اقتداء المتخالفين في الاجتهاد في الجهة ، فكيف جاز هنا ؟

قلت : هنا القبلة معلومة ، ولكن الشرع جعل قبلة هؤلاء ما استقبل وجوههم عند الحاجة اليه ، فصار ذلك قبلته بوضع الشرع . ولا يعتقد الآخر خطأه اذ ليس هنا اختلاف في تعيين القبلة ، فجاز الاقتداء هنا بخلاف الاول ، لاعتقاده خطأ صاحبه .

٣٦٢
 &

المطلب الخامس : في الاحكام‌

وفيه مسائل :

الأولىٰ : لا فرق في أسباب الخوف بين الخوف من عدو أو لص أو سبع ، فيجوز قصر الكيفية والكمية عند وجود سبب الخوف كائناً ما كان .

ومن ذلك الأسير في أيدي المشركين يخاف من اظهار الصلاة فانّه يومئ ، والظاهر أنّه لا يقصر العدد إذا لم يكن مسافراً .

روىٰ سماعة ، قال : سألته عن الأسير يأسره المشركون ، فتحضر الصلاة فيمنعه الذي أسره منها ، قال : « يومئ إيماء » (١) ، ولم يذكر قصر العدد .

وروىٰ محمد بن اسماعيل ، قال : سألته عن الصلاة في مواضع فيها الاعراب ، فقال : « إذا خفت فصل علىٰ الراحلة المكتوبة وغيرها » (٢) .

وروىٰ علي بن جعفر عن أخيه علیه‌السلام في الرجل يلقىٰ السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطيع المشي مخافة السبع ، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه وسجوده السبع ، وإن توجّه إلىٰ القبلة خاف أن يثب عليه ، قال : « يستقبل الأسد ، ويصلي ويومئ برأسه إيماءً وهو قائم ، وإن كان علىٰ غير القبلة » (٣) .

وفي مرسل اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله علیه‌السلام في الذي يخاف السبع أو يخاف عدواً يثب عليه أو يخاف اللصوص : يصلّي علىٰ دابته إيماء الفريضة » (٤) .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥٧ ح ٤ ، الفقيه ١ : ٢٩٤ ح ١٣٤١ ، التهذيب ٣ : ١٧٥ ح ٣٩١ ، ٢٩٩ ح ٩١٠ .

(٢) الكافي ٣ : ٤٥٧ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٩٩ ح ٩١١ .

(٣) الكافي ٣ : ٤٥٩ ح ٧ ، الفقيه ١ : ٢٩٤ ح ١٣٣٩ ، التهذيب ٣ : ٣٠٢ ح ٩١٥ .

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٢ ح ٩٢٢ .

٣٦٣
 &

ونحوه في رواية زرارة عن أبي جعفر علیه‌السلام في خائف اللص والسبع : « يصلّي صلاة المواقفة ايماءً علىٰ دابته » (١) .

الثانية : يجوز للموتحل والغريق قصر كيفية الصلاة بحسب الامكان ، ولا يقصران العدد إلّا في سفر أو خوف . نعم ، لو خاف من اتمام الصلاة استيلاء الغرق ، ورجا عند قصر العدد سلامته ، وضاق الوقت ، فالظاهر انّه يقصر العدد أيضاً .

ولو كان في واد يغشيه السيل ، وخاف الغرق إن ثبت مكانه ، جاز أن يصلي صلاة الايماء ماشياً .

ولو كان هناك موضع مرتفع يمكنه الاعتصام به ، وجب ولم يصل مومئاً .

ولو عجز عنه ، أو عجزت دابته ، أو خاف دوران الماء حوله وصعوبة التخلّص منه ، صلّىٰ ماشياً ولو عدواً .

الثالثة : لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف باتمام الصلاة عدداً وافعالاً ، ويرجو حصوله بقصرهما أو أحدهما ، فالاقرب جوازهما ، لأن أمر الحج خطر وقضاؤه عسر .

ولو كان المديون معسراً وهرب من الدين ، وخاف الحبس ان أدركه واضطر الىٰ الايماء ، جاز ايضاً .

اما من عليه قصاص يرجو بالهرب العفو ، لسكون غليل الاولياء فهرب ، ففي جواز صلاة الشدّة وجه ضعيف ، تحصيلاً للمصلحة . ووجه المنع انّه عاص بهربه .

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٩٥ ح ١٣٤٨ ، التهذيب ٣ : ١٧٣ ح ٣٨٣ .

٣٦٤
 &

ولو احتاج في المدافعة عن ماله الىٰ صلاة الايماء جاز ـ سواء كان حيواناً أو لا ـ لحرمة المال .

الرابعة : كل سهو يلحق المأمومين حال المتابعة لا حكم له ، وحال الانفراد لكل حكم نفسه . والبحث هنا في تحمل الامام ووجوب متابعة المأموم ، كما تقدم .

الخامسة : تجوز صلاة بطن النخل في الأمن . وجوّز الشيخ صلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان (١) فيه لعدم فحش المخالفة . أما صلاة الايماء فلا شك في عدم جوازها في الأمن .

وأولىٰ بالجواز في غير صلاة الايماء الصلاة في طلب العدو . وقول الشيخ بالمنع (٢) محمول علىٰ صلاة الايماء .

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٦٧ .

(٢) المبسوط ١ : ١٦٧ .

٣٦٥
 &

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة الجزء الرابع ـ الشهيد الأوّل

٣٦٦
 &

الفصل الثالث في صلاة الجماعة‌

وفضلها عظيم .

قال الله تعالىٰ : ( وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) (١) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة » (٢) . رواه العامة في صحاحهم عن أبي سعيد الخدري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله . وروي : « بخمس وعشرين درجة » (٣) . والفذ ـ بالفاء والذال المعجمة ـ : الفرد .

وروينا ـ في الصحيح ـ عن عبد الله بن سنان عن الصادق علیه‌السلام ، قال : « الصلاة في جماعة تفضل علىٰ كل صلاة الفرد بأربع وعشرين درجة ، تكون خمسة وعشرين صلاة » (٤) .

وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر علیه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين علیه‌السلام : من سمع النداء فلم يجبه من غير علة فلا صلاة له » (٥) .

__________________

(١) سورة البقرة : ٤٣ .

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٦٥ ، ١١٢ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٣ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٥٩ ، لكن كلها عن ابن عمر ، والذي عن أبي سعيد هو الرواية التالية .

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، مسند أحمد ٣ : ٥٥ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٦٠ ، كلها عن أبي سعيد الخدري .

(٤) ثواب الأعمال : ٥٩ ، التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٥ .

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٤ .

٣٦٧
 &

وقال ابن بابويه : قال الباقر علیه‌السلام : « من صلّىٰ الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به كل خير » (١) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّىٰ الغداة وعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة الله تعالىٰ ، ومن ظلمه فإنّما يظلم الله ، ومن اخفره فإنما يخفر الله جلّ وعزّ » (٢) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّىٰ الغداة فإنّه في ذمة الله ، فلا يخفرن الله في ذمته » (٣) .

يقال : أخفرته : إذا نقضت عهده . أي من نقض عهده فإنّما ينقض عهد الله ، لأنّه بصلاته صار في ذمة الله وجواره .

وروىٰ ابن أبي يعفور عن الصادق علیه‌السلام ، قال : « همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمىٰ فقال : يا رسول الله إنّي ضرير البصر ، وربما اسمع النداء ولا أجد من يقودني إلىٰ الجماعة والصلاة معك . فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : شدّ من منزلك إلىٰ المسجد حبلاً واحضر الجماعة » (٤) .

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق علیه‌السلام ، قال : « صلّىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفجر ، فاقبل بوجهه علىٰ أصحابه فسأل عن اُناس يسميهم بأسمائهم ، فقال : هل حضروا الصلاة ؟ فقالوا : لا يا رسول الله فقال : اُغيّب

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٣ ، وفي الكافي ٣ : ٣٧١ ح ٣ .

(٢) المحاسن : ٥٢ ح ٧٦ . وانظر الهامش حيث أشار إلىٰ اختلاف النسخ بين : حقره . . . يحقر و : أخفره . . . يخفر .

(٣) مسند أحمد ٤ : ٣١٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٣٤ ح ٢٢٢ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٧٥٣ .

٣٦٨
 &

هم ؟ فقالوا : لا . فقال : أما أنّه ليس من صلاة أشدّ علىٰ المنافقين من هذه الصلاة والعشاء ، ولو علموا أي فضل فيهما لأتوهما ولو حبواً » (١) .

وفي الصحيح عنه عنه علیه‌السلام : « أنّ أُناساً علىٰ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبطؤوا عن الصلاة في المسجد ، فقال رسول الله : ليوشك قوم يدعون [ الصلاة ] في المسجد أن نأمر بحطب فيوضع علىٰ أبوابهم ، فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم » (٢) .

وفي صحاح العامة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « والذي نفسي بيده ، لو هممت أن آمر بحطب ، ثم آمر بالصلاة ، ثم آمر رجلا فيؤمّ الناس ، ثم أحالها في رحال لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم » (٣) .

وروىٰ محمد بن عمارة ، قال : أرسلت إلىٰ الرضا علیه‌السلام أسأله عن الرجل يصلّي المكتوبة وحدة في مسجد الكوفة أفضل ، أو صلاته في جماعة ، فقال : « الصلاة في جماعة أفضل » (٤) .

قلت : يعلم من هذا أنّ الصلاة في جماعة أفضل من ألف صلاة ، لأنّه قد ثبت أنّ الصلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة .

ويستحب حضور جماعة أهل الخلاف استحباباً مؤكداً .

__________________

(١) المحاسن : ٨٤ ، أمالي الصدوق : ٣٩٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٧ ، التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٦ .

(٢) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٧ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٦٥ ، صحيح مسلم ١ : ٤٥١ ح ٦٥١ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٧ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٥٥ . وفي المصادر عوض : ثم أحالها في رحال . قوله : ثم اخالف إلىٰ رجال . وهو الصحيح .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٥ ح ٨٨ .

٣٦٩
 &

قال الصادق علیه‌السلام في رواية حماد بن عثمان : « من صلّىٰ معهم في الصف الأول كان كمن صلّىٰ خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصف الأول » (١) .

وقال علیه‌السلام في رواية حفص بن البختري : يحسب لمن لا يقتدي مثل من يقتدي (٢) .

وقال علیه‌السلام : « من صلّىٰ في مسجده ، ثم أتىٰ مسجدهم فصلىٰ معهم خرج بحسناتهم » (٣) .

وقال علیه‌السلام : « إذا صليت معهم غفر لك بعدد من خالفك » (٤) .

وروىٰ زيد الشحام عنه علیه‌السلام أنه قال : « يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم ، وصلّوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا . أما إنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه . وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدّب أصحابه ! » (٥) .

وروىٰ العامة عن أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « ما من ثلاثة في قرية ولا بدّ ولا تقام فيهم الصلاة إلّا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٠ ح ١١٢٦ . وفي الكافي ٣ : ٣٨٠ ح ٦ عن حماد عن الحلبي .

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٣ ح ٩ ، الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٢٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٥ ح ٧٥٢ .

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٠ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٦٥ ح ١٢٠٩ ، التهذيب ٣ : ٢٧٠ ح ٧٧٨ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٥ ح ١٢١١ ، ٣٥٨ ح ١٥٧٢ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٢٩ .

٣٧٠
 &

بالجماعة ، فانما يأكل الذئب القاصية » (١) .

واستدل المحاملي ـ من الشافعية ـ بهذا الحديث علىٰ وجوب الجماعة علىٰ الكفاية ، وانه ظاهر مذهبهم (٢) .

وهو معارض بما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صلاة الرجل مع الواحد افضل من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع واحد ، وحيثما كثرت الجماعة فهو أفضل » (٣) .

ولا يحسن ان يقال الاتيان بالواجب أفضل من تركه . وتفضيله أحد الفعلين علىٰ الآخر يشعر بتجويزهما جميعاً ، والفرضية تنافي ذلك . فيحمل الحديث علىٰ التغليظ في تركهم الجماعة ، أو يكون التوعد علىٰ ترك ذلك دائماً بحيث يؤذن بالاستخفاف بالسنة . علىٰ انه ليس بصريح في الجماعة ، لان اقامة الصلاة يصدق علىٰ فعلها مطلقاً ، مع انّ الخبر ليس من الصحاح .

وروينا عن زرارة والفضيل ، قلنا له : الصلوات في جماعة أفريضة هي ؟ فقال : « الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ، ولكنها سنّة ، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين ، من غير علة ، فلا صلاة له » (٤) .

وبهذين يحتج علىٰ من أوجبها علىٰ الاعيان ، كالاوزاعي ، وابي ثور ،

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ١٥٠ ح ٥٤٧ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٦ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٦٧ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢١١ .

(٢) فتح العزيز ٤ : ٢٨٥ .

(٣) مسند أحمد ٥ : ١٤٠ ، سنن ابي داود ١ : ١٥٢ ح ٥٥٤ ، سنن النسائي ٢ : ١٠٥ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٤٩ ح ٢٠٥٤ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٤٨ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٦١ ، وفي الجميع : « ازكىٰ » بدل « أفضل » في الموصفين ، راجع تلخيص الحبير ٤ : ٢٨٤ .

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٦ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٣ .

٣٧١
 &

وأحمد ، وداود ، وابن المنذر (١) .

قالوا : روىٰ ابن عباس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من سمع النداء فلم يأته ، فلا صلاة له إلّا من عذر » (٢) وقد روينا نحن مثل ذلك (٣) .

وروينا عن الصادق علیه‌السلام : « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة ، ولا غيبة إلّا لمن صلّىٰ في بيته ورغب عن جماعتنا . ومن رغب عن جماعة المسلمين سقطت عدالته ووجب هجرانه ، وإن رفع إلىٰ إمام المسلمين أنذره وحذّره ، ومن لزم جماعة المسلمين حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته » (٤) .

وهو محمول علىٰ التأكيد ونفي الكمال ، أو علىٰ الاستهانة بصلاة الجماعة . قال الفاضل : أو علىٰ الجماعة الواجبة (٥) وهي في الجمعة والعيدين مع الشرائط .

والاجماع علىٰ أنّ الجماعة أفضل من الفرادىٰ .

ويستحب المحافظة علىٰ ادراك صلاة الامام من أولها ، ففي الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّىٰ أربعين يوماً في جماعة ، يدرك التكبيرة الاُولىٰ ، كتب له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق » (٦) .

__________________

(١) المجموع ٤ : ١٨٩ ، المغني ٢ : ١٥٥ .

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٢٦٠ ح ٧٩٣ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٥٣ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٤٥ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٥٧ .

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٢ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٤ ح ٨٤ .

(٤) التهذيب ٦ : ٢٤١ ح ٥٩٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ح ٣٣ .

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٠ ، منتهىٰ المطلب ١ : ٢٦٣ .

(٦) الجامع الصحيح ٢ : ٧ ح ٢٤١ ، العلل المتناهية ١ : ٤٣٢ ح ٧٣٥ .

٣٧٢
 &

والمراد بادراكها أن يكبّر الامام بحضوره ثم ينوي المأموم بعده ، فلو جرىٰ التكبير في غيبته فليس بمدرك . ولا يكفي ادراك الركوع الأول ، سواء أدرك معه شيئاً من القيام الأول أوْ لا ، وسواء كان قد منعه مانع دنيوي أو اُخروي .

وتهذيب الفضل بذكر مطالب ثلاثة‌ :

٣٧٣
 &

المطلب الاول : في محلها‌

وفيه مسائل :

الاُولىٰ : محلها . وهو الصلوات الخمس المفروضة . وباقي الفرائض ـ حتىٰ المنذورة ـ عندنا . والاداء بالقضاء وبالعكس عندنا ، ووافقونا علىٰ الجماعة في القضاء ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّىٰ بأصحابه الصبح قضاء (١) ، كما سلف .

وتشرع الجماعة في النوافل السابقة مثل الاستسقاء والعيدين مع اختلال شروطها . وصلاة الغدير عند أبي الصلاح ـ رحمه‌الله ـ (٢) ويظهر من المفيد ـ رحمه‌الله ـ (٣) . وفيما يأتي إن شاء الله من إعادة الصلاة خلف الامام (٤) .

وفيما عداها لا تنعقد ، لنهي أمير المؤمنين علیه‌السلام عن الجماعة في نافلة رمضان (٥) وسبق أيضاً من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) ، وأنّه قال : « لا جماعة في نافلة » (٧) .

الثانية : لا فرق بين الرجال والنساء في استحباب الجماعة‌ وإن لم يكن معهن رجل . ذكره الشيخ (٨) وابن البراج وسلار وابن زهرة

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦٥ ح ١٠٥٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٦ ح ١٠٤٩ .

(٢) الكافي في الفقه : ١٦٠ .

(٣) المقنعة : ٣٤ .

(٤) سيأتي في ص ٣٨١ المسألة ٨ .

(٥) التهذيب ٣ : ٧٠ ح ٢٢٧ .

(٦) تقدم في ص ٢٨٠ ، المسألة التاسعة .

(٧) التهذيب ٣ : ٦٤ ح ٢١٧ ، الاستبصار ١ : ٤٦٤ ح ١٨٠١ .

(٨) الخلاف ١ : ١٢٥ المسألة ٣٥ .

٣٧٤
 &

وأبو الصلاح وابن حمزة وابن ادريس وقال : هو الاظهر في المذهب (١) وهو مذهب باقي الحليين (٢) إلّا الفاضل في المختلف (٣) .

لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر اُم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل أن تؤمّ . أهل دارها ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يزورها وجعل لها مؤذناً (٤) .

وروينا عن ابراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله علیه‌السلام في الرجل يؤمّ النساء ليس معهن رجل في الفريضة ، قال : « نعم » (٥) .

وعنه علیه‌السلام : لا بأس بإمامة المرأة النساء ، رواه سماعة بن مهران في الموثق (٦) ومثله أرسله عبد الله بن بكير عنه علیه‌السلام (٧) .

فإن قلت : فقد روىٰ سليمان بن خالد عنه علیه‌السلام ـ في الصحيح ـ في المرأة تؤمّ النساء ، فقال : « إذا كنّ جميعاً امتهنّ في النافلة ، وأما المكتوبة فلا (٨) .

وفي الصحيح عن الحلبي عنه علیه‌السلام ، قال : « تؤمّ المرأة النساء » إلىٰ قوله : « في النافلة ، ولا تؤمهنّ في المكتوبة » (٩) .

__________________

(١) السرائر : ٦٠ .

(٢) الجامع للشرائع : ٩٧ ، المعتبر ٢ : ٤٢٧ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٠ .

(٣) مختلف الشيعة : ١٥٤ .

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٦١ ح ٥٩٢ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٩ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٠٣ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٣٠ .

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٧ ح ١١٦٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٨ ح ٧٦٧ .

(٦) التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١١ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٤ .

(٧) التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٥ .

(٨) الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ح ٧٦٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٦ .

(٩) التهذيب ٣ : ٢٦٨ ح ٧٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٧ ح ١٦٤٧ .

٣٧٥
 &

وفي الصحيح عن زرارة عن الباقر علیه‌السلام في المرأة تؤمّ النساء ، قال : « لا ، إلّا علىٰ الميت » (١) .

وقال ابن بابويه : سأل هشام أبا عبد الله علیه‌السلام عن المرأة هل تؤمّ النساء ، قال : « تؤمهنّ في النافلة ، فأما في المكتوبة فلا » (٢) .

قال : وروىٰ هشام عن أبي عبد الله علیه‌السلام ، قال : « صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار » (٣) .

وروىٰ العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « لا تمنعوا اماءكم المساجد ، وبيوتهنّ خير لهنّ » (٤) .

وقال : « صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها » (٥) .

وكل هذه الأخبار تؤذن بنفي استحباب الجماعة لهنّ منفردات ، والخبران الأخيران يدلّان علىٰ أنّ صلاتهن في البيوت أفضل من إتيان الجماعة .

قلت : قد نُقل عن المرتضىٰ رحمه‌الله القول بموجبها (٦) . ويظهر أيضاً

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٧ ، التهذيب ٣ : ٢٠٦ ح ٤٨٨‌ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٦ ، التهذيب ٣ : ٢٠٥ ح ٤٨٧ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٥٩ ح ١١٧٨ .

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٥٥ ح ٥٦٧ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٠٩ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٣١ .

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٥٦ ح ٥٧٠ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٠٩ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٣١ .

(٦) حكاه عنه ابن ادريس في السرائر : ٦٠ ، والعلّامة في مختلف الشيعة : ١٥٤ .

٣٧٦
 &

من الجعفي حيث قال : ولا تؤمنّ المرأة النساء في الفرائض ، ولا بأس بإمامتها لهنّ في النوافل (١) . وفي المختلف مال إليه لصحة الأخبار (٢) به ويمكن حملها علىٰ نفي الاستحباب المؤكّد ، لا مطلق الاستحباب توفيقاً .

وقال في المعتبر : الروايتان بالمنع نادرتان لا عمل عليهما (٣) وعني به رواية الحلبي وسليمان بن خالد .

قلت : ويعارضهما أيضاً ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي ، قال : سألته عن المرأة تؤمّ النساء ، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة أو بالتكبير ؟ فقال : « بقدر ما تسمع » (٤) ومثله رواية علي بن جعفر عن أخيه علیه‌السلام (٥) .

الثالثة : الجماعة مشروعة في غير المساجد‌ ـ وإن كانت في المساجد أفضل ، وتتفاوت بتفاوت شرف المساجد ـ لعموم الأدلّة ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اُعطيت خمساً ولم يعطهن أحد قبلي : جُعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً ، فأيما رجل أدركته الصلاة صلّىٰ حيث كان » (٦) .

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١٥٤ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٥٤ .

(٣) المعتبر ٢ : ٤٢٧ والروايتان تقدمتا في ص ٨٩٠ الهامش ٣ ، ٤ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٣ ح ١٢٠١ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ ح ٧٦٠ .

(٥) قرب الاسناد : ١٠٠ ، التهذيب ٣ : ٢٦٧ ح ٧٦١ .

(٦) صحيح البخاري ١ : ١١٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٧٠ ح ٥٢١ ، سنن النسائي ١ : ٢١٠ ، مسند أبي عوانة ١ : ٣٩٦ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٨ : ١٠٤ ح ٦٣٦٤ ، السنن الكبرىٰ ١ : ٢١٢ .

٣٧٧
 &

وقوله عليه الصلاة والسلام : « لا صلاة لجار المسجد » (١) محمول علىٰ نفي الكمال ، خصوصاً إذا كان لا يحضر أحد إلّا بحضوره ، أو تكثر بحضوره الجماعة ، فأنّ حضوره فيه أفضل .

وإذا تكثرت المساجد فالأفضل قصد المسجد الجامع ، أو الأكثر جماعة ، أو من إمامه أفضل بورع أو فقه أو قراءة ، أو غير ذلك من المرجّحات . فقد ورد في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من صلّىٰ خلف عالم فكمن صلّىٰ خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢) .

ولو تساوت في المرجّحات ، فهل الأقرب أولىٰ مراعاة للجوار ، أو الأبعد مراعاة لكثرة الخُطىٰ ؟ نظر .

الرابعة : إذا صُلّي في مسجد جماعة كره أن تُصلّىٰ فيه جماعة اُخرىٰ عند الشيخ ـ في أكثر كتبه ـ وابن إدريس : إذا كانوا يجمعون في تلك الصلاة بعينها (٣) .

لما رواه أبو علي قال : كنا عند أبي عبد الله علیه‌السلام ، فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح ، فدخل رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك . فقال أبو عبد الله علیه‌السلام : « أحسنت ، ادفعه عن ذلك ، وامنعه أشد المنع » . فقلت : فإن دخلوا وأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة ؟ قال : « يقومون في ناحية المسجد ولا يبدر لهم امام » (٤) .

__________________

(١) التهذيب ١ : ٩٢ ح ٢٤٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٤٢٠ المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٤٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٥٧ .

(٢) مستدرك الوسائل ٦ : ٤٧٣ ح ٧٢٨٦ عن لب اللباب ، وراجع كشف الخفاء ٢ : ١٢٢ ح ١٨٦٥ .

(٣) المبسوط ١ : ١٥٢ ، الخلاف ١ : ١٢٠ المسألة ٢ ، النهاية : ١١٨ ، التهذيب ٣ : ٥٥ .

(٤) التهذيب ٣ : ٥٥ ح ١٩٠ .

وفي الفقيه ١ : ٢٦٦ ح ١٢١٥ : « ولا يبدو لهم امام » وراجع في ذلك الحدائق الناضرة ٧ : ٣٨٧ .

٣٧٨
 &

ولما فيه من التهاون في تأخير الصلاة ليقتدي بالامام الآخر ، وربما ادّىٰ إلىٰ اختلاف القلوب الذي تتسبب عنه العداوة .

والاقرب عدم الكراهية ، لعموم شرعية الجماعة ، ومسيس الحاجة فان اجتماع اهل المسجد دفعة واحدة يكاد يتعذّر ، فلو كره ذلك أدّىٰ إلىٰ فوات فضيلة الجماعة .

وروىٰ زيد بن علي ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : « دخل رجلان المسجد وقد صلّىٰ علي علیه‌السلام بالناس ، فقال : ان شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ، ولا يؤذن ولا يقيم » (١) .

وروي : ان رجلاً دخل المسجد بعد ان صلّىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « أيكم يتّجر علىٰ هذا ؟ » فقام رجل فصلّىٰ معه (٢) .

وفي رواية : « ألا رجل يتصدّق علىٰ هذا فيصلّي معه » ، فلما صلّيا قال : « هذا جماعة » (٣) .

وخبر ابي علي ليس صريحاً في كراهة الجماعة ، انما هو في كراهة الأذان والاقامة ، ولا ريب في كراهيتهما إلّا مع تفرّق الصفوف . وبما قلناه قال الشيخ في النهاية والفاضل رحمهما‌الله (٤) .

نعم ، لو كان التخلّف عن الامام الاول قصداً كره ذلك علىٰ معنىٰ نقص ثواب الجماعة الثانية ، لما فيه من اختلاف القلوب ، ويمكن ان يكون هذا محملاً للخبر الاول .

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨١ ح ١١١٩ ، ٣ : ٥٦ ح ١٩١ .

(٢) مسند احمد ٣ : ٥ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٢٧ ح ٢٢٠ ، مسند ابي يعلىٰ ٢ : ٣٢١ ح ١٠٥٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٧٧ .

(٣) مسند احمد ٥ : ٢٥٤ ، ٢٦٩ .

(٤) النهاية : ١١٨ ، مختلف الشيعة : ١٥٣ .

٣٧٩
 &

وقال ابن الجنيد : لا بأس بالجمع في المسجد الذي قد جمع فيه صاحبه ، ولا اختار ان يبتدئ غير صاحبه بالجمع فيه ، ولو جمع قبله لما كان في ذلك نقص صلاته . وانما كرهته لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولان ذلك يورث الضغائن . ومن أراد الجمع بعد صاحب المسجد أجزأه إلّا أن يؤذّن ويقيم ، وكذلك ان صلّىٰ فرادىٰ (١) .

الخامسة : يباح ترك الجماعة للعذر ، كما تضمّنته الأخبار السابقة . وينقسم :

إلىٰ عام : كالمطر ، والوحل ، والريح الشديدة في الليلة المظلمة ، لما رُوي من قوله عليه الصلاة والسلام : « إذا ابتلّت النعال فالصلاة في الرحال » (٢) . قال الهروي : قال ابو منصور : النعل ما غلظ من الأرض في صلابة (٣) .

والىٰ خاص : كالخوف من ظالم ، أو فوت رفقة ، أو ضياع مال ، أو غلبة نوم ، أو يكون مريضاً ، أو ممرضاً ، أو قد أكل شيئاً من المؤذيات رائحتها ـ كالثوم والبصل ـ للنهي عن دخول المسجد بها ، أو قد حضر الطعام مع شدة الشهوة لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا حضر العشاء واقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء » (٤) ، أو حاقناً لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا وجد أحدكم الغائط فليبدأ به

__________________

(١) حكىٰ بعضه العلامة في مختلف الشيعة : ١٥٣ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٦ ح ١٠٩٩ .

(٣) انظر : النهاية في غريب الحديث ٥ : ٨٢ .

(٤) مسند احمد ٣ : ١١٠ ، سنن الدارمي ١ : ٢٩٣ ، صحيح البخاري ١ : ١٧١ ، صحيح مسلم ١ : ٣٩٢ ح ٥٥٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٣٠١ ح ٩٣٥ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٨٤ ح ٣٥٣ ، سنن النسائي ٢ : ١١١ ، مسند أبي يعلىٰ ٥ : ١٨٣ ح ٢٧٩٦ .

٣٨٠