ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

١
٢

٣
٤

الدفن

٥
٦

الحكم الخامس : الدفن.

ومطالبه ثلاثة :

الأول : في المدفن ، وفيه مسائل :

الأولى : الواجب حفرة يوجّه الميت فيها‌ إلى القبلة مضطجعا على جانبه الأيمن ، ليستر عن الإنس ريحه وعن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها غالبا. وهاتان الصفتان متلازمتان في الغالب ، ولو قدّر وجود إحداهما بدون الأخرى وجب مراعاة الأخرى ، للإجماع على وجوب الدّفن ولا تتم فائدته إلاّ بهما ، وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به (١).

وامّا كيفيّته ، فلأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفن كذلك ، وفعله (٢) وعليه الصحابة والتابعون. وقد ذكر هذه الكيفية : الصدوقان (٣) والشيخان (٤) وابن البراج (٥).

وفي رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « مات البراء ابن معرور الأنصاري بالمدينة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة ، فأوصى أنّه إذا دفن يجعل وجهه الى وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى القبلة ، فجرت به السّنة ، وكانت الصلاة حينئذ إلى بيت المقدس » (٦).

وابن حمزة جعل استقبال القبلة بالميت في الدفن مستحبّا (٧) لأصالة البراءة ،

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ح ٣٢١٥ ، سنن النسائي ٤ : ٨٠ ، السنن الكبرى ٤ : ٣٤.

(٢) الإرشاد للشيخ المفيد : ١٠١.

(٣) الفقيه ١ : ١٠٨ ، الهداية : ٢٧.

(٤) المقنعة : ١٨ ، المبسوط ١ : ١٨٦.

(٥) المهذب ١ : ٦٣.

(٦) علل الشرائع : ١ : ٣٠١.

(٧) الوسيلة : ٦٨.

٧

ويعارض بما تقدّم.

ويجب كون الحفرة في مكان مملوك للمتصرّف أو مباح ، خالية عن ميت طمّ بها ، لتحريم التصرّف في ملك الغير ، وتحريم نبش القبور لأدائه إلى المثلة والهتك ، وعلى تحريمه إجماع المسلمين ، وقول الشيخ في المبسوط : يكره (١) الظاهر أنّه أراد التحريم ، لأنّه قال بعد : ولو حفر فوجد عظاما ردّ التراب ولم يدفن فيه شيئا (٢) ، قال المحقق : لأن القبر صار حقّا للأول بدفنه فيه ، فلم يجز مزاحمته بالثاني (٣).

أمّا دفن ميتين فصاعدا في قبر ابتداء فيكره ، قال في المبسوط : لقولهم عليهم‌السلام : « لا يدفن في قبر واحد اثنان » (٤) ولأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفرد كلّ واحد بقبر (٥) ومع الضرورة تزول الكراهية ، بأن تكثر الموتى ويعسر الإفراد ، لما روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال للأنصار يوم أحد : « احفروا ، وأوسعوا ، وعمّقوا ، واجعلوا الاثنين والثلاثة في القبر الواحد وقدّموا أكثرهم قرآنا » (٦).

فرعان :

الأول : المراد بالتقديم جعله في قبلة اللحد ، فالرجل ، ثم الصبي ، ثم الخنثى ، ثم المرأة ، كذا قاله الشيخ (٧).

ولو تساوت الطبقة قدّم الأفضل كما تضمّنه الخبر ، إلاّ في الأب وابنه ، فإن الأب مقدّم مطلقا لحرمة الأبوة. وكذا تقدّم الام على البنت ، ولا تقدّم على الابن.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٨٨.

(٣) المعتبر ١ : ٣٠٦.

(٤) المبسوط ١ : ١٥٥.

(٥) قال في تلخيص الحبير ٥ : ٢٤٥. لم أره هكذا لكنه معروف بالاستقراء.

(٦) مسند أحمد ٤ : ١٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ح ٣٢١٥ ، السنن الكبرى ٣ : ٤١٣ ، ٤ : ٣٤.

(٧) المبسوط ١ : ١٨٤.

٨

وينبغي ان لا يجمع بين الرجال والنساء إلاّ مع شدّة الحاجة ، ولتراع المحرميّة إن أمكن. قال في المعتبر : يجعل بين كل اثنين حاجز ليكون كالمنفرد (١).

واعتبر ابن البرّاج الحاجز بين الرجل والخنثى وبين الخنثى والمرأة (٢) والظاهر أنّه أراد غير المحارم. وليكن الحاجز من تراب أو غيره.

الثاني : لو اتخذ سرب للدفن جاز الجمع فيه ابتداء على كراهية ، واستدامة كذلك على الأقوى ، لأنّه لا يعد نبشا ولا يحصل به هتك.

المسألة الثانية : يسقط الاستقبال عند التباس القبلة ، وعند تعذّره ، كمن مات في بئر وتعذّر إخراجه وصرفه إليها ، كما مر (٣).

وفي الذميّة الحامل من مسلم ، إذ يستدبر بها لما قيل : أنّ وجه الولد الى ظهر امه ، والمقصود بالذات دفنه وهي كالتابوت له ، ولهذا دفنت في مقبرة المسلمين إكراما للولد ، لأنّه لو سقط لم يدفن إلاّ في مقابر المسلمين ، قال في التذكرة : وهو وفاق (٤) يعني : استدبارها.

وقد روى أحمد بن أشيم عن يونس ، عن الرضا عليه‌السلام ، في الأمة الكتابيّة تحمل من المسلم ثم تموت مع ولدها ، أيدفن معها على النصرانيّة ، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب : « يدفن معها » (٥).

قال في المعتبر : ولا حجّة فيها ، لضعفها بابن أشيم ، وعدم تضمّنها الدفن في مقبرة المسلمين (٦). قال : والوجه انّ الولد لمّا حكم بإسلامه لم يجز دفنه بين الكفّار ، وإخراجه مع موتها غير جائز فتدفن تبعا له ، ولأنّ عمر أمر به ولم ينكر‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٣٨.

(٢) المهذب ١ : ٦٥.

(٣) تقدم في ص ٤١٦ ، التنبيه ٩.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣٣٤ ح ٩٨٠.

(٦) المعتبر ١ : ٢٩٢.

٩

عليه (١).

الثالثة : من مات في البحر وجب نقله الى البر ، فان تعذّر لم يتربّص به ، بل يوضع في خابية. ويوكى رأسها وتطرح في الماء ، لخبر أيوب بن الحر عن الصادق عليه‌السلام (٢) أو يثقل ، لمرسلة أبان عنه عليه‌السلام (٣) وهو في مرفوع سهل بن زياد اليه عليه‌السلام : « يكفّن ، ويحنّط ، في ثوب ويلقى في الماء » (٤).

والأقرب وجوب استقبال القبلة به حالة الإلقاء ـ كما قاله ابن الجنيد ـ لأنّه دفن ، لحصول مقصود الدفن به.

ولا يجعل بين لوحين رجاء لوصوله البر فيدفنه المسلمون ، لأنّ فيه تعريضا لهتك معلوم بإزاء أمر موهوم.

الرابعة : يراعى في موضع الدفن الأقرب‌ ـ استحبابا ـ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عجّلوهم الى مضاجعهم » (٥).

ويكره نقله إلى غير مشهد إجماعا ولو كان بقرب أحد المشاهد استحبّ نقله إليها ما لم يخف هتكه ، لإجماع الإمامية عليه من عهد الأئمة الى ما بعده ، قال في المعتبر : ولأنه يقصد بذلك التمسّك بمن له أهلية الشفاعة ، وهو حسن بين الأحياء توصّلا إلى فوائد الدنيا ، فالتوصّل إلى فوائد الآخرة أولى (٦).

قلت : وروى الصدوق عن مولانا الصادق عليه‌السلام : انّ موسى عليه‌السلام استخرج عظام يوسف عليه‌السلام من شاطئ النيل ، وحمله الى‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٢٩٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢١٣ ح ١ ، الفقيه ١ : ٩٦ ح ٤٤٢ ، التهذيب ١ : ٣٤٠ ح ٩٩٦ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢١٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ ح ٩٩٣ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٥٩.

(٤) الكافي ٣ : ٢١٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٣٩ ح ٩٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٥ ح ٧٦٠.

(٥) الكافي ٣ : ١٣٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤٢٧ ح ١٣٥٩.

(٦) المعتبر ١ : ٣٠٧.

١٠

الشام (١).

قال في التذكرة : ولأنّ موسى عليه‌السلام لمّا حضرته الوفاة سأل الله عزّ وجلّ ان يدنيه إلى الأرض المقدّسة رمية حجر ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (٢).

قال المفيد في العزّية : وقد جاء حديث يدلّ على رخصة في نقل الميت الى بعض مشاهد آل الرسول عليهم‌السلام إن وصّى الميت بذلك.

وقال صاحب الجامع : لو مات بعرفة فالأفضل نقله الى الحرم (٣). والظاهر أنّه وقف على نصّ فيه.

ولو كان هناك مقبرة بها قوم صالحون أو شهداء ، استحبّ الحمل إليها ، لتناله بركتهم وبركة زيارتهم.

ولو كان بمكة أو بالمدينة فبمقبرتيهما.

أمّا الشهيد ، فالأولى : دفنه حيث قتل ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ادفنوا القتلى في مصارعهم » (٤).

ويستحبّ جمع الأقارب في مقبرة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا دفن عثمان بن مظعون ، قال : « أدفن إليه من مات من أهله » (٥) ولأنّه أسهل لزيارتهم. فيقدّم الأب ثم من يليه في الفضل ، والذكر على الأنثى.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٢٣ ح ٥٩٤ ، علل الشرائع : ٢٩٦.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ : ٥٣.

والرواية في مسند أحمد ٢ : ٢٦٩ ، صحيح البخاري ٢ : ١١٣ ، سنن النسائي ٤ : ١١٩.

(٣) الجامع للشرائع : ٥٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٤٨٦ ح ١٥١٦ ، سنن النسائي ٤ : ٧٩ ، السنن الكبرى ٤ : ٥٧.

(٥) سنن أبي داود ٣ : ٢١٢ ح ٣٢٠٦ ، السنن الكبرى ٣ : ٤١٢.

١١

فروع خمسة :

الأول : الدفن في المقبرة أفضل من البيت ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالدفن في البقيع (١) ، ولإطباق النّاس عليه ، ولأنّه أجلب للترحّم والدعاء ، وأشبه بمساكن الآخرة ، وأقلّ ضررا على ورثته. ودفن النبي في بيته من خصوصيّاته أو خصوصيّات الأنبياء ، أو لأنّه قبض في أشرف البقاع فدفن فيها ، ونقل ذلك عن علي عليه‌السلام (٢) فاتّبعه الصحابة.

الثاني : لو أوصى بدفنه في بيته أو ملكه اعتبر الإجازة أو الثلث ، ولا يخالف بالدفن في المسبّلة ، لعموم إنفاذ وصيّة الميت بالمعروف.

الثالث : لو اختلف الوراث في الدفن في ملكه أو المسبّلة ، قدّم اختيار المسبّلة ، إذ لا ضرر فيه على الورثة.

ولو أراد أحدهما دفنه في ملك نفسه وأراد الآخر المسبّلة ، فإن كان فيها قوم صالحون أو ترجّحت ببعض الأسباب أجيب ، وإلاّ ففي الترجيح نظر ، لاشتماله على منّة على الوارث أو لأنّه يضرّ بوارثه ، ومن إمكان تعلّق غرض الوارث به لدوام زيارته وشبههه ، فيقدم. ويمكن مراعاة الأقرب ، ومع التساوي يقرع.

الرابع : لو سبق وليّان بميتين الى مباح وتعذّر الجمع ، فالقرعة. ولو سبق أحدهما فهو أولى ، كمقاعد الأسواق والمساجد.

الخامس : لو دفن لم يجز نقله مطلقا ، لتحريم النبش. وسمع الشيخ مذاكرة جوازه (٣) ، وقد مرّ فعل موسى عليه‌السلام إيّاه (٤). وجعله ابن حمزة‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة : ٢ : ٣٨٣.

(٢) أخرجه السيوطي في الخصائص الكبرى ٢ : ٢٧٨ عن أبي يعلى.

(٣) المبسوط ١ : ١٨٧.

(٤) انظر صحيفة : ١٠ ، المسألة الرابعة.

١٢

مكروها (١) وابن الجنيد جوّز النقل ، لصلاح يراد بالميت (٢). وقطع المفيد ـ في العزية ـ وابن إدريس بتحريم نقله (٣) واختاره الفاضل (٤).

المسألة الخامسة : اللّحد أفضل من الشقّ‌ ـ عندنا ـ في غير الأرض الرّخوة ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّحد لنا ، والشقّ لغيرنا » (٥).

ولرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحد له أبو طلحة الأنصاري » (٦).

وفي رواية إسماعيل بن همام عن الرّضا عليه‌السلام ، قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام احفروا لي شقّا ، فإن قيل لكم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحد له ، فصدقوا » (٧).

وليكن اللّحد ممّا يلي القبلة واسعا مقدار ما يجلس فيه.

أمّا في الرخوة ، فالشقّ أفضل خوفا من انهدامه. ولو عمل شبه اللّحد من بناء في قبلته كان أفضل ، قاله في المعتبر (٨) ، ويظهر من كلام ابن الجنيد.

وفي حفر القبور ثواب عظيم ، قال الصادق عليه‌السلام : « من حفر لميت قبرا كان كمن بوّأه بيتا موافقا الى يوم القيامة » ، رواه سعد بن طريف (٩).

__________________

(١) الوسيلة : ٦٩.

(٢) مختلف الشيعة : ١٢٣.

(٣) السرائر : ٣٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٦ ، نهاية الإحكام ٢ : ٢٨٣.

(٥) مسند أحمد ٤ : ٣٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٦ ح ١٥٥٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٣ ح ٣٢٠٨ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٦٣ ج ١٠٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ١٦٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٧.

(٧) الكافي ٣ : ١٦٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٨.

(٨) المعتبر ١ : ٢٩٦.

(٩) في الكافي ٣ : ١٦٥ ح ١ ، والتهذيب ١ : ٤٥٠ ح ١٤٦٢ ، عن الباقر عليه‌السلام ، وفي الفقيه ١ : ٩٢ ح ٤١٩ مرسلا عن الصادق عليه‌السلام.

١٣

السادسة : يستحبّ تعميقه قامة أو الى الترقوة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأوسعوا وعمّقوا » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « حدّ القبر إلى الترقوة » أرسله الصدوق (٢).

وعن ابن أبي عمير عنه عليه‌السلام : « حدّ القبر إلى الترقوة » ، وقال بعضهم : الى الثديين ، وقال بعضهم : قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر (٣) والظاهر أنّ هذا من محكي ابن أبي عمير ، لأنّ الإمام لا يحكي قول أحد.

وفي الكليني أسنده إلى سهل بن زياد ، قال : روى أصحابنا أنّ حدّ القبر .. الى آخره (٤).

وروى السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « أنّ النبي نهى أن يعمّق القبر فوق ثلاث أذرع » (٥). والظاهر أنّه نهي كراهة.

وفي خبر ابن أبي عمير المرسل عن الصادق عليه‌السلام : « انّ زين العابدين قال : احفروا لي حتى تبلغوا الرّشح » (٦). ويمكن حمله على الثلاث ، لأنّها قد تبلغ الرّشح في البقيع.

السابعة : لو تعذّر الحفر‌ لصلابة الأرض أو تحجّرها ، وأمكن نقله إلى ما يمكن حفره ، وجب. وان تعذّر أجزأ البناء عليه بما يحصل الغرضين المذكورين ، لأنّه في معنى الدفن. ولو فعل ذلك اختيارا ، فالأقرب المنع ، لأنّه‌

__________________

(١) مسند أحمد ٤ : ١٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٢١٤ ح ٣٢١٥ ، السنن الكبرى ٣ : ٤١٣ ، ٤ : ٣٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٠٧ ح ٤٩٨.

(٣) التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٦٥ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ١٦٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٦.

(٦) التهذيب ١ : ٤٥١ ح ١٤٦٩.

والرشح : عرق الأرض ونداوتها. مجمع البحرين ـ مادة رشح.

١٤

مخالف لما أمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحفر.

وكذا لا يجزئ جعله في تابوت من صخر أو غيره ، مكشوفا أو مغطى ، وان حصل الغرضان ، لعدم مسمّى الدفن ، ويجزئ مع التعذّر. نعم ، لو دفن بالتابوت في الأرض جاز ، لكنه مكروه إجماعا ، نقله في المبسوط (١) ولا فرق في الكراهية بين أنواع التابوت.

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨٧.

١٥

المطلب الثاني : في الكيفية ، وفيه مسائل :

الأولى : يستحبّ إذا قرّب الرجل من القبر وضعه عند رجليه ، والصبر هنيئة ، ثم نقله في ثلاث دفعات يصبر فيها عليه ، وينزّل في الثالثة سابقا برأسه ـ قال المفيد : كما سبق الى الدّنيا في خروجه من بطن امه (١) ـ لخبر عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « ينبغي أن يوضع دون القبر هنيئة ، ثمّ واره » (٢).

وعن محمد بن عجلان عنه عليه‌السلام : « لا تفدحه بقبره ، ولكن ضعه دون قبره بذراعين أو ثلاثة ، ودعه حتى يتأهّب للقبر » (٣).

وتؤخذ المرأة عرضا في دفعة واحدة.

ويسلّ الميت سلاّ في إنزاله القبر ، لما روي أنّ النبي سلّ من قبل رأسه سلاّ (٤) ، وليكن رفيقا ، لخبر الحلبي وابن عجلان عن الصادق عليه‌السلام (٥).

ولم يزد ابن الجنيد في وضعه على مرة ، وهو ظاهر المعتبر ، عملا بمدلول الحديث (٦).

الثانية : يستحبّ لملحده‌ حلّ أزراره ، وكشف رأسه ، وحفاؤه ، إلاّ لضرورة ، لخبر أبي بكر الحضرمي عن الصادق عليه‌السلام : « لا تنزل القبر وعليك عمامة ، ولا قلنسوة ، ولا رداء ، ولا حذاء ، وحلّ أزرارك ». قلت : فالخف؟ قال : « لا بأس بالخف في وقت الضرورة والتقية ، وليجتهد في ذلك جهده » (٧).

__________________

(١) المقنعة : ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩٠٨.

(٣) التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩٠٩.

(٤) السنن الكبرى ٤ : ٥٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ١ ، ١٩٥ ح ٤ ، علل الشرائع : ٣٠٦ ، التهذيب ١ : ٣١٥ ح ٩١٥ ، ٣١٧ ح ٩٢٢.

(٦) المعتبر ١ : ٢٩٨.

(٧) الكافي ٣ : ١٩٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩١١ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ح ٧٥١.

١٦

ويقرب منه خبر سيف بن عميرة عنه عليه‌السلام ، وقال : « لا بأس بالخفّ ، فإنّ في خلعه شناعة » (١).

وفي خبر ابن أبي يعفور عنه عليه‌السلام : « لا ينبغي دخول القبر في نعلين ، ولا خفين ، ولا رداء ، ولا قلنسوة » (٢).

وليس ذلك واجبا ، إجماعا ، ولخبر محمد بن بزيع : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام دخل القبر ، ولم يحلّ أزراره (٣).

قال الفاضلان : يستحبّ أن يكون متطهّرا ، لقول الصادق عليه‌السلام : « توضّأ إذا دخلت القبر » ، وهو في سياق خبر محمد بن مسلم والحلبي عنه عليه‌السلام (٤).

وابن الجنيد أطلق نفي البأس عن الخفين (٥). والأقرب تقييده كما ذكر ، وعليه الأكثر (٦).

ثمّ إن استقلّ الواحد بحمله لصغره وشبهه وإلاّ ضمّ إليه غيره ، ولا يعتبر الوتر عندنا ـ كثلاثة ، أو خمسة ـ لخبر زرارة عن الصادق عليه‌السلام : وسأله عن القبر كم يدخله؟ قال : « ذاك إلى الولي ، إن شاء أدخل وترا ، وان شاء شفعا » (٧).

الثالثة : يستحبّ الدعاء باتّفاق العلماء.

فعند معاينة القبر : اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ، ولا تجعلها حفرة‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩١٠.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٢ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣١٤ ح ٩١٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣١٤ ح ٩١٢ ، الاستبصار ١ : ٢١٣ ح ٧٥٢.

(٤) المعتبر ١ : ٣٠٢ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٥٢.

والخبر في التهذيب ١ : ٣٢١ ح ٩٣٤.

(٥) مختلف الشيعة : ١٢١.

(٦) راجع : المبسوط ١ : ١٨٦ ، مختلف الشيعة ١ : ١٢١.

(٧) الكافي ٣ : ١٩٣ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٣١٤ ح ٩١٤.

١٧

من حفر النّار.

وعند تناوله : بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله. اللهم زدنا إيمانا وتسليما.

وبعد وضعه في اللحد يستحبّ قراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي ، لخبر محمد بن عجلان عن الصادق عليه‌السلام (١).

وليقل أيضا بعد وضعه ما رواه الحلبي عنه عليه‌السلام : « بسم الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ( اللهم عبدك نزل بك ، وأنت خير منزول به ) (٢). اللهم افسح له في قبره ، وألحقه بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته ، وان كان مسيئا فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه. وليستغفر له ما استطاع » (٣). قال ـ والظاهر أنّه الصادق عليه‌السلام ـ : « وكان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا دخل القبر ، قال : اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وصاعد عمله ، ولقّه منك رضوانا » (٤).

أو ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « إذا وضعه في لحده ، فقل : بسم الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥). اللهم إنّا لا نعلم منه (٦) إلاّ خيرا وأنت أعلم به ، فإذا وضعت اللبن فقل : اللهم صل وحدته ، وآنس وحشته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك. فإذا خرجت من قبره ، فقل : إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٤ ، علل الشرائع : ٣٠٦ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ح ٩٢٢.

(٢) العبارة ليست في المصدرين.

(٣) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣١٥ ح ٩١٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٩٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٣١٥ ح ٩١٥.

(٥) في المصدرين زيادة : « اللهم عبدك نزل بك ، وأنت خير منزول به ، اللهم افسح له في قبره ، والحقه بنبيّه ».

(٦) ليست في م ، س.

١٨

والحمد لله ربّ العالمين. اللهم ارفع درجته في أعلى عليّين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، وعندك نحتسبه يا ربّ العالمين » (١).

وفي رواية ابن عجلان عن الصادق عليه‌السلام : « ليكن أولى الناس به مما يلي رأسه ، ليذكر اسم الله ، ويصلّي على النبي وآله ، ويتعوّذ من الشيطان ، وليقرأ : فاتحة الكتاب ، والمعوذتين ، والتوحيد ، وآية الكرسي » (٢).

وروى ابن عمر : أنّه سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه يقال عند الوضع : « بسم الله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». وعند تسوية اللبن : « اللهم أجره من الشّيطان ومن عذاب القبر. اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، وصعّد روحه ، ولقّه منك رضوانا » (٣).

الرابعة : يستحبّ أن يلقّنه الشهادتين وأسماء الأئمة : ، وبه أخبار تكاد تبلغ التواتر.

كخبر ابن عجلان هذا عن الصادق عليه‌السلام : « يلقّنه الشهادتين ، ويذكر له ما يعلم واحدا واحدا » (٤).

وخبر محفوظ الإسكاف عن الصادق عليه‌السلام : « ليكن أعقل من ينزل في قبره عند رأسه ، وليكشف عن خدّه الأيمن حتى يفضي به الى الأرض ، ويدني فاه الى سمعه ، ويقول : اسمع افهم ـ ثلاثا ـ الله ربك ، ومحمد نبيك ، والإسلام دينك ، وفلان (٥) اسمع افهم ، وأعدها عليه ثلاثا » (٦).

وخبر أبي بصير عنه عليه‌السلام : « ضع فاك على أذنه ، فقل : الله ربّك ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣١٦ ح ٩٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٤ ، علل الشرائع : ٣٠٦ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ح ٩٢٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٤٩٥ ح ١٥٥٣ ، السنن الكبرى ٤ : ٥٥. باختلاف يسير.

(٤) التهذيب ١ : ٣١٣ ح ٩٠٩.

(٥) في المصدرين زيادة : « امامك ».

(٦) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣١٧ ح ٩٢٣.

١٩

والإسلام دينك ، ومحمّد نبيك ، والقرآن كتابك ، وعليّ إمامك » (١).

وخبر إسحاق بن عمار عنه عليه‌السلام : « تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر ، وتحرّك تحريكا شديدا ، ثمّ تقول : يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل : الله ربّي ، ومحمد نبيّي ، والإسلام ديني ، والقرآن كتابي ، وعليّ إمامي ، حتى تستوفي الأئمة. ثم تعيد القول ، ثم تقول : افهم (٢) يا فلان ، فإنّه يقول : نعم. ثم تقول : ثبّتك الله بالقول الثابت ، هداك الله الى صراط مستقيم ، عرّف الله بينك (٣) وبين أوليائك في مستقر من رحمته » (٤).

وأورد الصدوق فيه وضع يده اليمنى تحت منكبه الأيمن ، ويحرّكه تحريكا شديدا ، ويقول : « يا فلان الله ربك ، ومحمد نبيك » .. الى آخره (٥).

وخبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « اضرب بيدك على منكبه الأيمن ، ثم قل : يا فلان قل رضيت بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبعلي إماما ، ويسمي إمام زمانه » (٦).

الخامسة : يستحبّ أن يجعل له وسادة من تراب ، ويجعل خلف ظهره مدرة وشبهها لئلا يستلقي ، رواه سالم بن مكرم عن الصادق عليه‌السلام (٧). وحل عقد الأكفان ، ورواه إسحاق بن عمار ، وأبو بصير عنه عليه‌السلام (٨) وأبو حمزة عن أحدهما عليهما‌السلام ، وزاد : « ويبرز وجهه » (٩).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٩٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣١٨ ح ٩٢٤.

(٢) في المصدر : « أفهمت ».

(٣) في س زيادة : « وبين نبيك » ، وهي ليست في المصدر.

(٤) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٠٨ ح ٥٠٠.

(٦) الكافي ٣ : ١٩٦ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩٠.

(٧) الفقيه ١ : ١٠٨ ح ٥٠٠.

(٨) التهذيب ١ : ٤٥٠ ح ١٤٦٣ ، ٤٥٧ ح ١٤٩٢.

(٩) التهذيب ١ : ٤٥٧ ح ١٤٩١.

٢٠