ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

قبل الصلاة » (١) .

السادسة : يجوز اقتداء المفترض بالمفترض وان اختلف الفرضان ما لم تتغير الهيئة ، كاليومية والكسوف والجنازة . وليس له متابعة الكسوف في ركوع ثم ينفرد ، أو ينتظره حتىٰ يسجد ، ولا متابعة الجنازة في تكبيرة ثم ينفرد ، أو ينتظر فراغ صلاة الجنازة ، لما فيه من مخالفة الإمام المتبوع .

السابعة : يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ، لما روي ان معاذاً كان يصلي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله العشاء ثم يرجع فيصليها بقومه في بني سليم ، هي له تطوع ولهم مكتوبة (٢) . ورواه الاصحاب عن الرضا علیه‌السلام بطريق محمد بن اسماعيل بن بزيع (٣) .

الثامنة : يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل : « إذا جئت فصلّ مع الناس وان كنت قد صلّيت » (٤) .

وعن الصادق علیه‌السلام : ان الأفضل لمن صلّىٰ ثم يجد جماعة أن يصلّي معهم (٥) .

ولا فرق بين كونه قد صلّىٰ أولاً منفردا أو جماعة ، لعموم الأدلة .

__________________

(١) سنن النسائي ٢ : ١١٠ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٣ : ٢٥٦ ح ٢٠٦٨ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٧٢ .

(٢) ترتيب مسند الشافعي ١ : ١٠٤ ح ٣٠٥ ، المصنف لعبد الرزاق ٢ : ٨ ح ٢٢٦٥ ، صحيح البخاري ١ : ١٧٩ ، صحيح مسلم ١ : ٣٣٩ ح ٤٦٥ ، سنن ابي داود ١ : ١٦٣ ح ٥٩٩ ، شرح معاني الآثار ١ : ٤٠٩ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٨٦ .

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٠ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٥٠ ح ١٧٤ .

(٤) الموطأ ١ : ١٣٢ ، سنن النسائي ٢ : ١١٢ ، الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٤ : ٦٠ ح ٢٣٩٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٤١٥ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ١ : ٢٤٤ .

(٥) التهذيب ٣ : ٥٠ ح ١٧٥ .

٣٨١
 &

فالظاهر استرسال الاستحباب ايضاً ، ومنعه في التذكرة (١) .

التاسعة : يجوز اقتداء المتنفل بمثله فيما سبق . وكذا يجوز في الاعادة اذا كان في المأمومين مفترض . اما لو صلّىٰ اثنان فصاعداً فرادىٰ أو جماعة ، ففي استحباب اعادة الصلاة لهم جماعة نظر ، من شرعية الجماعة ، ومن انه لم يعهد مثله ، والنهي عن الاجتماع في النافلة يشمله .

العاشرة : منع الفاضل ـ رحمه‌الله ـ من فعل الجمعة فرضاً خلف متنفل بها ـ كالمسافر يقدم ظهره ثم يأتيها ـ أو خلف مفترض بغيرها ـ كمن يصلّي ركعتين منذورة ، أو صبحاً قضاء ، أو فريضة من الفرائض (٢) ـ .

وهذا يتصور فيما اذا خطب وانفض العدد ، ثم تحرّم واحد بصلاة واجبة فاجتمع العدد ، سواء كان المتحرّم الخطيب أو غيره ان جوزنا مغايرة الامام للخطيب .

وفي هذا المثال مناقشة ، لان الظاهر انه إذا اجتمع العدد بعد الخطبة وجوب الجمعة وفساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهراً ليوم . نعم ، لو كان قد صلّىٰ الظهر وتلبس بالعصر ، ثم حضر العدد ، امكن أن يقال بصحة الفرض . وابلغ منه في الصحة ان يكون مسافراً أو اعمىٰ ، وقد صلّىٰ فرضه وشرع في آخر ، فاجتمع العدد .

الحادية عشرة : لو نقص عدد صلاة المأموم عن صلاة الامام ، تخيّر المأموم بين انتظاره حتىٰ التسليم وبين تسليمه ، والاول افضل .

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٣ ، قال : « ج : هل يستحب التكرار ثلاثا فما زاد ، إشكال اقربه المنع » .

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٦ .

٣٨٢
 &

ولو زاد عدد صلاته علىٰ صلاة الامام ، تخيّر المأموم بين المفارقة في الحال ، والصبر حتىٰ يسلّم الامام فيقوم المأموم إلىٰ الاتمام أفضل وحينئذ لو انتظر الامام فراغ المأموم ثم سلّم كان جائزاً بل أفضل ، فعلىٰ هذا يقوم المأموم بعد تشهد الامام .

وقال المرتضىٰ رضي‌الله‌عنه في الجُمل : لو دخل المقيم في صلاة مسافر ، وجب عليه أن لا ينتقل من الصلاة بعد سلامه إلّا بعد أن يتمّ المقيم صلاته (١) .

وقال ابن الجنيد : فإن دخل المقيم في صلاة المسافر من غير أن يعلم لم ينتقل المسافر بعد سلامه حتىٰ يتم المقيم صلاته .

ويمكن حمل كلام المرتضىٰ علىٰ تأكد الاستحباب ، وحمل كلام ابن الجنيد علىٰ كراهية الانتقال ، وقد أفتىٰ الشيخ وابن ادريس وجماعة باستحباب الانتظار (٢) .

الثانية عشرة : الظاهر انّ هذه الفروض انما تتأتىٰ في صورة الاعادة . فلو صلّىٰ مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاءً لنافلة ، أو صلّىٰ متنفل بالراتبة خلف الفرض ، أو متنفل راتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل ، فظاهر المتأخرين المنع (٣) .

الثالثة عشرة : إذا أعاد من صلّىٰ صلاته جماعة نوىٰ الندب ، لخروجه عن عهدة الفرض ولو نوىٰ الفرض ، لرواية هشام بن سالم في الرجل يصلّي الغداة وحده ثم يجد جماعة ، قال : « يصلي بهم ويجعلها الفريضة إن شاء » (٤) .

__________________

(١) جُمل العلم والعمل ٣ : ٣٩ .

(٢) السرائر : ٦٠ ، مختلف الشيعة : ١٥٥ ، شرح جمل العلم والعمل ( لابن البراج ) : ١١٨ .

(٣) راجع : الجامع للشرائع : ١٩٧ ، شرائع الاسلام ١ : ١٢٢ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٣٢ . وبسند آخر في الكافي ٣ : ٣٧٩ ح ١ ، والتهذيب ٣ : ٥٠ ح ١٧٦ . وفي الجميع : « يصلي معهم » .

٣٨٣
 &

وأوّلها الشيخ بأنّ المراد إذا وجد جماعة في أثناء صلاته ، فأنّه يعدل إلىٰ النفل ثم يصلي معهم ويجعلها الفريضة ، لأنّ من صلىٰ بنيّة الفرض لا يمكنه جعلها غير فرض (١) .

وقد رُوي : « أنّه يحسب أفضلهما وأتمهما » (٢) .

الرابعة عشرة : قال الصدوق رحمه‌الله : لو اقتدىٰ من يصلّي الظهر بمن يصلّي العصر جاز ، ولا يصلّي العصر خلف من يصلي الظهر إلّا ان يتوهمها العصر ، ثم يعلم انها كانت الظهر فتجزئ عنه (٣) .

ولا نعلم مأخذه ، إلا أن يكون نظراً إلىٰ أنّ العصر لا تصحّ إلا بعد الظهر ، فإذا صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنّه قد صلىٰ العصر مع الظهر مع أنّها بعدها . وهو خيال ضعيف ، لأنّ عصر المصلي مترتبة علىٰ ظهر نفسه ، لا علىٰ ظهر إمامه .

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٥٠ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٥١ ح ١١٣٣ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٣٣ .

٣٨٤
 &

المطلب الثاني : في شروط الاقتداء .

وهي ستة :

الأول : أهلية الامام للامامة ، وذلك باجتماع أوصاف تنقسم إلىٰ قسمين :

أحدهما عامّة‌ وهي سبعة :

أولها : البلوغ ، فلا تصح إمامة الصبي غير المميز إجماعاً ، لعدم الوثوق بجريانه علىٰ ما يعتبر في الصلاة . وأمّا المميز :

فقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يجوز امامة المراهق المميز العاقل في الفرائض (١) .

وقال ابن الجنيد : غير البالغ إذا كان سلطاناً مستخلفاً للامام الأكبر ـ كالولي لعهد المسلمين ـ يكون إماماً وليس لأحد أن يتقدّمه ، لأنّه أعلىٰ ذوي السلطان بعد الامام الاكبر . وأمّا غيره من الصبيان فلا أرىٰ أن يؤمّ في الفرائض من هو أسنّ منه (٢) .

وقال الجعفي : يؤمّ الغلام .

وتمسّك الشيخ بالاجماع علىٰ أنّ من هذه صفته تلزمه الصلاة ، وأيضاً فقوله عليه الصلاة والسلام : « مروهم بالصلاة لسبع » يدل علىٰ أنّ صلاتهم شرعية (٣) . ورواية طلحة بن زيد عن الصادق علیه‌السلام عن أبيه علیه‌السلام عن

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٢٣ المسألة ١٧ ، المبسوط ١ : ١٥٤ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٥٣ .

(٣) الخلاف ١ : ١٢٣ المسألة ١٧ .

والحديث النبوي في : مسند أحمد ٢ : ١٨٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٣٣ ح ٤٩٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٣١ ، المستدرك علىٰ الصحيحين : ١٩٧ .

٣٨٥
 &

علي علیه‌السلام ، قال : « لا بأس ان يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وان يؤمّ » (١) .

وروىٰ العامة : انّ عمرو بن أبي سلمة قال : كنت غلاماً حافظاً قد حفظت قرآناً كثيراً ، فانطلق أبي وافداً الىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر من قومه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله » فقدموني ، فكنت اُصلي بهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان (٢) .

وقال في النهاية ـ وتبعه ابن البراج ـ : لا تجوز امامته لنقصه ، وتجويز اخلاله ببعض الاركان والابعاض (٣) ولرواية اسحاق بن عمار عن الصادق علیه‌السلام عن أبيه علیه‌السلام عن علي علیه‌السلام : « لا بأس ان يؤذّن الغلام قبل ان يحتلم ، ولا يؤم حتىٰ يحتلم ، فان أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه » (٤) .

ويقوى طريق الرواية ان ابن بابويه أرسلها عن علي علیه‌السلام (٥) ، والعمل بها أولىٰ ، عملاً بالمتيقن وقوتها علىٰ تلك ، لانّ طلحة بن زيد بتري ، ورواة الأخرىٰ عامة .

فرعان :

الاول : تجوز امامته الصبيان ، لتساويهم في المرتبة . والاقرب جواز امامته في النافلة ايضاً ، لانعقادها منه وصحتها علىٰ الاقوىٰ .

الثاني : لو جوّزنا امامته في الفريضة ، فهل تستثنىٰ الجمعة من ذلك . من حيث انه غير مخاطب بها ، أوْ لا من حيث أنّها مشروعة بالنسبة اليه

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٤ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ح ١٦٣٣ .

(٢) سنن أبي داود ١ : ١٥٩ ح ٥٨٥ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٩١ .

(٣) النهاية : ١١٣ ، المهذب ١ : ٨٠ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٣٣ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٨ ح ١١٦٩ .

٣٨٦
 &

ونافلة ويجوز اقتداء المفترض بالمتنفل ؟ الاقرب الثاني ، تسوية بينها وبين غيرها من الفرائض .

وثانيها : العقل ، فلا تصح امامة المجنون اجماعاً ، لبطلان صلاته ، وعدم قصده .

ولو كان يعتوره الجنون ادواراً صحّ في حال افاقته بعد الوثوق بها وان كان مكروهاً ، لجواز فجأة الجنون في أثناء الصلاة ، وامكان ان يكون قد عرض له احتلام حال جنونه .

فرع :

لو جُنَّ في الأثناء بطلت صلاته ونوىٰ المأموم الانفراد حينئذ ، فلو عاد اليه العقل استأنف الصلاة . وفي جواز نقل النيّة اليه بعد ذلك وجهان مبنيان علىٰ جواز تجدّد الائتمام للمنفرد . اما لو كان المأموم قد اقتدىٰ بآخر لم يعد الىٰ هذا ، اذ لا يشرع نقل النية من إمام الىٰ إمام في غير الاستخلاف .

وثالثها : الاسلام ، فلا تصح امامة الكافر اجماعاً وان كان عدلاً في دينه ، لبطلان صلاته ، ولعدم جواز الركون اليه وكونه اهلاً للضمان .

فرع :

لو شُكَّ في اسلامه ، لم يصلّ خلفه وان كان في دار الاسلام .

وقال ابن الجنيد : كل من اظهر دين اهل الملّة في دار الاسلام علىٰ الاسلام ، الّا ان يتبين منه خلافه فاما اهل دار الهدنة المختلط فيها اهل الملة بغيرهم ـ كالفُرس ، والبلاد التي يلزم بكفر اهلها وان اظهروا الملّة لمخالفتهم في الاُصول ـ فلا أرىٰ الاقتداء بأحد منهم ، الّا اذا علم ما يوجب توليه .

٣٨٧
 &

والوجه المنع ، لأن الاسلام شرط ، والشك في الشرط شك في المشروط ، والصلاة لا توجب الحكم باسلامه .

ورابعها : الايمان ، وهو اخص من الاسلام في الحكم وان ساواه في الحقيقة ، فلا تجوز امامة غير الامامي من المبتدعة ـ سواء اظهر بدعته أوْ لا ـ اجماعاً ، لأنّه فاجر وظالم ، وقد قال تعالىٰ : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (١) .

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤمّن فاجر مؤمناً » (٢) .

وروىٰ الفضيل بن يسار عن الباقر والصادق علیه‌السلام ، قالا : « عدو الله فاسق لا ينبغي لنا ان نقتدي به » (٣) .

ومنع الجواد علیه‌السلام من الصلاة خلف الواقفة في مكاتبة البرقي (٤) .

وروىٰ اسماعيل الجعفي عن أبي جعفر علیه‌السلام في رجل يحب أمير المؤمنين علیه‌السلام ولا يتبرأ من عدوه ، فقال : « هذا مخلط وهو عدو ، لا تصل خلفه إلّا ان تتقيه » (٥) .

وخامسها : العدالة اجماعا ، لما سلف من الآية والخبر (٦) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تؤمنّ امرأة رجلاً ، ولا فاجر مؤمناً » (٧) .

__________________

(١) سورة هود : ١١٣ .

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ح ١٠٨١ ، مسند ابي يعلىٰ ٣ : ٣٨١ ح ١٨٥٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٧١ .

(٣) أورده المحقق في المعتبر ٢ : ٤٣٢ ، والعلّامة في نهاية الإحكام ٢ : ١٤٠ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١١٣ ، التهذيب ٣ : ٢٨ ح ٩٨ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٩ ح ١١١٨ ، التهذيب ٣ : ٢٨ ح ٩٧ .

(٦) تقدما في الشرط السابق .

(٧) تقدم في ص ٣٨٨ الهامش ٢ .

٣٨٨
 &

ولرواية الحسن بن راشد عن أبي جعفر علیه‌السلام قال : « لا تصل الّا خلف من تثق بدينه وامانته » (١) .

وقيل للرضا علیه‌السلام في رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أَأُصلي خلفه ؟ قال : « لا » (٢) .

والمعتبر ظهور العدالة لا اشتراطها في نفس الامر . فلو تبيّن كفره أو فسقه بعد الصلاة فلا اعادة . ولو كان في اثنائها نوىٰ الانفراد وأتمّ صلاته .

وقال ابن الجنيد : لا أرىٰ الدخول في صلاة المظهر للبدعة ، والتارك للسنّة المخالف لائمة المؤمنين ، ولا المعاون لأهل الباطل علىٰ المحققين ، لقول الله تعالىٰ : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ، ولما رُوي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لابن مسعود : « لا طاعة لمن عصىٰ الله » يقولها ثلاثا . وإذا كان الامام انما جعل ليتبع ، وقد نهىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن اتباع العاصي ، فقد نهىٰ عن الدخول في صلاته والاتباع له : وقد رُوي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لابي ذر : « لا تصلوا خلف فاسق » ، وقال لابي الدرداء : « لا تصلِّ خلف السفهاء » ، ولمعاذ : « لا تقدموا بين أيديكم إلّا من ترضون دينه وأمانته » .

قال : وهذا في الفرائض ، فاما ان جعلها نافلة ولم يحتسب بها من فرضه فلا بأس ، وقد روي انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك لابي ذر .

قال : وحديث اسماعيل بن عباس ، عن حميد بن مالك ، عن مكحول ، عن معاذ ، انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا معاذ : أطع كل أمير ، وصل خلف كل إمام » ضعيف ، لانّ اسناده شامي ، واسماعيل بن عباس مهجور عند يحيىٰ بن معين وابن مهدي لانّه روىٰ مناكر .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٤ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٢٦٦ ح ٧٥٥ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٩ ح ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٢٧٧ ح ٨٠٨ .

٣٨٩
 &

ثم قال : واذا أمّ الكافر قوماً فعلموا بذلك كان عليهم الاعادة (١) .

ونقل ابن ادريس عن المرتضىٰ وجوب الاعادة لو تبيّن فسقه أو كفره (٢) .

لنا : مرسلة ابن ابي عمير عن الصادق علیه‌السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمّهم رجل ، فلما صاروا الىٰ الكوفة علموا انه يهودي قال : « لا يعيدون » (٣) .

وقال ابن بابويه : يعيدون ما خافت فيه لا ما جهر (٤) .

ومن هذا الباب ، لو تبين حدث الامام بعد الصلاة ، فالمشهور عدم الاعادة . وقال المرتضىٰ يعيدون (٥) ، وقد روىٰ : انهم ان علموا في الوقت تلزمهم الاعادة (٦) . ولو صلىٰ بهم بعض الصلاة ثم علموا حينئذ أتمّ القوم في رواية جميل (٧) ، وفي رواية حماد عن الحلبي : « يستقبلون صلاتهم » (٨) .

ويعارض ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ محمد بن مسلم عن الباقر علیه‌السلام ، سألته عن

__________________

(١) الآية في سورة هود : ١١٣ .

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن مسعود في : مسند احمد ١ : ٤٠٠ . سنن ابن ماجة ٢ : ٩٥٦ / ٢٨٦٥ .

وحديث معاذ في : مجمع الزوائد ٢ : ٦٧ عن الطبراني في الكبير .

وقول ابن معين وابن مهدي في :

(٢) السرائر : ٦١ .

(٣) الكافي ٣ : ٣٧٨ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٤٠ ح ١٤١ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٣ .

(٥) الناصريات : ٢٣٦ المسألة ٩٧ .

(٦) أورده المرتضىٰ في الناصريات : ٢٣٦ المسألة ٩٧ ، والمحقق في المعتبر ٢ : ٤٣٤ ، والعلّامة في منتهىٰ المطلب ١ : ٣٧٠ .

(٧) الفقيه ١ : ٢٦٤ ح ١٢٠٧ ، التهذيب ٣ : ٢٦٩ ح ٧٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٤ ح ١٦٩٥ .

(٨) أوردها في السرائر : ٦٢ ، ومنتهىٰ المطلب ١ : ٣٧٠ .

٣٩٠
 &

الرجل يؤمّ القوم وهو علىٰ غير طهر فلا يعلم حتىٰ تنقضي صلاته ، قال : « يعيد ، ولا يعيد من خلفه وان اعلمهم انه علىٰ غير طهر » (١) وكذا رواه زرارة عنه علیه‌السلام (٢) ، ورواه حمزة بن حمران عن الصادق علیه‌السلام (٣) .

فان قلت : فقد روي : ان علياً علیه‌السلام صلّىٰ بالناس علىٰ غير طهر ، فخرج مناديه : ان أمير المؤمنين صلّىٰ علىٰ غير طهر فاعيدوا ، وليبلغ الشاهد الغائب (٤) .

قلت : هذا ينافي العصمة المشترطة في الامام ، فهو مردود مع شذوذه . قاله في التهذيب (٥) .

فروع :

الاول : الاقرب اشتراط العلم بالعدالة بالمعاشرة الباطنة ، أو شهادة عدلين ، أو اشتهارها . ولا يكفي التعويل علىٰ حسن الظاهر .

وخالف هنا فريقان :

أحدهما : من قال كل المسلمين علىٰ العدالة ، الىٰ ان يظهر منه ما يزيلها ، وهو قول سيجيى‌ء ان شاء الله تعالىٰ . وبه قال ابن الجنيد (٦) .

والثاني : جواز التعويل علىٰ حسن الظاهر ـ وهو قول بعض

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٣٩ ح ١٣٧ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ح ١٦٦٨ .

(٢) التهذيب ٣ : ٣٩ ح ١٣٩ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ح ١٦٧٠ .

(٣) التهذيب ٣ : ٣٩ ح ١٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤٣٢ ح ١٦٦٧ .

(٤) التهذيب ٣ : ٤٠ ح ١٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣٣ ح ١٦٧ .

(٥) التهذيب ٣ : ٤٠ .

(٦) مختلف الشيعة : ١٥٩ .

٣٩١
 &

الاصحاب (١) ـ لعسر الاطلاع علىٰ البواطن .

وقد روىٰ الشيخ باسنادٍ معتبر عن أبي جعفر علیه‌السلام : « اذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس ، فلا تقرأ واعتدّ بصلاته » (٢) . ويمكن ان يكون اقتداؤهم به تعديلاً له عند من لا يعرفه .

وقد روىٰ خلف بن حماد ، عن رجل ، عن الصادق علیه‌السلام : « لا تصل خلف الغالي ، والمجهول ، والمجاهر بالفسق وان كان مقتصداً » (٣) . وهذا يصلح حجة للجانبين ، من حيث لفظ « المجهول » ، ومفهوم « المجاهر بالفسق » .

الثاني : لو كان عدلاً ظاهراً ، ويعلم المأموم فسقه ، لم يقتد به لوجود المانع بالنسبة اليه . وهل تنعقد الجمعة بالنسبة الىٰ هذا المأموم ؟ الظاهر لا ، لعلمه باختلال الشرائط .

الثالث : المخالف في اُصول العقائد لا يقتدىٰ به ، الّا ان يكون في مسائل لا مدخل لها في الاسلام ـ كمسألة بقاء الاعراض ، وحدوث الارادة ، والنفي والاثبات ـ فان ذلك غير ضائر ؛ لأنّ مثله خفىٰ المدارك ولا يتوقّف عليه الايمان .

الرابع : المخالف في الفروع اذا لم يخرق الاجماع يجوز الاقتداء به (٤) ، لعدم خروجه بذلك عن العدالة .

__________________

(١) قال الشيخ الانصاري : وكذلك القول بانها عبارة عن حسن الظاهر غير مصرح به في كلام أحد من علمائنا ، وان نسبه بعض متأخري المتأخرين إلىٰ كثير بل إلىٰ الكل . رسالة في العدالة ضمن رسائل فقهية : ٢٤ .

وانظر مفتاح الكرامة ٣ : ٨٢ فقد فصل البحث فيها .

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٥ ح ٧٩٨ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١١١ ، الخصال : ١٥٤ ، التهذيب ٣ : ٣١ ح ١٠٩ ، ٢٨٢ ح ٨٣٧ .

(٤) اثبتناها من ط .

٣٩٢
 &

اما لو علم المأموم انه يترك واجباً ، أو شرطاً يعتقده المأموم ، لم يقتد به ، كالمخالفة في القبلة ، وفي التحري في الأواني ، وفي وجوب السورة .

وكذا لو اعتقد جواز الصلاة في الثعالب وصلّىٰ فيها ، لم يقتد به من يعتقد المنع .

وسادسها : طهارة المولد ، فلا تجوز امامة عن علم انّه ولد زنا ، لنقصه . ولقولهم عليهم‌السلام : « ولد الزنا شر الثلاثة » (١) . ولان شهادته لا تقبل فكذا امامته ، لان اداء الافعال الواجبة عليه في معنىٰ الشهادة . ولرواية زرارة عن أبي جعفر علیه‌السلام : « لا تقبل شهادة ولد الزنا ، ولا يؤمّ بالناس » (٢) .

اما ولد الشبهة ، ومن تناله الالسن ، فجائز ، لان الظاهر سلامة النسب .

وسابعها : صحة صلاته ظاهراً . فلو صلّىٰ غير متطهر ، أو فاقد أحد الشرائط ، والمأموم يعلم بذلك ، لم يصح الاقتداء به . ولا يشترط فيها كونها صحيحة في نفس الامر ، لما تقدم من عدم اعادة من صلّىٰ خلف المحدث ولما يعلم .

القسم الثاني : في الأوصاف الخاصة ، وهي ستة :

احدها : الذكورة شرط في إمام الرجال والخناثىٰ . فلو أمّ الرجال امرأة بطل الاقتداء اجماعا منّاً ، ولقوله علیه‌السلام : « لا تؤمّ امرأة رجلاً » (٣) . والخنثىٰ في معنىٰ المرأة ، لعدم العلم بذكوريته اذا كان مشكلاً .

ولا فرق بين التراويح وغيرها . وقول المزني وأبي ثور ومحمد بن

__________________

(١) سنن ابي داود ٤ : ٢٩ ح ٣٩٦٣ ، مسند احمد ٢ : ٣١١ ، المستدرك علىٰ الصحيحين ٤ : ١٠٠ ، السنن الكبرىٰ ١٠ : ٥٧ .

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٦ ح ٨ ، التهذيب ٦ : ٢٤٤ ح ٦١٤ .

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ح ١٠٨١ ، مسند أبي يعلىٰ ٣ : ٣٨١ ح ١٨٥٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٩٠ ، ١٧١ .

٣٩٣
 &

جرير الطبري بجواز إمامة المرأة الرجال في التراويح (١) ضعيف ، مسبوق بالاجماع وملحوق به .

ولا يؤمّ الخنثىٰ مثله ، لجواز كون الامام امرأة والمأموم رجلاً . وجوّزه ابن حمزة (٢) لتكافؤ الاحتمالين فيهما ، والاصل الصحة . وجوابه انّ من صور الامكان تخالفهما في الذكورة والانوثة كما قلناه ، والأصل وجوب القراءة علىٰ المصلّي الّا بعد العلم بالمسقط .

ولا كراهة في إمامة الرجل بالاجنبية وان خلا بها ، لان العدالة تمنع من تطرّق التهمة . قاله الفاضل (٣) .

ولو صلّىٰ خلف الخنثىٰ رجل ، فبان انه رجل بعد الصلاة أعاد ، لعدم صحة الدخول . اما لو ظنه رجلا فتبيّن رجلاً فالوجه الصحة ، لمطابقة ظنه نفس الامر .

ولا يشترط نيّة الرجل استتباع النساء في صحة اقتدائهنّ به .

وثانيها : القيام ، وهو شرط في امامة القائمين ، فلا يؤمّ القاعد القيام ، فلو فعل بطلت صلاتهم ، لما روي من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤمّن أحد بعدي جالساً » (٤) .

وعن أمير المؤمنين علیه‌السلام : « لا يؤمّ المقيد بالمطلقين ، ولا صاحب الفالج الأصحاء » (٥) .

ولو أمّ مثله جاز ، وان كان المأموم يرجو البرء ولا يرجوه الامام ،

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٥٥ ، المغني ٢ : ٣٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٤٥ .

(٢) الوسيلة : ١٠٥ .

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٦ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٩ ح ١١١٩ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٩٨ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٨٠ .

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١٠٨ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٤ .

٣٩٤
 &

لتساويهما حال الاقتداء .

ولو أمّ الاعرج أو الأقطع جاز مع القدرة علىٰ القيام .

وجوّز الشيخ ـ في الخلاف ـ ائتمام القاعد بالمومىء (١) . وكأنه عنىٰ به المضطجع والمستلقي ، ويمكن القول بالمنع ، لان صلاة المؤتمّ اكمل .

وثالثها : القراءة اذا أمّ قارئاً ، فلو أمّ الاُمي القارىء لم يصح اجماعا ـ والاُمي من لا يحسن قراءة الفاتحة والسورة ـ فلو أمّ مثله جاز إذا عجزا عن التعلم . ولو عجز الامام دون المأموم لم يصح اقتداؤه .

ولو احسن أحدهما الفاتحة والآخر السورة ، جاز ائتمام من يعجز عن الفاتحة بالقادر عليها دون العكس ، للاجماع علىٰ وجوبها في الصلاة بخلاف السورة .

ولو احسن أحدهما بعض الفاتحة والآخر بعض السورة ، فصاحب بعض الفاتحة أولىٰ بالامامة .

ولو احسن الآخر كمال السورة ، ففي ترجيح من يحسن بعض الفاتحة عليه نظر ، من حيث الاجماع علىٰ وجوب ما يحسنه ، ومن زيادة الآخر عليه . والاول أقرب ، مع احتمال جواز امامة كل منهما بالآخر .

ولا يجوز ان يأتمّ محسن السورة بمحسن الفاتحة ، ثم يأتمّ به محسن الفاتحة ليقرأ السورة ، فاذا انتهيا الىٰ الفاتحة ائتم به محسن السورة ، وهكذا ، لما فيه من تعاكس الامامة وهو غير معهود . وفي كلام التذكرة اشارة الىٰ احتمال جوازه (٢) .

والأخرس في معنىٰ الاُمي ، فيجوز ان يؤمّ مثله . ولو أمّ الأخرس

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٢١ المسألة ٥ .

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٧ .

٣٩٥
 &

الاُمي الناطق ، ففي الجواز نظر ، من عجزه عن التكبير ، ومن انّ الامام لا يتحمله ، وهما متساويان في عدم القراءة .

ولو احسن كل منهما بعض الفاتحة ، فان تساويا في ذلك البعض صحّ اقتداء كل منهما بصاحبه . وان اختلفا ، فان زاد أحدهما علىٰ الآخر جاز امامة الناقص دون العكس ، وان اختلف محفوظاهما لم يؤمّ أحدهما الآخر لنقص كل منهما بالنسبة الىٰ الآخر .

ولو كان يلحن في القراءة ، فان قدر علىٰ الاصلاح لم تصح صلاته إماماً ولا منفرداً ، وان عجز عنه جاز ان يؤمّ مثله لا غيره ، وان كان الغير يلحن ايضاً ، لاختلاف مواضع اللحن . ولا فرق بين كون اللحن مغيّر المعنىٰ ـ مثل : ضم تاء « انعمت » أو لا ـ مثل : فتح ميم « بسم » ـ لانّ القرآن عربي واللحن ليس بعربي .

وقول الشيخ بكراهية امامة من يلحن في قراءته ، احال المعنىٰ أو لم يحل ، في الحمد وغيرها ، إذا تعذّر عليه الاصلاح (١) .

وقول ابن ادريس : لا تجوز امامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن (٢) ويدلّ بمفهومه علىٰ جواز غير المغيّر للمعاني .

بعيدان . وتوجيههما بانّ صلاته صحيحة بالنسبة اليه مدخول ، وإلّا لصحّ الاقتداء بالاُمي .

وفي حكم اللاحن مؤوف اللسان مع عجزه عن الاصلاح تصح صلاته ، ولا يصح اقتداء غيره به . ولو أمّ مثله في ذلك الحرف صح ، وكذلك من في لسانه لكنة من آثار العجمة . ومن ذلك :

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٣ .

(٢) السرائر : ٦٠ .

٣٩٦
 &

الأرتّ ، وهو الذي يبدل حرفاً بغيره .

والالثغ ـ بالثاء المثلثة ـ وهو الذي يجعل الراء لاماً ، قاله الفراء (١) . قال : والارت هو الذي يجعل اللام تاء (٢) . وفي المبسوط : الالثغ الذي يبدل حرفاً مكان حرف (٣) .

والاليغ ـ بالياء المعجمة بنقطتين من تحت ـ وهو الذي لا يبين الكلام .

فلا تصح امامتهم إلّا بأمثالهم .

وفي المبسوط : الارت الذي يلحقه في أول كلامه رتج ، فيتعذر عليه ، فاذا تكلم انطلق لسانه (٤) . فعلىٰ هذا تجوز امامته مطلقا ، وكذا التمتام ـ وهو الذي يكرر التاء ـ والفأفاء ـ وهو الذي يكرر الفاء ـ اي : لا تتيسر لهما التاء والفاء الا بترديدها مرتين فصاعداً ، لان هذه زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة . نعم يكره الائتمام بهما لمن لا يساويهما ، قاله في التذكرة (٥) . ولم يذكر الكراهية في المعتبر (٦) .

وفي المبسوط فسّر التمتام والفأفاء بأنه الذي لا يحسن ان يؤدي التاء والفاء ، وحكم بكراهة إمامته (٧) لصحة صلاته باعتبار عجزه . ومنعه الفاضل كالأخرس (٨) وهو حسن .

__________________

(١) حكاه عنه في تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٨ .

(٢) حكاه عنه في تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٨ .

(٣) المبسوط ١ : ١٥٣ .

(٤) المبسوط ١ : ١٥٣ .

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٨ .

(٦) المعتبر ٢ : ٤٣٨ .

(٧) المبسوط ١ : ١٥٣ .

(٨) مختلف الشيعة : ١٥٥ .

٣٩٧
 &

اما من به لثغة خفيفة مع من يخلص الحرف ولا يبلغ به تبديله بغيره ، فجائز إمامته للقارئ وان كان القارئ افضل ، لانّ ذلك يعد قرآنا .

ورابعها : ستر العورة اذا أمّ لمستورها . فلو أمّ العاري بالمستور فالاقرب المنع ، لنقص صلاته من حيث الشرط ومن حيث الاركان ، لانه يومىء بها ايماء ، وربما صلّىٰ قاعدا والقائم لا يؤمّه القاعد .

وربما قال الفاضل : ان اقتدىٰ بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود لمرض جاز (١) . وهذا بناءً علىٰ انّ المانع انما هو عجزه عن الاركان ، واما اذا علّل بنقصه من حيث الستر فلا .

واطلق الشيخ جواز اقتداء المكتسي بالعاري (٢) لان صلاته صحيحة بالنسبة اليه .

ولو امّ العاري بمثله جاز . نعم ، لو تمكّن أحدهما من ستر احدىٰ العورتين ، وعجز الآخر ، جاز الائتمام بالمستور احداهما للآخر . وفي العكس الأوجُه .

وخامسها : القدرة علىٰ الاستقبال . فلو عجز عن الاستقبال لم يؤمّ القادر عليه ، ويجوز ان يؤم مثله .

وسادسها : الختان‌ ـ وقد قيل انه من الشروط العامة (٣) ـ لما روي عن زيد عن آبائه عن علي علیه‌السلام : « الاغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم ، لانّه ضيّع من السنة اعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، إلّا ان يكون ترك ذلك خوفاً علىٰ نفسه » (٤) .

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٩ .

(٢) الخلاف ١ : ١٢١ المسألة ٥ .

(٣) راجع : المقنع : ٣٥ ، المعتبر ٢ : ٤٤٢ ، نهاية الاحكام ٢ : ١٤٣ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١٠٧ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ح ١٠٨ .

٣٩٨
 &

ويمكن ردّ هذا الىٰ اشتراط العدالة ، وانما ذكرناه هنا لان الشيخ ابا الصلاح ـ رحمه‌الله ـ جوّز إمامة الاغلف للاغلف لا للمطَّهِّر (١) .

والأقرب انه متىٰ تمكّن من الختان بطلت إمامته مطلقاً لفسقه ، وإلّا صحت مطلقاً ، والخبر محمول علىٰ التمكّن صريحاً .

وهنا مسائل :

الاُولىٰ : اختلف في إمامة العبد .

فقال في المبسوط والنهاية : لا يجوز ان يؤمّ الأحرار ، ويجوز ان يؤمّ بمواليه اذا كان أقرأهم (٢) .

وقال ابن بابويه ـ في المقنع ـ : ولا يؤم العبد إلّا أهله (٣) لرواية السكوني عن الصادق علیه‌السلام عن أبيه عن علي عليهما‌السلام قال : « لا يؤم العبد إلّا أهله » (٤) .

واطلق ابن حمزة ان العبد لا يؤمّ الحر (٥) .

وجوز امامته مطلقاً ابن الجنيد وابن ادريس (٦) .

واطلق الشيخ ـ في الخلاف ـ جواز امامته ، قال : وفي بعض رواياتنا ان العبد لا يؤمّ إلّا مولاه (٧) .

وقال أبو الصلاح : يكره (٨) .

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤٤ .

(٢) المبسوط ١ : ١٥٥ ، النهاية : ١١٢ .

(٣) المقنع : ٣٥ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٣١ .

(٥) الوسيلة : ١٠٥ .

(٦) السرائر : ٦١ ، مختلف الشيعة : ١٥٣ .

(٧) الخلاف ١ : ١٢١ المسألة ٨ .

(٨) الكافي في الفقه : ١٤٤ .

٣٩٩
 &

والبحث عن الجواز ، وان كان الحر مقدماً عليه عند التعارض ، لان الصفات المعتبرة كافية ، وقد قال علیه‌السلام « يؤمكم أقرؤكم » (١) .

وقد روي في الصحيح عن محمد بن مسلم ـ تارة يرويه عن الصادق علیه‌السلام ، وتارة عن أحدهما ـ جوازه صريحا (٢) . ولا يعارضه رواية السكوني ، مع امكان حملها علىٰ الكراهية ، كما قاله ابو الصلاح .

فرع :

المعتق بعضه أولىٰ من القن ، وممّن انعتق منه أقل ، والحر أولىٰ منهما . وفي ترجيح من تشبث بالحرية قبل حصول حقيقتها ـ كالمدبر ، والمكاتب المشروط والمطلق قبل الاداء ، والموصىٰ بعتقه ـ علىٰ القن ، أو ترجيح بعضهم علىٰ بعض ، نظر . ولعل الاقرب عدم الترجيح ، اذ لم يثبت جعل ذلك مرجحاً ، فتبقىٰ المرجحات المشهورة سليمة عن المعارض .

الثانية : قال المرتضىٰ ـ رحمه‌الله ـ : لا يؤمّ الاجذم ، والابرص ، والمحدود ، ولا صاحب الفالج الاصحّاء ، ولا المتيمم المتوضئين (٣) .

وقال في الانتصار : تكره إمامة الابرص ، والمجذوم والمفلوج (٤) .

وقال الصدوق : لا يؤمّ الاعرابي المهاجرين ، ولا باس ان يؤم المتيمم المتوضئين (٥) .

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ ح ٧٢٦ ، سنن ابي داود ١ : ١٦١ ح ٥٩٠ ، مسند ابي يعلىٰ ٤ : ٢٣١ ح ٢٣٤٣ ، السنن الكبرىٰ ١ : ٤٢٦ .

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ٩٩ ، ١٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٢٨ ، ١٦٢٩ .

(٣) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٩ .

(٤) الانتصار : ٥٠ .

(٥) المقنع : ٣٥ .

٤٠٠