ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ولو كان يعتوره ادواراً ، فالاقرب الكراهة وقت افاقته . وحرّمه الفاضل ؛ لانه لا يؤمن عروضه له في أثناء الصلاة ، ولجواز احتلامه في جنّته بغير شعوره (١) .

قلت : تجويز العروض لا يرفع تحقيق الاهلية ، والتكليف يتبع العلم .

الثالث : ان لا يكون امرأة ولا خنثى ؛ لعدم تكليفهما بهذه الصلاة ، وعدم جواز امامتهما بالرجال .

الرابع : الحرية ، واحوط القولين اعتبارها ؛ لعدم تكليفه بها ، ولنقصه عن مرتبة الامامة ، ولرواية السكوني عن الصادق علیه السلام عن أبيه عن علي علیه السلام انه قال : « لا يؤمّ العبد الّا اهله » (٢) . وهو اختيار الشيخ في النهاية (٣) تبعاً لشيخه المفيد (٤) .

وقال في المبسوط : يجوز (٥) واختاره المتأخرون (٦) لما رواه محمد بن مسلم ـ في الصحيح ـ عن الصادق علیه السلام في العبد يؤمّ القوم اذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة ، قال : « لا بأس به » (٧) ويجوز ان تكون محمولة على الجماعة المستحبة .

الخامس : العدالة ـ وهي : هيئة راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة ، بحيث لا يواقع الكبائر ولا يصرّ على الصغائر ـ وعليه اجماع الاصحاب هنا وفي الجماعة المطلقة ؛ لظاهر قوله تعالىٰ : ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَىٰ

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٤ .

(٢) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٣١ .

(٣) النهاية : ١٠٥ .

(٤) المقنعة : ٢٧ .

(٥) المبسوط ١ : ١٤٩ .

(٦) راجع : المعتبر ٢ : ٢٩٣ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٥ ، مختلف الشيعة : ١٥٣ .

(٧) التهذيب ٣ : ٢٩ ح ١٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٢٣ ح ١٦٢٩ .

١٠١
 &

الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (١) .

وروى العامة عن النبي صلّى الله عليه وآله ـ بطريق جابر ـ : « لا تؤمّن امرأة رجلاً ، ولا فاجر مؤمناً ، الّا ان يقهره سلطان أو يخاف سيفه أو سوطه » (٢) .

وروى سعد بن اسماعيل ، عن أبيه ، عن الرضا علیه السلام : منع امامة من يقارب الذنوب (٣) .

وفي خبر آخر : « امامك شفيعك الى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقا » رواه الصدوق عن ابي ذر رضي الله عنه (٤) والظاهر انه قاله توقيفا .

وأولى بالاشتراط الايمان والاسلام . فلو ظن ايمانه أو اسلامه فظهر خلافه ، صحت الصلاة ؛ لانه متعبّد بظنه . ولا فرق بين ظهور الكفر الذي لا يخفى ـ كاليهودية والنصرانية ـ أو غيره ـ كالزندقة . ولو شك في اسلام الامام ، أو في عدالته ، لم تصحّ الصلاة خلفه .

فرع :

الاختلاف في الفروع الشرعية لا يقدح في العدالة ؛ للاجماع على ذلك . نعم ، لو اعتقد شيئاً ففعل خلافه قدح ، وكذا المقلد لو ترك تقليد العالم أو الاعلم .

السادس : طهارة المولد ، فلا تصح امامة ولد الزنا المعلوم حاله اجماعاً منا . ولا عبرة بمن تناله الألسن ، ولا تقدح ولادة الشبهة ، ولا كونه مجهول

__________________

(١) سورة هود : ١١٣ .

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ح ١٠٨١ ، مسند ابي يعلى ٣ : ٣٨١ ح ١٨٥٦ ، السنن الكبرى ٣ : ١٧١ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٩ ح ١١١٦ ، التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٠ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٣ ، وفي التهذيب ٣ : ٣٠ ح ١٠٧ .

١٠٢
 &

الاب . وفي كراهة الائتمام بهؤلاء قول لا بأس به (١) لنقصهم ، وعدم كمال الانقياد الى متابعتهم .

السابع : السلامة من الجذام والبرص ـ في قول مشهور ـ في الجماعة مطلقاً ؛ لصحيحة ابي بصير عن الصادق علیه السلام : « خمسة لا يؤمّون الناس على كل حال : المجذوم ، والابرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والاعرابي » (٢) .

وكرهه المرتضى في أحد قوليه (٣) ؛ للاصل ، ولرواية عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن المجذوم والابرص ، هل يؤمّان المسلم ؟ قال : « نعم » . قلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن ؟ قال : « نعم ، وهل كتب البلاء الّا على المؤمن » (٤) .

والجمع بينهما بالحمل على الكراهية ، ولكن يلزم منه استعمال المشترك في معنييه ؛ لان النهي في ولد الزنا والمجنون محمول على المنع من النقيض قطعاً ، فلو حمل على المنع لا من النقيض في غيرهما لزم المحذور . ويمكن ان يقال لا مانع من استعمال المشترك ، وان سلم فهو مجاز لا مانع من ارتكابه .

الثامن : السلامة من العمى في احتمال ، ولم نجد به شاهداً ، لكن في رواية السكوني عن الصادق علیه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين علیه السلام : « لا يؤمّ الاعمى في الصحراء الّا ان يوجّه الى القبلة » (٥) وظاهر انه غير مانع من الامامة . فان علل بكونه ممّن لا تجب عليه الجمعة ، قلنا : مع الحضور تجب عليه وتنعقد به .

وفي التذكرة نقل انّ أكثر علمائنا قائلون باشتراط سلامة الامام من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٧ .

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢٦ ح ٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ح ١٦٢٦ .

(٣) الانتصار : ٤٩ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ح ١٦٢٧ .

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٤ .

١٠٣
 &

العمىٰ ؛ لانه لا يتمكّن من الاحتراز عن النجاسات غالباً (١) . واختاره في النهاية ؛ لانه ناقص فلا يصلح لهذا المنصب الجليل (٢) . والنقل مجهول ، والتعليلان ضعيفان ، مع قضية الاصل المقتضية للجواز وان الاعتماد على الايمان والعدالة .

التاسع : إذن الامام له ـ كما كان النبي صلّى الله عليه وآله يأذن لأئمة الجمعات وأمير المؤمنين (٣) بعده ـ وعليه اطباق الامامية . هذا مع حضور الامام علیه السلام .

واما مع غيبته ـ كهذا الزمان ـ ففي انعقادها قولان ، اصحهما ـ وبه قال معظم الاصحاب (٤) ـ الجواز اذا امكن الاجتماع والخطبتان . ويعلّل بأمرين :

احدهما : انّ الاذن حاصل من الائمة الماضين فهو كالاذن من إمام الوقت ، واليه اشار الشيخ في الخلاف (٥) .

ويؤيده صحيح زرارة قال : حدثّنا ابو عبد الله علیه السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه ، فقلت : نغدو عليك ، فقال : « لا ، انما عنيت عندكم » (٦) .

ولان الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن ـ كالحكم والافتاء ـ فهذا أولى .

والتعليل الثاني : ان الاذن انما يعتبر مع امكانه ، اما مع عدمه فيسقط

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٥ وذكر فيه التعليلين .

(٢) نهاية الاحكام ٢ : ١٥ ، ١٥٠ ولم يذكر فيه سوى التعليل الاول .

(٣) انظر : الحدائق الناضرة ٩ : ٤٢٢ ومفتاح الكرامة ٣ : ٥٥ والحاوي الكبير ٢ : ٤٤٦ .

(٤) راجع : المبسوط ١ : ١٥١ ، النهاية : ١٠٧ ، المعتبر ٢ : ٢٧٩ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٥ ، مختلف الشيعة : ١٠٩ .

(٥) الخلاف ١ : ٦٢٦ ، المسألة ٣٩٧ .

(٦) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ح ١٦١٥ .

١٠٤
 &

اعتباره ، ويبقى عموم القرآن والاخبار خالياً عن المعارض .

وقد روى عمر بن يزيد ـ في الصحيح ـ عن الصادق علیه السلام : « اذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة » (١) .

وفي الصحيح عن منصور عن الصادق علیه السلام : « يجمّع القوم يوم الجمعة اذا كانوا خمسة فما زاد ، والجمعة واجبة على كل أحد ، لا يعذر الناس فيها الا خمسة : المرأة ، والمملوك ، والمسافر ، والمريض ، والصبي » (٢) .

وفي الموثق عن زرارة عن عبد الملك عن الباقر علیه السلام ، قال : قال : « مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله » . قال : قلت كيف أصنع ؟ قال : « صلوا جماعة » يعني : صلاة الجمعة (٣) ، في أخبار كثيرة مطلقة .

والتعليلان حسنان ، والاعتماد على الثاني .

اذا عرفت ذلك ، فقد قال الفاضلان : يسقط وجوب الجمعة حال الغيبة ، ولم يسقط الاستحباب (٤) . وظاهرهما انّه لو أتى بها كانت واجبة مجزئة عن الظهر ، فالاستحباب انما هو في الاجتماع ، أو بمعنى : انه افضل الأمرين الواجبين على التخيير .

وربما يقال بالوجوب المضيّق حال الغيبة ؛ لان قضية التعليلين ذلك ، فما الذي اقتضى سقوط الوجوب ؟ الا انّ عمل الطائفة على عدم الوجوب العيني في سائر الاعصار والامصار ، ونقل الفاضل فيه الاجماع (٥) .

وبالغ بعضهم فنفى الشرعية أصلاً ورأسا ـ وهو ظاهر كلام المرتضى (٦)

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ح ٦٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ح ١٦٠٧ .

(٢) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ح ١٦١٠ ، ١٦١٦ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٨ ، الاستبصار ١ : ٤٢٠ ح ١٦١٦ .

(٤) المعتبر ٢ : ٢٧٩ ، تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٥ .

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٥ .

(٦) جوابات المسائل الميافارقيات ١ : ٢٧٢ .

١٠٥
 &

وصريح سلار (١) وابن ادريس (٢) وهو القول الثاني من القولين ـ بناءً على انّ اذن الامام شرط الصحة وهو مفقود .

وهؤلاء يسندون التعليل الى اذن الامام ويمنعون وجود الاذن ، ويحملون الاذن الموجود في عصر الائمة عليهم السلام على من سمع ذلك الاذن وليس حجة على من يأتي من المكلّفين ، والاذن في الحكم والافتاء أمر خارج عن الصلاة ، ولان المعلوم وجوب الظهر فلا تزول الّا بمعلوم . وهذا القول متوجّه والّا لزم الوجوب العيني ، واصحاب القول الاول لا يقولون به .

ثم اعلم انّه لا خلاف انّه لو حضر الامام الاعظم مصراً وتمكّن من الامامة لم يؤم غيره ؛ تاسياً بفعل النبي صلّى الله عليه وآله والائمة بعده ولرواية حماد بن عيسى عن الصادق علیه السلام عن أبيه عن علي علیه السلام : « اذا قدم الخليفة مصرا من الامصار جمّع بالناس ، ليس ذلك لاحد غيره » (٣) . نعم ، لو كان له مانع استناب ، ولا يجوز التقدم بغير اذنه .

الشرط الثاني : العدد ، ولا خلاف في اعتباره في الجمعة . وعندنا في اقلّه روايتان ، اشهرهما والاظهر في الفتوى انه خمسة أحدهم الامام ، رواه زرارة عن الباقر علیه السلام (٤) ورواه منصور في الصحيح عن الصادق علیه السلام (٥) .

وروى محمد بن مسلم عنه : « سبعة ولا تجب على أقل منهم : الامام وقاضية ، والمدعي حقاً ، والمدعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود

__________________

(١) المراسم : ٢٦١ .

(٢) السرائر : ٦٦ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٣ ح ٨١ .

(٤) الكافي ٣ : ٤١٩ ح ٤ ، التهذيب ٣ : ٢٤٠ ح ٦٤٠ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ح ١٦١٢ .

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ح ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ٤١٩ ح ١٦١٠ .

١٠٦
 &

بين يدي الامام » (١) . وفيه اشارة الى انّ الاجتماع المدني لا يتمّ إلا بهؤلاء ، والجمعة تتبع التمدن لانها انما تجب على المستوطنين .

وهذان الخبران كالمتعارضين ، فجمع الشيخ أبو جعفر بن بابويه والشيخ أبو جعفر الطوسي ـ رضي الله عنهما ـ بالحمل على الوجوب العيني في السبعة ، والوجوب التخييري في الخمسة (٢) . وهو حمل حسن ، ويكون معنى قوله علیه السلام : « ولا تجب على أقل منهم » نفي الوجوب الخاص ـ أي : العيني لا مطلق الوجوب ـ لئلا يتناقض الخبران المرويان بعدة اسانيد .

والمحقق في المعتبر لحظ هذا ، ثم قال : هذا وان كان مرجحاً لكن روايتنا دالة على الجواز ، ومع الجواز تجب لقوله تعالىٰ : ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ) . فلو عُمل برواية محمد بن مسلم لزم تقييد الأمر المطلق المتيقن بخبر الواحد ، ولا كذا مع العمل بالاخبار التي اخترناها مع انها اكثر ورودا ونقلة . على انّه لا يمكن العمل برواية محمد بن مسلم ؛ لانّه أحصى السبعة بمن ليس حضورهم شرطاً ، فسقط اعتبارها (٣) .

قلت : الجواز لا يستلزم الوجوب والّا لوجبت عيناً حال الغيبة ، والاحتجاج بعموم القرآن وارد فيه . والامر المطلق مسلم ، ولكن الاجماع على تقييده بعدد مخصوص ، حتى قال الشافعي واحمد : اربعون (٤) وابو حنيفة : أربعة أحدهم الامام (٥) ، ومصير الاصحاب الى ذلك العدد مستند الى الخبر ، وهو من الطرفين في حيز الآحاد ، فلا بد من التقييد به .

فان قال : صاحب السبعة موافق على الخمسة ، فاتفقا على التقييد بها ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٧ ح ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ح ٧٥ ، الاستبصار ١ : ٤١٨ ح ١٦٠٨ .

(٢) المبسوط ١ : ١٤٣ ، النهاية : ١٠٣ .

(٣) المعتبر ٢ : ٢٨٢ .

(٤) المغني ٢ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٠ .

(٥) المغني ٢ : ١٧٢ ، فتح العزيز ٤ : ٥١٠ .

١٠٧
 &

فيؤخذ المتفق عليه .

قلنا : هذا من باب الأخذ بأقل ما قيل ، وقد توهّم بعض الاُصوليين انه حجة بل اجماع (١) وقد بيّنا ضعفه في الاُصول .

واما احصاء العدد بالسبعة فلبيان الحكمة في اعتبار الاستيطان في الجمعة لا لانّه شرط في انعقادها .

وقال الفاضل ـ رحمه الله ـ في المختلف : في طريق رواية محمد بن مسلم الحَكَم بن مسكين ولا يحضرني الآن حاله ، فنحن نمنع صحة السند ونعارضه بما تقدّم من الاخبار ، ويبقى عموم القرآن سالماً عن المعارض (٢) .

قلت : الحكم ذكره الشكي ولم يعرض له بذم (٣) والرواية مشهورة جداً بين الاصحاب ، لا يطعن فيها كون الراوي مجهولاً عند بعض الناس . والمعارضة منتفية بما ذكرناه من الحمل .

وقال في التذكرة : الرواية ليست ناصّة على المطلوب ؛ لان الاقل من السبعة قد يكون أقل من الخمسة ، فتحمل عليه جميعاً بين الادلة (٤) .

قلت : فيه بعد ؛ لانه خلاف الظاهر ؛ لانه اذا قيل : هذا العدد أقل من كذا ، كان صادقاً على كل ما نقص عنه حقيقة بواحد أو أكثر ، فتخصيصه خلاف الظاهر . ولان « أقل » نكرة في سياق النفي فتعمّ ، فهو في قوة : لا تجب على كل عدد ينقص عن السبعة .

فروع أربعة :

احدها : العدد انما هو شرط في الابتداء لا في الاستدامة . فلو تحرّموا

__________________

(١) راجع : الذريعة للمرتضى ٢ : ٨٣٣ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٠٣ .

(٣) راجع : رجال الكشي : ٤٥٧ برقم ٨٦٦ .

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٦ .

١٠٨
 &

بها ثم انفضوا الّا الامام اتمّها جمعة : للنهي عن ابطال العمل ، واشتراط الاستدامة منفي بالأصل ، ولا يلزم من اشتراطه في الابتداء اشتراطه في الدوام ، كعدم الماء في حق المتيمم . وهو فتوى الشيخ في كتبه (١) مع قوله في الخلاف : انه لا نصّ لاصحابنا فيه لكنه قضية المذهب ؛ لانه دخل في جمعة وانعقدت بطريقة معلومة ، فلا يجوز ابطالها الا بيقين (٢) .

واما اعتبار بقاء واحد مع الامام أو اثنين ، أو انفضاضهم بعد صلاة ركعة تامة في وجوب الاتمام ، أو اعتبار بقاء جميع العدد ـ كما تنسب هذه الاُمور الى الشافعي (٣) ـ فتحكّم ، وان كان الفاضل قد رجّح اعتبار الركعة في وجوب الاتمام ؛ لقول النبي صلّى الله عليه وآله : « من أدرك ركعة من الجمعة فليضف اليها اُخرى » (٤) .

وجوابه منع الدلالة على المطلوب . نعم ، لا عبرة بانفضاض الزائد على العدد مع بقاء العدد ، سواء شرعوا في الصلاة أوْ لا اجماعاً .

الثاني : لو حضر عدد آخر بعد التحريمة فتحرّموا ثم انقضّ الأولون لم يضر ؛ لان الانعقاد قد تم بالواردين ، قاله في التذكرة (٥) .

ويشكل بان من جملة الأولين الامام فكيف تنعقد بدونه ؟ الا ان يقال : ينصبون الآن اماماً ، أو يكون قد انفض من عدا الامام ، ويكون ذلك على القول باعتبار الركعة ؛ لانه لو لم تعتبر الركعة في بقاء الصحة كان بقاء الامام وحده

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٤ .

(٢) الخلاف ١ : ٦٠٠ ، ٦٠١ المسألة : ٣٦٠ .

(٣) المجموع ٤ : ٥٠٦ ، فتح العزيز ٤ : ٥٣١ .

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٧ .

وقول النبي صلّى الله عليه وآله في : سنن ابن ماجة ١ : ٣٥٦ ح ١١٢١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٩١ .

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٧ .

١٠٩
 &

كافياً في الصحة ، ولا يكون في حضور العدد الآخر فائدة تصحح الصلاة .

الثالث : لو انفضوا قبل الصلاة سقطت ، وكذا لو انفض ما ينقص به العدد . ولو انفضوا في أثناء الخطبة فكذلك ، فلو عادوا أعادها من رأس ان كانوا لم يسمعوا أركانها . ولو سمعوا بنى ، سواء طال الفصل أم لا ؛ لحصول مسمّى الخطبة ، ولم يثبت اشتراط الموالاة ، الا ان نقول : هي كالصلاة ، فيعيدها .

ويشكل بانه لا يأمن انفضاضهم ثانياً لو اشتغل بالاعادة ، فيصير ذلك عذراً في ترك الجمعة .

الرابع : لو كان الامام هو الذي فارق في أثناء الصلاة فكغيره عند الفاضل (١) لان الباقين مخاطبون بالاكمال ، وحينئذ ينصبون إماماً منهم ؛ لعدم انعقادها فرادى ، كما يأتي .

الشرط الثالث : كمال المخاطب بها ، وانما يكمل باُمور عشرة .

الاول : البلوغ ، فلا تجب على الصبي لعدم التكليف ، ولا تنعقد به وان كان مميزاً .

نعم ، تجوز صلاته تمريناً وتجزئه عن الظهر . ولو صلّى الظهر ثم بلغ سعى الى الجمعة ، فان ادرك والّا أعاد ظهره ؛ لعدم اجزاء ما وقع في الصبا عن الواجب .

الثاني : العقل ، فلا تجب على المجنون ، ولا تنعقد به بمثل ما قلناه في الصبي . ولو كان جنونه ادوارا ، فاتفق مفيقاً حالة الاقامة ، وجبت ان استمرت الافاقة الى آخرها والّا سقطت . ولو زال جنونه ووقتها باق وجبت .

الثالث : الذكورة ، فلا تجب على المرأة ، ولا تنعقد بها على الاشهر ؛ لما مرّ من قول الباقر والصادق عليهما السلام (٢) . وفي حكمها الخنثى

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ : ١٤٧ .

(٢) تقدما في ص ١٠٠ الهامش ٢ ، ٣ .

١١٠
 &

المشكل ؛ للشك في السبب ، اما لو التحق بالرجال فانها تجب عليه .

وخالف ابن ادريس هنا ، فزعم انه لو حضرت المرأة وجبت عليها واجزأتها عن الظهر ، غير انها لا تحسب من العدد (١) .

ويظهر من كلام الشيخ في النهاية ، حيث عدّ من تسقط عنه وعدّ المرأة ، ثم قال : فان حضروا الجمعة وجبت عليهم الدخول فيها واجزأتهم الصلاة ركعتين ، ولم يستثن سوى غير المكلّف (٢) ، وكذا في التهذيب (٣) وظاهره صحتها من المرأة .

وقد روى حفص بن غياث ، عن بعض مواليهم عليهم السلام ، عن الصادق علیه السلام : « ان الله تعالى فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات ، ورخّص للمرأة والمسافر والعبد ان لا يأتوها ، فاذا حضروها سقطت الرخصة ولزمهم الفرض الاول » (٤) .

فان تمسّك ابن ادريس به لم يتم ، اما على معتقده في خبر الواحد فظاهر ، واما على قول غيره فلضعف حفص ، وجهالة الواسطة وخرق اجماع العلماء من عدم وجوبها على المرأة ، قاله في المعتبر (٥) .

وقد صرح الشيخ بذلك في المبسوط ، حيث جعل الناس في باب الجمعة على خمسة اضرب :

من تجب عليه وتنعقد به ، وهو جامع الشرائط العشرة : الذكورة ، والحرية ، والبلوغ ، والعقل ، والصحة من المرض ، وعدم العمى ، والعرج ، والشيخوخة ، والسفر ، والزيادة على فرسخين .

__________________

(١) السرائر : ٦٣ .

(٢) النهاية : ١٠٣ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢١ .

(٤) التهذيب ٣ : ٢١ ح ٧٨ .

(٥) المعتبر ٢ : ٢٩٣ .

١١١
 &

ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو : الصبي ، والمجنون ، والعبد ، والمسافر ، والمرأة . فهؤلاء لا تجب عليهم ، ولا تنعقد بهم ، ويجوز لهم فعلها تبعاً لغيرهم .

ومن تنعقد به ولا تجب عليه ، وهو : المريض ، والاعمى ، والاعرج ، والبعيد بأزيد من فرسخين . فانهم لا يجب عليهم الحضور ، ولو حضروا تمّ بهم العدد ووجبت عليهم وانعقدت بهم .

ومن تجب عليه ولا تنعقد به ، وهو : الكافر .

ومختلف فيه ، وهو : من كان مقيماً في بلد من طلاب العلم والتجار ولمّا يستوطنه ، بل متى قضى وطره خرج ، فانها تجب عليه وتنعقد به عندنا ، وعندهم خلاف (١) .

وهذا تصريح بعدم الوجوب عليها مطلقاً ، وهو الاصح ؛ للاصل ، وتيقّن تكليفها بالظهر فلا تخرج عنه الّا بيقين .

وفي قول الشيخ : بجواز فعلها تبعاً لغيرها ، اشعاراً باجزائها عن الظهر ـ وهو ظاهر الاخبار ـ وان لم تجب ، كما يأتي في المسافر والعبد . وقد روى ابو همام عن ابي الحسن علیه السلام : « إذا صلت المرأة مع الامام ركعتين الجمعة فقد نقصت صلاتها ، وان صلت في المسجد أربعاً فقد نقصت صلاتها ، لتصلّي في بيتها اربعاً أفضل » (٢) .

والعامة حكموا بالاجزاء ؛ لانها تجزئ الذين لا عذر لهم لكمالها فلان تجزئ اصحاب العذر أولى ، ولم يستثنوا سوى المجنون . وجوّزوا للنساء والعبيد والمسافرين الانصراف بعد الحضور فيصلون الظهر ، بخلاف المريض ؛ لان المانع في حقه المشقة وقد زالت بحضوره ، ومشقة العود لازمة له على تقديري

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٣ .

(٢) التهذيب ٣ : ٢٤١ ح ٦٤٤ .

١١٢
 &

صلاة الجمعة والظهر ، اللهم الا ان يكون في اقامة الجمعة انتظار زائد تزيد به مشقته ، والحقوا به أصحاب المعاذير الملحقة بالمرض كالمطر والوحل الشديد والتمريض (١) .

أقول : الخلاف الذي اشار اليه في المبسوط في الطلاب والتجار لابي اسحاق من الشافعية ، كان يقول : لا تنعقد بي الجمعة لاني ما استوطنت بغداد فاني على عزم الخروج متى اتفق لي الى مصر والشام (٢) ، وخالفه ابن ابي هريرة وزعم انعقادها به (٣) كمذهبنا ، مع انهم متفقون على وجوبها عليهما وانما الخلاف في تمام عدد الجمعة بهم ، والذي صححوه مذهب ابي اسحاق ؛ لان النبي صلّى الله عليه وآله لم يجمّع في حجة الوداع وقد وافق يوم عرفة يوم الجمعة (٤) وانما لم يجمّع لانّه ومن معه لم يكونوا متوطنين وان كانوا قد عزموا على الاقامة اياماً .

قلت : هذا كله اذا كان المقيم قد خرج عن التقصير في السفر بنيّة المقام عشرة عندنا ، أو مضي ثلاثين يوماً في مصر وبنيّة اقامة اربعة أيام غير يومي الدخول والخروج عندهم .

الرابع : الحضر ، فلا تجب على المسافر ؛ لما سبق عندنا وعند أكثر العلماء . واوجبها عليه النخعي والزهري (٥) .

ويستمر عدم الوجوب حتى يلزمه الاتمام بما ذكرناه ، أو بغيره من اسباب الاتمام ، ككون السفر معصية وكون المسافر كثير السفر .

ويحرم انشاء السفر بعد الزوال ؛ لانها قد وجبت عليه ، فلا يجوز الاشتغال

__________________

(١) المجموع ٤ : ٤٩٥ ، المغني ٢ : ١٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٤ .

(٢) المجموع ٤ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٠ .

(٣) الهامش السابق .

(٤) المجموع ٤ : ٥٠٢ ، المغني ٢ : ١٩٣ .

(٥) المجموع ٤ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣ ، المغني ٢ : ١٩٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥١ .

١١٣
 &

بما يؤدي إلىٰ تركها كالتجارة واللهو . وهذا إلزام لابي حنيفة حيث قال : يجوز إلّا أن يضيق الوقت (١) بناءً علىٰ قوله : إنّ الصلاة تجب بآخر الوقت (٢) .

فإن قلت : الصلاة وإن وجبت بأوله إلّا أنها موسعة ، فلم يمنع السفر ولمّا يتضيّق الوقت ؟

قلت : لأنه مانع من اقامتها في دوامه ، ففيه اسقاط للواجب بعد حصول سببه ، ولأن التضيّق غير معلوم ، فانّ الناس تابعون للامام ووقت فعله غير معلوم .

ويكره السفر بعد الفجر قبل الزوال ، لعدم حصول السبب الموجب ، واضافة الصلاة إلىٰ الجمعة لا يقتضي كون اليوم بأسره سبباً ، وانّما كره لما فيه من منع نفسه من افضل الفرضين .

تنبيهات :

الأول : لو كان السفر واجباً ـ كالحج والغزو ـ أو مضطراً إليه فلا كراهة فيه . والاقرب انتفاء التحريم أيضاً لو كان بعد الزوال ، إذا كان التخلف يؤدي إلىٰ فوت الغرض أو صعوبة الالتحاق بالرفقة ، أما لو : خاف الانقطاع عن الرفقة في غير السفر الواجب أو الضروري فانّه ليس عذراً .

الثاني : لو خرج بعد الزوال فيما منع منه فهو عاص بسفره ، فلا يترخّص حتىٰ تفوت الجمعة ، فيبتدئ سفره من موضع تحقق الفوات .

__________________

(١) المغني ٢ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١ ، المجموع ٤ : ٤٩٩ ، شرح السنّة ٣ : ١٢٩ ، عارضة الأحوذي ٢ : ٣١٧ .

(٢) المغني ١ : ٤١٥ ، المجموع ٣ : ٤٧ ، فتح العزيز ٣ : ٤١ .

١١٤
 &

الثالث : لو كان بين يدي المسافر جمعة اُخرىٰ يعلم ادراكها ، ففي جواز السفر بعد الزوال وانتفاء كراهته قبله نظر ، من اطلاق النهي وانه مخاطب بهذه الجمعة ، ومن حصول الغرض .

ويحتمل ان يقال : ان كانت الجمعة في محل الترخص لم يجز ، لان فيه اسقاطاً لوجوب الجمعة وحضوره فيما بعد تجديد للوجوب ، إلّا ان يقال : يتعيّن عليه الحضور وان كان مسافراً ، لان اباحة سفره مشروط بفعل الجمعة .

ومثله لو كان بعيداً بفرسخين فما دون عن الجمعة ، فخرج مسافراً في صوب الجمعة ، فانه يمكن أن يقال : يجب عليه الحضور عيناً وان صار في محل الترخص ، لانّه لولاه لحرم عليه السفر .

ويلزم من هذين تخصيص قاعدة عدم الوجوب العيني علىٰ المسافر .

ويحتمل عدم كون هذا القدر محسوباً من المسافة لوجوب قطعه علىٰ كل تقدير ، اما عيناً كما في هذه الصورة ، أو تخييراً كما في الصورة الاُولىٰ ، ويجري مجرىٰ الملك في أثناء المسافة . ويلزم من هذا خروج قطعة من السفر عن اسمه بغير موجب مشهور وان كانت قبل محل الترخص ، كموضع يرىٰ الجدار أو يسمع الأذان ، ان امكن هذا الغرض حاز .

الرابع : قال ابن الجنيد : لو نوىٰ المسافر المقام خمسة أيام في البلد لزمه حضورها (١) ، لانه يصير بحكم المقيم عنده . وهو في رواية محمد بن مسلم عن الصادق علیه‌السلام لما سأله عن المسافر يحدث نفسه باقامة عشرة

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١٠٧ .

١١٥
 &

ايام ، قال : « فليتم الصلاة » . فقال له : بلغني انك قلت خمساً . قال : « قد قلت ذلك » . فقال له أبو ايوب : أيكون أقلّ من خمس ؟ قال : « لا » (١) .

وهو معارض بصحيح زرارة عن الباقر علیه‌السلام : « إذا دخلت أرضاً ، فايقنت ان لك بها مقام عشرة أيام ، فاتمّ الصلاة » (٢) ، وفي « اذا » معنىٰ الشرط ، والمشروط عدم عند عدم الشرط .

وحمل الشيخ الرواية الاُولىٰ علىٰ انّه من خصوصيات مكة والمدينة (٣) والفاضل على الاستحباب (٤) . وفيهما نظر :

اما الأول : فلانه يجوز المقام فيهما ، نوىٰ المقام مطلقاً أو لم ينو علىٰ الاصح ـ وهو مذهب الشيخ (٥) ـ فلا معنىٰ للتقييد بالخمسة ، فان التزم الشيخ بتوقف التمام علىٰ مقام الخمسة ـ كما وقفه ابن بابويه علىٰ العشرة (٦) ـ فهو مردود ، وان قال الشيخ : اذا اقام خمسة تأكد له التمام في الحرمين ، فهو محتمل ولكن ظاهر الرواية انه يصير حتماً ، ولهذا منع من التمام لأقل من خمس .

وأما حمل الفاضل ذلك علىٰ الاستحباب ، فان أراد به استحباب اتمام الصلاة بمقام خمسة فلم يصر إليه أحد من الاصحاب ، وان أراد به استحباب حضور الجمعة بذلك فلا بأس به ، إلّا انّ الرواية ليس فيها تعرّض للجمعة ، وانما صلاة الجمعة فرد من أفراد توابع الإقامة ، فان صحّ ان ذلك

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢١٩ ح ٥٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٤٩ .

(٢) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ١ ، التهذيب ٣ : ٢١٩ ح ٥٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٣٧ ح ٨٤٧ .

(٣) التهذيب ٣ : ٢٢٠ / ذيل الحديث ٥٤٨ .

(٤) مختلف الشيعة : ١٠٧ .

(٥) الخلاف ١ : ٥٧٦ / ٣٣٠٢ ، النهاية : ١٢٤ .

(٦) الفقيه ١ : ٢٨٣ / ذيل الحديث ١٢٨٤ .

١١٦
 &

القدر محصل للاقامة وجبت الجمعة وإلّا فلا .

والاصح اعتبار العشرة ، لانّ الرواية به اصحّ سنداً ، والقائل به أكثر عدداً ، بل لا نعلم فيه خلافاً لغير ابن الجنيد ، ولو عدت المسألة من الاجماع لم يكن بعيداً .

الخامس : لو حضر المسافر موضع إقامة الجمعة ، وجبت عليه وانعقدت به علىٰ احد القولين ، لصحتها منه فتنعقد به وتجب عليه ، والرواية الضعيفة عن غياث تضمنت ذلك (١) ، وهو فتوىٰ الشيخ في الخلاف (٢) وتبعه ابن ادريس (٣) والمحقق (٤) .

ومنع في المبسوط من الوجوب والانعقاد وان جاز فعلها (٥) ، والفائدة انّه لا يتم به العدد ، وتبعه ابن حمزة (٦) والفاضل (٧) ، لأنه ليس من اهل فرض الجمعة فهو كالصبي ، ولانّ الجمعة انما تنعقد بالمسافر تبعاً لغيره ، فكيف يكون متبوعاً ؟ ولانّه لو جاز ذلك جاز انعقادها بجماعة المسافرين وان لم يكن معهم حاضرون .

واجيب بان الفرق بينه وبين الصبي عدم التكليف ، فانّه لا يتصور في حق الصبي الوجوب بخلاف المسافر ، ونمنع التبعية للحاضر ، والالتزام بانعقادها بجماعتهم ، والظاهر ان الاتفاق واقع علىٰ صحتها بها واجزائها عن

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢١ ح ٧٨ ، عن حفص بن غياث .

(٢) الخلاف ١ : ١٣٩ المسألة ٢١ .

(٣) السرائر : ٦٤ .

(٤) المعتبر ٢ : ٢٩٢ .

(٥) المبسوط ١ : ١٤٣ .

(٦) الوسيلة : ١٠٣ .

(٧) مختلف الشيعة : ١٠٧ .

١١٧
 &

الظهر .

السادس : الافضل للمسافر حضور الجمعة ، ليفوز بصفة الكمال .

أمّا المرأة فالافضل لها ترك السعي إلىٰ الجمعة ، لما مرّ في رواية أبي همام (١) . ولا فرق بين المسنّة والشابة ، لظاهر الخبر ، ولعموم الأمر لهنّ بالستر .

الأمر الخامس : الحرية ، فلا تجب علىٰ العبد باجماعنا ، وهو قول أكثر العامة (٢) .

وأوجبها داود عليه مطلقاً (٣) . وعن أحمد روايتان (٤) . وقال الحسن البصري وقتادة تجب علىٰ المخارج ـ وهو الذي يؤدي الضريبة ـ وعلىٰ المكاتب (٥) .

لنا : ما سبق ، وانعقاد الاجماع قبل هؤلاء وبعدهم .

ولا فرق بين اُم الولد وغيرها ، ولا بين المدبر وغيره ، وكذا من تحرر بعضه .

ولو هاياه المولىٰ فاتفقت في نوبته لم تجب ، لبقاء الرق المانع ، واستصحاب الواقع .

وأوجبه في المبسوط (٦) ـ وهو وجه للشافعية (٧) ـ لانقطاع سلطنة

__________________

(١) تقدمت في ص ١١٢ الهامش ٢ .

(٢) لاحظ : المجموع ٤ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣ ، المغني ٢ : ١٩٤ . روضة الطالبين ١ : ٥٣٩ .

(٣) لاحظ : المجموع ٤ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣ ، المغني ٢ : ١٩٤ .

(٤) لاحظ : المجموع ٤ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣ ، المغني ٢ : ١٩٤ .

(٥) لاحظ : المجموع ٤ : ٤٨٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٣ ، المغني ٢ : ١٩٤ .

(٦) المبسوط ١ : ١٤٥ .

(٧) المجموع ٤ : ٤٨٥ .

١١٨
 &

السيد عن استخدامه . ويلزم مثله في المكاتب وخصوصاً المطلق ، وهو بعيد ، لأن مثله في شغل شاغل ، إذ هو مدفوع في يوم نفسه إلىٰ الجدّ في الكسب لنصفه الحر ، فالزامه بالجمعة حرج عليه .

فرع :

لو قلنا بوجوبها علىٰ قول الشيخ ، ففي انعقادها به الوجهان السالفان ، ولا يكون للتشبث بالحرية أثر في الانعقاد .

ولو ألزمه المولىٰ بالحضور ، احتمل وجوبه لوجوب طاعته فيما ليس عبادة ففيها أولىٰ ، وعدمه لأنه لا يملك ايجاب عبادة عليه . ولو حضر صحت منه ، وفي انعقادها به القولان المذكوران في المسافر والقائلان (١) .

واحتج في المختلف علىٰ منع انعقادها به ، بأنّ وجوبها عليه يستلزم أن لا ينفك التكليف عن وجه قبح ؛ لأن العبد لا يجب عليه الحضور ولا يجوز إلّا باذن مولاه ، فلو اعتدّ بحضوره في تكميل العدد لم ينفك هذا التكليف من القبيح ، وهو الحضور المستلزم للتصرف في مال الغير بغير اذنه ظاهراً (٢) .

وجوابه اعتباره في العدد من قبيل الواجب المشروط ، فانّه إن حضر ثمّ به العدد ، وإلّا سقط الوجوب إذا توقف الحضور عليه ، كما في حق الأعمىٰ والمريض والبعيد اجماعاً ، وكما يقوله الفاضل وغيره في

__________________

(١) تقدم في ص ١١٧ ، التنبيه الخامس .

(٢) مختلف الشيعة : ١٠٧ .

١١٩
 &

الجمعة حال الغيبة (١) .

واحتج الشيخ في الخلاف بعموم الدليل الدال علىٰ اعتبار العدد في العبد وغيره (٢) ، ولا يخلو قوله فيه وفي المسافر من قوة .

السادس : ارتفاع العمىٰ ، فلا تجب علىٰ الاعمىٰ عند الاصحاب (٣) سواء كان قريباً عن المسجد أوْ لا ، وسواء وجد قائداً أوْ لا ، لما سلف ، ولعموم : ( لَيْسَ عَلَىٰ الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ ) (٤) وهو حاصل في الجملة .

واوجبه عليه الشافعي واحمد مع المكنة (٥) لان عتاب بن مالك قال : يا رسول الله اني رجل محجوب البصر ، وان السيول تحول بيني وبين المسجد ، فهل لي من عذر ؟ فقال علیه‌السلام : « اتسمع النداء » فقال : نعم . فقال : « ما اجد لك عذراً اذا سمعت النداء » (٦) .

والجواب : الحمل علىٰ الاستحباب المؤكد .

ولا خلاف في سقوطها عنه لو لم يجد قائداً ، أو وجده بأجرة غير مقدورة له ، ولو قدر عليها وجبت عندهما (٧) وهو ممنوع . ولو حضر

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١٠٣ ، المقنعة : ٢٧ ، الانتصار : ٥٣ ، المراسم : ٧٧ .

(٢) الخلاف ١ : ١٤٠ المسألة ٢١ .

(٣) راجع : المقنعة : ٢٧ ، المبسوط ١ : ١٤٣ ، الوسيلة : ١٠٣ ، المعتبر ٢ : ٢٩٠ ، شرائع الإسلام ١ : ٩٦ .

(٤) سورة النّور : ٦١ .

(٥) المجموع ٤ : ٤٨٦ ، المغني ٢ : ١٩٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧ ، الشّرح الكبير ٢ : ١٥٠ .

(٦) مسند احمد بن حنبل ٤ : ٤٣ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ٥٨ . علماً أن كتب الرجال والحديث قد اختلفت في ضبط الرجل فهو يرد تارة : عتاب ، واخرىٰ : عتبان . انظر المصادر والاصابة ٢ : ٤٥٢ / ٥٣٩٦ ، والاستيعاب ٣ : ١٥٩ .

(٧) المجموع ٤ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٤ : ٦٠٧ .

١٢٠