ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وقال الشيخ ـ في الخلاف ـ : سبعة لا يؤمّون الناس علىٰ كل حال : المجذوم ، والابرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والاعرابي بالمهاجرين ، والمقيد بالمطلقين ، وصاحب الفالج بالاصحاء (١) .

وقال في المبسوط : لا يؤمّ الاعرابي بالمهاجرين ، ولا المجذوم والابرص والمحدود من ليس كذلك ، ولا يؤمّ المقيد المطلقين ، ولا صاحب الفالج الاصحاء (٢) . ونحوه في النهاية (٣) .

وقال ابن الجنيد : ولا أرىٰ إمامة الاعرابي للمهاجر ، لقول الله عز وجل ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ ) (٤) ولا امامة المجذوم وذي العاهة التي لا يؤمن معها ترك استيفاء وظائف الصلاة ، وكذلك المقعد للاصحاء ، ولا المتيمم للمتوضئين ، إلّا ان يكون خليفة الامام أو سلطاناً له .

وقال ابن أبي عقيل : ولا يؤمّ المفضول الفاضل ، ولا الاعرابي المهاجر ، ولا الجاهل العالم ، ولا صلاة خلف المحدود .

وقال المفيد ـ رحمه‌الله ـ في إمام الجمعة ، والشرائط التي تجب فيمن يجب معه الاجتماع : ان يكون حراً بالغاً طاهراً في ولادته مجنّباً من الامراض الجذام والبرص خاصة .

وقال ابن بابويه ـ فيمن لا يحضره الفقيه ـ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « امام القوم وافدهم ، فقدموا أفضلكم » (٥) .

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٢٥ المسألة ٣٤ .

(٢) المبسوط ١ : ١٥٥ .

(٣) النهاية : ١١٢ .

(٤) الآية في سورة الانفال : ٧٢ ، المقنعة : ٢٧ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٠ .

٤٠١
 &

وقال علیه‌السلام : « ان سركم ان تزكّوا صلاتكم فقدموا خياركم » (١) .

وقال علیه‌السلام : « من صلىٰ بقوم ، وفيهم من هو أعلم منه ، لم يزل أمرهم في سفال الىٰ يوم القيامة » (٢) .

وقال ابو ذر : ان إمامك شفيعك الىٰ الله ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً (٣) .

وروىٰ محمد بن مسلم عن أبي جعفر علیه‌السلام ، انه قال : « خمسة لا يؤمّون الناس ، ولا يصلون بهم صلاة فريضة في جماعة : الابرص ، والمجذوم ، والأعرابي حتىٰ يهاجر ، وولد الزنا ، والمحدود » (٤) .

وقال أمير المؤمنين علیه‌السلام : « لا يصلين أحدكم خلف الاجذم ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا . والاعرابي لا يؤم المهاجر » (٥) .

وقال علیه‌السلام : « لا يؤمّ صاحب القيد المطلقين ، ولا يؤمّ صاحب الفالج الاصحاء » (٦) .

وقال الباقر والصادق عليهما‌السلام : « لا بأس ان يؤمّ الاعمىٰ اذا رضوا به ، وكان اكثرهم قراءة وافقههم » (٧) .

وقال أبو جعفر علیه‌السلام : « إنّما العمىٰ عمىٰ القلب ‌( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠١ ، وفي المقنع : ٣٥ ، علل الشرائع : ٣٢٦ .

(٢) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٢ ، وفي المحاسن : ٩٣ ، علل الشرائع : ٣٢٦ ، ثواب الاعمال : ٢٤٦ ، التهذيب ٣ : ٥٦ ح ١٩٤ .

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٣ ، وفي علل الشرائع : ٣٢٦ ، التهذيب ٣ : ٣٠ ح ١٠٧ .

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٥ .

(٥) الفقيه ١ : ٢٤٧ ح ١١٠٦ ، وفي الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٤ ، وفيهما زيادة : « والابرص » .

(٦) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١٠٨ ، وفي الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٤ .

(٧) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١٠٩ .

٤٠٢
 &

الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) » (١) .

وقال ابو الصلاح : لا تنعقد الجماعة إلّا بإمام عدل ، طاهر الولادة ، سليم من الجنون والجذام والبرص ، الىٰ قوله : وقد تتكامل صفات الامامة لجماعة وتنعقد علىٰ وجه دون وجه ، وتكره علىٰ وجه دون وجه .

فالاول : المقيد بالمطلق ، والزمن بالصحيح ، والخصي بالسليم ، والاغلف بالمطهر ، والمحدود بالبرئ ، والمرأة بالرجال . ويجوز ان يؤم كل منهم باهل طبقته .

والثاني : الاعمىٰ بالمبصر ، أو المقصر بالمتم ، أو المتم بالمقصر ، والمتيمم بالمتوضىء ، والعبد بالحر . ولا كراهة في امامة كل منهم لاهل طبقته (٢) .

وقال ابن البراج ـ في المهذب ـ : واما من يؤمّ بمثله ولا يؤمّ بغيره من الاصحاء السليمين ، فهو : الابرص ، والمجذوم ، والمفلوج ، والزمن ، ولا يؤمّ الاعرابي المهاجرين ، ولا يؤمّ المتيمم المتوضئين ، ولا يؤم المسافر الحاضرين ، وقد ذكر انها مكروهة . ولا يؤمّ المحدود ، والاعمىٰ اذا لم يسدده من خلفه ، فان سدده كانت إمامته جائزة (٣) .

وقال ابن حمزة ـ في الواسطة ـ ويكره ان يؤمّ الناس خمسة عشر : المتيمم ، والمسافر ، والمقيد ، والقاعد ، واللاحن لمن يقدر علىٰ اصلاح لسانه ، ومن لا يؤدّي حرفاً ، ومن يبدّل حرفاً مكان حرف ، ومن يرتجّ عليه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٤٨ ح ١١١٠ .

والآية في سورة الحج : ٤٦ .

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٣ .

(٣) المهذب ١ : ٨٠ .

٤٠٣
 &

في أول كلامه ، ومن لا يأتي بالحروف علىٰ الصحة والبيان ، والمحدود ، والمفلوج ، والمجذوم ، والابرص ، لمن لا يكون علىٰ مثل احوالهم (١) . ويقرب منه الوسيلة له (٢) .

وقال الجعفي : يؤمّ الاعمىٰ ، والعبد ، والمتيممون المتوضئين . ولا يصلّىٰ خلف الاجذم ، والابرص ، والمجنون ، والمحدود ، وولد الزنا ، والاعرابي .

وقال سلار : تكره إمامة المتيمم للمتطهر ، والمسافر للحاضر (٣) .

وقال ابن ادريس : وتكره إمامة الاجذم والابرص وصاحب الفالج للاصحاء ، وفيما عدا الجمعة والعيدين ، فان ذلك لا يجوز . وقد ذهب بعض أصحابنا الىٰ ان أصحاب هذه الأمراض لا يجوز ان يؤمّوا الاصحاء علىٰ طريق الحظر ، والاظهر ما قلناه . ولا تجوز إمامة المحدود الذي لم يتب . ويكره ان يؤمّ الاعرابي المهاجرين ، والمتيمم بالمتوضئين ، والمسافر بالحاضرين .

قال ولا تجوز إمامة المقيد للمطلقين ، ولا الجالس بالقيام . ولا بأس بامامة الاعمىٰ (٤) .

وقال السيد عز الدين أبو المكارم حمزة بن زهرة ـ رضي‌الله‌عنه ـ : ولا يصح الائتمام بالابرص ، والمجذوم ، والمحدود ، والزمن ، والخصي ، والمرأة ، إلّا

__________________

(١) الواسطة . . مخطوط . وهي ليست خمسة عشر كما ذكر المصنف بل ثلاثة عشر ، ونصه في الوسيلة ، قال : وتكره امامة ثلاثة عشر . . ، والىٰ ذلك اشار العاملي في مفتاح الكرامة ٣ : ٤٦٩ .

(٢) الوسيلة : ١٠٥ .

(٣) المراسم : ٨٦ .

(٤) السرائر : ٦٠ ـ ٦١ .

٤٠٤
 &

لمن كان مثلهم ، بدليل الاجماع ، وطريقة الاحتياط . ويكره الائتمام بالاعمىٰ ، والعبد ، ومن يلزمه التقصير ، ومن يلزمه الاتمام ، والمتيمم ، إلّا لمن كان مثلهم (١) .

والشيخ نجم الدين بن سعيد كره ائتمام الحاضر بالمسافر وبالعكس في الرباعية ، وامامة المحدود بعد توبته . واما الاعرابي ، فان كان ممن لا يعرف محاسن الاسلام ولا وصفها لم يؤمّ ، وكذا اذا كان ممن تجب عليه المهاجرة ولما يهاجر ، وإلّا جاز مع اتصافه بالشرائط .

قال : ولا بأس بامامة الأعمىٰ اذا كان له من يسدده ، لقوله علیه‌السلام : « يؤمّكم اقرءكم » ، ولان العمىٰ ليس نقصاً فقد عمي بعض الانبياء (٢) .

قال : وروىٰ مرازم عن ابي عبد الله علیه‌السلام ، قال : « لا بأس ان يصلي الأعمىٰ بالقوم ، وان كانوا هم الذين يوجهونه » (٣) .

قال : ويكره ان يؤمّ المتيمم متطهراً . والاقرب جواز ائتمام المرأة الطاهر بالمستحاضة ، والصحيح بالسلس . والوجه كراهة إمامة الاجذم والابرص (٤) .

قلت : روىٰ الشيخ باسناده الىٰ الشعبي ، قال : قال علي علیه‌السلام : « لا يؤمّ الأعمىٰ في البرية » (٥) . ويمكن حمله علىٰ المقيد بتوجيههم اياه الىٰ القبلة ، أو علىٰ الكراهة ، كما قاله أبو الصلاح وابن زهرة (٦) .

__________________

(١) الغنية : ٤٩٨ ، ولم يذكر الاعمىٰ .

(٢) الفقيه ١ : ١٨٥ ح ٨٨٠ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٠ ح ٧٢٦ ، سنن ابي داود ١ : ١٦١ ح ٥٩٠ ، مسند ابي يعلىٰ ٤ : ٢٣١ ح ٢٣٤٣ ، السنن الكبرىٰ ١ : ٤٢٦ .

(٣) التهذيب ٣ : ٣٠ ح ١٠٥ .

(٤) المعتبر ٢ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ .

(٥) التهذيب ٣ : ٢٦٩ ح ٧٧٣ .

(٦) الكافي في الفقه : ١٤٣ . وقد تقدم ان ابن زهرة لم يذكر الاعمىٰ في الغنية .

٤٠٥
 &

وقال ابن عمه الشيخ نجيب الدين ـ في الجامع ـ : وتكره امامة الاجذم ، والابرص ، والمفلوج ، والمقيد ، والاعرابي ، الا بامثالهم . وتجوز امامة المحدود بعد توبته . ويكره اقتداء المتطهر بالماء بالمتيمم . ويؤمّ الأعمىٰ بالبصير اذا سُدّد وبمثله (١) .

والفاضل ـ رحمه‌الله ـ قال بجواز امامة الاجذم والابرص ، لعموم : « يؤمكم اقرؤكم » ، ولما رواه عبد الله بن يزيد قال : سألت أبا عبد الله علیه‌السلام عن المجذوم . والابرص يؤمّان المسلمين ، قال : « نعم » قلت : وهل يبتلي الله بهما المؤمن ؟ قال : « نعم ، وهل كُتب البلاء إلّا علىٰ المؤمن » .

وتجوز امامة المتيمم بالمتطهر بالماء ، لصحيحة جميل بن دراج قال : قلت لابي عبد الله علیه‌السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم ؟ قال : « لا ، ولكن يتيمم الجنب ويصلّي بهم ، فان الله عز وجل جعل التراب طهورا » . ونحوه موثّق عبد الله بن بكير عنه علیه‌السلام .

ولكنه تكره امامة هؤلاء جمعاً بين ذلك وبين روايات المنع .

كصحيحة ابي بصير عن الصادق علیه‌السلام قال : « خمسة لا يؤمّون الناس علىٰ كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي » .

وكرواية السكوني عن الصادق علیه‌السلام عن ابيه عن علي علیه‌السلام : « لا يؤمّ المقيد المطلقين . ولا يؤمّ صاحب الفالج الاصحاء ، ولا صاحب التيمم المتوضئين . ولا يؤم الأعمىٰ في الصحراء الّا ان يوجّه الىٰ القبلة » (٢) .

__________________

(١) الجامع للشرائع ٩٧ ـ ٩٨ .

(٢) من قول المصنف : وما ذكرناه الىٰ هنا هو قول الفاضل في مختلف الشيعة : ١٥٤ .

=

٤٠٦
 &

قال الفاضل : واما المقيد بالمطلقين ، فان تمكّن من القيام صح ان يكون اماماً ، والا فلا . واما الاعرابي ، فان عرف شرائط الصلاة ، وكان أقرأ القوم عدلاً ، جاز ان يكون امام ، وإلّا فلا (١) .

واستدل المحقق في المعتبر ، علىٰ كراهة امامة كل من المسافر والحاضر بالآخر ـ كما قاله المفيد (٢) والمرتضىٰ (٣) والشيخ في الخلاف (٤) وابو الصلاح (٥) وابن ادريس (٦) ـ بموثقة العباس بن عبد الملك عن الصادق علیه‌السلام ، قال : « لا يؤمّ الحضري المسافر ، والمسافر الحضري » (٧) .

وقال علي بن بابويه : لا يجوز إمامة المتمم للمقصر ، ولا بالعكس (٨) . وتبعه ابنه في صلاة المسافر خلف المقيم (٩) .

__________________

= والحديث الاول تقدم في ص : ٤٠٠ ، هامش : ٥ .

ورواية عبد الله بن يزيد في : التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٢٢ ح ١٦٢٧ . ورواية جميل وعبد الله بن بكير في : التهذيب ٣ : ١٦٧ ح ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٢٤ ح ١٦٣٧ ، ١٦٣٨ .

ورواية ابي بصير في : الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ١ .

ورواية السكوني في : الكافي ٣ : ٣٧٥ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢٧ ح ٩٤ .

(١) مختلف الشيعة : ١٥٤ .

(٢) المقنعة : ٣٥ .

(٣) جمل العلم والعمل ٣ : ٣٩ .

(٤) الخلاف ١ : ١٢٥ المسألة : ٣٣ .

(٥) الكافي في الفقه : ١٤٤ .

(٦) السرائر : ٦٠ .

(٧) المعتبر ٢ : ٤٤١ .

والرواية في التهذيب ٣ : ١٦٤ ح ٣٥٥ ، والاستبصار ١ : ٤٢٦ ح ١٦٤٣ ، عن ابي العباس الفضل بن عبد الملك .

(٨) مختلف الشيعة : ١٥٥ .

(٩) حكاه عن المقنع ، العلّامة في مختلف الشيعة : ١٥٥ ، ولكنه غير موجود في النسخ الموجودة بأيدينا ، راجع مفتاح الكرامة .

٤٠٧
 &

وقال سلار : يكره ائتمام الحاضر بالمسافر (١) ، ولم يذكر العكس ، وكذا الشيخ في اكثر كتبه (٢) .

وفي المختلف [ ذهب ] الىٰ عدم كراهة ائتمام المسافر بالحاضر ، للاصل ، ولانه كالائتمام في الصلوات المختلفة العدد ، والائتمام بالمسبوق . وطعن في الرواية ، فان في طريقها داود بن الحصين ، وهو واقفي وان كان ثقة (٣) .

المسألة الثالثة : قول ابن ابي عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل ، ومنع امامة الجاهل بالعالم ، ان أراد به الكراهية فحسن ، وان أراد به التحريم أمكن استناده الىٰ ان ذلك يقبح عقلاً ، وهو الذي اعتمد عليه محققو الأصوليين في الامامة الكبرىٰ ولقول الله جل اسمه : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٤) وللخبرين المقدمين في كلام ابن بابويه (٥) .

وقال ابن الجنيد : السلطان المحقق أحقّ بالامامة ممن حضر ، ثم صاحب المنزل بعده ، ثم صاحب المسجد . فان لم يحضر أحد من هؤلاء فاقرأ القوم ، فان تساووا في القرآن فاكبرهم سناً ، فان تساووا في ذلك فاعلمهم بالنسبة وافقههم في الدين . فان أذن أهل الوصف الاول لاهل الوصف الثاني في الامامة جاز ان يؤمّوا بهم ، إلّا ان يكون الامام الاكبر فانّه

__________________

(١) المراسم : ٨٦ .

(٢) الاقتصاد : ٢٦٩ ، الجمل والعقود : ١٩١ ، النهاية : ١١٢ ، المبسوط ١ : ١٥٤ وفي ص ١٣٨ حكم بالكراهة في الحالتين .

(٣) مختلف الشيعة : ١١٥ .

(٤) سورة يونس : ٣٥ .

(٥) تقدما في ص ٩١٣ الهامش ٢ ، ٣ .

٤٠٨
 &

لا يجوز ان يتقدمه غيره والحديث الذي رُوي فيه : انّ عبد الرحمن بن عوف قدم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلّىٰ بهم وصلّىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلفه ركعة (١) ، فقد قيل انّه غير صحيح ، لانه مخالف لقوله تعالىٰ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) (٢) ، وقد روىٰ ابو قتادة انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « اذا اقيمت الصفوف فلا تقدموا حتىٰ تروني » (٣) .

فاعتبر ابن الجنيد في ذلك الاذن ، ويمكن حمل كلام ابن أبي عقيل عليه .

والآية يراد فيها الامامة الكبرى .

والخبران يحملان علىٰ ايثار المفضول علىٰ الفاضل من حيث هو مفضول ، ولا ريب في قبحه ، ولا يلزم من عدم جواز ايثاره عليه عدم جواز أصل إمامته ، وخصوصاً مع إذن الفاضل واختياره .

واما صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خلف غيره فقد رواها العامة في الصحيح . وقضية صلاة ابي بكر وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عزله (٤) يدلّ علىٰ ما قاله ابن الجنيد .

الرابعة : تضمّن كلام ابي الصلاح انه لا يؤمّ الخصي بالسليم (٥) . ولا نعلم وجهه ، سواء اراد به التحريم أو الكراهة ، لان الذكورية متحققة ، وما فوات اعضاء التناسل إلّا بمثابة فوات بعض الأعضاء التي لا تخل

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢٣٠ ح ٨١ ، مسند أحمد ١ : ١٩٢ ، سنن أبي داود ١ : ٣٧ ح ١٤٩ ، مسند أبي يعلىٰ ٢ : ١٦١ ح ١٩ .

(٢) سورة الحجرات : ١ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٦٤ ، صحيح مسلم ١ : ٤٢٢ ح ١٥٦ ، مسند أحمد ٥ : ٢٩٦ .

(٤) إعلام الورىٰ : ١٦٦ ، إرشاد القلوب ( للديلمي ) ٢ : ٣٤٠ ، ونقله عن الارشاد أيضا في بحار الأنوار ٢٨ : ١١٠ .

(٥) الكافي في الفقه : ١٤٤ .

٤٠٩
 &

بالامامة .

فان قال : ففواتها قرب من شبه النساء ، فلذلك منع منه .

قلنا : نمنع القرب ، ولهذا لم يؤثر ذلك في شي‌ء من أحكام الرجولية الجارية عليه قبل الخصاء . سلمنا ، لكن لا نسلم انّ القرب من الشبه له مدخل في الكراهية .

تتمة : في ترجيح الائمة ، وفيها مباحث :

أحدها : لا ريب انّ الامام الاعظم مع حضوره أولىٰ بالامامة ، إلّا ان يمنعه مانع فيستنيب ، ومستنابه أولىٰ من الغير ، لترجّحه بتعيّن الامام ، فانه لا يستنيب الّا الراجح أو المساوي . فان استناب الراجح ففيه مرجّحان ، وان استناب المساوي ففيه مرجّح واحد .

وثانيها : لو لم يكن الامام الاعظم وتعدّدوا :

فاما ان يكره المأمومون إمامة بعضهم بأسرهم .

واما ان يختاروا امامة واحد بأسرهم .

واما ان يختلفوا في الاختيار .

فان كرهه جميعهم لم يؤمّ بهم ، للخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) . وعن علي علیه‌السلام ، واتاه قوم برجل فقالوا : ان هذا يؤمنا ونحن له كارهون ، فقال له علي علیه‌السلام : « انك لخَروط » (٢) بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والواو والطاء المهملة .

قال ابو عبيد : الخروط الذي يتهوّر في الاُمور ويركب رأسه في كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة بالاُمور . ومنه يقال : الخرط علينا فلان : اذا اندرأ

__________________

(١) المحاسن : ١٢ ، الفقيه ١ : ٣٦ ح ١٣١ .

(٢) غريب الحديث لهروي ٣ : ٤٥٥ ، المصنف لابن ابي شيبة ١ : ٤٠٧ .

٤١٠
 &

عليهم بالقول السيء والفعل (١) .

وقال الفاضل : الاقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره امامته والاثم علىٰ من كرهه والّا كرهت (٢) .

وان اختار الجميع واحداً فهو أولىٰ ، لما فيه من اجتماع القلوب والتعاضد .

وان اختلفوا ، قال الفاضل : يقدم اختيار الاكثر (٣) واطلق الاصحاب انّه مع الاختلاف يطلب الترجيح . وفيه تصريح بانّه ليس للمأمومين ان يقتسموا الائمة فيصلي كل قوم خلف من يختارونه ، لما فيه من الاختلاف المثير للاحن .

وثالثها : ان الامير في امارته ، ورب المنزل في منزله ، والامام الراتب في مسجده ، لا يعارضه غير الامام الاعظم وان كان غيره افضل منه اذا كان بشرائط الامام .

هذا ظاهر الاصحاب ، وصرّح به جماعة (٤) منهم الفاضل قال : ولا نعلم فيه خلافاً ـ يعني في تقدّم رب المنزل ـ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤمن الرجل الرجل في بيته ، ولا في سلطانه » . وقال الصادق علیه‌السلام : « لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ، ولا في سلطانه » . وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زار قوماً فلا يؤمّهم » وهو عام في المسجد وغيره . ولان تقديم غير الراتب عليه ربما اورث وحشة وتنافرا (٥) .

__________________

(١) غريب الحديث للهروي ٣ : ٤٥٦ .

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٩ .

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٧٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ١٥٢ .

(٤) راجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٤٠ ، المبسوط ١ : ١٥٤ ، المعتبر ٢ : ٤٣٨ .

(٥) منتهىٰ المطلب ١ : ٣٧٤ .

=

٤١١
 &

ولو أذن هؤلاء لغيرهم جاز وانتفت الكراهية ، ويكون المأذون له أولىٰ من غيره .

وهل الافضل لهم الاذن للاكمل منهم ، أو الافضل لهم مباشرة الامامة ؟ لم اقف فيه علىٰ نص ، وظاهر الأدلّة يدلّ علىٰ ان الافضل لهم المباشرة . فحينئذ لو اذنوا فالافضل للمأذون له ردّ الاذن ، ليستقر الحقّ علىٰ أصله .

ولو تأخّر الامام الراتب استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب .

ولو بعُد منزله ، وخافوا فوت وقت الفضيلة ، قدّموا من يختارونه .

ولو حضر في أثناء صلاتهم دخل معهم ، وفي جواز استخلافه هنا نظر .

ولو حضر بعد صلاتهم استحب اعادتها معه ، لما فيه من اتفاق القلوب ، مع تحصيل الاجتماع مرتين في الصلاة .

ورابعها : ان الشيخ قال في المبسوط : اذا حضر رجل من بني هاشم فهو أولىٰ بالتقدم اذا كان ممن يحسن القراءة (١) . والظاهر انّه أراد به علىٰ غير الامير وصاحب المنزل والمسجد ، مع انه جعل الأشرف بعد الأفقه ، الذي هو بعد الاقرأ ، والظاهر انه الأشرف نسباً .

وتبعه ابن البراج في تقديم الهاشمي وقال بعده : ولا يتقدم أحد علىٰ

__________________

= وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في : مسند احمد ٤ : ١١٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ح ٦٧٣ ، سنن ابي داود ١ : ١٥٩ ح ٥٨٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٥٩ ح ٢٣٥ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٢٥ .

وقول الصادق علیه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في : الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٣ .

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في : سنن ابي داود ١ : ١٦٢ ح ٥٩٦ ، الجامع الصحيح ٢ : ١٨٧ ح ٣٥٦ ، سنن النسائي ٢ : ٨٠ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٢٦ .

(١) المبسوط ١ : ١٥٤ .

٤١٢
 &

أميره ، ولا علىٰ من هو في مسجده أو منزله (١) .

وجعل ابو الصلاح بعد الأفقه القرشي (٢) .

وابن زهرة جعل الهاشمي بعد الأفقه (٣) .

وابن حمزة جعل الأشرف بعد الأفقه (٤) .

وفي النهاية لم يذكر الشرف (٥) ، وكذا المرتضىٰ (٦) وابن الجنيد (٧) وعلي بن بابويه (٨) وابنه (٩) وسلار (١٠) وابن ادريس (١١) والشيخ نجيب الدين يحيىٰ (١٢) وابن عمه في المعتبر (١٣) . وذكر ذلك في الشرائع (١٤) واطلق ، وكذا الفاضل في المختلف وقال : انّه المشهور (١٥) يعني : تقديم الهاشمي .

ونحن لم نره مذكوراً في الاخبار إلّا ما روىٰ مرسلاً أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قدموا قريشاً ولا تقدموها » (١٦) وهو علىٰ

__________________

(١) المهذب ١ : ٨٠ .

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٣ .

(٣) الغنية : ٤٩٨ .

(٤) الوسيلة : ١٠٥ .

(٥) راجع : النهاية : ١١١ .

(٦) راجع : جمل العلم والعمل ٣ : ٤٠ .

(٧ و ٨) راجع : مختلف الشيعة : ١٥٥ ، ١٥٦ .

(٩) راجع : الفقيه ١ : ٢٤٦ ، المقنع : ٣٤ .

(١٠) راجع : المراسم : ٨٧ .

(١١) راجع : السرائر : ٦١ .

(١٢) راجع : الجامع للشرائع : ٩٨ .

(١٣) راجع : المعتبر ٢ : ٤٣٩ .

(١٤) شرائع الاسلام ١ : ١٢٥ .

(١٥) مختلف الشيعة : ١٥٦ .

(١٦) ترتيب مسند الشافعي ٢ : ١٩٤ ح ٦٩١ ، الكامل لابن عدي ٥ : ١٨١٠ ، مجمع

=

٤١٣
 &

تقدير تسليمه غير صريح في المدعىٰ . نعم ، هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه . نعم ، فيه اكرام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذ تقديمه لاجله نوع اكرام ، واكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويته .

وخامسها : ان الأقرأ أولىٰ من الأفقه‌ ـ ونقل عن بعض الاصحاب ان الأفقه أولىٰ ـ لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يؤمّ القوم اقرؤهم لكتاب الله ، فان كانوا في القراءة سواء فاعلمهم بالسنّة ، فان كانوا في السنّة سواء فاقدمهم هجرة ، فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً » (١) .

وقال الصادق علیه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن » (٢) .

وتمسّك من رجّح الأفقه باهمية الحاجة اليه في الصلاة ، فانه ربما فاته فيها ما يحتاج الىٰ كثرة الفقه في معرفته . وحمل الخبر علىٰ انّ القراءة كانت في زمن الصحابة مستلزمة للفقه ، لانهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه احكامه . قال ابن مسعود : كنا لا نجاوز عشر آيات حتىٰ نعرف امرها ونهيها واحكامها . فكان اقرؤهم افقههم .

وجوابه متعبدات الصلاة محصورة ، ولا بد من كون القارئ عالما بها . وجعل الأعلم بالسنّة مرتبة بعد الاقرأ صريح في امكان انفكاك القراءة عن العلم بالسنّة . وتعلم احكام القرآن غير كاف في الفقه اذ معظمه مثبت

__________________

= الزوائد ١٠ : ٢٥ ، كنز العمال ١٢ : ٢٢ ح ٣٣٧٨٩ ـ ٣٣٧٩١ عن البزار والبيهقي في المعرفة وغيرهم .

(١) مسند احمد ٤ : ١١٨ ، صحيح مسلم ١ : ٤٦٥ ح ٦٧٣ ، سنن ابي داود ١ : ١٥٩ ح ٥٨٢ ، الجامع الصحيح ١ : ٤٥٩ ح ٢٣٥ ، سنن النسائي ٢ : ٧٦ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٢٥ .

(٢) الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٣ .

٤١٤
 &

بالسنّة .

وسادسها : قد يرجح القارئ علىٰ الآخر‌ بجودة الاداء واتقان القراءة ، وان كان أقل حفظاً . فان تساويا في الاداء فاكثرهم قرآناً .

وسابعها : لو اجتمع من يقرأ ما يكفي في الصلاة لكنه أفقه ، والآخر كامل القراءة غير كامل الفقه لكن معه من الفقه ما يعرف معه أحكام الصلاة ، قال في المبسوط : جاز تقديم أيهما كان (١) وتبعه ابن حمزة في الواسطة ، مع قولهما بتقديم الاقرأ علىٰ الافقه ولكنهما ارادا ترجيح الاقرأ علىٰ الفقيه مع تساويهما في الفقه .

بذلك صرح في المبسوط وقال : لو كان أحدهما فقيها لا يقرأ ، والآخر قارئ لا يفقه ، فالقارئ أولىٰ ، لان القراءة شرط في صحة الصلاة ، والفقه ليس بشرط (٢) .

والمراد بقوله : والفقه نفي الفقه في غير الصلاة ، اذ معرفته بشرائط الصلاة وافعالها لا تصح الصلاة بدونه . ومساق كلام الشيخ يدل علىٰ قول ثالث في اجتماع القراءة والفقه وهو التخيير ، اذ موضوع المسألة إذا اجتمع الاقرأ والافقه هو ما ذكره الشيخ وحكم عليه بالتخيير .

وقال في التذكرة : اذا اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ والآخر أفقه ، قدّم الأقرأ علىٰ الاول ـ يعني به تقدُّم الاقرأ ـ والأفقه علىٰ الثاني (٣) . وهذا تصريح بمخالفه المبسوط .

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧ .

(٢) المبسوط ١ : ١٥٧ .

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٠ .

٤١٥
 &

فرع :

لو تساويا في القراءة والفقه في الصلاة ، وزاد أحدهما بفقه في غير الصلاة ، فالظاهر انه لا يترجّح به ، لعدم تعلقه بالصلاة . ولو كان أحدهما أعرف باحكام الصلاة ، والآخر أعرف بما سواها ، فالأول أولىٰ ، لانّ له أثراً في تكميل الصلاة .

وثامنها : لو تساويا في القراءة والفقه ، قدّم الاشرف عند الشيخ في المبسوط ، ثم الأقدم هجرة ، ثم الاسن (١) .

وقدّم في النهاية ـ وهو المشهور ـ الأقدم هجرة بعد الافقه (٢) .

وقدّم المرتضىٰ الأسن بعد الافقه ، ولم يذكر الهجرة (٣) .

وفي رواية ابي عبيدة عن الصادق علیه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يتقدّم القوم أقرأهم للقرآن ، فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة ، فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً ، وان كانوا في السن سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة وافقههم في الدين » (٤) . وهذه الرواية تشهد بتقديم الهجرة والسن علىٰ الفقه .

وصرّح ابن الجنيد وابن ادريس بتقديم الأسن علىٰ الأفقه (٥) ، وجعل ابن ادريس الأقدم هجرة بعد الأفقه (٦) .

والاقرب تقديم الأفقه علىٰ من عدا الأقرأ ، لقوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٥٧ .

(٢) النهاية : ١١١ .

(٣) جمل العلم والعمل ٣ : ٤٠ .

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٦ ح ٥ ، التهذيب ٣ : ٣١ ح ١١٣ .

(٥) السرائر : ٦١ ، مختلف الشيعة : ١٥٥ .

(٦) السرائر : ٦١ .

٤١٦
 &

يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (١) ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) (٢) ولما تقدّم في حديث السفال ، وقد رواه العرزمي مرفوعاً الىٰ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) .

وكذا قدم الهجرة مقدّم علىٰ السن ، لما فيه من الشرف ، وللرواية .

وتأخّر العلم بالسنّة في الرواية ، يحمل علىٰ القدر الزائد عما يحتاج اليه في الصلاة فانّه نوع ترجيح ، لاشتماله علىٰ الافضلية ، ليوافق الحديث السالف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فرعان :

الاول : المراد بـ ( الهجرة ) من دار الحرب الىٰ دار الاسلام ، قال الفاضل : أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته ـ كما قاله بعض العامة ـ (٤) سواء كانت الهجرة قبل الفتح أو بعده (٥) .

وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنىٰ الامصار ، لانها تقابل البادية مسكن الاعراب ، لان اهل الامصار أقرب الىٰ تحصيل شرائط الامامة والكمال فيها .

وقد روىٰ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان الجفاء والقسوة في الفَدّادين » (٦) .

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٨ .

(٢) سورة الزمر : ٩ .

(٣) تقدم في ص ٤٠٢ الهامش ٣ .

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٠ .

(٥) المجموع ٤ : ٢٨١ .

(٦) مسند احمد ٥ : ٢٧٣ ، صحيح مسلم ١ : ٧١ ح ٨١ .

٤١٧
 &

فقيل : هم المكثرون من الابل (١) .

وقيل : هم اهل القرىٰ والبوادي ، وهم الذين تعلو اصواتهم في حروثهم واموالهم ومواشيهم (٢) .

هذا اذا قرئ بتشديد الدال الأول ، ويقرأ بتخفيفه وهو جمع فدّان ـ بتشديد الدال ـ وهي : بقر الحرث (٣) اي : في اصحاب الفدادين لبعدهم عن الامصار .

وعن الشيخ نجيب الدين يحيىٰ : هي في زماننا التقدم في التعلم قبل الآخر .

الثاني : المراد بـ ( علو السن ) في الاسلام . فلو كان احدهما ابن خمسين كلها في الاسلام ، والآخر ابن سبعين لكن اسلامه أقل من خمسين ، فالاول هو الأسن . قاله الشيخ في المبسوط (٤) .

وتاسعها : لو تساويا في جميع ما تقدم من الصفات :

قال ابنا بابويه والشيخان وجماعة : يقدّم الاصبح وجهاً (٥) .

وقال المرتضىٰ ـ رضي‌الله‌عنه ـ وابن ادريس : وقد روي اذا تساووا فاصبحهم وجهاً (٦) .

__________________

(١ ـ ٣) غريب الحديث للهروي ١ : ٢٠٣ .

(٤) المبسوط ١ : ١٥٧ .

(٥) الفقيه ١ : ١٤٧ ، المقنع : ٣٤ ، المبسوط ١ : ١٥٧ ، النهاية : ١١١ ، الوسيلة : ١٠٥ ، المراسم : ٨٧ .

وحكاه عن المفيد المحقق في المعتبر ٢ : ٤٤٠ ، وعن علي بن بابويه العلّامة في مختلف الشيعة : ١٥٦ .

(٦) جمل العلم والعمل ٣ : ٤٠ ، السرائر : ٦٠ .

والرواية في علل الشرائع : ٣٢٦ ح ٢ ، فقه الرضا ( علیه‌السلام ) : ١٤٣ ، السنن الكبرىٰ ٣ : ١٢١ .

٤١٨
 &

وقال في المعتبر : لا أرىٰ لهذا أثراً في الأولوية ، ولا وجهاً في شرف الرجال (١) .

وقال في المختلف : يقدّم الأصبح ، لما فيه من الدلالة علىٰ عناية الله به (٢) .

وفي التذكرة حكىٰ عن العامة فيه تفسيرين :

أحدهما : انه الأحسن صورة ، لان ذلك فضيلة كالنسب .

والثاني : انه الأحسن ذكراً بين الناس .

قال : والأخير أحسن (٣) .

قلت : ويمكن ان يحتج عليه بقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في عهد الاشتر رضي‌الله‌عنه : « وانما يستدلّ علىٰ الصالحين بما يجري الله لهم علىٰ ألسن عباده » (٤) .

وعاشرها : انهم اذا تساووا في جميع ما تقدم يقدم الأتقىٰ والأورع ، لانه اشرف في الدين واكرم علىٰ الله تعالىٰ ، لقوله تعالىٰ : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) . قاله في التذكرة (٥) .

قال : والاقوىٰ تقديم هذا علىٰ الاشرف ، لان شرف الدين خير من شرف الدنيا (٦) .

قال : فان استووا في ذلك كله فالأقرب القرعة (٧) .

قال : لانهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة ، فالامام أولىٰ (٨) .

قلت : ولو علّل بالأخبار العامة في القرعة كان حسناً .

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٤٠ .

(٢) مختلف الشيعة : ١٥٦ .

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٠ ، وراجع : المجموع ٤ : ٢٨٠ .

(٤) نهج البلاغة : ٤٢٧ قسم الرسائل : ٥٣ .

(٥ ـ ٨) تذكرة الفقهاء ١ : ١٨٠ . والآية في سورة الحجرات : ١٣ .

٤١٩
 &

ولا أثر عندنا للتقديم بنظافة الثوب والبدن عن الاوساخ ، وطيب الصنعة ، وحسن الصوت . وقدّم بها بعض العامة ، لانها تفضي الىٰ استمالة القلوب ، فيكثر الجمع (١) .

فروع :

الاول : لو تساويا في القراءة والفقه ، وزاد احدهما في الورع ـ الذي هو العفة وحسن السيرة ، وهو مرتبة وزاء العدالة تبعث علىٰ ترك المكروهات والتجنّب عن الشبهات والرخص ـ ففي تقديمه عندي نظر ، لعدم ذكر الاخبار والاصحاب له ، ومن ان اعتبار العدالة في الامام تستتبع روادفها ، إذ الامامة سفارة بين الله تعالىٰ وبين الخلق ، فاولاهم بها أكرمهم علىٰ الله تعالىٰ ، وكلما كان الورع أتمّ كان تحقّق العدالة اشدّ ، فحينئذ يقدّم هذا علىٰ المراتب الباقية .

الثاني : اذا حكمنا بترجيح الهاشمي لنسبه ، ففي ترجيح المطلبي علىٰ غيره نظر ، مما روي من قوله عليه الصلاة والسلام : « نحن وبنو المطّلب لم نفترق في الجاهلية ولا في الاسلام » . نعم ، الهاشمي أولىٰ منه قطعاً وحينئذ في ترجيح افخاذ بني هاشم بسبب شرف الآباء ـ كالطالبي ، والعباسي ، والحارثي ، واللهبي . ثم العلوي ، والحسني ، والحسيني . ثم الصادقي ، والموسوي ، والرضوي ، والهادي ـ احتمال بيّن ، لان الترجيح دائر مع شرف النسب فيوجد حيث يوجد .

الثالث : هل يرجح العربي علىٰ العجمي ، والقرشي علىٰ باقي العرب ؟ احتمال ايضاً . وكذا ينسحب الاحتمال في الترجيح بسبب الآباء

__________________

(١) المجموع ٤ : ٢٨٣ .

٤٢٠