دروس في مسائل علم الأصول - ج ١

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-2-7
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٧٧

في الصورة الأولى بين البدار والإتيان بعملين : العمل الاضطراري في هذا الحال ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار ، والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ، وفي الصورة الثانية يجزي البدار ويستحب الإعادة بعد طروّ الاختيار.

______________________________________________________

أقول : ليس المراد في باب الإجزاء أنّ الثابت في حقّ كلّ مكلّف تكليفان : أحدهما واقعي اختياري ، والآخر واقعي اضطراري ، بل المراد أنّ مقتضى الإتيان بالمكلّف به الاضطراري ، أن لا يتوجّه إليه ما يجب على المكلّف المختار على فرض تركه الفعل الاختياري من القضاء أو الأداء والإعادة.

ودعوى أنّه لا تعدّد في ناحية متعلّق التكليف بالإضافة إلى المختار والعاجز ، بل كلّ منهما مكلّف بطبيعي واحد وإنّما الاختلاف في ناحية أفراد تلك الطبيعة ، لا يمكن المساعدة عليها ، لما تقدّم في مبحث الصحيح والأعمّ أنّه لا يمكن فرض جامع في الصلاة بحيث ينطبق على الأفراد الصحيحة خاصّة ولا يعمّ الأفراد الناقصة المعبّر عنها بالفاسدة ، نعم في مثل الطهارة بناء على كونها من المسبّبات كما ذهب إليه المشهور ، وأنّ التيمّم والوضوء والغسل موجد لها يمكن القول بأنّ الصلاة المقيّدة بالطهارة لا تختلف وأنّ المأمور به في حقّ كلّ من واجد الماء وفاقده هي الصلاة مع الطهارة ، حيث إنّ التيمّم من واجد الماء لا يوجب طهارة ، ولكنّ هذا لا يجري بالإضافة إلى صلاة العاجز عن القيام وصلاة القادر عليه وكذا صلاة المتمكّن من استقبال القبلة وصلاة غير المتمكّن منه ، ونحوهما بل لا بدّ من الالتزام بتعدّد الوجوب لتعدّد المتعلّق ، وخطاب «أقيموا الصلاة» وإن كان يعمّ العاجز والقادر ، إلّا أنّه بضميمة ما دلّ على اعتبار الاستقبال والستر والقيام مع التمكّن منها ينكشف أنّ متعلّق الوجوب ثبوتا غير متعلّق الوجوب في حقّ العاجز عنها.

نعم في باب الصلاة خصوصية وهي أنّ الإجماع والضرورة اقتضتا عدم وجوب

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأزيد من خمس صلوات في اليوم والليلة في حقّ كلّ مكلّف ، وإذا ثبت في مورد تشريع الصلاة الاضطراري واقعا ولو مع التمكّن من الاختياري في آخر الوقت يحكم بإجزاء الاضطراري ، ولا ربط لذلك بالقول بأنّ متعلّق الوجوب في حقّ جميع المكلّفين طبيعة واحدة.

وأمّا ما ذكر أخيرا من أنّه لا يجب على المكلّف استيفاء المصالح ورعايتها لعدم إحاطة عقولنا بها ، ففيه ما لا يخفى ، فإنّ الأقسام المتقدّمة إنّما فرضت بحسب مقام الثبوت في علم الشارع وملاحظته ، وأنّ الشارع إذا لاحظ أنّ الملاك الموجود في الإتيان بالفعل الاختياري لا يدرك إلّا بالإتيان بالاضطراري في الوقت وبالاختياري في خارجه ، يأمر بالاضطراري في الوقت وبالاختياري بعد ارتفاع الاضطرار في خارج الوقت ، نظير ما ذكر في القسم الخامس من الأمر بإتمام الإحرام للحجّ عمرة مفردة ، مع الأمر بقضاء الحجّ في السنة القادمة والذي دلّ عليه صحيحة معاوية بن عمار ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أيّما حاجّ سائق للهدي ، أو مفرد للحجّ ، أو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، قدم وقد فاته الحج فليجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل» (١).

والحاصل ، يقع البحث في المقام في أنّه لو شرّع الفعل الاضطراري ولم يقم دليل على أنّه من قبيل تشريع الصلاة عند الاضطرار ، أو أنّه من قبيل الأمر بإتمام الإحرام للحج عمرة عند فوت الوقوف الاضطراري أيضا ، فهل لازم تشريع الاضطراري الإجزاء ، أو أنّه لا يلازم الإجزاء ، لما تقدّم من إمكان وقوعه على بعض الأقسام ممّا هو غير ملازم للإجزاء ، كما إذا تيمّموا الميت لفقد الماء وكفّنوه وصلّوا

__________________

(١) الوسائل : ج ١٠ ، باب ٢٧ من أبواب الوقوف بالمشعر ، الحديث ١.

٤٠٢

هذا كلّه فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الأنحاء ، وأمّا ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله ، مثل قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(١) [١] وقوله عليه‌السلام : (التراب أحد الطهورين) و : (يكفيك عشر سنين) هو الإجزاء ، وعدم

______________________________________________________

عليه ودفنوه ، وبعد أيّام أخرج الميت بجريان السيل على مكان دفنه ، أو بفعل آدميّ ، فهل يجب تغسيله فعلا ؛ لأنّ الميت لم يغسّل ، أو أنّ تشريع التيمّم السابق يلازم كفايته فلا حاجة إلى تغسيله ، بل يجب دفنه خاصّة.

[١] يظهر من كلامه قدس‌سره أنّه يستفاد من خطاب الأمر بالاضطراري الإجزاء عن الاختياري في موردين :

الأوّل : أن يستفاد من خطابه كفاية الاضطرار ، ولو في بعض الوقت في مشروعيّته والأمر به ، ولو كان المكلّف متمكّنا من الاختياري بعد ذلك ، كما هو ظاهر الآية المباركة في أنّ التيمم وظيفة غير الواجد للماء عند القيام إلى الصلاة حتّى لو وجد الماء بعد الصلاة ولو قبل خروج وقتها.

الثاني : أن يدلّ خطاب الاضطراري على تساوي ملاكه مع ملاك الفعل الاختياري ، والتساوي إمّا أن يستفاد من إطلاق خطاب الاضطراري ، كقوله عليه‌السلام : «إنّ التيمّم أحد الطهورين» (٢) ، حيث إنّه لم يقيّد بمثل قوله «ولكنّه ناقص في طهوريته» أو يصرّح بالتساوي أو يذكر ما ظاهره التساوي ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أبا ذر ، يكفيك الصعيد عشر سنين» (٣) ، وفي مثل الموردين يؤخذ بمقتضى خطاب الاضطراري ويرفع اليد عن إطلاق خطاب الاختياري لو كان له إطلاق يقتضي الإتيان به عند

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٤٣ وسورة المائدة : الآية : ٦.

(٢) الوسائل : ج ٢ ، باب ٢٣ من أبواب التيمم ، الحديث ٤ و ٥.

(٣) الوسائل : ج ٢ ، باب ٢٣ من أبواب التيمم ، الحديث : ٤ و ٥.

٤٠٣

وجوب الإعادة أو القضاء ، ولا بد في إيجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص.

وبالجملة : فالمتبع هو الإطلاق لو كان ، وإلّا فالأصل ، وهو يقتضي البراءة من

______________________________________________________

حصول التمكّن.

ولو لم يكن لخطاب الفعل الاضطراري إطلاق ـ كما ذكر ـ ، وكان لخطاب الاختياري إطلاق يقتضي الإتيان به عند التمكّن ، كما في مثال إخراج الميت الذي ييمّموه سابقا ، يؤخذ بإطلاق الاختياري ومقتضاه عدم الإجزاء.

وأمّا إذا لم يكن إطلاق لا في ناحية الخطاب الاضطراري ولا في ناحية خطاب الأمر بالاختياري ، ووصلت النوبة إلى الاصل العملي ، فالمرجع هي أصالة البراءة عن وجوب الاختياري في الوقت أو ما هو بمنزلة الوجوب في الوقت ، لكونه شكّا في التكليف ، كما أنّ المرجع هي أصالة البراءة عن وجوب القضاء بالأولويّة ؛ لأنّ القضاء بأمر جديد.

نعم لو فرض أنّ موضوع وجوب القضاء في خطاب الأمر به ، عدم الإتيان بالاختياري ، ولو مع عدم وجوبه واستيفاء الغرض منه كلّا أو بعضا لوجب القضاء ، ولكنّ هذا مجرّد فرض ؛ لأنّ الموضوع للقضاء فوت الشيء ، أي عدم إدراك ملاكه ، ومع احتمال الإدراك بالاضطراري لا يحرز الفوت.

أقول : كما أنّه إذا لم تجب الإعادة لم يجب القضاء بالاولوية ، كذلك وجوب القضاء يوجب الإعادة أيضا بالأولوية.

ثمّ بناء على ما ذكره قدس‌سره في الصورة الثالثة من إمكان كون الاضطراري واجدا لبعض الملاك الملزم ويكون المقدار الباقي ممكن الاستيفاء بالفعل الاختياري قبل خروج الوقت أو بعد خروجه قضاء ، وفي فرض القدرة على الاختياري قبل خروجه

٤٠٤

إيجاب الإعادة ، لكونه شكا في أصل التكليف ، وكذا عن إيجاب القضاء بطريق أولى ، نعم لو دل دليله على أن سببه فوت الواقع ، ولو لم يكن هو فريضة ، كان القضاء واجبا عليه ، لتحقق سببه ، وإن أتى بالفرض لكنه مجرد الفرض.

______________________________________________________

يكون الوجوب في الوقت على النحو التخيير بين الفعلين بأن يأتي بالاضطراري عند الاضطرار وبالاختياري قبل خروج الوقت أو يأتي بالاختياري فقط ، لا يمكن أن يكون تشريع الاضطراري في بعض الوقت موجبا للحكم بالإجزاء ، ولو كان لخطاب الاضطرار إطلاق ، فإنّ مقتضى إطلاقه أنّه متعلّق للأمر ، سواء تمكّن من الاختياري قبل خروج الوقت أو لم يتمكّن.

وهذا لا ينافي عدم الإجزاء ، واحتمال الوجوب التعييني في المأمور به الاضطراري مع عدم استيعاب الاضطرار لجميع الوقت غير موجود ، وعليه فيمكن أن يكون تشريعه في بعض الوقت من قبيل القسم الثالث.

نعم بناء على ما ذكرنا من عدم إمكان الوجوب التخييري بين الفعلين والفعل الواحد منهما يكون الأمر بالاضطراري حال الاضطرار ولو تخييرا بينه وبين تركه إلى الإتيان بالاختياري مقتضيا للإجزاء لا محالة ، وأيضا استظهار كفاية الاضطرار في بعض الوقت في الإتيان بالصلاة بالتيمّم من الآية المباركة على تقدير تماميته ، إنّما هو مع قطع النظر عن الروايات الواردة في فاقد الماء ، وأمّا بالنظر إليها فلا تصحّ الصلاة مع التيمم مع عدم اليأس عن الظفر بالماء قبل خروج الوقت فضلا عن العلم به ، وفي صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ (١). والتفصيل موكول إلى محلّه.

__________________

(١) الوسائل : ج ٢ ، باب ١ من أبواب التيمم ، الحديث ١.

٤٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى أيضا أنّ استفادة الاجزاء ، فيما إذا كان مدلول الخطاب أنّ القيد الاضطراري لمتعلّق الأمر ولو كان الاضطرار في بعض الوقت كالقيد الاختياري في حال الاختيار ، وإن كان صحيحا إلّا أنّه لا يوجب جواز إدخال المكلّف نفسه في الاضطرار ، حيث إنّ منصرف عدم التمكّن من الاختياري الموضوع للأمر بالاضطراري صورة عدم الإدخال في الاضطرار عمدا في ظرف الأمر بالاختياري ، ولا يستفاد مما ورد في أنّ التيمّم أحد الطهورين ، مع ملاحظة ما ورد من تفريع الأمر بالتيمم على عدم التمكّن من الطهارة المائية إلّا الأمر به عند هذا الاضطرار ، كما هو الحال أيضا بالإضافة إلى ما دلّ على أن من أدرك اضطراري الوقوف بالمشعر فقد أدرك الحجّ ، بل وعدم جواز إدخال النفس في الاضطرار في ظرف فعلية الأمر بالاختياري هو مقتضى فعليّة هذا الأمر ، فالحكم بجواز إدخال النفس في موضوع الاضطرار بعد حصول ظرف فعلية الأمر بالاختياري في مورد يحتاج إلى دليل خاصّ فيه ، كالحكم بجواز إدخال النفس في التقية الموجبة لترك بعض ما يعتبر في الصلاة ، كترك السجود على ما يصح السجود عليه ، كالحكم بجواز إجناب المكلّف نفسه بإتيان الزوجة مع علمه بعدم التمكّن من الاغتسال ولو أدخل المكلّف نفسه في الاضطرار بعد فعلية التكليف بالاختياري ، فإن قام دليل على أنّ التكليف لا يسقط حتّى مع الاضطرار ، كذلك كما هو الحال بالإضافة إلى الصلاة ، تنتقل الوظيفة إلى الصلاة بالقيد الاضطراري ، وإن أثم بمخالفة مقتضى التكليف بالاختياري بإدخال نفسه في الاضطرار بعد فعليته.

وأمّا إذا لم يقم دليل على عدم سقوط التكليف ، فلا يمكن الحكم بالإجزاء مع القيد الاضطراري ، كما قد يقال بذلك بالإضافة إلى الصوم فيما إذا تعمّد المكلّف

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

البقاء على الجنابة إلى أن بقي إلى الفجر زمان لا يسع إلّا التيمم ، حيث إنّه لا يحكم بإجزاء ذلك الصوم ، وهذا هو الحال فيمن ترك الوقوفين في عرفة والمشعر متعمّدا وأراد أن يكتفي بالوقوف في المشعر يوم العيد قبل الظهر.

ثمّ إنّ ما ذكره قدس‌سره من أنّه إذا لم يتمّ الإطلاق في ناحية الاضطراري ليكون مقتضيا للاجزاء ، ولا في ناحية الاختياري ليكون مقتضيا للإعادة ، مع فرض عدم الإطلاق في الاضطراري ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي ، يكون مقتضى أصالة البراءة عن وجوب الاختياري عدم لزوم الإعادة ، غير خال عن الإشكال ، بناء على ما ذكره في القسم الثالث من التخيير بين الفعلين ، أي الإتيان بالاختياري في آخر الوقت والإتيان بالاضطراري في حال الاضطرار ، مع لزوم الاختياري آخر الوقت فإنّ احتمال عدم الإجزاء يلازم احتمال وقوع الأمر بالاضطراري على هذا النحو ، وبناء على صحّة التكليف بالاختياري من أوّل الأمر ، لتمكّن المكلّف من صرف وجوده بين الحدين ، كان المكلّف على يقين من حصول الأمر بالاختياري من حين الأمر بالاضطراري ، ويحتمل عدم سقوط ذلك التكليف بالإتيان بالاضطراري ، فيكون وجوب الاختياري بعد الإتيان بالاضطراري مجرى للاستصحاب بناء على اعتباره في الشبهة الحكمية ومقتضاه لزوم الإعادة في الوقت.

والالتزام بحدوث الأمر بالاختياري بحدوث الاختيار والتمكّن بلا موجب ، حيث إنّ التمكّن من صرف وجود الاختياري قبل خروج الوقت كاف في الأمر به في أوّل الوقت ، فلا مجال لتوهّم أنّ المورد من موارد الرجوع إلى البراءة ؛ لاحتمال حدوث التكليف بالاختياري عند حدوث التمكّن عليه.

نعم بناء على ما ذكرنا من أنّ التخيير في الوجوب بين فعل وفعلين أحدهما

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عين الأوّل غير معقول ، يكون تشريع الاضطراري عند الاضطرار في بعض الوقت ملازما للإجزاء فيما إذا كان التشريع بنحو الإيجاب ؛ لأنّ المكلّف في الفرض يكون مكلّفا بفعل واحد ، وهو إمّا الإتيان بالاضطراري في ظرف الاضطرار ، وإمّا الإتيان بالاختياري قبل خروج وقته ، فيتعلّق الوجوب بأحدهما ، ومعه لا مجال لاحتمال عدم الإجزاء.

وأمّا إذا احتمل تشريع الاضطراري في ظرف الاضطرار بنحو الاستحباب ، وأنّ المكلف يتعيّن عليه الفعل الاختياري ، يدخل المقام في دوران أمر التكليف بالاختياري بين التعيين والتخيير ، فإنّ الوجوب المعلوم إمّا تعلّق بالاختياري أو بالجامع بينه وبين الاضطراري ، فالاول كما إذا كان تشريع الاضطراري بنحو الندب ، والثاني ما إذا كان بنحو الإيجاب ، وقد ذكرنا في محلّه أنّه مع دوران أمر التكليف بين كونه بنحو التعييني أو التخييري يكون مقتضى البراءة عن تعلّقه بخصوص أحدهما هو التخيير ، ولا يعارض بأصالة البراءة عن تعلّقه بالجامع ؛ لأنّ رفع الوجوب المحتمل في الجامع خلاف الامتنان ، وهذا بعد سقوط الاستصحاب في ناحية عدم جعل الوجوب للجامع مع عدم جعله لخصوص الاختياري ، وتمام الكلام في محلّه.

وكذا الحال فيما إذا لم يعلم تشريع الاضطراري بنحو البدار أصلا ، بل احتمل تشريعه بنحو الوجوب التخييري ، فإنّه يكون المرجع أصالة البراءة عن تعيين الاختياري.

وذكر المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في تعليقته على كلام الماتن قدس‌سره ما حاصله : أنّ تعلّق الوجوب بالاختياري كالصلاة بالوضوء محرز ، كما أنّ تعلّقه بالصلاة مع التيمّم محرز ـ كما هو فرض جواز البدار واقعا ـ ولكن لم يعلم أنّ البدل بمجرّده عدل للاختياري ، أو أنّ البدل المنضمّ اليه المبدل عدل له ، فإن كان تشريع الاضطراري

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقسم الأوّل أو بالقسم الرابع ، فالبدل بمجرّده عدل للاختياري ، وإن كان تشريع الاضطراري بالقسم الثالث ـ الذي لازمه عدم الإجزاء ـ فالعدل للاختياري هو الاضطراري المنضمّ إليه الاختياري بناء على التخيير بين الفعلين والفعل الواحد ، وعليه فلا مانع من جريان البراءة في ناحية تعلّق الوجوب بانضمام المبدل إلى البدل.

ولا يقاس المقام بدوران الأمر بين تعلّق الوجوب بالأقل أو الأكثر الارتباطيين ، حيث يقال فيه بعدم انحلال العلم الإجمالي بالوجوب عقلا ، والوجه في عدم القياس أنّ الأقلّ في ذلك الباب مرتبط بالأكثر في الصحّة ، وحصول ملاكه لو كان الوجوب متعلّقا بالأكثر بخلاف المقام ، فإنّ الوجوب لو كان متعلّقا بالبدل المنضمّ إليه المبدل لحصل ملاك البدل وصحّ الإتيان به ، كما أنّ الأمر في ناحية المبدل أيضا كذلك ، وعليه فتعلّق الوجوب بذات البدل محرز ، وتجري البراءة في تعلّق ذلك الوجوب بالمبدل المنضم الى البدل.

وبتعبير آخر : تعلّق الوجوب بالمبدّل المسبوق بالبدل غير محرز ، فتجري البراءة عن وجوبه ، وأمّا تعلّقه بالمبدّل غير المسبوق بالبدل ، فهو محرز كما أنّ تعلّقه بأصل البدل محرز ، فالمقام أشبه بموارد دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الاستقلاليين (١).

أقول : لو سلّم قدس‌سره في موارد الوجوب التخييري تعلّق وجوب واحد بعنوان ينطبق على كلّ من الأبدال كما هو ظاهر كلامه قدس‌سره ، فالأمر في ذلك العنوان الجامع دائر بين أن يكون بحيث ينطبق على المبدّل بانفراده وعلى البدل بانفراده ، أو أن يكون بحيث ينطبق على المبدّل بانفراده وعلى البدل المنضمّ إليه المبدّل ، ومقتضى

__________________

(١) نهاية الدراية : ١ / ٣٨٦.

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

استصحاب عدم تعلّق وجوب بالجامع على النحو الأوّل عدم الاكتفاء بالبدل بانفراده ، ولا يعارض هذا الاستصحاب استصحاب عدم تعلّقه بالجامع على النحو الثاني ، فإنّ هذا الاستصحاب لا أثر له للعلم بإجزاء المبدل بانفراده والبدل المنضمّ إليه المبدل ، فإن أريد بهذا الاستصحاب نفي هذا الإجزاء فلا مورد له ، وإن أريد إثبات تعلّقه بالجامع على النحو الأوّل فهو مثبت.

اللهمّ إلّا أن يقال : مقتضى هذا الاستصحاب أنّه لا يتعين على المكلّف الإتيان بالمبدل المنضمّ إلى البدل ، فيتعارضان وتصل النوبة إلى البراءة ، فتجرى في ناحية تعلّق الوجوب بالعنوان على النحو الثاني ولا تعارضها البراءة عن تعلّقه بالجامع بالنحو الأوّل ، فإنّها خلاف الامتنان ، كما مرّ.

وأمّا ما يقال من أنّ الأصل في المقام هو الاشتغال كما هو مقتضى العلم بوجود الملاك الملزم في البين ، وتمكّن المكلّف من استيفائه بالإتيان بالاختياري قبل خروج الوقت ، وأمّا مع الاقتصار على البدل فلا يحرز استيفائه ، فلا يخفى ما فيه ، فإنّ هذا القول ذكر وجها لوجوب الاحتياط في موارد دوران أمر الواجب بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، وكذا مورد دورانه بين التعيين والتخيير ، والجواب كما ذكر في ذلك البحث أنّ الملاك الملزم لا يزيد على التكليف ، فمع جريان البراءة عن وجوب الأكثر ، أو وجوب ما يحتمل تعيينه ، يكون مقتضاه عقلا معذورية المكلّف في ترك استيفاء الملاك لو كان موجودا في الأكثر أو فيما يحتمل تعيينه.

ثمّ إنّ الرجوع إلى الأصل العملي ـ على ما مرّ ـ يختصّ بما إذا لم يكن في البين ما يثبت نفي تشريع الاضطراري ، وقد ذكرنا أنّ في موارد الشك في تشريعه يكون خطاب الأمر بالاختياري نافيا لتشريعه ، فإنّ مقتضاه تعلّق التكليف بالاختياري معينا

٤١٠

المقام الثاني : في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه.

والتحقيق : إنّ ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه [١] ، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره ، كقاعدة الطهارة أو الحلية ، بل واستصحابهما في وجه قوي ، ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية

______________________________________________________

مع التمكّن من صرف وجوده من أوّل دخول الوقت إلى آخره.

إجزاء المأمور به الظاهري عن الواقعي :

[١] حاصل ما ذكره قدس‌سره في المقام أنّه قد يكون مقتضى خطاب الحكم الظاهري جعل ما هو معتبر في موضوع الحكم ومتعلّق التكليف جزءا أو شرطا كقاعدة الطهارة ، فإنّ مفاد خطابها اعتبار طهارة البدن واللباس المأخوذة في تعلّق الأمر بالصلاة ، وكاستصحابها بناء على ما هو الصحيح من كون الاستصحاب أصلا عمليّا ومفاد خطاب اعتباره ثبوت حكم ظاهري مماثل للثابت سابقا.

غاية الأمر الثابت سابقا طهارة واقعية بخلاف الثابت بالاستصحاب فإنّها طهارة ظاهرية لا محالة ، وكقاعدة الحلّية فإنّ مقتضاها حلّية المكان أو الحيوان المأخوذ من أجزائه اللباس وكذا استصحاب الحلّية فيما إذا طرأ على الحيوان أو المكان ما يشك معه في بقاء الحلّية ، وهذا كما ذكر بناء على ما هو الصحيح من اعتبار الاستصحاب كسائر الأصول العملية لا أنّه معتبر كالأمارات.

وقد يكون مفاد خطاب الحكم الظاهري اعتبار كشف الشيء عن الواقع أو اعتبار منجزيته ومعذريته كما في أدلّة اعتبار الأمارات الحاكية عن الواقع.

ثمّ إنّه يحكم بالإجزاء في مورد الإتيان بالمأمور به الظاهري وانكشاف مخالفته للواقعي في القسم الأوّل ، ممّا يكون مفاد الخطاب الظاهري تحقّق الجزء أو الشرط

٤١١

يجزي ، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط ، ومبيّنا لدائرة الشرط ، وأنّه أعمّ من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع

______________________________________________________

للمأمور به بجعلهما ، والسرّ في الإجزاء حكومة الخطاب الظاهري على دليل اعتبار ذلك الشرط أو الجزء في متعلّق التكليف أو موضوعه ، فمثلا تكون القاعدة والاستصحاب في طهارة الثوب أو حلّيته موجبا للتوسعة فيما دلّ على اعتبار الطهارة والحلّية في ثوب المصلّي ، وأنّها أعمّ من الطهارة أو الحلّية الواقعية.

أقول : ظاهر كلامه قدس‌سره عدم الفرق في الصورة الثانية التي يحكم فيها بعدم الإجزاء بين القول بجعل الحجية للأمارة أو جعل الحكم الطريقي ، وأنه لا يحكم بالإجزاء على كلا القولين.

وعليه يبقى سؤال الفرق بين الطهارة والحلّية في موارد جريان الأصول وبين الطهارة والحلّية في موارد قيام الطريق والأمارة ، فإنّه بناء على جعل الحكم الطريقي يكون المجعول في مورد قيام الطرق على قيود متعلّق التكليف كمفاد الأصول فيها.

وقد ذكر المحقق الاصفهاني قدس‌سره في التفرقة بين الأصل العملي الجاري في متعلّق التكليف وبين الأمارة القائمة عليه ـ على مسلك جعل مدلول الأمارة حكما طريقيا ـ ما حاصله : أنّ الأمارة بما أنّها تحكي عن الثبوت واقعا ، يكون اعتبارها جعل الأثر المترتّب على ذلك الواقع ، فيكون مقتضى اعتبار الأمارة القائمة على طهارة شيء أو حلّية حيوان جواز الصلاة فيه أو معه ، بخلاف الأصل الجاري في طهارة شيء أو حلّيته ، فإنّ مقتضى قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء طاهر أو حلال» جعل نفس الطهارة للشيء من غير نظر إلى ثبوتها أو نفيها واقعا ، وكذا في الحلّية.

لا يقال : على ما ذكر يلزم أن لا يكون الاستصحاب في طهارة الثوب أو البدن

٤١٢

الجهل ، وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعا ، كما هو لسان الأمارات ، فلا يجزي ، فإن دليل حجيته حيث كان بلسان أنّه واجد لما هو شرطه الواقعي ، فبارتفاع الجهل ينكشف أنّه لم يكن كذلك ، بل كان لشرطه فاقدا.

______________________________________________________

موجبا للتوسعة في المتعلّق ؛ لأنّ مفاد خطاب اعتباره ثبوت الطهارة السابقة وبقائها ، فيكون كالأمارة القائمة على بقائها في أنّه إذا انكشف الخلاف وظهر عدم ثبوتها واقعا يكون مقتضى خطاب التكليف بالمأمور به الواقعي الإتيان به ، مع أنّ صحيحة زرارة قد صرّحت بخلافه.

فإنّه يقال : المدّعى قصور التعبّد بثبوت الشيء واقعا عن جعل نفس ذلك الشيء ، لا أنّه ينافيه ، وعليه فلا بأس بالتعبّد بثبوته واقعا مع جعل نفس ذلك الشيء ، ولكن نقول التعبّد بالأمارة القائمة على طهارة شيء لا يقتضي جعل نفس الطهارة ؛ لأنّ التعبّد في الأمارة إنّما هو في جهة حكايتها ، والتعبّد فيها من هذه الجهة لا يقتضي إلّا جعل أثر المحكي عنه بخلاف الاستصحاب ، فإنّ اعتباره ليس من جهة الحكاية ، نعم هو كذلك بناء على أنّه ظنّ بالبقاء وأنّه اعتبر من هذه الحيثية (١).

أقول : قد يتبادر إلى الذهن أن نتساءل كيف حكم الماتن قدس‌سره بإجزاء الإتيان بالمأمور به الظاهري في الموارد المشار إليها ، مع أنّه قدس‌سره قد قسّم المأمور به الاضطراري إلى أقسام أربعة ، وحكم في بعضها بعدم الإجزاء وفي بعضها بعدم جواز البدار لتفويت الملاك ، ولكن لم يفصّل في المأمور به الظاهري بمثل ذلك؟

والجواب أنّه استفاد من خطاب اعتبار الاستصحاب وقاعدتي الطهارة والحلّية في موارد جريانهما في متعلّق التكليف ، التوسعة في الواقع المعبّر عنها في كلمات

__________________

(١) نهاية الدراية : ١ / ٣٩٢.

٤١٣

هذا على ما هو الأظهر الأقوى في الطرق والأمارات ، من أن حجيتها ليست بنحو السببية ، وأمّا بناء عليها ، وأنّ العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره ، يصير حقيقة صحيحا كأنّه واجد له ، مع كونه فاقده ، فيجزي لو كان الفاقد

______________________________________________________

القوم بالحكومة ، ولازم التوسعة تدارك ملاك القيد الواقعي مع الإتيان بالمأمور به الظاهري ، فلا نقص فيه من جهة تدارك الملاك.

ولكن لا يخفى أنّ الاستصحاب في طهارة الثوب لو كان موجبا للتوسعة في شرط الصلاة بأن يكون أعمّ من الطهارة الواقعية والظاهرية لكان الاستصحاب في نجاسته أيضا موجبا للتوسعة في مانعية النجاسة عن الصلاة ، وعليه لو قامت أمارة على نجاسة الثوب فصلّى فيه برجاء طهارته لاحتمال عدم إصابة الامارة للواقع وشكّ رجل آخر في بقاء نجاسة ثوبه وصلى فيه برجاء طهارته واقعا ، ثمّ بعد الصلاة ظهر طهارة كلّ من الثوبين حال الصلاة ، فاللازم الحكم بصحة الصلاة في مورد قيام الأمارة والبطلان في مورد الاستصحاب ، مع أنّ الحكم بالصحة في الأوّل والبطلان في الثاني لم يعهد التزامه من فقيه ، وأيضا لو كانت الحكومة في قاعدة الطهارة واستصحابها أمرا صحيحا ؛ للزم الالتزام بطهارة المتنجس فيما إذا غسله بماء شكّ في طهارته ثمّ بعد غسله علم بأنّ الماء كان نجسا ، فإنّ الطهارة المعتبرة في الماء المغسول به أعمّ من الواقعية والظاهرية على الفرض ، ولو شك في بقاء وضوئه وصلّى ، ثمّ علم بأنّه كان محدثا ، فاللازم الحكم بعدم وجوب إعادة الصلاة لعدم الخلل بذلك في الطهارة ، حيث إنّ الطهارة ـ كما زعم الماتن قدس‌سره ـ قد ارتفعت من حين العلم بالحدث ، وأنّ الصلاة قد وقعت مع الطهارة المعتبرة ، حيث إنّها أعمّ من الطهارة الواقعية والظاهرية.

ولو شك في بقاء الماء على طهارته ولاقاه شيء طاهر ، وبعد ذلك علم نجاسة

٤١٤

معه ـ في هذا الحال ـ كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن كذلك ، ويجب الإتيان بالواجد لاستيفاء الباقي ـ إن وجب ـ وإلّا لاستحب. هذا مع إمكان استيفائه ، وإلّا فلا مجال لإتيانه ، كما عرفت في الأمر الاضطراري.

______________________________________________________

الماء ، فاللازم أن لا يحكم بنجاسة الملاقي ؛ لأنّ الماء المزبور حال الملاقاة كان طاهرا.

والسرّ في ذلك كلّه أنّه يعتبر في الحكومة الموجبة للتوسعة والتضييق أن يكون المنفي أو المجعول المحكي بخطاب الحاكم من سنخ المجعول المحكي بخطاب المحكوم في كونه نفسيا أو طريقيّا ؛ ليكشف خطاب الحاكم عن السعة والضيق في المجعول المحكي بخطاب المحكوم ، وأمّا إذا كان المجعول في الخطاب حكما نفسيا ، وفي الخطاب الآخر ـ ولو عبّر عنه بخطاب الحاكم ـ طريقيا ، يكون مقتضى المجعول الطريقي عدم النفسية وأنّه يرتّب عليه أثر الواقع النفسي ما دام الجهل لغاية التنجيز والتعذير ، وإذا أحرز الواقع وأنّه كان على خلاف المجعول طريقا ، فاللازم رعايته ، حيث إنّ ثبوت الحكم الظاهري لا يوجب الانقلاب والتغيير في المجعول الواقعي ؛ لعدم المنافاة بين أن يكون تعلّق الحكم أو موضوعه مقيّدا بالقيد الواقعي ، وبين جعل ذلك القيد طريقيا ، بحيث يعتبر ذلك الحكم الطريقي بترتيب أثر القيد الواقعي عليه ما دام لم ينكشف الواقع لمصلحة في جعل ذلك القيد الطريقي واعتباره ، ولو كانت تلك المصلحة نوعية ، وإذا انكشف الخلاف وجب التدارك لبقاء الواقع بحاله وعدم الإتيان بمتعلّق التكليف الواقعي. وممّا يكشف عن بقاء قذارة الشيء ونجاسته الواقعية بحالها الغاية الواردة في خطاب قاعدة الطهارة من قوله عليه‌السلام : «كل شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (١).

__________________

(١) الوسائل : ج ٢ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٤.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى أنّ معنى جريان أصالة الطهارة الجارية في الثوب المشكوك طهارته ليس جعلا لطهارة الثوب ضرورة ، أنّه لو كان نجسا فهو باق على نجاسته واقعا ، وإنّما الطهارة الظاهرية له تفيد التوسعة في الشرطية الحاصلة من تعلّق التكليف بالصلاة في الثوب الطاهر ، حيث إنّ المتفاهم عرفا من خطاب أصالة الطهارة مع لحاظ خطاب الأمر بالصلاة في الثوب الطاهر ، هو أنّ القيد أعمّ ، فإذا صلّى في الثوب المزبور يسقط ذلك التكليف حتّى لو انكشفت نجاسة ذلك الثوب حال الصلاة ؛ لأنّ التوسعة في الشرطية أوجبت سقوط التكليف ولا انكشاف للخلاف بالإضافة إلى التوسعة ، ومع ذلك يحكم بنجاسة ملاقي ذلك الثوب رطبا ولو قبل ظهور الحال.

والحاصل أنّ ما دلّ على طهارة المشكوك حاكم على خطاب اشتراط الصلاة بطهارة الثوب لا خطاب ما دلّ على تنجّس الشيء بملاقاة النجس ، وهذا بخلاف ما إذا قام الطريق على طهارة ثوب وانكشف خطأه فيما بعد ، فإنّ اعتبار شيء طريقا إلى القيد الواقعي لا يوجب التوسعة في الشرطية المستفادة من مثل خطاب : صلّ في ثوب طاهر. ويمكن استفادة هذا الإجزاء في موارد قاعدة الطهارة واستصحابها من مثل قول علي عليه‌السلام : «ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم» (١).

لا يمكن المساعدة عليها ، فإنّه لم يظهر الفرق بين ما إذا كان مفاد الأصل والقاعدة اعتبار ما هو قيد لمتعلّق التكليف ، وبين ما إذا كان مفادهما اعتبار قيد لموضوع الحكم الوضعي ، بأن يقال بإجزاء الصلاة مع استصحاب الطهارة ، ولا يطهر الثوب المتنجّس بماء مستصحب الطهارة ، ودعوى الفرق بينهما جزاف ، وجعل

__________________

(١) الوسائل : ج ٢ ، الباب ٣٧ من أبواب النجاسات ، الحديث ٥.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الفارق ضرورة الفقه كما ترى ، فإنّ الحكم بصحّة الصلاة مع النجاسة الواقعية جاهلا بها إنّما هو من باب عدم كونها مانعة في الصلاة.

نعم النقض على كلام الماتن قدس‌سره بموارد قاعدة التجاوز كما إذا شكّ في الركوع بعد ما سجد وبنى على الركوع قبله وأتمّ الصلاة ، ثمّ انكشف عدم الإتيان بالركوع ، أو بموارد بيع الشيء مع الشكّ في كونه ملكا له ، وبعد البيع ظهر عدم كونه ملكا له ، ونحوهما لا وجه له ؛ لأنّ مفاد قاعدة التجاوز ليس جعلا للركوع ، ومفاد قاعدة اليد ليس جعلا للملكية حال البيع ، بل القاعدة اعتبرت طريقا إلى الملكية الواقعية.

ثمّ لو فرض صحّة الالتزام في موارد جعل الطهارة والحلّية الظاهريتين بالإجزاء للتوسعة المزعومة ، فلا يجري ذلك في موارد استصحاب الطهارة والحلّية ، وإن قلنا ـ كما هو الصحيح ـ بكون الاستصحاب أصلا عمليّا ؛ وذلك لما ذكرنا في بحث الاستصحاب بأنّ مفاد دليله ليس جعل حكم مماثل للحكم السابق ، بل مفاده اعتبار العلم بحصول السابق علما بالبقاء ، والتفصيل موكول إلى محلّه.

بقي في المقام أمر ، وهو أنّه لو قيل بالإجزاء في موارد التعبّد بالشرط أو الجزء أو عدم المانع بمفاد الأصول باعتبار أنّها توجب التوسعة فيما هو شرط وجزء ومانع في متعلّق التكليف لا يفرق في جريان الأصول بين الشبهات الموضوعية والحكمية ، وهذا بخلاف موارد الأمارات ، حيث إنّ مفاد دليل اعتبارها ثبوت الشرط الواقعي بجعل الأمارة طريقا تامّا إليه فلا يوجب قيامها الإجزاء بعد انكشاف الخلاف فيها ، ويكون مقتضى التكليف بما هو مقيد بالشرط امتثاله ، وهذا كلّه بناء على ما هو الأظهر في اعتبار الأمارات من أنّ اعتبارها على وجه الطريقية لا بنحو السببيّة.

٤١٧

الإجزاء في الأمارات على السببية :

وأمّا بناء على السببية وكون قيامها موجبا لحصول الحلّية أو الطهارة للشيء ، فيكون الإتيان بالمأمور به الظاهري موجبا لحصول الامتثال ؛ لأنّ المأمور به الذي يأتي به المكلف على طبق الأمارة القائمة على الطهارة ـ مثلا ـ يكون مشتملا عليها بقيام الأمارة ، ويكون كالواجد لها بالوجدان في حصول الملاك ، كما هو مقتضى دليل اعتبارها ، بناء على السببية ، إلّا أن يقوم دليل خاصّ في مورد على فوات بعض الملاك الواقعي بحيث يلزم تداركه ، فلا يجزي ، أو يستحب تداركه فيجزي كصورة اشتماله على جميع الملاك. والوجه في اقتضاء إطلاق دليل اعتبارها على السببية هو أنّ مدلوله بناء عليها جعل مدلول الأمارة شرطا واقعيا ، والوجه في اقتضاء إطلاق دليل اعتبارها على السببية هو أنّ مدلوله بناء عليها جعل مدلول الأمارة شرطا واقعيا ، فلا معنى لانكشاف الخلاف فيه بعد ذلك.

ولكن لا يخفى أنّه لا يظنّ أن يلتزم أحد باعتبار الأمارة على نحو السببية إلّا في الأمارات القائمة على الأحكام الكليّة التكليفية أو الوضعية ، دون القائمة على الموضوعات الخارجية والأحكام الجزئية ، كما إذا اشترى ثوبا من جلد الحيوان وبعد الصلاة حصل له العلم بأنّه من الميتة ، فالالتزام بالإجزاء من جهة اعتبار سوق المسلمين من باب السببية ، وأنّ الشارع قد جعل التذكية الواقعية للثوب المزبور بشرائه منه ما دام لم ينكشف الحال ، غير معهود في باب اعتبار الأمارات ، وعليه فتنحصر ثمرة اعتبار الأمارة بنحو الكشف أو السببية في الأحكام الكلّية فقط ، سواء كانت وضعية (مثل ما إذا قامت الأمارة على كون الدباغة في الميتة ذكاة) ، أو تكليفيّة (مثل ما إذا قامت على وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة).

٤١٨

ولا يخفى أنّ قضية إطلاق دليل الحجية ـ على هذا ـ هو الإجتزاء بموافقته أيضا ، هذا فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية ، أي بنحو الموضوعية والسببية ، وأمّا إذا شك فيها ولم يحرز أنها على أيّ الوجهين ، فأصالة عدم الإتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للإعادة في الوقت [١] ، واستصحاب عدم كون

______________________________________________________

الإجزاء عند الشكّ في سببيّة الأمارة وطريقيتها :

[١] بعد ملاحظة كلامه قدس‌سره في المقام من صدره إلى ذيله ، يظهر أنّ مراده من قوله قدس‌سره : «أصالة عدم الإتيان بما يسقط ...» إلخ ، أحد أمرين :

الأوّل : أن يكون مراده منها استصحاب التكليف المحرز حدوثه بنحو القسم الثاني من الكلّي ، حيث إنّ التكليف يختلف باختلاف متعلّقه ، ومتعلّق التكليف المحرز إمّا المقيّد بالقيد الواقعي ، كما هو مقتضى اعتبار الأمارة بنحو الطريقية والكشف ، وإمّا المقيّد بما هو مدلول الأمارة ، كما هو مقتضى اعتبارها بنحو الموضوعية والسببية ، فمع عدم إحراز كيفية اعتبار الأمارة وانكشاف الخلاف ـ كما هو المفروض ـ ، يحكم ببقاء ذلك التكليف المحرز حدوثه حين قيام الأمارة ، ولا ينفع في إحراز سقوطه أصالة عدم فعلية التكليف بالقيد الواقعي بعد انكشاف الواقع ، حيث إنّ إحراز سقوطه يكون بإحراز تعلّق الأمر حقيقة عند قيام الأمارة بالمأتي به وإثبات تعلّقه به بأصالة عدم الفعلية في ناحية الواقعي إثبات لأحد المتلازمين بالأصل الجاري في ناحية نفي الملازم الآخر فيكون من الأصل المثبت.

الثاني : أن يكون مراده كما يستفاد من ذيل كلامه ، أنّه مع العلم بحدوث التكليف ووجوده حال قيام الأمارة ، يكون المورد بعد انكشاف الخلاف مجرى قاعدة الاشتغال حيث يحتمل بقاء ذلك التكليف على ما كان في عدم الامتثال وعدم السقوط أو استصحاب عدم الإتيان بمتعلّق التكليف الحادث حال قيام الأمارة ،

٤١٩

التكليف بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي ، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا ، إلّا على القول بالأصل المثبت ، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي.

وهذا بخلاف ما إذا علم أنّه مأمور به واقعا ، وشك في أنّه يجزي عما هو

______________________________________________________

ليثبت به بقاء التكليف الحادث المزبور ، والاستصحاب كذلك داخل في الشبهة المصداقيّة ، كما يأتي في بيان إثبات وجوب القضاء به.

وأمّا تقريب قاعدة الاشتغال ، فبأنّه لو أحرز أنّ المأتي به الظاهري متعلّق التكليف حقيقة ، كما في موارد الأصول الشرعية التي تقدّم أنّ مقتضى خطاباتها التوسعة في الواقع ، وكما إذا أحرز اعتبار الأمارة القائمة على الشرط بنحو الموضوعية والسببية وشكّ في إجزاء المأتي به الظاهري أو الاضطراري يكون مقتضى الأصل العملي الإجزاء حتّى بالإضافة إلى الإعادة كما تقدّم ، حيث يدور الأمر بين أن يكون عدل الواجب على المكلف هو المأمور به الظاهري المنضمّ إليه الواقعي بعد كشف الخلاف ، أو الاضطراري المنضمّ إليه الاختياري بعد ارتفاع الاضطرار ، وبين أن يكون عدل الواجب نفس المأمور به الظاهري أو الاضطراري ، فأصالة البراءة عن وجوب ضمّ الواقعي أو الاختياري مقتضاها الإجزاء.

وهذا بخلاف ما إذا لم يحرز كون الفعل الاضطراري مأمورا به حال الاضطرار حقيقة ، أو الظاهري مأمورا به كذلك ، فإنّه مع عدم إحراز ذلك ـ كما هو مقتضى تردّد اعتبار الأمارة بين السببية والطريقية ـ يشكّ في امتثال التكليف المحرز حال قيام الامارة ويحكم العقل بالاشتغال ولزوم إحراز السقوط ، ولم يحرز تعلّق الأمر بالمأتي به حتّى يكون المورد مجري لأصالة البراءة ، واستصحاب عدم فعلية التكليف بالواقعي ـ كما تقدّم ـ لا يثبت تعلّق التكليف حقيقة بالمأتي به ، إلّا على الأصل المثبت.

٤٢٠