دروس في مسائل علم الأصول - ج ١

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-2-7
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٧٧

تبادر خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال [١] ، وصحّة السلب مطلقا عما انقضى

______________________________________________________

الزمان غير داخل في مداليل الأفعال فضلا عن الأسماء (١).

أقول : لو أراد القائل ببساطة مفهوم المشتق ، ما ذكره قدس‌سره فالأمر كما ذكره ، من أنّه عليها لا يمكن وضعه للأعمّ ، وأمّا لو أريد بها ما سيأتي بيانه في البحث عن بساطة مفهومه أو تركّبه ، فلا منافاة بين البساطة بذلك المعنى ووضعه للأعمّ.

وما ذكره ثانيا من أنّ وضع المشتق للأعمّ غير ممكن حتّى بناء على تركّب معناه لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّه بناء على التركّب يمكن أخذ قيد «للذات» ، بحيث ينطبق معه على المتلبّس والمنقضي ، من غير أخذ مفهوم الزمان أو مصداقه أصلا ، بأن توضع هيئة فاعل مثلا للذات الخاصّة وهي ما انتسب إليها المبدأ بانتساب تحققي بقي الانتساب أم لا ، وهذا المعنى كما ينطبق على المتلبّس ينطبق على المنقضي ، وإذا لم يمكن ذلك فيمكن وضعها لإحدى الذاتين من المتلبّس والمنقضي ، فيكون الموضوع له جامعا اعتباريّا وهو عنوان أحدهما ، القابل للانطباق على المتلبّس والمنقضي ، فإنّ وضع اللفظ للجامع الاعتباري ممكن ، بل واقع ، ويزيدك وضوحا ملاحظة الواجب التخييري على ما ذكرنا في محلّه.

حجيّة القول بوضع المشتق للمتلبس بالحال :

[١] ولعلّ مراده من الحال في المقام حال التطبيق وحمل معنى المشتق على الذات ، بحيث لو قال مخبر : (زيد قائم) ولم يكن في البين قرينة على أنّ إسناد (قائم) إلى (زيد) وحمله عليه بلحاظ زمان آخر ، ينصرف الكلام إلى أنّ حال الإسناد والحمل زمان النطق كما تقدّم سابقا ، ويتبادر أنّ تلبّس زيد بالقيام في حال حمل قائم وتطبيقه عليه.

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٧٤ ؛ وفوائد الأصول : ١ / ١٢٠.

٢٢١

عنه [١] ، كالمتلبس به في الاستقبال ، وذلك لوضوح أنّ مثل : القائم والضارب

______________________________________________________

وبتعبير آخر لا يتبادر من المشتق معنى وسيع فحمله على ذات لا يدلّ على أنّ تلك الذات في حال الحمل والتطبيق متلبس في المبدا بأن يحتمل انقضاؤه عنها في الحال المذكور.

ويمكن أن يكون مراده بالحال فعلية المبدأ كما ذكرنا سابقا ، ويقال إنّ المتبادر من المشتق ، ما يكون تلبّسه بالمبدإ فعليّا في مقابل ما يكون تلبّسه بالمبدإ منقضيا وما يكون تلبّسه بالمبدإ فيما بعد ، وكما أنّ إطلاقه على ما يكون تلبّسه فيما بعد بنحو من العناية ، كذلك إطلاقه على ما انقضى عنه المبدأ يكون بالعناية.

[١] المراد بالإطلاق ـ كما يأتي بيانه ـ إطلاق المسلوب ، والمراد من السلب نفي ما ارتكز في الأذهان من معنى المشتق عن فاقد المبدأ ، وإن كان واجدا له ومتلبّسا به فيما انقضى ، ويشهد لصحّة هذا السلب أنّ الذات إذا انقضى عنها المبدأ يصدق وينطبق عليها المشتق المضاد للمشتق الذي انقضى عنها مبدؤه ، كما في صدق القاعد على ذات انقضى عنها القيام ، مع أنّ القاعد والقائم بحسب ما ارتكز في الأذهان من معناهما متضادان ، كما هو الحال في مبدئهما.

وربما يقرّر تقابل التضادّ بين المشتقات التي مبادئها متضادّة دليلا مستقلّا على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال ، بأن يقال : لو لم يكن المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال لما كان بين معنى قاعد ومعنى قائم مثلا تضاد ، بل يكونان من المتخالفين في المعنى يصدقان على الذات معا كما في سائر المتخالفات في المعنى ، فإنّه يصدق على (زيد) أنّه عالم وأنّه قاعد ، وكما لا يكون بين معنى عالم ومعنى قاعد إلّا التخالف ، كذلك بين معنى قاعد ومعنى قائم ، بناء على عدم وضع المشتق لخصوص المتلبّس بالمبدإ في

٢٢٢

والعالم ، وما يرادفها من سائر اللغات ، لا يصدق على من لم يكن متلبسا بالمبادئ ، وإن كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ، ويصح سلبها عنه ، كيف؟ وما يضادها

______________________________________________________

الحال ، ضرورة أنّ التضاد على هذا الفرض يكون بين مبدئهما فقط ، فارتكاز التقابل بينهما بنحو التضاد كما هو الحال في مبدئهما ، يكون دليلا على أنّ المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال.

ولا يرد على هذا التقرير بأن الاستدلال على التضاد بين مثل معنى قاعد ومعنى قائم مصادرة ؛ لتوقّف التضاد بينهما على إحراز كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال ، ولو توقّف إحراز كونه حقيقة في ذلك على ثبوت التضاد لدار.

والوجه في عدم الورود هو أنّ التضاد بين معنى قاعد وقائم ثبت بارتكاز أهل المحاورة ، فلا يتوقّف على إحراز كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال.

لا يقال مجرد ارتكاز التضاد بين معنى قاعد وقائم لا يكون دليلا على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال ؛ إذ من المحتمل أن يكون ارتكاز المضادّة لأجل الانسباق الحاصل من اللفظ المطلق ، حيث إنّ اللفظ إذا كان له معنى كلي وكان لذلك المعنى فردان بحيث استعمل اللفظ في أحدهما كثيرا إلى أن لا يحتاج تعيينه في الإرادة إلى ذكر قيد له ، بخلاف الآخر حيث يكون تعيينه محتاجا إلى ذكر القيد له ، فمثل هذا الانسباق لا يدلّ على كون اللفظ حقيقة في خصوص فرد لا يحتاج تفهيمه إلى ذكر القيد له.

أقول : لو تمّ هذا الإشكال لأبطل الاستدلال على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال بتقرير التضادّ بين المشتقات التي بين مباديها تضادّ ، وكذا الاستدلال بتبادر المتلبّس بالمبدإ في الحال ، فإنّ التبادر الاطلاقي

٢٢٣

بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه ، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقيام ، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

لا يثبت الوضع لخصوص الفرد المتبادر من الاطلاق وعدم ذكر القيد له وإنّما يثبت الوضع بالتبادر الحاقّي (أي المستند إلى نفس اللفظ) ، ولكن لا يبطل الاستدلال بصحّة السلب ، فإنّ اللفظ لو كان موضوعا لمعنى عامّ ؛ لما أمكن سلب معناه عن فرده ، ولو كان ذلك الفرد من أفراده التي لا يستعمل فيها إلّا نادرا ومع ذكر القيد عند إرادته مثلا لا يقال (ماء السيل ليس بماء) وإن كان المتبادر من الماء عند إطلاقه في الاستعمالات المتعارفة غيره ، كما لا يخفى.

وبالجملة جعل المنقضي عنه موضوعا في السالبة ، يدلّ على عدم وضع المحمول لما يعمّه.

وأجاب الماتن قدس‌سره عن الإشكال : بأنّه لا مجال في المقام لدعوى احتمال الانسباق من الإطلاق ؛ وذلك لأنّه لو استعمل لفظ في موردين وكان استعماله في أحدهما نادرا وفي الآخر غالبا ، فيمكن أن يدّعى أنّ تبادر المورد الثاني دون الأوّل ، مستند إلى كثرة الاستعمال وإطلاقه ، وأمّا إذا كان استعماله في كلّ منهما كثيرا ، أو كان استعماله في الأوّل أكثر ، كما في المقام ، حيث إنّ استعمال المشتق في موارد الانقضاء أكثر ، فلا يحتمل فيه استناد تبادر المعنى الثاني إلى الاطلاق وغير حاق اللفظ ، وعليه فتبادر خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال لا منشأ له إلّا كون المشتق موضوعا له دون غيره.

وهم ودفع :

أمّا الوهم ، فلعلّك تقول : لا ينحصر الانسباق الإطلاقي بما ذكر ؛ إذ ربّما يكون

٢٢٤

وقد يقرر هذا وجها على حدة ، ويقال : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادئ المتضادة ، على ما ارتكز لها من المعاني ، فلو كان المشتق حقيقة في الأعم ، لما كان بينها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدإ الآخر.

ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعض الأجلّة من المعاصرين ، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتكازه بينها ، كما في مبادئها.

إن قلت : لعل ارتكازها لأجل الانسباق من الاطلاق ، لا الاشتراط.

______________________________________________________

اللفظ موضوعا للجامع ويستعمل في كلا الموردين ، من غير أن يكون استعماله في أحدهما نادرا ومع ذلك ينسبق أحدهما بخصوصه إلى الأذهان عند الاطلاق ، وليكن المقام من هذا القبيل مثلا صيغة الأمر تستعمل في مورد الوجوب النفسي وفي مورد الوجوب الغيري ، ولا يكون استعمالها في موارد الوجوب النفسي أكثر من موارد الوجوب الغيري ، مع أنّه ينسبق إلى الأذهان عند إطلاقها الوجوب النفسي ، فلا يكون الانسباق الاطلاقي مختصّا بموارد ندرة استعمال اللفظ في أحد الموردين وشيوعه في المورد الآخر.

أمّا الدفع ، فلأنّ تمايز الوجوب النفسي عن الوجوب الغيري بالإطلاق والتقييد ثبوتا ، فيكون فهم الوجوب الغيري في مقام الإثبات أيضا بالتقييد ، وأمّا الوجوب النفسي فيكفي في تفهيمه إطلاق الطلب في مقام الإثبات مع تماميّة مقدّمات الإطلاق ولا يقاس ذلك بما إذا لم يكن امتياز فرد من الجامع عن فرده الآخر إلّا بالخصوصيّة الخارجيّة لكلّ منهما ، مع تباين تلك الخصوصيّتين ، كما في امتياز المتلبّس بالمبدإ في الحال عن المنقضي عنه المبدأ ، فلا يكون انسباق المتلبّس من المشتقّ مع كثرة استعماله في موارد الانقضاء من الانسباق الاطلاقي.

٢٢٥

قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ، لو لم يكن بأكثر.

إن قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الأغلب مجازا [١] ، وهذا بعيد ، ربّما لا يلائمه حكمة الوضع.

لا يقال : كيف؟ وقد قيل : بأنّ أكثر المحاورات مجازات. فإنّ ذلك لو سلم ، فإنّما هو لأجل تعدد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد. نعم ربما يتفق ذلك بالنسبة إلى معنى مجازي ، لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه. لكن أين هذا مما إذا كان دائما كذلك؟ فافهم.

______________________________________________________

[١] هذا تعرّض لما يرد على الالتزام بأنّ المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال مع الالتزام بأنّه يستعمل في موارد الانقضاء كثيرا أو أنّ استعماله فيها أكثر من استعماله في موارد التلبّس ، فإنّه لا بدّ من الالتزام بأنّ غالب الاستعمالات أو أغلبها في المشتقات بنحو المجاز ، وهذا أمر بعيد لا تساعده حكمة الوضع.

لا يقال : لا بأس بالالتزام بأنّ أكثر استعمالات المشتقات تقع على نحو المجاز ، وقد قيل بأنّ أكثر الاستعمالات في المحاورات تقع مجازا.

فإنّه يقال : لو سلم بأنّ أكثر المحاورات مجازات ، فالمراد بذلك أنّ المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقى متعدّدة ، لا أنّ أغلب الاستعمالات اللفظية مجازات ، نعم ربّما يتفق في لفظ واحد أن يستعمل في معناه المجازي كثيرا لكثرة الحاجة إلى تفهيمه ولكن من المستبعد وقوع ذلك في تمام الألفاظ ، كما هو الحال في المشتقات حيث إنّ استعمال كلّ منها في موارد الانقضاء كثير أو أكثر.

٢٢٦

قلت : مضافا إلى أن مجرد الاستبعاد غير ضائر [١] بالمراد ، بعد مساعدة الوجوه المتقدمة عليه ، إنّ ذلك إنّما يلزم لو لم يكن استعماله فيما انقضى بلحاظ حال التلبس ، مع أنه بمكان من الإمكان ، فيراد من جاء الضارب أو الشارب ـ وقد انقضى عنه الضرب والشرب ـ جاء الذي كان ضاربا وشاربا قبل مجيئه حال التلبس بالمبدإ ، لا حينه بعد الانقضاء ، كي يكون الاستعمال بلحاظ هذا الحال ، وجعله معنونا بهذا العنوان فعلا بمجرد تلبسه قبل مجيئه ، ضرورة أنّه لو كان للأعم لصح استعماله بلحاظ كلا الحالين.

______________________________________________________

[١] أجاب قدس‌سره عن الاعتراض بلزوم كثرة الاستعمالات المجازية بوجهين ؛

أحدهما : أنّه لا بأس بالالتزام بها بعد مساعدة ما تقدّم من الأدلة على أنّ المشتق موضوع للمتلبّس في الحال.

وثانيهما : أنّه يمكن أن تكون تلك الاستعمالات بنحو لا يلزم منها التجوّز بأن يطبّق معنى المشتق على المنقضي عنه لا بلحاظ انقضاء المبدأ ، بل بلحاظ حال تلبّسه به ، فيراد من (جاء الضارب) جاء الذي كان ضاربا قبل مجيئه ، لا الضارب حال المجيء وبعد انقضائه ، كي يكون الاستعمال مجازا.

وربّما يتوهّم أنّه لو كان الاستعمال في موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبّس ، لا يمكن إثبات أنّ انسباق خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال ناش من حاقّ اللفظ ؛ لاحتمال كون تبادره ناشئا من استعماله المتلبّس في الحال غالبا أو دائما.

وقد دفع قدس‌سره هذا التوهّم بأنّه لو كان وضع المشتق للأعمّ لما كان وجه لجعل استعماله في خصوص المتلبّس وتطبيقه على موارد الانقضاء بلحاظ حال التلبّس ، فإنّ ذلك يكون من قبيل الأكل من القفا ؛ إذ مع إمكان استعماله في معناه الأعمّ وتطبيقه على الذات المنقضي عنها المبدأ بلا محذور ، لا موجب لاستعماله في

٢٢٧

وبالجملة : كثرة الاستعمال في حال الانقضاء يمنع عن دعوى انسباق خصوص حال التلبس من الإطلاق ، إذ مع عموم المعنى وقابلية كونه حقيقة في المورد ـ ولو بالانطباق ـ لا وجه لملاحظة حالة أخرى ، كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا لم يكن له العموم ، فإن استعماله ـ حينئذ ـ مجازا بلحاظ حال الانقضاء وإن كان ممكنا ، إلّا أنّه لما كان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان من الإمكان ، فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازا وبالعناية وملاحظة العلاقة ، وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله فيه حقيقة ، كما لا يخفى ، فافهم.

ثمّ إنّه ربّما أورد على الاستدلال بصحة السلب [١] ، بما حاصله : إنّه إن أريد

______________________________________________________

المعنى الأخصّ وتطبيقه على الذات المزبورة بلحاظ حال تلبّسها.

وبالجملة بناء على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال ، يمكن استعماله في موارد الانقضاء بنحو الحقيقة أيضا ، كما اذا أريد من الذات المزبورة حال تلبّسها ، فيكون تطبيق معنى المشتق عليها بلحاظ ذلك الحال حقيقة ، ويمكن أن يكون استعماله في تلك الموارد بنحو المجاز ، بأن يطبق معنى المشتق على الذات المزبورة بلحاظ حال انقضاء المبدأ عنه مجازا ، فمع إمكان الحقيقة ، لا موجب للعدول إلى الاستعمال المجازي ، بخلاف الموارد التي لا يمكن استعمال اللفظ فيها حقيقة ، فإنّه يتعيّن فيها الالتزام بالمجاز.

[١] ذكروا أنّ علامة المجاز صحّة السلب المطلق وأمّا صحّة السلب المقيّد فلا تكون علامة المجاز ، مثلا سلب الحيوان المقيد بكونه ناطقا عن البقر صحيح ولا يدلّ على أنّ استعمال الحيوان وتطبيقه على البقر مجاز ، وعلى ذلك فقد أورد على صحّة السلب في المقام بأنّه إن أريد من صحته سلب المشتق عن المنقضي مطلقا ، فالصحّة غير محرزة ، وإن أريد سلبه مقيّدا فلا تدلّ صحته على المجازية.

٢٢٨

بصحة السلب صحته مطلقا ، فغير سديد ، وإن أريد مقيدا ، فغير مفيد ، لأن علامة المجاز هي صحة السلب المطلق.

وفيه : إنّه إن أريد بالتقييد ، تقييد المسلوب الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق ـ كما هو واضح ـ فصحة سلبه وإن لم تكن علامة على كون المطلق مجازا فيه ، إلّا أن تقييده ممنوع ، وإن أريد تقييد السلب ، فغير ضائر بكونها علامة ، ضرورة صدق المطلق على أفراده على كل حال ، مع إمكان منع تقييده أيضا ، بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها المشتق ، فيصح سلبه مطلقا بلحاظ هذا الحال ، كما لا يصح سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبر جدّا.

______________________________________________________

وقد أجاب الماتن قدس‌سره بأنّه إن أريد من التقييد ، التقييد في ناحية المسلوب (أي المشتق) بأن يقيّد المشتق بفعلية المبدأ ويقال إنّ المنقضي عنه الضرب مثلا ليس هو ضارب بالضرب الفعلي ، فهذا التقييد في ناحية المشتق غير مراد في الاستدلال ، بل المسلوب هو المشتق بمعناه المرتكز عند الأذهان عند إطلاقه.

وبتعبير آخر : نسلّم بأنّ صحّة السلب بالمسلوب المقيّد أعمّ من صحة سلب المسلوب مطلقا ، فإنّه قد يصحّ سلب الشيء المقيّد عن شيء ، ولا يصحّ سلب ذلك الشيء مطلقا عنه ، كما في مثال سلب الحيوان المقيّد عن البقر ، فلا يصحّ سلب مطلق الحيوان عنه ، وإن كان المراد من التقييد ، تقييد نفس السلب بأن يقال : إنّ زيدا ليس في حال عدم تلبّسه بالضرب بضارب ، فصحّة هذا السلب دليل على أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس في الحال فقط ، فإنّه لا يصح سلب الطبيعي عن فرده في حال ، ولكنّ هذا التقييد أيضا غير مفروض في الاستدلال بل المفروض هو التقييد في ناحية الذات المسلوب عنها المبدأ حال انقضائه فيقال إنّ زيدا حال انقضاء الضرب عنه ليس بضارب ، فإنّه لو كان معنى المشتق أعمّ لما أمكن سلبه عنه.

٢٢٩

ثم لا يخفى أنّه لا يتفاوت في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ، بين كون المشتق لازما وكونه متعديا ، لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلا غير متلبس بالضرب ، وكان متلبسا به سابقا ، وأمّا إطلاقه عليه في الحال ، فإن كان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشكال كما عرفت ، وإن كان بلحاظ الحال ، فهو وإن كان صحيحا إلّا أنّه لا دلالة على كونه بنحو الحقيقة ، لكون الاستعمال أعم منها كما لا يخفى ، كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه ، بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ـ أيضا ـ وإن كان معه أوضح ، وممّا ذكرنا ظهر حال كثير من التفاصيل ، فلا نطيل بذكرها على التفصيل.

حجة القول بعدم الاشتراط وجوه :

الأول : التبادر ، وقد عرفت أنّ المتبادر هو خصوص حال التلبس.

الثّاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ، عمن انقضى عنه المبدأ [١].

______________________________________________________

[١] قد يستدلّ على كون المشتق حقيقة في المعني الأعمّ بحيث ينطبق على الذات المتلبّسة بالمبدإ في الحال وعلى المنقضي عنها بعدم صحّة سلب معنى المضروب والمقتول ، عمن ضرب أو قتل مع فرض انتفاء الضرب والقتل ، ونحوهما غيرهما من المحدود والمخلوق والمختار إلى غير ذلك.

وقد أجاب الماتن قدس‌سره عن جميع ذلك بما تقدّم في بعض الأمور من أنّ الكلام في المقام في معاني هيئات المشتقات لا في مبادئها ، وأنّه قد يراد من المبادئ في بعض المشتقات معنى مجازي تبقى الذات متصفة به ولو بعد انقضاء المعنى الحقيقي ، فتصدق تلك المشتقات على الذوات بعد انقضاء المبدأ عنها بمعناها ما يبقى الذات عليها ولو كان الباقى المزبور من المعنى المجاز للمبدا الحقيقي ، ولكنّ هذا لا يدلّ على أنّ هيئة المشتق موضوعة للأعمّ من المتلبّس في الحال.

٢٣٠

وفيه : إن عدم صحته في مثلهما ، إنّما هو لأجل أنّه أريد من المبدأ معنى يكون التلبس به باقيا في الحال ، ولو مجازا.

وقد انقدح من بعض المقدمات أنّه لا يتفاوت الحال فيما هو المهم في محل البحث والكلام ومورد النقض والإبرام ، اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه حقيقة أو مجازا ، وأما لو أريد منه نفس ما وقع على الذات ، مما صدر عن الفاعل ، فإنّما لا يصح السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع ـ كما عرفت ـ لا بلحاظ الحال أيضا ، لوضوح صحة أن يقال : إنّه ليس بمضروب الآن بل كان.

______________________________________________________

وقد يناقش في هذا الجواب بأنّه لا يتصوّر لمثل مبدأ الضرب معنى يقبل البقاء بعد انقضاء معناه الحقيقي ، مع صحّة دعوى الجزم بأنّ ما أريد من المبدأ في ضمن هيئة الضارب والقاتل ، هو المراد من المبدأ في ضمن هيئة المضروب والمقتول.

وفيه أنّه قد يراد في مثل هذه الاستعمالات المتلبّس بالمعني الحقيقي ، وينطبق على الذات المنقضي عنها المبدأ بلحاظ حال تلبّسها به ، فيراد من قوله (هذا هو المضروب) المضروب عند فعلية الضرب ، وقد يراد المبدأ بنحو العلاميّة للذات ، فيراد من المضروب الذات المتلبّسة بعلاميّة الضرب أو القتل واستعمال المبدأ في العلاميّة للذات مجاز ، كما في قوله : (هذا المال مسروق ، وقد سرق من فلان قبل سنوات) ، فلاحظ وتدبّر.

٢٣١

الثالث : استدلال الإمام عليه‌السلام تأسيا بالنبي ـ صلوات الله عليه ـ [١] كما عن غير واحد من الأخبار بقوله (لا ينال عهدي الظالمين) على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعريضا بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ، ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعا للأعم ، وإلا لما صح التعريض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة ، والجواب منع التوقف على ذلك ، بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعا لخصوص المتلبس.

______________________________________________________

[١] استدلّ على كون المشتق حقيقة في المعنى الأعمّ باستدلال الامام عليه‌السلام في عدة أخبار (١) بقوله سبحانه (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٢) على عدم لياقة من عبد صنما أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعريضا بمن تربّع على كرسيّ الزعامة وادّعى لنفسه خلافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان ممّن عبد الصنم مدّة مديدة ، فإن التعريض المزبور إنّما يتمّ بناء على كون المشتق حقيقة في الأعمّ لينطبق على من تربّع على كرسيها ، عنوان الظالم عند تربّعه ، وإلّا لما صحّ الاستدلال لانقضاء تلبّسهم بالظلم وعبادتهم للصنم عند تصدّيهم للخلافة.

وما في عبارة الماتن قدس‌سره : «تأسّيا بالنبي صلوات الله عليه وآله» إشارة إلى ما رواه الخاصة (٣) والعامة (٤) بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام» ، حيث لم يعبد هو وعليّ صنما ووثنا.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ١ / ١٢١.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

(٣) البحار : ج ٢٥ ، ٢٠٠ / ١٢ ؛ وتفسير نور الثقلين : ١ / ١٣٠.

(٤) المناقب لابن المغازلي : ص ٢٧٦ و ٣٢٢ ؛ كنز الدقائق : ٢ / ١٣٩ ؛ تفسير اللوامع : ١ / ٦٢٩ ، ط لاهور.

٢٣٢

وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة ، وهي : إن الأوصاف العنوانية التي تؤخذ في موضوعات الأحكام ، تكون على أقسام :

أحدها : أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعا للحكم ، لمعهوديته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به في الحكم أصلا.

ثانيها : أن يكون لأجل الإشارة إلى عليّة المبدأ للحكم ، مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ، ولو فيما مضى.

______________________________________________________

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فانتهت الدعوة إليّ وإلى أخي علي عليه‌السلام ، لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ ، فاتخذني الله نبيّا وعليّا وصيّا». وفيه تعريض لغير عليّ عليه‌السلام وأنّهم لعبادتهم الصنم والوثن لا ينالون الوصية والخلافة.

وكيف كان ، فقد أجاب قدس‌سره عن الاستدلال المزبور بأنّ أخذ عنوان المشتق في الموضوع على أنحاء :

الأوّل : أن يكون المشتق لمجرّد الإشارة والمعرفيّة للموضوع ، كقول الصادق عليه‌السلام : «فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس» (١) مشيرا إلى زرارة ، فإنّه لا دخل لجلوسه في جواز الرجوع وتعلّم الحكم وأخذه منه.

الثاني : أن يكون لعلّية المبدأ لثبوت الحكم وبقائه ، بأن يكون انطباق عنوان المشتق على ذات عند تلبسها بالمبدإ ، علّة لثبوت الحكم وبقائه ، كما في قوله عليه‌السلام «لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم و... المحدود» (٢) ، وقوله سبحانه : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ)(٣).

__________________

(١) الوسائل : ج ١٨ ، باب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٩.

(٢) الوسائل : ج ٥ ، باب ١٥ من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث ٦.

(٣) سورة النساء : الآية ٢٣.

٢٣٣

ثالثها : أن يكون لذلك مع عدم الكفاية ، بل كان الحكم دائرا مدار صحة الجري عليه ، واتصافه به حدوثا وبقاء.

إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتم ، لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو الأخير ، ضرورة أنّه لو لم يكن المشتق للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدإ ظاهرا حين التصدي ، فلا بد أن يكون للأعم ، ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ، ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم.

______________________________________________________

والثالث : أن يكون الحكم دائرا مدار انطباق المشتق على الذات وجريه عليها حدوثا وبقاء ، كما في قوله عليه‌السلام : «لا أقبل شهادة فاسق» (١) ، وقوله عليه‌السلام : «اشهد شاهدين عدلين» (٢).

والاستدلال المزبور مبنيّ على كون عنوان الظالم في قوله سبحانه (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(٣) من قبيل الثالث ، وأمّا إذا كان من قبيل الثاني ، كما يقتضيه عظم منصب الإمامة والخلافة ، فيتمّ تعريض الإمام عليه‌السلام مع كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبّس في الحال ، حيث يكون مفاد الآية أنّ المتقمّص بالخلافة يلزم أن لا يكون متلبّسا بالظلم ولو على نحو الانقضاء ، بل ولو على النحو الترقّب والاستقبال أيضا ، ولا يتوهّم أنّ الحمل على الوجه الثاني يوجب استعمال المشتق في معناه الأعمّ لينطبق على المنقضي عنه المبدأ بلحاظ حال الانقضاء أيضا ، فإنّه كما يستعمل المشتق في النحو الثالث في المتلبس بالحال ، كذلك في النحو الثاني ، وإنّما الاختلاف بينهما في بقاء الحكم بعد زوال عنوان المشتق ، حيث إنّ موضوع

__________________

(١) الوسائل : ج ١٨ ، باب ٣٠ من أبواب الشهادات ، الحديث ٤.

(٢) الفروع من الكافي : ص ٦ ، باب المراجعة لا تكون إلّا بالمواقعة ، الحديث ٣.

(٣) سورة البقرة : الآية ١٢٤.

٢٣٤

وأمّا إذا كان على النحو الثاني ، فلا ، كما لا يخفى ، ولا قرينة على أنّه على النحو الأول ، لو لم نقل بنهوضها على النحو الثاني ، فإنّ الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الإمامة والخلافة وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وإنّ لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم أنّ المناسب لذلك ، هو أن لا يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم أصلا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

الحكم في النحو الثاني ما انطبق عليه عنوان المشتق ولو فيما مضى ، فإنّ انطباقه عليه يكون علّة لثبوت الحكم وبقائه ، بخلاف النحو الثالث ، فإنّ بقاء الحكم فيما انطبق عليه عنوان المشتق ، دائر مدار بقاء الانطباق ببقاء المبدأ فيه.

وعلى النحو الثاني يكون معنى الآية من كان ظالما ولو آناً ما لا ينال عهدي أبدا ، وإرادة هذا المعنى من الآية لا يستلزم الاستعمال بلحاظ الانقضاء ، بل يصحّ مع إرادة خصوص المتلبّس بالمبدإ من عنوان المشتق ، كما لا يخفى.

والمتحصّل أنّه إذا أخذ عنوان المشتق في خطاب موضوعا لحكم ولم يكن في البين قرينة على أنّ ذكره على النحو الأوّل أو على النحو الثاني ، فظاهر الخطاب أنّ حدوث عنوان المشتق ، موضوع لحدوث الحكم وبقائه موضوع لبقاء الحكم ، فيكون الحكم فيما انطبق عليه عنوان المشتق دائرا مدار الانطباق ، وأمّا إذا قامت قرينة عرفية على أنّه على أحد النحوين ، يؤخذ بمقتضى القرينة ، والقرينة في مورد الآية المباركة هي عظم منصب الإمامة والخلافة من الله (تعالى جلّ شأنه) ، فإنّ كلّ شخص لا ينال هذا المنصب ، فيكون انطباق عنوان الظالم على شخص ـ ولو في زمان ما ـ موجبا لعدم نيله هذا المنصب ، وهذا لا يكون استحسانا كما توهّمه بعض ، بل قرينة عرفية ، حيث لم يرض الشّارع بإمامة ولد الزّنا والمحدود في الصلاة ولو مع عدالتهما ، فكيف يعطي الله (سبحانه) منصب الإمامة والخلافة لمن تلبّس بالشرك

٢٣٥

إن قلت : نعم ، ولكن الظّاهر أنّ الإمام عليه‌السلام إنّما استدلّ بما هو قضية ظاهر العنوان وضعا ، لا بقرينة المقام مجازا ، فلا بد أن يكون للأعم ، وإلّا لما تم.

قلت : لو سلم ، لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثاني كونه مجازا ، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس ـ كما عرفت ـ فيكون معنى الآية ، والله العالم : من كان ظالما ولو آنا في زمان سابق لا ينال عهدي أبدا ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنى لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.

ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، باختيار عدم الاشتراط في الأول ، بآية حد السارق والسارقة ، والزاني والزانية ، وذلك حيث ظهر أنه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد مطلقا ، ولو بعد انقضاء المبدأ ، مضافا إلى وضوح بطلان تعدد الوضع ، حسب وقوعه محكوما عليه أو به ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

أو بغيره من الفواحش مدّة من حياته؟

وقد يؤيّد كون عنوان الظالم في الآية المباركة مأخوذا على النحو الثاني نفس التعبير عن الحكم بصيغة المضارع ، الظاهر في البقاء والاستمرار ، مع عدم تقييده بزمان ، وبفحوى ما ورد في عدم جواز الاقتداء في الصلاة بالمحدود وولد الزنا.

٢٣٦

ومن مطاوي ما ذكرنا ـ هاهنا وفي المقدمات ـ ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذكر لها من الاستدلال ، ولا يسع المجال لتفصيلها ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات.

بقي أمور :

الأوّل : إنّ مفهوم المشتق [١]

______________________________________________________

بساطة معنى المشتق :

[١] لا ينبغي التأمّل في أنّ معنى المشتق كما أنّ مادّته موضوعة لمعنى ، كذلك هيئته موضوعة لمعنى ، وإذا كان كذلك فاللازم فرض معنى للهيئة غير معنى المادة السارية في جميع المشتقات ، ولا يمكن أن يكون معنى الهيئة مجرد أنحاء التلبّسات ، بأن تكون كلّ هيئة من هيئات المشتقات موضوعة لنحو من أنحائها ، كما هو الحال في هيئة الفعل الماضي المعلوم أو المجهول ، وكذا في هيئة الفعل المضارع ، وإلّا لم يصحّ جعله محكوما عليه في مثل قوله سبحانه (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) ممّا لا يكون على موصوف ، بل لا جعله محمولا على الذات في مثل قوله زيد ضارب ، فإنّ ملاك الحمل في مثله الاتحاد الخارجي ، ومن الظاهر أنّ واقع التلبّس بالضرب صدورا غير (زيد) خارجا ، لا أنّه هو هو.

وبتعبير آخر : تحقّق المبدأ فيما كان عرضا وإن كان بعين وجود موضوعه ، إلّا أنّ وجود موضوعه غير وجوده ، فلا وجه لما هو المعروف من أنّ الفرق بين المبدأ والمشتق هو الفرق بين بشرط لا ولا بشرط ، بمعنى أنّ المبدأ فيما إذا لوحظ في مقابل الذات يكون مدلولا للمصدر ، وإذا لوحظ بما أنّه متحد مع الذات وأنّه شأن

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٣٨.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

من شئونها ، يكون مدلولا للمشتق ، فإنّ مقتضى التفرقة بين المعنيين كذلك مع قطع النظر عن الاعتبارين هو اتحادهما في اصل المعنى مع أنّه ليس الأمر كذلك ، فإنّ المبدأ ـ بأيّ نحو لوحظ ـ لا يتّحد مع الذات خارجا ، فلو كان المراد ببساطة معنى المشتق هذا المعنى ، لما أمكن للقائل بها أن يلتزم بوضع المشتق للمتلبس في الحال أو للأعمّ كما ذكرنا سابقا (١). مع أنّه لا مجال لدعوى الاتحاد المزبور في ما هو غير عرض بالإضافة إلى معروضه ، كما إذا كان المبدأ من المعقولات الثانوية الفلسفية كالإمكان والامتناع ، أو كان عرضا ولكن لوحظ بالإضافة إلى غير معروضه من سائر الملابسات ، كالزمان والمكان وغيرهما ، فلا محيص عن الالتزام بدخول الذات في معنى المشتق ليكون دخولها مصحّحا لحمل معناه على الذوات ، ولكن الذات المأخوذة في معناه في غاية الإبهام ، حيث لم يلاحظ فيها أيّ خصوصية إلّا خصوصية التلبّس بالمبدإ.

وليس المراد أيضا أنّ معنى المشتق عند الإطلاق مركّب من مفهوم الذات وتلبّسها بالمبدإ وأنّ المشتق من المركّبات الناقصة ليدفع بأنّ ما يتبادر من المشتق ليس إلّا معنى واحدا وصورة واحدة.

بل المراد أنّ المفهوم من المشتق صورة واحدة ، وتلك الصورة تنطبق على الذات لا على المبدأ ، وتلك الذات مبهمة من جميع الجهات غير جهة التلبّس بالمبدإ ، وحينئذ فيقع الكلام في أنّ الجهة المعيّنة فعلية التلبّس بالمبدإ ، أو مجرد تحقّقه ، وهذا يوجب انحلال تلك الصورة الواحدة إلى ما الموصولة وتعيّنها بفعلية

__________________

(١) ص ١٩١ من هذا الكتاب.

٢٣٨

ـ على ما حققه المحقق الشريف في بعض حواشيه [١] ـ : بسيط منتزع عن الذات ـ باعتبار تلبسها بالمبدإ واتصافها به ـ غير مركب. وقد أفاد في وجه ذلك : أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلا ، وإلّا لكان العرض العام داخلا في الفصل ، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء ، انقلبت مادة الإمكان الخاص ضرورة ،

______________________________________________________

التلبّس في الحال أو مطلقا.

ودعوى أنّ الذات المبهمة المزبورة لا يمكن أن تكون مدلولا للهيئة الطارئة على المبدأ ، باعتبار أنّ مدلول هيئة المشتق معنى حرفيّ ، فلا يتضمّن معنى اسميا (١) ، مدفوعة بأنّه لا دليل على كون معنى الهيئة في المشتق الذي يطلق عليه الإسم في الاصطلاح غير متضمّن لمعنى الذات ، وإنّما يطلق على الهيئة أنّ معناها حرفيّ ، باعتبار أنّ الحرف كما لا معنى له عند تجرّده عن المدخول ، كذلك الهيئة من المشتقات التي يطلق عليها الإسم. ولعلّ ما ذكره الماتن قدس‌سره من تفسير بساطة معنى المشتق بأنّه منتزع عن الذات باعتبار تلبّسها بالمبدإ ، هو ما ذكرناه ، وحمل قدس‌سره كلام المحقّق الشريف عليه ، فيكون التركّب المنفي ، هو أن يتبادر من المشتق عند إطلاقه الصورة المركّبة.

ولكنّ ظاهر كلام المحقّق الشريف يأبى هذا الحمل كما سيأتي ، فإنّ مقتضى استدلاله عدم إمكان دخول الذات في معنى المشتق حتّى بالنحو الذي ذكرنا.

[١] ذكروا في تعريف الفكر بأنّه ترتيب أمور معلومة لتحصيل أمر مجهول ، وأورد عليه بالتعريف بالمفرد كالتعريف بالفصل وحده أو العرض الخاصّ ، فإنّه ليس في التعريف بهما ترتيب أمور.

وأجاب عن ذلك في شرح المطالع : بأنّ المعرّف ـ بالكسر ـ إذا كان من قبيل

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٧٨.

٢٣٩

فإنّ الشيء الذي له الضحك هو الإنسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشّريف ، على ما لخصه بعض الأعاظم.

وقد أورد عليه في الفصول ، بأنّه يمكن أن يختار الشق الأول ، ويدفع الإشكال بأن كون الناطق ـ مثلا ـ فصلا ، مبني على عرف المنطقيين ، حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك لا يوجب وضعه لغة كذلك.

______________________________________________________

المشتق ، كالناطق والضاحك ، يكون التعريف بأمور ، فإنّ الناطق شيء له النطق والضاحك شيء له الضحك (١).

وناقش في ذلك السيد الشريف بأنّه لا يكون مفهوم المشتق مركبا ، فإنّه على تقدير كون معنى الناطق شيء له النطق لزم دخول العرض العامّ في الفصل وهو ممتنع ، فإنّ العرض لا يكون مقوّما للذات هذا فيما لو أريد بالشيء مفهومه وإن أريد به مصداقه ، لزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية ، فإنّ الجهة في قولنا (الإنسان كاتب) هي الإمكان ، وعلى تقدير دخول مصداق الشيء في معنى الكاتب يكون

مفاد القضية (الإنسان ، إنسان له الكتابة) وهذه قضية ضروريّة ؛ لأنّ ثبوت الشيء لنفسه يكون ضروريّا (٢).

أقول : لازم ما ذكره المحقّق الشريف عدم دخول الذات في معني المشتق ، حتّى بنحو الانحلال ، حيث إنّه لو انحل إلى الذات والشيء يلزم أحد المحذورين ، إمّا دخول العرض العامّ في الفصل ، أو انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية ، فليس السيد الشريف في تحقيقه ناظرا إلى أنّ مفهوم المشتق في بدو الانتقال إليه ، بسيط

__________________

(١) شرح المطالع : ص ١١ ط كتبى ، وص ٨ ط مكتبة مسجد أعظم.

(٢) حاشيته على شرح المطالع : ص ١١.

٢٤٠