دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-61-1
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٠٨

١
٢

٣
٤

الأمر الثالث : في تقسيمات الواجب.

منها : تقسيمه إلى المطلق والمشروط [١] ، وقد ذكر لكلّ منهما تعريفات وحدود ، تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود ، وربما أطيل الكلام بالنقض والإبرام في النقض على الطرد والعكس ، مع أنّها ـ كما لا يخفى ـ تعريفات لفظية لشرح الاسم ، وليست بالحد ولا بالرسم ، والظاهر أنّه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط ، بل يطلق كل منهما بما له من معناه العرفي ،

______________________________________________________

[١] ينقسم الواجب إلى المطلق والمشروط ، وقد ورد في كلماتهم لكلّ منهما تعاريف تختلف بحسب القيود المأخوذة فيها ، وأطيل الكلام فيها بالنقض والإبرام في اطّرادها وانعكاسها بما لا فائدة في التعرّض لها ؛ لأنّ كلّا من التعاريف من قبيل شرح الاسم ، ولا يدخل في الحدّ أو الرسم ، لكون الفعل واجبا مطلقا أو مشروطا بالاعتبار ، والأمر الاعتباري لا يقبل الحد ولا الرسم.

والظّاهر أنّه ليس للاصوليين ـ في كون الواجب مطلقا أو مشروطا ـ اصطلاح خاصّ ، بل يطلقان على الواجب بما لهما من المعنى العرفي ، كما أنّ وصفي الإطلاق والتقييد ليسا بوصفين حقيقيين ، بمعنى أنّ الواجب في نفسه مطلق أو مشروط ، بل اتصافه بهما يكون بالإضافة إلى أمر ، فإن كان ذلك الأمر دخيلا في وجوبه بأن يكون قيدا لذلك الوجوب كان واجبا مشروطا بالإضافة إليه ، وإن لم يكن ذلك الأمر قيدا لوجوبه كان بالإضافة إليه واجبا مطلقا ، ومنه يظهر ما في اتصاف الواجب بهما من التسامح ، إذ الوجوب في الحقيقة يكون مشروطا أو مطلقا لا الواجب ، وعلى ذلك فيمكن أن يكون الوجوب بالإضافة إلى أمر مطلقا فيسمّى

٥

كما أنّ الظاهر أنّ وصفي الإطلاق والاشتراط ، وصفان إضافيان لا حقيقيان ، وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق ، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الأمور ، لا أقل من الشرائط العامة ، كالبلوغ والعقل.

فالحريّ أن يقال : إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه ، إن كان وجوبه غير مشروط به ، فهو مطلق بالإضافة إليه ، وإلّا فمشروط كذلك ، وإن كانا بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس.

ثمّ الظّاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه ، أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط ، بحيث لا وجوب حقيقة ، ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط ، كما هو

______________________________________________________

الواجب مطلقا ، وبالإضافة إلى أمر آخر مشروطا فيسمّى الواجب مشروطا.

ولا ينبغي التأمّل في أنّ ظاهر القضية الشرطية هو كون مفاد الشرط قيدا لمفاد الهيئة في الجزاء وأنّ قول المولى مثلا (إن جاءك زيد فأكرمه) كون مجيئه في المثال قيدا لطلب إكرامه ، لا أنّ وجوبه وطلبه مطلق ، والشرط قيد للواجب ، كما في الواجب المعلّق ، ويزيد ذلك وضوحا أنّ استعمال مثل قوله (إن توضأت فصلّ) في مقام طلب الصلاة المقيّدة بالطهارة غير صحيح ، بل يقال في ذلك المقام : صلّ متوضأ ، أو مع الوضوء.

ولكن المنسوب إلى الشيخ الأعظم الأنصاري قدس‌سره أنّ رجوع القيد إلى مفاد الهيئة صوري ولا يكون الشرط قيدا لمعنى الهيئة واقعا وحقيقة ؛ لامتناع كونه قيدا لمفاد الهيئة. وذكر في وجه الامتناع أنّ التقييد عبارة عن تضييق دائرة المعنى وإلغاء التوسعة عنه ، ولا يكون ذلك إلّا في المعاني التي في أنفسها كلّيات ، والطلب المنشأ بالصيغة ، بل حتّى المنشأ بالمادة جزئي وفرد من الطلب ، فلا يكون القيد (أي الشرط) راجعا إلى الوجوب المنشأ ، بل يرجع إلى الواجب ، فإنّ عنوانه اسمي قابل

٦

ظاهر الخطاب التعليقي ، ضرورة أن ظاهر خطاب (إن جاءك زيد فأكرمه) كون الشرط من قيود الهيئة ، وأن طلب الإكرام وإيجابه معلق على المجيء ، لا أن الواجب فيه يكون مقيدا به ، بحيث يكون الطلب والإيجاب في الخطاب فعليا ومطلقا ، وإنّما الواجب يكون خاصا ومقيدا ، وهو الإكرام على تقدير المجيء ، فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة ، كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) ، مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا ، ولزوم كونه من قيود المادة لبّا ، مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية أنّه من قيود الهيئة ظاهرا.

أمّا امتناع كونه من قيود الهيئة ، فلانّه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة ، حتّى يصح القول بتقييده بشرط ونحوه ، فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة ، فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة.

______________________________________________________

للتقييد والتضييق.

وبتعبير آخر : الوجوب المنشأ بصيغة افعل أو بغيرها يحصل بالإنشاء ، وبعد فرض حصوله لا يبقى مجال لتقييده ؛ لأنّ الموجود الحاصل لا يقيّد ، وعليه فإن فرض الإنشاء فالوجوب حاصل ، ومعه فلا بدّ من إرجاع القيد إلى متعلّق الوجوب ، بأن يكون الوجوب المتحقّق متعلّقا بالإكرام الخاصّ ، وهو إكرامه عند مجيئه ، وإن لم يحصل فهو خلاف فرض إنشائه ، ولازمه تفكيك الإنشاء عن المنشأ ، وهو باطل قطعا.

ثمّ ذكر قدس‌سره أنّه يكون الشرط من قيود المادة لبّا أيضا ، ومراده أنّ ما تقدّم من أنّ المنشأ بصيغة افعل فرد وجزئي ، والجزئي لا يقبل التقييد ، مقتضاه رجوع الشرط في مقام الإنشاء إلى تقييد الفعل ، لا إلى مفاد الهيئة والأمر (أي الطلب الحقيقي) ، فإنّ الإرادة لا تقبل التقييد ، فإنّ العاقل عند ما يلاحظ الفعل إمّا أن يريده أو لا يريده ،

٧

وأمّا لزوم كونه من قيود المادة لبّا ، فلأنّ العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه ، فإمّا أن يتعلق طلبه به ، أو لا يتعلق به طلبه أصلا ، لا كلام على الثاني.

وعلى الأوّل : فإمّا أن يكون ذاك الشيء موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف طوارئه ، أو على تقدير خاص ، وذلك التقدير ، تارة يكون من الأمور الاختيارية ، وأخرى لا يكون كذلك ، وما كان من الأمور الاختيارية ، قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف ، وقد لا يكون كذلك ، على اختلاف الأغراض الداعية إلى طلبه والأمر به ، من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد ، والقول بعدم التبعية ، كما لا يخفى ، هذا موافق لما أفاده بعض الأفاضل المقرر لبحثه بأدنى تفاوت ، ولا يخفى ما فيه.

أمّا حديث عدم الإطلاق [١] في مفاد الهيئة ، فقد حققناه سابقا ، إنّ كل واحد

______________________________________________________

وعلى الأوّل فإمّا أن يريده مطلقا أو على تقدير خاص ومقيّدا ، وعلى الثاني فالقيد مهما كان لا بدّ من أن يكون راجعا إلى المراد لا إلى نفس الإرادة ، إذ لو كان القيد غير اختياري فلا بدّ من دخله في المراد بنحو لا يتعلّق به الطلب بأن يكون المراد الفعل المقارن لحصوله ، وإذا كان اختياريا فقد يكون دخالته في المراد أيضا بنحو لا يتعلق به الطلب الغيري ، بأن يكون المراد الفعل المقارن لوجوده الاتفاقي.

والمراد بالوجود الاتفاقي يكون المكلّف مطلق العنان بالإضافة إلى حصول القيد ، بخلاف ما كان المراد الفعل المقارن له بحيث يكون على المكلف إيجاد ذلك القيد وتحصيله ليفعل ما هو المراد (١).

[١] وحاصل ما ذكر قدس‌سره في الجواب عن عدم الإطلاق في معنى الهيئة ، هو أنّ

__________________

(١) مطارح الأنظار : ص ٤٥ و ٤٦.

٨

من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها ، وإنّما الخصوصية من قبل الاستعمال كالأسماء ، وإنّما الفرق بينهما أنّها وضعت لتستعمل وقصد بها المعنى بما هو هو والحروف وضعت لتستعمل. وقصد

______________________________________________________

مفاد الهيئة نفس الطلب وهو باعتبار كونه من الكلي الطبيعي قابل للتقييد حتّى بعد إنشائه ، فإنّ المنشأ يعمّ حال وجود الشرط وعدمه ، فيقيّد بما إذا حصل الشرط ، كالتقييد في سائر المطلقات الواردة في الخطابات ، وقد مرّ أنّ معنى الحرف كمعنى الاسم يكون كليّا قابلا للصدق على كثيرين ، كما في قوله (سر من البصرة) ، غاية الأمر يلاحظ المعنى في مقام الاستعمال في الحرف آليا ، وفي الاسم استقلاليا ، وهذا اللحاظ لم يؤخذ في ناحية المستعمل فيه ، لا في الاسم ولا في الحرف. وبالجملة تقييد مفاد الهيئة وتضيق دائرته بالشرط بمكان من الإمكان.

ولو سلم أنّ المنشأ فرد من الطلب ولا يقبل التقييد إذ الفردية تحصل بالإنشاء ولا يمكن تقييده بعد الإنشاء فلا يمنع عن إنشاء الطلب من الأوّل مقيّدا وتكون الدلالة على الطلب المقيّد بدالّين ، كما هو مفاد القضية الشرطية.

وبتعبير آخر : غاية ما يمكن أن يقال : هو إنّه كما لا يمكن تقييد الملكية بعد إنشائها ولكن لا يمنع ذلك عن إنشائها من الأوّل مقيّدة بتعدّد الدالّ والمدلول ، بأن يقول إنشاء (هذا لك إن كان كذا) ، كذلك الحال في إنشاء الطلب المدلول عليه بالهيئة ، فإنّ الطلب المنشأ بالهيئة لا يزيد في الإنشاء على الملكية المنشأة باللام في قوله (هذا لك إذا مت).

ولا يخفى أنّ ما ذكره قدس‌سره في الجواب يرجع إلى أمرين : أحدهما أنّ انتزاع الكلية من المعنى بحيث يصدق على كثيرين لا يتوقّف على لحاظه استقلالا ، وأنّ قول القائل (أطلب منك ضرب زيد) وقول الآخر (اضرب زيدا) لا يختلفان في أنّ

٩

بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات ، فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى ، بل من مشخصات الاستعمال ، كما لا يخفى على أولي الدراية والنهى.

______________________________________________________

المستفاد من لفظ الطلب في الأوّل ومن الهيئة في الثاني نفس الطلب المنتزع منه الكلية ، بحيث يعمّ حال مجيء زيد وعدمه ، غاية الأمر يلاحظ نفس ذلك المعنى في موارد استعمال لفظ الطلب فيه استقلالا ، وفي مورد استعمال الهيئة آليّا ، من غير أن يكون اللحاظ مأخوذا في المستعمل فيه ودخيلا في انتزاع الكلية منه على ما تقدّم في معاني الحروف.

الثاني لو لم يمكن إنشاء طبيعي الطلب بصيغة افعل أو بمادة الطلب مطلقا ، يعني بلا قيد ، ثمّ تقييده بالشرط ، بدعوى أنّ الطلب بالإنشاء يكون شخصا اعتباريا والجزئي لا يقبل التقييد ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ تقييد طبيعي الطلب بالشرط قبل الإنشاء ثمّ إنشاء الطلب المقيد بتعدّد الدالّ والمدلول أمر ممكن ، وعلى ذلك فعدم فعلية الطلب قبل فعلية الشرط ليس من تفكيك المنشأ عن إنشائه ، بل حصول المنشأ قبل حصول شرطه تفكيك بينهما ، لأنّ المنشأ قبل الشرط وفي فرض عدمه خارجا لم ينشأ ولو حصل قبله لكان من حصول المنشأ بلا إنشائه ، والإنشاء لا يزيد على الإخبار ، فإنّه كما يمكن الإخبار بشيء بنحو التعليق والتقييد ، كذلك الأمر في الإنشاء.

أقول : إن أريد من تقييد الطلب أنّه إذا ورد في الخطاب (أكرم زيدا) في مقام إنشاء النسبة الطلبية المتعلّقة بضرب زيد ، ثمّ ورد في خطاب آخر (ليس عليك إكرام زيد إذا لم يجئك) فيجمع بين الخطابين فيما إذا لم يكن المتكلّم ممّن يتصوّر في حقّه الندم عمّا أنشأه أوّلا ، بأنّ مراده الاستعمالي من الخطاب الأوّل ولو كان طلب إكرام زيد جاء أو لم يجئ ، إلّا أنّ مراده الجدّي كان طلب إكرامه على تقدير مجيئه ، فهذا

١٠

فالطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق ، قابل لأن يقيد ، مع أنّه لو سلم أنّه فرد ، فإنّما يمنع عن التقيد لو أنشئ أولا غير مقيد ، لا ما إذا أنشئ من الأول مقيدا ، غاية الأمر قد دلّ عليه بدالّين ، وهو غير إنشائه أولا ثمّ تقييده ثانيا ، فافهم.

______________________________________________________

التقييد أمر ممكن وهو الجاري أيضا في التقييد في المعاني الاسمية.

وإن أريد من التقييد أن يكون مراده الاستعمالي من الخطاب الأوّل طلب إكرام زيد جاء أو لم يجئ ، ثمّ أراد أن يبدّل نفس المراد الاستعمالي لا الجدّي ، فهذا أمر غير ممكن ، سواء في معنى الهيئة أو المعاني الاسمية ، والممكن هو التقييد في المراد الاستعمالي بنحو تعدّد الدالّ والمدلول من الأوّل ، أو بنحو الاستعمال العنائي والمجازي حتّى في الخطابات المتضمّنة للمعاني الاسمية ، ولا دخل في ذلك أيضا للالتزام بأنّ المعاني الحرفية في أنفسها قابلة للتقييد ، أو يكون التقييد فيها بتبع مدخولاتها.

والسرّ فيه هو أنّ النسبة الطلبية سواء أنشأت بالهيئة أو بالمعنى الاسمي فهي أمر اعتباري ، وليس أمرا تكوينيا خارجيا ، فالمنشأ في الإنشائيات غير نفس الإنشاء ، ولا يقاس بالإيجاد والوجود ، إذ هما مختلفان بالاعتبار ومتحدان خارجا ، فينسب الوجود والتحقّق إلى الماهية فيقال وجود ، وينسب إلى الفاعل والعلّة فيقال إيجاد.

وهذا بخلاف المنشأ والإنشاء ، إذ الإنشاء تكويني ، والمنشأ اعتباري ، فإنّ الإنشاء عبارة عن لحاظ المعنى القابل للاعتبار والإتيان بما يدلّ على وقوعه بقصد أن يقع ، والمنشأ خارجا وجود ذلك الأمر الاعتباري ، وبما أنّ الوجود الاعتباري إنّما يكون في المعنى القابل للاعتبار كالملكية ، وأنّ الوجوب غير وجود الشيء الخارجي حيث أنّه لا يمكن فيه أن يكون الإيجاد فعلا والوجود استقبالا ؛ لأنّ فرق الوجود والإيجاد في المفهوم لا في الخارج بخلاف الإنشاء والمنشأ ، فيمكن أن

١١

فإن قلت : على ذلك ، يلزم تفكيك الإنشاء من المنشأ ، حيث لا طلب قبل حصول الشرط.

قلت : المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله ، فلا بدّ أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث ، وإلّا لتخلف عن إنشائه ، وإنشاء أمر على تقدير كالإخبار به بمكان من الإمكان ، كما يشهد به الوجدان ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

يعتبر فعلا حصول الشيء في الاستقبال أو معلّقا على أمر استقبالي كاعتبار الملكية للموصى له معلقا على موته ، فهذا لا محذور فيه ، فإنّ الإنشاء كما ذكرنا متحقّق ، ولكن المنشأ بما أنّه أمر استقبالي أو معلّق على الأمر الاستقبالي فهو غير فعلي ، ولو كان المنشأ فعليا قبل ذلك الأمر لكان حصوله بلا إنشائه.

وكذا الحال في الإخبار ؛ لأنّ الإخبار عبارة عن التكلّم بما ينتقل الذهن إلى الصورة التي هي لحصول الشيء أو لحصول شيء لشيء ، والداعي إلى نقل الصورة هو الإعلام بحصول ذيها أو عدم حصوله ، وكما يمكن الانتقال إلى الصورة التي يكون حصول ذيها فعليا ، كذلك يمكن فيما يكون حصول ذيها استقبالا ، وقد تقدّم في باب الفرق بين الإنشاء والإخبار أنّهما يشتركان في الإتيان بما يوجب الانتقال إلى صورة حصول الشيء ، ولكنّ الغرض منه في الإنشاء حصول ذيها ، بخلاف الإخبار فإنّ الغرض من الإتيان به الإعلام بحصول ذي الصورة في ظرفه المناسب ، ولو كان استقبالا ، وأنّه لو كان ما يقصد الإخبار عنه أمرا قابلا للإنشاء ففي موارد كون الغرض الإعلام ، يكون حصول ذي الصورة مع قطع النظر عن هذا الإعلام ، وفي الأمر غير القابل للإنشاء لا يحتاج لإحراز كون المتكلّم في مقام الإعلام إلى أمر آخر.

وبالجملة كما أنّ في موارد الإنشاء بمفاد القضية الشرطية يكون الغرض حصول ذي الصورة في ظرف حصول الشرط ، كذلك في موارد الاخبار بالجملة

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرطية يكون الغرض الإعلام بتحقّق ذي الصورة خارجا على تقدير وجود الشرط.

ودعوى أنّ في موارد الاخبار بالجملة الشرطية يكون المحكي عنه هي الملازمة بين حصول الشرط ومضمون الجزاء لا تعليق الجزاء على الشرط ؛ ولذا يكون صدق القضية الشرطية أو كذبها دائرا مدار صدق الملازمة أو عدمها ، فمثل (إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود) صادقة ؛ إذ الملازمة موجودة ولو مع عدم تحقّق الطرفين ؛ لأنّ المحكي عنه هي الملازمة وحكايتها مطلقة ، لا يمكن المساعدة عليها ، فإنّ هذا لا يجري في غير موارد الملازمة ، مثل قوله (إن جاء الليل يضرب زيد) الذي هو مورد الكلام في المقام ، فإنّه يكون صدق هذه القضية بتحقيق الضرب في الليل مع عدم الملازمة بينه وبين مجيء الليل لا فعلا ولا مستقبلا ، هذا بحسب المنطوق. وأمّا بحسب المفهوم ، فكذب مفهومها بتحقّق الضرب قبل مجيء الليل.

وذكر المحقّق النائيني قدس‌سره وجها آخر لامتناع إرجاع القيد إلى معنى الهيئة ، وهو أنّ الالتزام بكون معنى الهيئة كليّا لا يصحّح التقييد ؛ إذ التقييد في معناها غير ممكن ، لكن لا لجزئيّته ، بل من حيث إنّه يحتاج إلى لحاظ المعنى استقلالا ، فإنّه ضرب من الحكم ، ومعنى الهيئة ملحوظ آليا ، فالمتعيّن رجوع القيد إلى المادة الملحوظ معناها على الاستقلال ؛ لأنّ الإطلاق والتقييد من شئون المفاهيم الاستقلالية ، ومع أخذ القيد في المادة شرطا يستحيل تعلّق الطلب بتلك المادة بدون ذلك القيد ، فمثلا الحجّ المتقيّد بالاستطاعة الخارجية يتّصف بالواجب ويقع طرفا للنسبة الطلبيّة ، وبدون هذا القيد لا يكون متّصفا بوصف الواجب ولا يقع طرفا للنسبة الطلبية.

وبالجملة إرجاع القيد إلى المادة بهذا النحو لا محذور فيه ، ولا يوجب إرجاع الواجب المشروط إلى الواجب المعلّق باصطلاح صاحب الفصول كما ذكر في

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الكفاية (١).

أقول : يرد عليه :

أوّلا : بأنّه لا بدّ من أن يفرّق قدس‌سره بين قول القائل (إن جاءك زيد فأكرمه) وبين قوله (إن جاءك زيد فأطلب منك إكرامه) ، حيث إنّ التقييد في الأوّل غير ممكن ؛ لكون الطلب والبعث يستفاد من الهيئة بخلاف الثاني ، فإنّ الطلب فيه معنى اسمي ، ويلاحظ استقلالا في مقام الاستعمال كسائر المعاني الاسمية الكلية القابلة للتقييد.

وثانيا : قد تقدّم أنّ التقييد في الواجب المشروط بمعناه المشهور الذي كان في مقام الجعل والإنشاء ليس بمعنى تضييق المعنى الكلي ليقال بأنّه لا يجري في المعاني الملحوظة آليا ، حتّى مع كونها كليّة ، بل هو بمعنى التعليق ، وتعليق النسبة أمر ممكن ، سواء كان الغرض من تلك النسبة إنشاء أو اخبارا ، فلاحظ الذي يدقّ باب زيد ويسأل عن كونه في الدار مثلا ، فإنّه لا غرض له إلّا الاستفهام عن النسبة الظرفية ثبوتا أو نفيا ، وإذا صحّ تعلّق الغرض بالنسبة استقلالا ـ طلبية كانت أو خبرية ـ فيمكن كونها مطلقة ، كما يمكن كونها معلّقة.

وثالثا : إنّ ما ذكره قدس‌سره من أنّ إرجاع الشرط إلى المادّة بالنحو الذي ذكره لا يوجب كونه من الواجب المعلّق ، ففيه أنّه ليس في البين إلّا البعث والطلب المتعلّق بالمادّة ، فإن رجع الشرط إلى نفس الطلب والبعث يكون واجبا مشروطا باصطلاح المشهور ، وإن رجع إلى المادة يكون من الواجب المعلّق ، ولا يتعقّل الشقّ الثالث الذي عبّر عنه بالمادة المنتسبة وأرجع الشرط إليها ، وما ذكر قدس‌سره من أنّ الحجّ المتصف

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ١٣١.

١٤

وأمّا حديث لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبّا [١] ففيه : إنّ الشيء إذا توجه إليه ، وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها ، كما يمكن أن يبعث

______________________________________________________

بالاستطاعة الخارجية يتعلّق به الوجوب ويقع طرفا للنسبة الطلبية ، فمعناها أنّ فعلية النسبة الطلبية منوط بحصول الاستطاعة ، وهذا عبارة أخرى عن تعليق النسبة الطلبية إثباتا ، وأخذها في الموضوع لتلك النسبة ثبوتا ، بمعنى أنّه لم يعتبر الطلب المتعلّق بالحجّ إلّا في ظرف حصول الاستطاعة بنحو الشرط المقارن ، فيكون المكلّف المستطيع خارجا موضوعا لوجوب الحج.

ثمّ إنّه قد يتراءى التنافي بين ما ذكر صاحب الكفاية قدس‌سره هنا في الجواب عن إشكال رجوع الشرط إلى الهيئة من استلزام تعليق إنشاء الطلب على تقدير شيء لعدم كون الطلب في فرض عدم حصوله فعليا ، وإلّا يلزم تفكيك المنشأ وتخلّفه عن إنشائه. وبين ما ذكر في بحث الشرط المتأخّر من أنّ الدخيل في حصول الطلب لحاظ الشرط لا نفس الشرط ولحاظه مقارن لجعل الحكم وإنشاء الطلب ، فإنّ مقتضى ذلك فعلية الطلب قبل حصول الشرط خارجا لفعلية لحاظه.

ويمكن دفع التنافي بأنّ ما ذكره سابقا راجع إلى دفع شبهة تأثير المعدوم في الموجود ، فذكر في اندفاعها بأنّ المؤثّر في إرادة المولى إنشاء الحكم لحاظ الشرط المتقدّم والمتأخّر كما في الشرط المقارن ، وكلامه في المقام ناظر إلى الشرط بالإضافة إلى الطلب المنشأ الذي يكون بالإنشاء ، وأنّ هذا المنشأ إذا علّق في إنشائه على حصول شيء لا يكون في فرض عدم حصوله لعدم الإنشاء بالإضافة إلى تقدير عدمه ، فلا تنافي.

[١] وحاصل ما ذكره قدس‌سره في الجواب عن دعوى لزوم رجوع الشرط إلى المادّة لبّا هو أنّ الشيء إذا كان موافقا للغرض ـ سواء كان الغرض صلاح الفعل أو غيره ـ

١٥

فعلا إليه ويطلبه حالا ، لعدم مانع عن طلبه كذلك ، يمكن أن يبعث إليه معلقا ، ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لأجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله ، فلا يصح منه إلا الطلب والبعث معلقا بحصوله ، لا مطلقا ولو متعلقا بذاك على التقدير ، فيصح منه طلب الإكرام بعد مجيء زيد ، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للإكرام المقيد بالمجيء ، هذا بناء على تبعية الأحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح.

______________________________________________________

يمكن أن يبعث المولى إلى ذلك الفعل فعلا بأن يكون طلبه حاليا لعدم المانع عن حاليته ، كذلك يمكن أن يطلبه بنحو الاشتراط والتعليق ، بأن لا يكون قبل حصول المعلّق عليه طلب فعلي للمانع عن فعلية الطلب وحاليته.

وبالجملة ففي فرض المانع عن فعلية الطلب لا يكون طلب حالي بنحو يكون المعلّق عليه قيدا لنفس الفعل مع حالية طلبه ، كما هو ظاهر كلام الشيخ قدس‌سره ، وهذا ـ بناء على تبعية الأحكام للمصالح في نفس الأحكام ـ واضح.

وأمّا بناء على تبعيّتها للمصالح في متعلّقات الأحكام فأيضا كذلك ، فإنّ تعلّق الطلب الحقيقي والبعث الفعلي بها على هذا القول أيضا يتوقّف على عدم المحذور في فعلية الطلب ؛ إذ التبعية إنّما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية لا بما هي فعلية ، وعليه فلا محذور في عدم فعليّتها لمانع ، كما في موارد قيام الامارات والأصول العملية على خلاف التكاليف الواقعية ، وفي بعض الأحكام في الشريعة مع بقاء المانع من فعليتها إلى ظهور شمس الهداية وارتفاع الظلام.

أقول : ظاهر جوابه قدس‌سره عن رجوع القيد إلى المادّة لبا ، هو أنّه إذا كان الصلاح في الفعل ، على تقدير حصول أمر خارجا يمكن أن ينشأ الوجوب عليه على تقدير حصول ذلك الأمر ، بحيث لا يكون في فرض عدم حصوله طلب ومنشأ ولا يكون

١٦

وأمّا بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور به ، والمنهي عنه فكذلك ، ضرورة أنّ التبعية كذلك ، إنّما تكون في الأحكام الواقعية بما هي واقعية ، لا بما هي فعلية ، فإنّ المنع عن فعلية تلك الأحكام غير عزيز ، كما في موارد الأصول

______________________________________________________

بالإضافة إلى الفعل المزبور ـ على تقدير عدم حصول ذلك الأمر ـ إرادة أصلا ، وعليه فلا يكون الوجوب المنشأ إلّا بعد حصوله ولا الإرادة إلّا بعده ، فيكون نفس الوجوب المنشأ وفعليته أمرا استقباليا ، لا أن يكون الوجوب وفعليته أمرا حاليا والواجب استقباليا ، كما هو ظاهر المحكي عن الشيخ وقال بأن الوجدان شاهد على أنّ الإرادة لا تقبل القيد ، بل كل ما يفرض من القيد فهو راجع إلى المراد المشتاق إليه.

وذكر المحقّق الاصفهاني قدس‌سره في تعليقته تقريبا لما ذكر الماتن قدس‌سره بأنّ الشوق المؤكّد لا يكوّن إرادة ، بل الإرادة هي المحرّكة للعضلة نحو الفعل ، وما دام لم يحصل القيد لا تحصل هذه الإرادة ، وكما أنّه مع المانع عن الفعل المباشري لا تتحقّق الإرادة ـ أي الشوق المحرّك للعضلات ـ كذلك مع المانع عن بعث العبد ، لا يحصل للمولى الشوق المحرّك نحو البعث ، فلا يكون في ظرف المانع بعث حالي فعلي (١).

ولكن يأتي من المصنّف قدس‌سره (٢) أنّه لا يعتبر في فعلية الإرادة كونها محرّكة نحو المراد فعلا ، بل يمكن أن يكون المراد أمرا استقباليا والإرادة حالية وأمّا توصيفهم الشوق بكونه مؤكّدا محرّكا فهو بيان مرتبة للشوق الذي يطلق عليه الإرادة والتحريك الفعلي غير معتبر في كونها إرادة فتصوير المانع بالإضافة إلى تحريكه لا إلى حصوله ، والمدّعى في كلام الشيخ قدس‌سره عدم التقييد في الشوق ، بل القيد في المشتاق إليه.

والجواب الصحيح هو أنّ الإرادة بمعنى الشوق المؤكّد وإن صحّ تعلّقه بالأمر

__________________

(١) نهاية الدراية : ٢ / ٦٧.

(٢) الكفاية : ص ١٠٢.

١٧

والأمارات على خلافها ، وفي بعض الأحكام في أول البعثة ، بل إلى يوم قيام القائم (عجل الله فرجه) ، مع أن حلال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الأحكام باقيا مرّ الليالي والأيام ، إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع الظلام ، كما يظهر من الأخبار المروية عن الأئمة عليهم‌السلام.

______________________________________________________

الاستقبالي إلّا أنّه ليس حكما ولا دخيلا في فعلية الحكم والتكليف ، كما يشهد بذلك فعلية الإباحة مع عدم تصوير الاشتياق فيها بالإضافة إلى الفعل ، بل ذكرنا في بحث الطلب والإرادة أنّ الشوق المؤكّد غير الإرادة ، فإنّ الشوق يتعلّق بغير المقدور بمنتهى شدّته ، والإرادة لا تتعلّق به ، وقد يصدر الفعل عن الفاعل بالاختيار بلا اشتياق منه إلى الفعل.

وبالجملة الشوق المؤكّد ليس من الحكم ، وإرادة المولى لا تتعلّق بفعل العبد ، فإنّ فعل العبد بما هو فعل الغير غير مقدور للمولى بما هو مولى ، بل إرادة الآمر تتعلّق بفعله يعني بعثه وطلبه ، ويكون إعمال قدرته فيه ، وقد ذكرنا بما أنّ الوجوب والطلب أمر إنشائي يكون إنشائه بعثا وطلبا حقيقة بكون الغرض منه إمكان كونه داعيا للعبد إلى الإتيان بمتعلّقه.

وتقدم أيضا أنّه قد يكون صلاح الفعل على تقدير حصول شيء بحيث لو لم يحصل ، لما كان في الفعل الاختياري ملاكا كما في قوله : (إذا جاء الشتاء فالبس الثياب الشتوية) ففي مثل هذه الموارد لا يكون للمولى موجب لإنشاء الطلب مطلقا حتى يكون القيد راجعا إلى متعلّق الطلب والبعث ، بل ينشأ الطلب على نحو التعليق على حصول أمر آخر ، ويكون غرضه من المنشأ أن يكون في ظرف فعليّته داعيا للعبد إلى الإتيان بالفعل.

١٨

فان قلت : فما فائدة الانشاء؟ إذا لم يكن المنشأ به طلبا فعليا ، وبعثا حاليا.

قلت : كفى فائدة له أنّه يصير بعثا فعليا بعد حصول الشرط ، بلا حاجة إلى خطاب آخر ، بحيث لولاه لما كان فعلا متمكنا من الخطاب ، هذا مع شمول الخطاب كذلك للإيجاب فعلا بالنسبة إلى الواجد للشرط ، فيكون بعثا فعليا بالإضافة إليه ، وتقديريّا بالنسبة إلى الفاقد له ، فافهم وتأمل جيّدا.

______________________________________________________

ويمكن أن يكون صلاح الفعل مطلقا ولكن لا يتمكّن العبد من ذلك الفعل إلّا بحصول أمر آخر كقوله : (إذا تمكّنت على تعلّم العلم فتعلّم) فإنّ كون الطلب مشروطا لأجل أنّه لا أثر للطلب بدون حصول التمكّن ، فلا يكون الطلب المشروط طلبا واقعيا إلّا بعد حصول الشرط إذن فلا ينحصر الطلب المشروط بموارد وجود المانع عن إطلاق الطلب الحقيقي.

وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ البعث والطلب وإن اتّصف بكونه حقيقيا إلّا أنّ اتّصافه به إنّما هو بلحاظ كون الغرض من اعتباره إمكان انبعاث العبد به إلى الفعل ، وعليه إذا كان الصلاح في الفعل أو غيره داعيا للمولى إلى إنشاء البعث والطلب على نحو الاشتراط والتعليق فلا محذور فيه ، حيث إنّ الإنشاء ليس عين المنشأ خارجا ليكون تغايرهما بالاعتبار كما في تغاير الكسر والانكسار والإيجاد والوجود حتّى يلزم فعلية الإنشاء بلا فعلية المنشأ فيكون ممتنعا ، بل هما متغايران ذاتا كما بيّناه سابقا. ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بكون الإنشاء مبرزا للمنشإ ومقوّما لعنوانه أو القول بأنّ المنشأ أمر مسبّب عن الإنشاء ، فإنّ التسبّب المزبور بما أنّه أمر جعلي اعتباري فيمكن أن يوجد بالسبب التكويني الفعلي الأمر الاعتباري المتأخّر.

١٩

ثم الظاهر دخول المقدّمات الوجودية للواجب المشروط ، في محل النزاع أيضا [١] ، فلا وجه لتخصيصه بمقدّمات الواجب المطلق ، غاية الأمر تكون في الاطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدمة كأصل الوجوب بناء على وجوبها من باب الملازمة.

وأما الشرط المعلق عليه الإيجاب في ظاهر الخطاب ، فخروجه ممّا لا شبهة فيه ، ولا ارتياب :

أمّا على ما هو ظاهر المشهور والمتصور ، لكونه مقدمة وجوبية.

______________________________________________________

المقدمات الوجودية للواجب المشروط :

[١] يعني كما أنّ مقدّمات الواجب المطلق مورد النزاع في المقام ، ويقع البحث في أنّ وجوب ذيها يلازم تعلّق الوجوب المولوي الارتكازي بها ، كذلك المقدّمات الوجودية للواجب المشروط داخلة في النزاع ، غاية الأمر أنّ المقدّمة تتبع ذيها في إطلاق الوجوب واشتراطه ، كما أنّها تابعة له في أصل الوجوب ففي الواجب المطلق يكون وجوب المقدّمة مطلقا بخلاف الواجب المشروط فإنّه يكون وجوب مقدّمته أيضا مشروطا بحصول شرط الوجوب ، فلا وجه لتخصيص النزاع بمقدّمات الواجب المطلق ، كما هو مقتضى ظاهر بعض الكلمات. نعم لا يكون شرط الوجوب وقيده داخلا في محلّ الكلام في الملازمة وإلى ذلك أشار قدس‌سره بقوله : «وأمّا الشرط المعلّق عليه الإيجاب ... إلخ» (١) وحاصله عدم امكان تعلق الوجوب الغيري بشرط الوجوب ولو كان الشرط فعلا اختياريا لأنّ المزبور عدم الوجوب مع عدمه ، ووجوبه مع حصوله مقتضاه طلب الحاصل.

__________________

(١) الكفاية : ص ٩٩.

٢٠