دروس في مسائل علم الأصول - ج ١

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-94850-2-7
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤٧٧

وفيه : إنّه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلا بلا تصرف في معناه أصلا ، بل بماله من المعنى ، كما لا يخفى.

والتحقيق أن يقال : إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ، وإنّما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه إذا لم يعلم

______________________________________________________

لا يدخل فيه الشيء والذات ، كما اختاره الماتن قدس‌سره فيما يأتي ، ليوافق ما التزم به السيد الشريف ، من بساطة معنى المشتق ، وقد فسر قدس‌سره «البشرطلا واللابشرط» المذكورين في الفرق بين المبدأ والمشتق بشرط لا ولا بشرط الذاتيّين.

وقد اجيب عن مناقشة السيد الشريف بوجوه :

منها ما ذكره الماتن قدس‌سره عن صاحب الفصول قدس‌سره ، وهو عدم لزوم شيء من المحذورين من دخول الذات في معنى المشتق ، فإنّ معنى الشيء الذي يعدّ من العرض العامّ ، داخل في معنى الناطق لغة ، وما جعل فصلا للإنسان هو معناه الاصطلاحي ، ولزوم المحذور من دخول العرض العامّ في معناه الاصطلاحي لا يوجب محذورا من دخوله في معناه اللغوي الذي هو المبحوث عنه في المقام ، وأنّه لو قيل بدخول مصداق الشيء في معنى المشتق لا يلزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية ، فإنّ ثبوت الإنسان للإنسان وإن كان ضروريا إلّا أنّ الإنسان مقيّدا بأنّ له الكتابة ، لا يكون ثبوته له ضروريا ؛ لجواز أن لا يكون القيد ضروريا (١).

وقد أورد المصنف رحمه‌الله على الشقّ الأوّل من الجواب المزبور ، بأنّه غير صحيح ، سواء قيل بدخول معنى الشيء في معنى المشتق ، أو قيل بدخول مصداقه فيه ، فانّ المقطوع به هو أنّ الناطق في عرف المنطقيين قد اعتبر فصلا للإنسان بما له من

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٥٠.

٢٤١

نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله ، ولذا ربما يجعل لازمان مكانه إذا كانا متساوي النسبة إليه ، كالحساس والمتحرك بالإرادة في الحيوان ، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنّه وإن كان عرضا عاما ، لا فصلا مقوّما للانسان ، إلّا أنّه بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من أظهر خواصه.

______________________________________________________

المعنى اللغوي وبلا تصرف في معناه أصلا.

كما أورد على استدلال المحقّق الشريف لعدم دخول معنى الذات في معنى المشتق ، بلزوم دخول العرض العامّ في الفصل ، بأنّ مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم الفصل وأظهر خواصّه ، فيكون فصلا مشهوريّا منطقيا يوضع مكان الفصل الحقيقي إذا لم يعرف الحقيقي ، ولذا يجعل مكانه لازمان ، إذا كانا متساويي النسبة ، كما يذكر الحساس والمتحرك بالإرادة ، فصلا للحيوان ، فلا يلزم من دخول معنى الشيء في معني الناطق إلّا دخول العرض العامّ ، وأخذه في خاصة الشيء التي هي من العرضيات لا في فصله المعدود من الذاتيات في باب الكلّيات.

وأمّا مسألة انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية فهو ممّا لا محيص عنه ، كما ذكر المحقّق الشريف ، وذلك لأن قيد «له الكتابة» لا يمكن أخذه في المحمول إلّا بأحد نحوين :

الأوّل : أن يكون لمجرد الإشارة إلى المحمول بلا دخل فيه أصلا بأن يكون المحمول على الإنسان في قولنا (الإنسان كاتب) هو الإنسان فقط ، وقيد (له الكتابة) إشارة إلى الإنسان ، وعليه فالانقلاب ظاهر ؛ لأنّ ثبوت الإنسان للإنسان ضروري.

والثاني : أن يكون القيد داخلا في المحمول ، بأن يكون المحمول في قوله (الإنسان كاتب) كل من الأمرين (الإنسان) وقيد (له الكتابة) فتنحلّ القضية الواحدة وهي (الإنسان كاتب) إلى قضيتين إحداهما (الإنسان إنسان) والأخرى (الإنسان له

٢٤٢

وبالجملة لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ، إلّا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي ، لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي ، فتدبر جيدا.

ثم قال : إنّه يمكن أن يختار الوجه الثاني أيضا ، ويجاب بأنّ المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا ، بل مقيدا بالوصف ، وليس ثبوته للموضوع حينئذ

______________________________________________________

الكتابة) فالأولى ضرورية والثانية ممكنة.

وأمّا عدم جعل القيد محمولا مستقلّا ولا وصفا توضيحيّا لنفس المحمول ، بل جعله تقييدا لمصداق الذات ، بأن يضيّق دائرة معنى الإنسان في المثال على حدّ سائر التقييدات ، فغير ممكن ، لأنّ معنى الإنسان وإن كان وسيعا قابلا للتقييد والتضييق كما يقال : الإنسان الأبيض ، أو الكبير ، أو غير ذلك ، إلّا أنّ المفهوم الوسيع يقبل التضييق بالإضافة إلى معنى آخر ، لا بالإضافة إلى نفسه ، مثلا يصح أن يقال (البقر حيوان خاصّ) ولا يمكن أن يقال (الحيوان حيوان خاصّ).

وبالجملة إذا كان الموضوع في القضية نفس المحمول ، أو مرادفا له ، فلا يمكن تضييق دائرة المحمول بالقيد ، بل لا بدّ من جعل القيد وصفا توضيحيا مشيرا إلى المحمول أو محمولا آخر بأن يؤخذ التقييد معنى حرفيا غير مقصود ، والمقصود بالحمل حمل ذات المقيد.

وممّا ذكرنا يظهر وجه تخصيص السيد الشريف الانقلاب بصورة أخذ مصداق الشيء في معنى المشتق ، فإنّه لو كان المأخوذ مفهوم الشيء فهو باعتبار قبوله التقييد لا يكون ثبوته بعد التقييد ضروريا.

وكأنّ الماتن قدس‌سره أراد بقوله : «وكان القيد خارجا» عن المحمول «وإن كان التقييد داخلا بما هو معنى حرفيّ» ما ذكرناه من كون القيد لمجرّد الإشارة إلى نفس

٢٤٣

بالضرورة ، لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضروريا. انتهى.

ويمكن أن يقال : إن عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضر بدعوى الانقلاب ، فإنّ المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجا ، وإن كان التقييد داخلا بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون ضرورية ، ضرورة ضرورية ثبوت الإنسان

______________________________________________________

المحمول ، وعبارته في تقرير الانحلال إلى قضيتين ، بقوله : «وذلك لأنّ الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، كما أنّ الأخبار بعد العلم بها تكون أوصافا» تشير إلى ما ذكرنا من امكان جعل قيد (له الكتابة) جزء في الخبر عن الإنسان حيث يكون قبل العلم به خبرا.

وما ذكره من انحلال عقد الحمل وأنّ الانحلال إلى القضيتين مبني على ذلك أي لحاظ له النطق قبل العلم به ليكون الاخبار عن الإنسان بالناطق منحلا إلى قضيتين احداهما الإنسان إنسان والثاني الإنسان له النطق ولا يخفى أنّ هذا مع غضّ النظر عن محذور لزوم أخذ العرض في الفصل فيما لو كان المحمول فصلا كما مثّل به صاحب الكفاية قدس‌سره ، ولكن لو مثّل بدله بالإنسان ضاحك كما مثّل به المحقق الشريف لكان أفضل وأولى ، ولعلّ تمثيله بالناطق من باب ما تبناه من عدم كون الناطق فصلا حقيقيا بل هو فصل مشهوري منطقي.

وكيف ما كان ، فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ مراد المحقّق الشريف من بساطة معنى المشتق خروج الذات عن معني المشتق مفهوما ومصداقا ، بل لا يمكن انحلال معنى المشتق إلى أحدهما.

وأورد المحقّق النائيني قدس‌سره على ما ذكره السيد الشريف من أنّ أخذ معنى الشيء في مفهوم المشتق يوجب دخول العرض العامّ في الفصل ، بأنّ الشيء بمعناه العامّ لا يكون عرضا عامّا ليلزم من دخوله في معنى المشتق ما ذكر ، بل الشيء جنس

٢٤٤

الذي يكون مقيدا بالنطق للإنسان وإن كان المقيد به بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلا ، فقضية (الإنسان ناطق) تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية

______________________________________________________

الأجناس لجميع الماهيّات جهة جامعة بينها لا عرض عامّ لها ، حيث إنّ العرض ما يكون خاصة للجنس البعيد أو للجنس القريب ، والشيئية تكون في جميع الماهيّات ، وليس ورائها أمر آخر لتكون الشيئية خاصة ذلك الأمر وعرضا عامّا لجميع الماهيّات.

وما يقال من أنّ الشيئية مساوية للوجود وبما أنّه لا يكون مفهوم الوجود جنسا فيكون مفهوم الشيء الذي مرادف له كذلك ، لا يمكن المساعدة عليه فإنّ الوجود يحمل على الشيء كما يحمل على سائر الماهيات ، فالمراد من المساوقة مساوقتهما في الصدق لا اتّحادهما في المفهوم ، ليكون مفهوم الشيء كمفهوم الوجود عارضا لجميع الماهيات.

والحاصل أنّه يلزم من دخول مفهوم الشيء في المشتق دخول الجنس في الفصل ، لا دخول العرض العامّ في الفصل ، وإن كان دخول الجنس في الفصل أيضا باطلا (١).

وذكر قدس‌سره : ـ في جواب صاحب الكفاية الذي ذهب إلى أنّ الناطق فصل مشهوري لا حقيقي فيلزم من تركّب المشتق دخول العرض العامّ في الخاصة ـ أنّ الناطق بمعنى المتكلّم ، أو المدرك للكليات ، وان لم يكن فصلا للانسان اذا التكلم والادراك من العرض لكن المراد به صاحب النفس الناطقة فيلزم من تركب المشتق دخول العرض العام في الفصل لا دخول العرض العام في الخاصة كما ذكر قدس‌سره.

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٦٩.

٢٤٥

(الإنسان انسان) وهي ضرورية ، والأخرى قضية (الإنسان له النطق) وهي ممكنة ، وذلك لأنّ الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما أنّ الاخبار بعد العلم تكون أوصافا ، فعقد الحمل ينحل إلى القضية ، كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة

______________________________________________________

أقول : عنوان الشيء والذات كما يحمل على ممكن الوجود ، كذلك يحمل على واجب الوجود بالذات ، ومن الواضح أن الواجب بالذات لا ماهيّة له ليكون له جنس الأجناس ، وحمل الوجود على الشيء كحمله على الجواهر والأعراض لا يدلّ على كونه جنس الأجناس للأعراض والجواهر ، فإنّ العنوان الانتزاعيّ الاعتباريّ من كل الموجودات خارجا أو الملحوظة ذهنا ، لا يدخل في الماهيّات المتأصّلة ، ليكون جنسا أو فصلا أو نوعا أو يكون جوهرا أو عرضا وذلك ظاهر ، ولذلك يصدق الشيء على المستحيلات أيضا باعتبار لحاظها وعلى الجواهر والأعراض وغيرهما.

وبالجملة ما ذكر من أنّ العرض العامّ يكون خاصّة للجنس البعيد كالتحيّز بالإضافة إلى الجسم ، أو خاصة للجنس القريب ، كالماشي بالإضافة إلى الحيوان ذكر المنطقيون أنّ العرض العام أمر نسبي فهو بالنسبة إلى الأجناس السافلة عام ولكن بالنسبة إلى الأجناس العالية خاصة وتوهم المحقق النائيني قدس‌سره أنّها قاعدة عامّة وبها استدلّ على كون الشيء جنسا لا عرض عام إذ ليس خاصة لا للجنس البعيد ولا للجنس القريب وبما أنّه جهة جامعة بين الماهيات فيكون جنسا.

ولكن الظاهر أنّ ما ذكره المنطقيون إنما هو بحسب الغالب إذ الملاك فيه (أي عمومية العرض) كونه خارجا عن الموضوع وغير مختص بموضوعه فربّما يوجد عرض عام ولا يكون خاصة لجنس أصلا كالموجود فإنّه عرض عام لجميع المقولات العشر وغير مختص بأحدها حتّى يكون خاصة وعليه فيكون إيراد شيخنا الاستاذ قدس‌سره في محلّه أو ذلك لا يثبت كون الشيء جنسا. والشيئية ليست خاصّة

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتكون جنسا لأنّها جهة جامعة بين الماهيات ، لا يثبت أنّ عنوان الشيء جنس بمجرد كونها جهة جامعة ، كما لا يثبت أنّه عرضي في باب الكلّيات الخمس ؛ لأنّ العنوان الانتزاعي الاعتباري خارج عن قسم الجوهر والعرض في باب الكلّيات لا يخفى أنّ الذاتي والعرضي في باب الكليات الخمس إنما هو باعتبار الكليات النفس الأمر به وأمّا الامور الاعتبارية الانتزاعية فليست مندرجة في الذاتي ولا العرضي إذ هي لا من الجواهر ولا من الأعراض ، وعليه فلو أطلق عليه العرضي فهو من باب إطلاق العرضي على المشتقات المنتزعة الاعتبارية كالزوج والحر ونحوها لا من باب العرضي المصطلح عند المنطقيين في باب الكليات الخمس. فلا يكون جنسا ، وما يقال من أنّ الشيئية مساوقة للوجود لا يراد به الوجود الخارجي فحسب ؛ ولذا يحمل الوجود على الشيء ، فالشيء عنوان انتزاعيّ اعتباريّ ، كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكر قدس‌سره من أنّ المراد بالناطق الذي يذكر فصلا للإنسان هو صاحب النفس الناطقة ، فلا يمكن المساعدة عليه ، ويا ليت اقتصر على «النفس الناطقة» فإنّ صاحب نفس الناطقة هو الإنسان ، وخصوصيات الأفراد لا دخل لها ، فيكون صاحبها هو النوع ولا يمكن دخول النوع في الفصل ، وأمّا النفس الناطقة فلم يذكر المراد منها ليعرف كيف تكون فصلا.

ثمّ إنّه قدس‌سره استدلّ على بساطة معنى المشتق وخروج مفهوم الشيء والذات عنه بأمرين :

الأوّل : أنّه على تقدير دخوله ، تكون النسبة الناقصة أيضا داخلة فيه ، حيث لا يرتبط المبدأ بالذات بدونها ، وإذا دخلت النسبة في معناه ، لزم كون المشتقات

٢٤٧

عند الشيخ ، وقضية ممكنة عند الفارابي ، فتأمل.

لكنه قدس‌سره تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه نظر لأنّ الذات المأخوذة [١] مقيدة

______________________________________________________

كسائر الأسماء المتضمّنة لمعاني الحروف مبنيّات (١).

وفيه : أنّ الموجب للبناء في الأسماء وضعها بمادّتها وهيئتها لمعنى يتضمّن المعنى الحرفي ، ولا يجري في مثل المشتق الذي يكون لمادّته وضع ومعنى ولهيئته معنى آخر ، مع أنّا لا نسلّم الملازمة بين تضمّن لفظ للمعنى الحرفي وبين كونه مبنيا دائما.

الثاني : أنّ معنى المشتق بعينه معنى المبدأ إلّا أنّ الهيئة في المشتق موضوعة لقلب المبدأ عن بشرط لا ، إلى اللابشرط ، ومعه يتّحد المبدأ مع الذات ، فإنّ وجود العرض بما هو عرض عين وجود المعروض ، لا وجود آخر (٢).

وفيه : أوّلا : أنّ وجود المبدأ زائد على وجود الذات ، فكيف يتّحد معها؟

وثانيا : إنّ المبدأ قد لا يكون عرضا ، بل حكما شرعيا كالحلال والحرام ، أو اعتبارا عقليا كالواجب والممكن ، أو عقلائيا كالحسن والقبيح إلى غير ذلك ، فلا يمكن الالتزام باتحاد الموضوع والحكم ، وقد لا يكون المبدأ عرضا بالإضافة إلى الذات المتلبّسة به ، كما في اسم الزمان والمكان والآلة وغير ذلك مما لا يمكن الالتزام فيها بالاتحاد ، بل في صحّة الحكم على عنوان المشتق في الخطاب بلا اعتماده على موصوف كفاية للجزم بأنّ معنى الهيئة في جميع المشتقات يتضمّن الذات المبهمة على ما تقدّم.

[١] هذا تقريب من صاحب الفصول قدس‌سره لدعوى انقلاب القضية الممكنة إلى

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٦٥.

(٢) أجود التقريرات : ١ / ٦٦.

٢٤٨

بالوصف قوة أو فعلا ، إن كانت مقيدة به واقعا صدق الإيجاب بالضرورة وإلّا صدق السلب بالضرورة ، مثلا : لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق زيد الكاتب بالقوة أو بالفعل كاتب بالضرورة. انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ صدق الإيجاب بالضرورة ، بشرط كونه مقيدا به واقعا لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ، ضرورة صدق الإيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كل قضية ولو كانت ممكنة ، كما لا يكاد يضربها صدق السلب كذلك ، بشرط عدم كونه مقيدا به واقعا ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلك لوضوح أنّ المناط في الجهات ومواد القضايا ، إنّما هو بملاحظة أنّ نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأيّ جهة منها ، ومع أية منها في نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعا أو عدم ثبوتها له كذلك ، وإلّا كانت الجهة

______________________________________________________

الضرورية ، وحاصل تقريبه : أنّه لو كان معنى قولنا : الإنسان كاتب ، الإنسان إنسان له الكتابة ، بأن كانت الذات المأخوذة في المحمول عين الموضوع ، فإن كان الموضوع في القضية مقيّدا بقيد الكتابة واقعا وفي نفس الأمر ، صدق الإيجاب بالضرورة ، فإنّ ثبوت إنسان له الكتابة للإنسان المفروض له الكتابة ضروري ، وإن لم يكن الموضوع مقيّدا بها بحسب الواقع ، بأن كان فاقدا لها ، صدق السلب بالضرورة ، فلا تكون في البين قضية ممكنة ، فتتمّ دعوى انقلاب النسبة (١).

وقد أورد الماتن قدس‌سره على هذا التقريب بأنّ القضية إنّما تكون موجّهة بإحدى الجهات من الإمكان والضرورة والدوام وغيرها ، فيما إذا لوحظت نسبة المحمول إلى الموضوع المفروض في القضية ، لا ذلك الموضوع مقيّدا بثبوت المحمول له

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٥٠.

٢٤٩

منحصرة بالضرورة ، ضرورة صيرورة الإيجاب أو السلب ـ بلحاظ الثبوت وعدمه ـ واقعا ضروريا ، ويكون من باب الضرورة بشرط المحمول.

وبالجملة : الدعوى هو انقلاب مادة الإمكان بالضرورة ، فيما ليست مادته واقعا في نفسه وبلا شرط غير الإمكان.

وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده رحمه‌الله [١] بإبطال الوجه الأول ، كما زعمه قدس‌سره ، فإن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما ، إنما يكون ضروريا مع

______________________________________________________

واقعا ، أو عدم ثبوته له كذلك.

وإن شئت قلت : ثبوت المحمول للموضوع واقعا ، أو عدم ثبوته له واقعا ، مناط صدق القضية وكذبها وهو غير مأخوذ في موضوع القضية قيدا ، وإلّا لانحصرت القضايا بالضرورية ؛ إذ الموضوع بشرط المحمول أي مع أخذ المحمول فيه قيدا ، يستلزم ضروريّة ثبوت المحمول له ، حتّى في القضية الممكنة ، سواء قيل بعدم دخول الذات في معنى المشتق وبساطته ، أو قيل بتركّبه.

وأمّا دعوى السيد الشريف فهي لزوم انقلاب القضية الملحوظ فيها نسبة المحمول إلى نفس الموضوع ، من الممكنة إلى الضرورية ، لا انقلاب القضية إلى الضرورية بشرط تقيّد الموضوع بالمحمول ، فإنّه أجنبي عن دعواه ، ولا يمكن توجيه دعواه بما تنظّر به.

[١] زعم صاحب الفصول قدس‌سره أنّه يمكن إبطال الوجه الأوّل ـ أي احتمال دخول مفهوم الشيء في معني المشتق ـ بلزوم الانقلاب أيضا ، بأن يقال : لو أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق لزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضرورية (١).

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٥٠.

٢٥٠

إطلاقهما ، لا مطلقا ، ولو مع التقيد إلّا بشرط تقيد المصاديق به أيضا ، وقد عرفت حال الشرط ، فافهم.

ثم إنّه لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ، ضرورة أن مصداق الشيء الذي له النطق هو الإنسان ، كان أليق بالشرطية الأولى ، بل كان أولى لفساده مطلقا ، ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته ، فتأمل جيدا.

ثم إنّه يمكن أن يستدلّ على البساطة ، بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل زيد الكاتب ، ولزومه من التركب ، وأخذ الشيء مصداقا أو مفهوما في مفهومه.

______________________________________________________

وأجاب عنه الماتن قدس‌سره بعدم لزوم الانقلاب من ذلك ؛ لأنّ صدق عنوان الشيء على مصداقه وإن كان ضروريا ، إلّا أنّ الضرورة إنّما هي مع إطلاق مفهومه وعدم تقييده ـ أي تضييقه بقيد ـ وأمّا مع التضييق فلا ، حيث يمكن أن يكون ثبوته مع التقييد ممتنعا فضلا عن الضرورة ، كما إذا قيل : الإنسان شيء يتمكّن من الجمع بين النقيضين. نعم لو كان أخذ القيد ولحاظه في ناحية الموضوع أيضا ، بأن كانت القضية بشرط المحمول ، لكانت ضرورية ، ولكن قد تقدّم أنّ القيد لا يؤخذ في طرف الموضوع أصلا.

ثمّ إنّ الماتن قدس‌سره استدلّ على بساطة المشتق وعدم دخول مصداق الشيء في معناه ، بلزوم أخذ النوع في الفصل ، وقال إنّ السيد الشريف لو جعل التالي في الشرطية الثانية «لزوم دخول النوع في الفصل» كان أليق بالشرطية الأولى ، وكان الاستدلال تامّا ، سواء جعل الناطق فصلا حقيقيا أو عرضا خاصا أقيم مقام الفصل ، أمّا على تقدير كونه فصلا حقيقيا ، فللزوم دخول النوع في الفصل فيما إذا قيل : (الإنسان ناطق) ، ومن المعلوم أنّ الناطق جزء النوع ، فكيف يكون النوع جزءا منه؟

٢٥١

إرشاد :

لا يخفى أن معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراكا وتصورا [١] ، بحيث لا يتصور عند تصوره إلّا شيء واحد لا شيئان ، وإن انحل بتعمّل من العقل إلى شيئين ، كانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما.

وبالجملة : لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية ـ بالتعمّل العقلي ـ وحدة المعنى وبساطة المفهوم كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع الإجمال والتفصيل الفارقان بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا ، فالعقل بالتعمّل يحلل النوع ،

______________________________________________________

وأمّا على تقدير كونه خاصّة ؛ فلأنّ الخاصّة خارجة عن الذات وذاتياتها كما في سائر العرضيّات ، فكيف تكون الذات بذاتياتها داخلة فيها؟

واستدل أيضا على بساطة معنى المشتق بمعنى عدم دخول الشيء في معناه مفهوما ومصداقا ، بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل زيد الكاتب ، مع أنّه يلزم التكرار من دخول الشيء في معنى الكاتب مفهوما أو مصداقا ، ولكن لا يخفى أنّ لزوم التكرار في المثال وما شابهه إنّما هو على تقدير أخذ مصداق الشيء في معنى المشتق ، وأمّا بناء على أخذ مفهومه فيه ، فالشيء المقيد بأنّ له الكتابة ليس تكرارا للإنسان ، نعم يلزم التكرار في مثل قول القائل «الماء شيء بارد بالطبع» كما لا يخفى.

[١] أقول : لا ريب في إمكان انحلال معنى المشتق بحسب التحليل العقلي ، فإنّه لا يقلّ عن مبدئه وعن سائر الجوامد كالانسان والحجر وغيرهما ممّا هو قابل للتحليل العقلي ، وإنّما الكلام في انحلال معنى المشتق إلى مفهوم الشيء أو مصداقه ، بحيث يكون مفهومه أو مصداقه جزءا لما ينحلّ إليه معناه. وأمّا من ذهب إلى بساطة معناه واستدلّ عليه بما تقدّم من المحقّق الشريف ، أو بأنّ الشيء معنى

٢٥٢

ويفصله إلى جنس وفصل ، بعد ما كان أمرا واحدا إدراكا ، وشيئا فاردا تصورا ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق.

الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما ، أنّه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدإ [١] ، ولا يعصي عن الجري عليه ، لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه يأبى عن ذلك ، بل إذا قيس ونسب إليه كان

______________________________________________________

اسمي فلا يدخل في معني الهيئة لأن معناها حرفي وقد تقدّم التصريح عن المحقّق النائيني قدس‌سره بأنّ الفرق بين المشتق ومبدئه أنّ معنى المشتق بعينه معنى المبدأ ، إلّا أنّ الهيئة في المشتق تدلّ على جهة اتّحاده مع الذات فهو لا يمكنه الالتزام بانحلال معناه البسيط إلى الذات مفهوما ومصداقا ، فكيف ينحلّ معناه بالتحليل العقلي إليه؟ مع أنّ الانحلال عبارة عن : فتق معنى اللفظ ، كانحلال الإنسان إلى حيوان ناطق ، وكذا انحلال سائر الأنواع إلى الجنس والفصل.

لا يقال : كيف ينحلّ الإنسان إلى ما له الإنسانية ، والحجر إلى ما له الحجرية ، وكذا غيرهما من الأنواع ، مع أنّ مفهوم ما والشيء واحد؟

فإنّه يقال : لو أريد بالشيء الإشارة الى الهيولى والمادّة القابلة للصور فهو صحيح ، فإنّ الأنواع من الجواهر ، لها أجزاء خارجية هي الهيولى والصورة ، وأجزاء عقلية هي الجنس والفصل ، ولو أريد أنّ مفهوم الشيء بنفسه يدخل في معنى الأنواع ، فهو غير ممكن ؛ لأنّ المفهوم والعنوان العرضي لا يكون مقوما للذات.

نعم معنى المشتق عنوان عرضي فلا مانع من دخول مفهوم الشيء والذات فيه ، وذلك هو المصحّح لحمل المشتق على الذات.

[١] كأنّ مراده قدس‌سره أنّ للمشتق معنى ، وذلك المعنى باعتبار اتّحاده مع الذات

٢٥٣

غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما ، من أنّ المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا ، أي يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب الفصول رحمه‌الله ـ حيث توهم أن مرادهم إنّما هو بيان

______________________________________________________

بنحو من الاتّحاد ، لا يأبى عن الحمل عليها ، بخلاف المبدأ ، فإنّ له معنى غير معنى المشتق ، ويكون في نفسه آبيا عن حمله على الذات ؛ لعدم اتّحاده معها بوجه ، بل إذا قيس معناه إلى الذات يرى أنه غيرها مفهوما وخارجا ، وملاك الحمل هو الاتّحاد في موطن ما ، من ذهن أو خارج.

وهذا هو مراد أهل المعقول ممّا ذكروه في مقام التفرقة بين المشتق ومبدئه ، من أنّ المشتق مفهومه لا بشرط ، بخلاف المبدأ فإنّه بشرط لا ، ومرادهم لا بشرط وبشرط لا بالإضافة إلى الحمل ، لا أنّ كليهما موضوع لمعنى واحد ، غاية الأمر لوحظ ذلك المعنى في أحدهما لا بشرط وفي الآخر بشرط لا ليكون تغاير المعنيين بالعرض لا بالذات.

ولكن زعم صاحب الفصول قدس‌سره أنّ أهل المعقول يرون اتّحاد المشتق ومبدئه بالذات ويفرّقون بينهما بلا بشرط وبشرط لا بالعرض ، فالتفرقة بينهما عرضي وأنّهم يقولون بأنّ مفهوم المشتق بعينه مفهوم المبدأ لا أنّه مفهوم آخر ، فأورد عليهم بأنّ مفهوم العلم مثلا غير قابل للحمل على الذوات حتّى وإن لوحظ لا بشرط بالإضافة إلى ما هو خارج عنه (١).

ولم يتفطّن إلى أنّ مرادهم هو عين ما ذكره من أنّ معنى المشتق في نفسه ، غير

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٥٠.

٢٥٤

التفرقة بهذين الاعتبارين ، بلحاظ الطوارئ والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد ـ أورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك ، لأجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات ، وإن اعتبرا لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذكرنا ، كما يظهر منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل ، وبين المادة والصورة ، فراجع.

______________________________________________________

معنى المبدأ ، وذلك المعنى قابل للحمل على الذوات بخلاف معنى المبدأ فإنّه معنى آخر في نفسه وعاص عن الحمل ، فاعتبار اللابشرطية الذاتية في معنى المشتق والبشرطلا الذاتية في معنى الذات إنّما هو بالإضافة إلى الحمل على الذات كما لا يخفى. ويتّضح ذلك بملاحظة كلام أهل المعقول في الفرق بين الجنس والمادة وبين الفصل والصورة ، بأنّ الجنس والفصل لا بشرط ، فيحمل أحدهما على الآخر وعلى النوع ، بخلاف الهيولى والصورة فإنّهما بشرط لا ، فلا يحمل أحدهما على الآخر.

وبيان ذلك على الاختصار أنّ العقل يلاحظ الشيء تارة ويقايسه إلى سائر الأشياء ، فيرى أنّ له معها جهة اشتراك يكشفها اشتراكها في بعض الآثار فتكون الجهة المشتركة بينها جنسا ، كما يرى أنّ له جهة امتياز عن غيره ، فيكون ذلك فصلا ، وأخرى يلاحظ الشيء بحسب مراتب وجوده وسيره بصورة النوعية ، فيرى أنّ في جميع المراتب جهة باقية إلى المرتبة التالية ، لا أنّ الشيء ينعدم من أصله وتحصل المرتبة التالية من العدم المحض ، فتلك الجهة الباقية يعبّر عنها بالهيولى والقوّة القابلة وتكون فعليّتها بأمر آخر يعبّر عنه بالصورة ، فالصورة والهيولى جزءان خارجيان للجسم بحسب ملاحظة مراتب وجوده.

والجنس والفصل جزءان له ـ بحسب التحليل العقلي ـ في مقام مقايسته إلى سائر الأشياء ، ويصح حمل الجنس على الفصل وبالعكس ، وحمل كلّ منهما على النوع ، فيكون كلّ منهما بالإضافة إلى الحمل لا بشرط ، بخلاف الهيولى والصورة ،

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه لا يصحّ حمل أحدهما على الآخر ، بل وحتّى حمل كلّ منهما على الجسم الخارجي ، فيكون كلّ منهما بالإضافة إلى الحمل بشرط لا ، وليس مراد أهل المعقول أنّ الجنس بعينه هو الهيولى والفرق بينهما بالاعتبار ، وكذلك الفصل مع الصورة.

والحاصل أنّ كلّا من الهيولى ـ أي المادة القابلة ـ والصورة متقابلان بالذات ، فلا يحمل أحدهما على الآخر ، بخلاف الجنس والفصل ، فإنّ كلّا منهما أخذ للشيء بلحاظ مقابلته مع سائر الأنواع ، فيكون كلّ منهما بالإضافة إلى الآخر لا بشرط ذاتا ، فيحمل أحدهما على الآخر لاتّحادهما خارجا.

وذكر المحقّق الاصفهاني قدس‌سره بعد قوله «فإن قلت : فما وجه حمل الجنس على الفصل والفصل على الجنس ، مع أنّ طبيعة الجنس في الخارج غير طبيعة الفصل؟ وهل المصحّح إلّا الاعتبار اللابشرطي» ، ما حاصله : أنّ التركيب بين الجنس والفصل اتحادي لا انضمامي ؛ لأنّ المركبات الحقيقية لا بدّ لها من جهة وحدة حقيقية ، وإلّا كان المركّب اعتباريا والوحدة الحقيقية لا تكون الّا إذا كان أحد الجزءين بالقوة والآخر بالفعل ، فإنّه لو كان كلّ منهما فعليا ، لكانت كلّ فعليّة تأبى عن الأخرى.

وإذا كان أحد الجزءين بالفعل والآخر بالقوة لم يكن في البين إلّا جعل واحد ، فيكون الجزءين بجعل واحد ، فإنّه لو فرض أنّ كلّا من الجزءين مجعول مستقلّ لما كان في المركّب وحدة حقيقية ، وإذا كان الجزءان مجعولين بجعل واحد ، لكان أحد الجزءين ـ أي الأصل ـ مجعولا بالذات والآخر بالتبع ، حتّى تصحّ نسبة الجعل إلى الجزءين مع فرض وحدة الجعل حقيقة ، وعلى ذلك يكون مرور الفيض ـ أي فيض الوجود – من الأصل إلى التابع ـ أي من الصورة إلى المادة أو من الفصل إلى الجنس ـ.

ثمّ ذكر قدس‌سره أنّه بذلك تبيّن الفرق بين الجنس والفصل ، وبين العرض ومعروضه ،

٢٥٦

الثالث : ملاك الحمل ـ كما أشرنا إليه ـ هو الهوهوية والاتحاد [١] من وجه ،

______________________________________________________

فإنّ التركيب في الثاني اعتباري فيكون كل من العرض والمعروض بالإضافة إلى الآخر بشرط لا ذاتا ، بخلاف الجنس والفصل ، كما تبيّن معنى اتحاد الجنس والمادة واتحاد الفصل والصورة ذاتا واختلافهما بالاعتبار ، حيث إنّ مبدأ الجنس الطبيعي إذا لوحظ بما له من الوجود الساري يكون مادة ولم يحمل على الفصل ، وإذا لوحظ اتّحادهما في الوجود الساري يكون جنسا ويصح الحمل عليه. انتهى ما أردنا إيراده من كلامه قدس‌سره في المقام (١).

أقول : ظاهر كلامه اتّحاد الجنس مع المادة ذاتا ، وكذا اتّحاد الفصل مع الصورة ، وإنّما يكون الاختلاف بينهما بالاعتبار ، فإنّه إذا لوحظ مبدأ الجنس الطبيعي بما له من الوجود الساري ، يكون مادّة لا يحمل عليه الفصل ، كما أنّه إذا لوحظ اتّحادهما في الوجود الساري صحّ الحمل وكان جنسا ، ولكن قد تقدّم أنّ كون شيء جنسا لطبيعيّ وشيء آخر فصلا له ، أمر يدركه العقل بالإضافة إلى الطبائع الأخر ، بخلاف كون شيء مادة له خارجا ، وشيء آخر صورة له ، فإنّه بملاحظة مراتب وجود الطبيعي ، فكلّ منهما غير الآخر ذاتا ، ولكن مع ذلك ظاهر كلام أهل المعقول في المشتق ، وكذا في التفرقة بين الجنس والمادة ، والفصل والصورة ، هو عدم الاختلاف الذاتي ، وكلام بعضهم كالصريح في أنّ الجنس هو المادة عينا والاختلاف بالاعتبار ، كما تقدّم في كلام المحقّق الأصفهاني قدس‌سره.

[١] ذكر صاحب الفصول قدس‌سره أنّ مصحّح الحمل إما اتّحاد الموضوع والمحمول حقيقة وتغايرهما اعتبارا ، كما في (الإنسان حيوان ناطق) ، وإمّا تغايرهما حقيقة

__________________

(١) نهاية الدراية : ١ / ٢٢٨.

٢٥٧

والمغايرة من وجه آخر ، كما يكون بين المشتقات والذوات ، ولا يعتبر معه ملاحظة التركيب بين المتغايرين ، واعتبار كون مجموعهما ـ بما هو كذلك ـ واحدا ، بل يكون لحاظ ذلك مخلا ، لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلّية.

______________________________________________________

واتّحادهما اعتبارا ، كما في قولنا : (الإنسان ناطق) أو (الإنسان جسم) فإنّ الإنسان لا يتّحد مع الجسم أو الناطق مفهوما كما هو واضح ، ولا وجودا فلا بدّ في مثل ذلك من ملاحظة التركيب واعتباره في ناحية الموضوع ، بأن يراد من الموضوع مجموع أمرين يصدق على ذلك المجموع ، المحمول الملحوظ بنحو لا بشرط (١).

وأورد على ذلك الماتن قدس‌سره بأنّه في موارد الحمل يكون الموضوع والمحمول متّحدين حقيقة ، ومختلفين بالاعتبار ، كما في المشتقات بالإضافة إلى الذوات ، وحتّى في مثل (الإنسان جسم) أو (ناطق) حيث إنّ الإنسان خارجا هو الجسم أو الناطق كما تقدّم في الأمر السابق ، ومع هذا الاتحاد لا موجب لملاحظة التركيب في ناحية الموضوع ، بل يكون لحاظه مخلّا بالحمل ؛ لأنّه يوجب المغايرة بين الموضوع ومحموله بالكلّ والجزء ، بأن يكون الموضوع مثلا مجموع الجسم والروح ويحمل عليه الناطق لا بشرط ، مع أنّ من الواضح عدم ملاحظة التركيب في موضوعات القضايا المستعملة في مقام التحديد بالفصل أو الخاصة وغيرها ، ضرورة أنّه لا يلاحظ في القضايا في طرف الموضوعات إلّا مفاهيمها ، كما هو الحال في ناحية المحمولات ، وإنّما يحمل المحمول على الموضوع لاتّحادهما من وجه مع تغايرهما بنحو من الاعتبار.

وبعبارة أخرى : يعتبر في حمل شيء على شيء أمران :

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٥٠.

٢٥٨

ومن الواضح أنّ ملاك الحمل لحاظ نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعات ، بل لا يلحظ في طرفها إلّا نفس معانيها ، كما هو الحال في طرف المحمولات ، ولا يكون حملها عليها إلّا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.

______________________________________________________

الاوّل : أن يكون بين الموضوع والمحمول مغايرة ما ، لئلّا يلزم حمل الشيء على نفسه أو قيام النسبة بين الشيء ونفسه ، فالحمل يقتضي التغاير بين الموضوع والمحمول ليكون هذا موضوعا وذاك محمولا.

والثاني : أن يكون بينهما نحو من الاتّحاد ليصحّ حمل الثاني على الأوّل ، وعلى ذلك فقد يكون الاتحاد والتغاير كلاهما في مقام الذات والمفهوم ، كتحديد الإنسان بأنّه حيوان ناطق ، حيث إنّ التغاير بين الموضوع والمحمول بالإجمال والتفصيل مع اتّحادهما ذاتا ومفهوما ، فيكون الحمل أوليّا ذاتيّا ، وقد يكون التغاير بالمفهوم ، والاتحاد بحسب الوجود ، فالحمل فيه شائع صناعي ، كما في حمل الناطق أو الجسم على الإنسان الخارجي ، ومن هذا القبيل حمل المشتق على الذات ، مثل (الإنسان كاتب) أو (زيد ضارب) ، فلو كان بين الشيئين تغاير بحسب الذات والمفهوم ، وبحسب الوجود مطلقا ، ذهنا وخارجا ، لم يكن للحمل مصحّح ، كما في قولنا : (زيد علم) أو (أنّه ضرب) أو غير ذلك.

وقد أضاف صاحب الفصول قدس‌سره على ملاك الحمل أمرا آخر ، وهو أن يكون بين الموضوع والمحمول تغاير ذاتا ووجودا ، واتّحاد اعتبارا ، ومثّل لذلك بقوله (الإنسان ناطق) أو (جسم) (١) ، وعبارة الماتن قدس‌سره في الأمر الثالث : «ولا يعتبر معه ملاحظة

__________________

(١) الفصول الغروية : ص ٥٠.

٢٥٩

فانقدح بذلك فساد ما جعله في الفصول تحقيقا للمقام. وفي كلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر.

الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوما [١] ،

______________________________________________________

التركيب بين المتغايرين واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا» (١) ناظرة إلى الجواب عنه ، وأنّه بعد ما ثبت أنّ اتّحاد الفصل مع الجنس في الخارج حقيقي لا انضمامي ، فلا موجب لملاحظة التركيب في مثل (الإنسان ناطق) أو (جسم) أو غير ذلك.

[١] الصفات الجارية على الواجب (جلّ وعلا) المسمّاة بصفات الذات ، فيها جهتان من الإشكال :

الأولى : أنّ الذات المأخوذة في معنى المشتق على القول بالتركيب ، والخارجة عنه على القول الآخر ، زائدة على المبدأ ، فيلزم كون المبدأ زائدا على ما يحمل عليه معنى المشتق ، لينطبق عليه معنى المشتق باعتبار المبدأ ، مع أنّ عنواني العالم والقادر يحملان على ذات الحق (جلّ وعلا) ومبادئها ليست زائدة على ذاته المقدّسة على مذهب الحق.

والثانية : أنّ المعتبر في معنى المشتق ، انتساب المبدأ إلى الذات وقيامه بها ، والعلم والقدرة ليسا كذلك في ذاته المقدّسة ، فإنّهما ليسا بعرضين ليقوما به ، وعلى ذلك يقع الكلام في أنّه كيف تحمل هذه العناوين المشتقّة على ذاته تعالى؟

وأجاب الماتن قدس‌سره عن الجهة الاولى في هذا الأمر ، وعن الجهة الثانية في الأمر الآتي ، وحاصل ما ذكره في الجهة الأولى : أنّه لا يعتبر فيما يجري عليه عنوان المشتق ، إلّا تغايره مع المبدأ مفهوما لا تغايره معه وجودا ، وبما أنّ مفهوم العلم

__________________

(١) الكفاية : ص ٥٦.

٢٦٠