علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٢

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-611-0
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٢٨

تعالى ذكره ولرسوله والأئمّة بعده ؟

فقال : «بلى».

فقلت له : فلِمَ سُمّي أباك عليه‌السلام من بينهم الرضا عليه‌السلام ؟

قال : «لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه ، كما رضي الموافقون (١) من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه عليهم‌السلام ، فلذلك سُمّي من بينهم الرضا عليه‌السلام » (٢) .

- ١٧٣ -

باب العلّة التي من أجلها قَبِل الرضا عليه‌السلام

من المأمون ولاية عهده

[ ٤٢٩ / ١ ] حدّثنا الحسين بن إبراهيم بن تاتانة (٣) ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن أبي الصلت الهروي ، قال : إنّ المأمون قال للرضا عليّ بن موسى عليه‌السلام : يابن رسول الله ، قد عرفت فضلك ، وعلمك ، وزهدك ، وورعك ، وعبادتك ، وأراك أحقّ بالخلافة منّي.

فقال الرضا عليه‌السلام : «بالعبوديّة لله عزوجل أفتخر ، وبالزهد في الدنيا أرجوالنجاة من شرّ الدنيا ، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم ، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى».

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : هذا تبرّع منه عليه‌السلام ، وإلاّ فلا يلزم أن يكون وجه التسمية مطّرداً ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ذكره المصنّف في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٧ / ١ ، الباب ١ ، وأورده الإربلي في كشف الغمّة ٣ : ٣٩٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٩ : ٤ / ذيل الحديث ٥.

(٣) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : بابانة.

٦١

فقال له المأمون : إنّي قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلاقة وأجعلها لكواُبايعك .

فقال له الرضا : «إن كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك ، فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسكه الله وتجعله لغيرك ، وإن كانت الخلافة ليست لك ، فلايجوز لك (أن) (١) تجعل لي ما ليس لك».

فقال له المأمون : يابن رسول الله ، لابُدّ لك من قبول هذا الأمر.

فقال : «لست أفعل ذلك طائعاً أبداً» ، فما زال يجهد به أيّاماً حتّى يئس من قبوله ، فقال له : فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن وليَ عهدي ؛ لتكون لك الخلافة بعدي.

فقال الرضا عليه‌السلام : «والله ، لقد حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّي أخرج من الدنيا قبلك مقتولاً بالسمِّ ، مظلوماً ، تبكي عليَّ ملائكة السماء وملائكة الأرض واُدفن في أرض غربة ، إلى جنب هارون الرشيد» ، فبكى المأمون ، ثمّ قال له : يابن رسول الله ، ومَن الذي يقتلك ، أو يقدر على الإساءة إليك وأنا حيّ ؟

قال الرضا عليه‌السلام : «أما إنّي لو أشاء أن أقول مَن الذي يقتلني لقلت».

فقال المأمون : يابن رسول الله ، إنّما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك ، ودفع هذا الأمر عنك لتقول الناس : إنّك زاهد في الدنيا ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «والله ، ما كذبت منذ خلقني ربّي تعالى ، وما زهدت في الدنيا للدنيا وإنّي لأعلم ما تريد».

قال المأمون : وما أُريد ؟ قال : «الأمان على الصدق».

قال : لك الأمان ، قال : «تريد بذلك أن يقول الناس : إنّ عليّ بن

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في المطبوع.

٦٢

موسى الرضا لم يزهد في الدنيا ، بل زهدت الدنيا فيه ، ألا ترون كيف قَبِل ولاية العهد طمعاً في الخلافة» ؟ فغضب المأمون ثمّ قال : إنّك تتلقّاني أبداً بما أكرهه ، وقد أمنت سطوتي ، فبالله اُقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلاّ أجبرتك على ذلك ، فإن فعلت وإلاّ ضربت عنقك.

فقال الرضا عليه‌السلام : «قد نهاني الله عزوجل أن اُلقي بيدي إلى التهلكة (١) ، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك على أن لا اُولي أحداً ، ولاأعزل أحداً ، ولا أنقض رسماً ، ولا سنّة ، وأكون في الأمر بعيداً مشيراً» ، فرضي منه بذلك وجعله وليّ عهده على كراهة منه عليه‌السلام لذلك (٢) .

[ ٤٣٠ / ٢ ] حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا جعفر ابن محمّد بن مسعود ، عن أبيه ، قال : حدّثنا محمّد بن نصير ، عن الحسن ابن موسى ، قال : روى أصحابنا عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال له رجل : أصلحك الله ، كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون ، فكأنّه أنكر ذلك عليه ، فقال له أبوالحسن عليه‌السلام : «يا هذا ، أيّما أفضل النبيّ أو الوصيّ ؟ ».

فقال : لا ، بل النبيّ.

قال : «فأيّما أفضل مسلم أو مشرك ؟ » قال : لا ، بل مسلم.

قال : «فإنّ العزيز عزيز مصر كان مشركاً ، وكان يوسف عليه‌السلام نبيّاً ، وإنّ المأمون مسلم وأنا وصيّ ، ويوسف سأل العزيز أن يولّيه حين قال : ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) (٣) والمأمون أجبرني

__________________

(١) في «ج ، ل» : الهلكة ، وفي هامشهما كما في المتن.

(٢) ذكره المصنّف في العيون ٢ : ٢٧٠ / ٣ ، الباب ٤٠ ، والأمالي : ١٢٥ / ١١٥ ، ونقله الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين ١ : ٥٠٥ / ٥٠٢ ، وابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب٤ : ٣٩٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٩ : ١٢٨ / ٣.

(٣) سورة يوسف ١٢ : ٥٥.

٦٣

على ما أنا فيه» ، وقال عليه‌السلام في قوله تعالى : ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ، قال : «حافظ لما في يدي عالم بكلّ لسان» (١) .

[ ٤٣١ / ٣ ] حدّثنا أحمد بن زياد الهمداني رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الريّان بن الصلت ، قال : دخلت على عليّ ابن موسى الرضا عليه‌السلام فقلت له : يابن رسول الله ، إنّ الناس يقولون : إنّك قبلت ولاية العهدمع إظهارك الزهد في الدنيا ؟

فقال عليه‌السلام : «قد علم الله كراهتي لذلك ، فلمّا خُيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل ، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه‌السلام كان نبيّاًرسولاً فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز قال له : ( اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ودفعتني (٢) الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك على أنّي ما دخلت في هذاالأمر إلاّ دخول خارج منه ، فإلى الله المشتكى وهو المستعان» (٣) .

- ١٧٤ -

باب علّة قتل المأمون للرضا عليه‌السلام بالسمّ

[ ٤٣٢ / ١ ] حدّثنا أبو الطيّب الحسين بن أحمد بن محمّد اللؤلؤي ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن ماجيلويه ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن

__________________

(١) ذكره المصنّف في العيون ٢ : ٢٦٩ / ١ ، الباب ٤٠ ، ونقله العيّاشي في التفسير ٢ : ٣٤٨ / ٢١١٢ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٢٦٧ / ٣٧.

(٢) في «ج ، ل ، ش» : دفعني.

(٣) ذكره المصنّف في الأمالي : ١٣٠ / ١١٨ ، والعيون ٢ : ٢٧٠ / ٢ ، الباب ٤٠ ، وأورده الفتّال النيسابوري في روضة الواعظين ١ : ٥٠٧ / ٥٠٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ٤٩ : ١٣٠ / ٤.

٦٤

خالد البرقي ، قال : أخبرني (١) الريّان بن شبيب خال المعتصم أخو ماردة أنّ المأمون لمّا أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ولأبي الحسن عليّ ابن موسى الرضا عليه‌السلام بولاية العهد وللفضل بن سهل بالوزارة ، أمر بثلاثة كراسي تنصب لهم ، فلمّا قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون ، فكانوا يصفّقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر ، ويخرجون حتّى بايع آخر الناس فتى من الأنصار ، فصفق بيمينه من الخنصر إلى أعلى الإبهام ، فتبسّم أبو الحسن عليه‌السلام ثمّ قال : «كلّ من بايعنا بايع بفسخ البيعة غيرهذا الفتى ؛ فإنّه بايعنا بعقدها».

فقال المأمون : وما فسخ البيعة من عقدها ؟

قال أبو الحسن عليه‌السلام : «عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام ، وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر».

قال : فماج (٢) (٣) الناس في ذلك وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن عليه‌السلام ، وقال الناس : كيف يستحقّ الإمامة من لايعرف عقد البيعة ، إنّ مَنْ علم لأولى بها ممّن لا يعلم ، قال : فحمله ذلك على مافَعَله من سمّه (٤) .

[ ٤٣٣ / ٢ ] حدّثنا الحسين (٥) بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب ،

__________________

(١) في المطبوع : أخبرنا.

(٢) في حاشية «ج ، ل» ، عن نسخة : فحاجّ.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : قيل : ماج الناس : إذا اختلفت أُمورهم واضطربت. المصباح المنير : ٥٨٥ / ماج.

(٤) ذكره المصنّف في العيون ٢ : ٤٤٣ / ٢ ، الباب ٥٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٩ : ١٤٤ / ٢١.

(٥) في «ج ، ل ، ش» : الحسن.

٦٥

وعليّ بن عبدالله الورّاق وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنهم ، قالوا : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، قال : كنت عندمولاي الرضا عليه‌السلام بخراسان وكان المأمون يقعده (١) على يمينه إذا قعد للناس يوم الاثنين ويوم الخميس ، فرفع إلى المأمون أنّ رجلاً من الصوفيّة سرق ، فأمر بإحضاره فلمّا نظر إليه وجده متقشّفاً (٢) بين عينيه أثر السجود ، فقال : سوأة لهذه الآثار الجميلة ، وهذا الفعل القبيح ، تنسب إلى السرقة مع ما أرى من جميع (٣) آثارك وظاهرك.

قال : فقال : ذلك اضطراراً لا اختياراً ، حين منعتني حقّي من الخمس والفيء.

قال المأمون : وأيّ حقٍّ لك في الخمس والفيء ؟

قال : إنّ الله تعالى قسّم الخمس ستّة أقسام ، فقال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) (٤) وقسّم الفيء على ستّة أسهم ، فقال الله تعالى : ( مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ

__________________

(١) في «ج ، ل» : يقعد.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : القشف - محرّكةً - : قذر الجلد ، ورثاثة الهيئة ، وسوء الحال ، وضيق العيش ، وإن كان مع ذلك يطهّر نفسه بالماء والاغتسال ، والمتقشّف المتبلّغ بقوت ومرقع. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : جميل.

(٤) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

٦٦

الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ) (١) ، فمنعتني حقّي وأنا ابن السبيل ، منقطع بي ، ومسكين لاأرجع إلى شيء ، ومن حملة القرآن.

فقال المأمون : أُعطّل حدّاً من حدود الله وحكماً من أحكامه في السارق من أجل أساطيرك (٢) هذه ؟

فقال الصوفي : ابدأ بنفسك فطهِّرها ، ثمّ طهِّر غيرك ، وأقم حدّ الله عليها ، فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليه‌السلام فقال : ما يقول ؟

فقال : «إنّه يقول : سرقت فسرق» ، فغضب المأمون غضباً شديداً ، ثمّ قال للصوفي : والله ، لأقطعنّك.

فقال الصوفي : أتقطعني وأنت عبد لي.

فقال المأمون : ويلك ، ومن أين صرت عبداً لك ؟

قال : لأنّ أُمّك اشتريت من مال المسلمين ، فأنت عبد لمن في المشرق والمغرب حتّى يعتقوك ، وأنا فلم أعتقك ، ثمّ بلعت الخُمس بعد ذلك فلا أعطيت آل الرسول حقّاً ولا أعطيتني ونظرائي حقّاً ، واُخرى أنّ الخبيث لايطهّر خبيثاً مثله ، إنّما يطهّره طاهر ، ومن في جنبه الحدّ فلا يقيم الحدود على غيره حتّى يبدأ بنفسه ، أما سمعت الله تعالى يقول : ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) (٣) .

فالتفت المأمون إلى أبي الحسن عليه‌السلام فقال : ما ترى في أمره ؟ فقال عليه‌السلام : «قل : فلله الحجّة البالغة ، وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، والدنيا والآخرة قائمتان بالحجّة وقد احتجّ

__________________

(١) سورة الحشر ٥٩ : ٧.

(٢) في «ج ، ل ، س ، ش» وحاشية «ح ، ن» عن نسخة : «إسطاء يدك».

(٣) سورة البقرة ٢ : ٤٤.

٦٧

الرجل» (١) .

فأمر المأمون عند ذلك بإطلاق الصوفي واحتجب عن الناس واشتغل بأبي الحسن عليه‌السلام حتّى سمّه فقتله وقتل الفضل بن سهل وجماعة من الشيعة (٢) .

- ١٧٥ -

باب العلّة التي من أجلها سُمّي محمّد بن عليّ

ابن موسى عليهم‌السلام التقي ، وعليّ بن محمّد بن عليّ

ابن موسى عليهم‌السلام النقي (٣)

- ١٧٦ -

باب العلّة التي من أجلها سُمّي

عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ عليهما‌السلام : العسكريّين

سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ عليهما‌السلام بسُرّ من رأى كانت تُسمّى

__________________

(١) في المطبوع زيادة : القرآن.

(٢) ذكره المصنّف في عيون الأخبار ٢ : ٤٤١ / ١ ، الباب ٥٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٩ : ٢٨٨ / ١.

(٣) كذا ورد في النسخ ، وفي «ج» بياض بمقدار سطرين ونصف ، وفي «ش» بمقدار سطرواحد .

والموجود في مؤلّفات الشيخ المصنّف علّة تسمية الإمام محمّد بن عليّ بن موسى ب : التقيّ ، فقط في معاني الأخبار : ٦٥ ما نصّه : وسُمّي محمّد بن عليّ الثاني عليهما‌السلام التقيّ ؛ لأنّه اتّقى الله عزوجل فوقاه الله شرّ المأمون لمّا دخل عليه بالليل سكران فضربه بسيفه حتّى ظنّ أنّه كان قد قتله ، فوقاه الله شرّه.

٦٨

عسكر ، فلذلك قيل لكلّ واحد منهما : العسكريّ (١) .

- ١٧٧ -

باب العلّة التي من أجلها لم يجعل الله عزوجل

الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام في جميع أحوالهم غالبين

[ ٤٣٤ / ١ ] حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي‌الله‌عنه قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدّس الله روحه مع جماعة فيهم عليّ بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : أُريد (٢) أسألك عن شيء ؟ فقال له : سَلْ عمّا بدا لك.

فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن عليّ عليهما‌السلام أهو وليّ الله ؟ قال : نعم.

قال : أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدوّ الله ؟ قال : نعم.

قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عدوّه على وليّه ؟ فقال له أبوالقاسم قدّس الله روحه : افهم عنّي ما أقول لك : اعلم ، أنّ الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنّه عزوجل بعث إليهم رسولاً من أجناسهم وأصنافهم ، بشراً مثلهم ، فلو بعث إليهم رسلاً من غيرصنفهم وصُورهم لنفروا عنهم ، ولم يقبلوا منهم ، فلمّا جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم : أنتم مثلنا ، فلا نقبل منكم حتّى تأتونا بشيء ، نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنّكم

__________________

(١) ذكره المصنّف في معاني الأخبار : ٦٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٥ / ١ .

(٢) في «ج ، ش ، ل» زيادة : أن.

٦٩

مخصوصون دوننا بمالا نقدر عليه ، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها ، فمنهم : من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار (١) فغرق جميع من طغى وتمرّد ، ومنهم : من اُلقي في النار فكانت عليه برداًوسلاماً ، ومنهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فُلق له البحر وفجّر له من الحجر العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله تعالى وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، ومنهم : من انشقّ له القمر وكلّمه البهائم ، مثل : البعير والذئب وغير ذلك ، فلمّا أتوا بمثل ذلك (٢) وعجز الخلق من اُممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عزوجل ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين ، وفي اُخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين ، وفي حال مقهورين ، ولوجعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهمولم يمتحنهم لاتّخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين (٣) ولا متجبّرين ، وليعلم العباد أنّ لهم عليهم‌السلام إلهاً هو خالقهم ومدبّرهم فيعبدونه ويطيعوا رسله (٤) ، وتكون حجّة الله تعالى

__________________

(١) في «ج ، ل ، ش» : والاعتذار.

(٢) في «ش ، ع ، ج ، ل» زيادة : هذه المعجزات.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : شمخ الجبل : علا وطال ، والرجل بأنفه : تكبّر. القاموس المحيط١ : ٣٦٢.

(٤) في «ج ، ل» : رسوله ، وفي هامشهما عن نسخة كما في المتن.

٧٠

ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبيّة أو عاندوخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل ، وليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيَّ عن بيّنة.

قال محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي‌الله‌عنه : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدّس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ، فابتدأني فقال لي : يا محمّد بن إبراهيم ، لإن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع عن الحجّة صلوات الله وسلامه عليه (١) .

- ١٧٨ -

باب علّة عداوة بني اُميّة لبني هاشم (٢)

- ١٧٩ -

باب علّة الغَيبة

[ ٤٣٥ / ١ ] حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه ، عن أحمد ابن أبي عبدالله البرقي ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن أبان وغيره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لابدّ للغلام من غيبة ، فقيل له :

__________________

(١) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٥٠٧ / ٣٧ ، وأورده الطوسي في كتاب الغيبة : ٣٢٤ / ٢٧٣ ، والطبرسي في الاحتجاح ٢ : ٥٤٦ / ٣٤٦ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ٤٤ : ٢٧٣ / ١.

(٢) كذا ورد هذا الباب من دون ذكر حديث في النُّسَخ.

٧١

ولِمَ يارسول الله ؟

قال : يخاف القتل» (١) .

[ ٤٣٦ / ٢ ] حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسين بن عمر ، عن محمّد بن عبدالله ، عن مروان الأنباري ، قال : خرج من أبي جعفر عليه‌السلام : «إنّ الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنامن بين أظهرهم (٢) » (٣) .

[ ٤٣٧ / ٣ ] أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا عبدالله بن جعفر ، عن أحمد بن هلال ، عن عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن فضالة بن أيّوب ، عن سدير ، قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «إنّ في القائم سنّةً من يوسف».

قلت : كأنّك تذكر خبره أو غيبته (٤) ؟

قال لي : «وما تنكر من هذا ، هذه الاُمّة أشباه الخنازير ، إنّ إخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء تاجروا بيوسف وبايعوه وخاطبوه وهُم إخوته وهوأخوهم فلم يعرفوه حتّى قال لهم يوسف : أنا يوسف ، فما تنكر هذه الاُمّة الملعونة أن يكون الله عزوجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجّته ، لقد كان يوسف إليه مُلك مصر ، وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشريوماً ، فلو أراد الله عزوجل أن يعرّف مكانه لقدر على ذلك ، والله لقد ساريعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الاُمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ، ويطأ بسطهم وهُم لا يعرفونه حتّى يأذن الله

__________________

(١) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥٢ : ٩٠ / ١.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الظهر مفحم ، أو معنى الاستظهار.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥٢ : ٩٠ / ٢.

(٤) في «ج ، ل» وبحار الأنوار : حيرة أو غيبة.

٧٢

عزوجل أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال : ( قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ *‏ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ) (١) » (٢) .

وقد أخرجت الأخبار التي رويتها في هذا المعنى في كتاب الغيبة.

[ ٤٣٨ / ٤ ] أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن الحسن بن عيسى بن محمّد بن عليّ بن جعفر ، عن جدّه محمّد ، عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم ، لا يزيلكم أحد عنها.

يا بُنيّ ، إنّه لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنّما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذا لاتّبعوه».

فقلت : يا سيّدي ، من الخامس من ولد السابع ؟

قال : «يا بُنيّ ، عقولكم تصغر عن هذا ، وأحلامكم تضيق عن حمله ، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركوه» (٣) .

[ ٤٣٩ / ٥ ] أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا محمّد

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ : ٨٩ و٩٠.

(٢) ذكره المصنّف في كمال الدين : ١٤٤ / ١١ ، وفيه : يوماً مَلك ، وأورده الكليني في الكافي١ : ٢٧١ / ٤ ، والنعماني في الغيبة : ١٦٦ / ٤ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١٢ : ٢٨٣ / ٦١ ، و٥١ : ١٤٢ / ١.

(٣) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٣٥٩ / ١ ، وأورده المسعودي في إثبات الوصيّة : ٢٢٤ ، والكليني في الكافي ١ : ٢٧١ / ٢ ، والنعماني في كتاب الغيبة : ١٥٥ / ١١ ، والطوسي في كتاب الغيبة : ١٦٦ / ١٢٨ ، والخزّاز القمّي في كفاية الأثر : ٢٦٨ ، والطبرسي في إعلام الورى ٢ : ٢٣٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥١ : ١٥٠ / ١.

٧٣

ابن أحمد العلوي ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن العسكري عليه‌السلام يقول : «الخلف من بعدي الحسن ابني ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ ».

قلت : ولِمَ ؟ جعلني الله فداك.

فقال : «لأنّكم لا ترون شخصه ، ولا يحلّ لكم ذكره باسمه».

قلت : فكيف نذكره ؟ فقال : «قولوا : الحجّة من آل محمّد صلوات الله وسلامه عليه» (١) .

[ ٤٤٠ / ٦ ] حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا أحمد ابن محمّد الهمداني ، قال : حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه».

قلت له : ولِمَ ذلك يابن رسول الله ؟ قال : «لأنّ إمامهم يغيب عنهم».

فقلت : ولِمَ ؟ قال : «لئلاّ يكون في عنقه حجّة لأحد (٢) إذا قام بالسيف» (٣) .

[ ٤٤١ / ٧ ] حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا

__________________

(١) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٣٨١ / ٥ ، وأورده الكليني في الكافي ١ : ٢٦٤ / ١٣ ، والخزّاز القمّي في كفاية الأثر : ٢٨٨ ، والمفيد في الإرشاد ٢ : ٣٢٠ ، والمسعودي في إثبات الوصيّة : ٢٢٤ ، والإربلي في كشف الغمّة ٤ : ٦٣ ، والطوسي في كتاب الغيبة : ٢٠٢ / ١٦٩ ، ونقله المجلسي عن كمال الدين في بحار الأنوار ٥٠ : ٢٤٠ / ٥ ، وفي ٥١ : ٣١ / ٢ عن الغيبة للنعماني .

(٢) في «ش» : لأحد حجّة.

(٣) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٤٨٠ / ٤ ، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٧٢ / ٦ ، الباب ٢٨ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥١ : ١٥٢ / ١.

٧٤

جعفر بن مسعود وحيدر بن محمّد السمرقندي جميعاً قالا : حدّثنا محمّد ابن مسعود ، قال : حدّثنا جبرئيل بن أحمد ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، قال : حدّثني الحسن بن محمّد الصيرفي ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قال : «إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها».

فقلت له : ولِمَ ذاك يابن رسول الله ؟ قال : «إنّ الله عزوجل أبى إلاّ أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم‌السلام في غيباتهم ، وإنّه لابُدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم ، قال الله عزوجل : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَق ) (١) (٢) ، أي سنناً على (٣) سنن مَنْ كان قبلكم» (٤) .

[ ٤٤٢ / ٨ ] حدّثنا عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد (٥) بن قتيبة النيسابوري ، قال : حدّثنا حمدان بن سليمان النيسابوري ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدالله بن جعفر المدائني ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي (٦) ، قال : سمعت الصادق جعفر ابن محمّد عليه‌السلام يقول : «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة (٧) لابدّ منها يرتاب فيها

__________________

(١) سورة الانشقاق ٨٤ : ١٩.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : حالاً بعد حال ، مطابقة لأُختها في الشدّة ، وهو لما يطابق غيره فقيل للحال المطابقة أو مراتب من الشدّة بعد المراتب ، وهي الموت ، ومراتب القيامة وأهوالها وهي وما قبلها من الدواهي ، على أنّه جمع طبقة. تفسير البيضاوي ٣ : ٥١٦.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : في أصل الغيبة.

(٤) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٤٨٠ / ٦ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥١ : ١٤٢ / ٢ ، و٥٢ : ٩٠ / ٣.

(٥) في النسخ ماعدا «ح ، ن» : أحمد.

(٦) في «ج ، ل ، س ، ح» : القاسمي.

(٧) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : لغيبة.

٧٥

كلّ مبطل».

فقلت له : ولِمَ ، جُعلت فداك ؟ قال : «لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم».

قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟ قال : «وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات مَنْ تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه‌السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى عليه‌السلام إلاّ وقت افتراقهما .

يابن الفضل ، إنّ هذا الأمر أمر من أمر الله ، وسرّ من سرّ الله ، وغيب من غيب الله ، ومتى علمنا أنّه عزوجل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف لنا» (١) .

[ ٤٤٣ / ٩ ] حدّثنا عبدالواحد بن محمّد (بن عبدوس النيسابوري) (٢) العطّار رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن زرارة ، قال : سمعت أباجعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ للقائم (٣) غيبة قبل ظهوره» ، قلت : ولِمَ ؟

قال : «يخاف» ، وأومأ بيده إلى بطنه ، قال زرارة : يعني القتل (٤) .

وقد أخرجت ما رويته من الأخبار في هذا المعنى في كتاب كمال

__________________

(١) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٤٨١ / ١١ ، وأورده الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٣٠٣ / ٢٥٥ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥٢ : ٩١ / ٤.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في النسخ الخطّية ، والصحيح ما في المتن عن المطبوع ، إذ يُعدّ هو من مشايخ الشيخ الصدوق .

(٣) في «ع ، ح ، ج ، ل» : للغلام ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة كما في المتن.

(٤) ذكره المصنّف في كمال الدين : ٤٨١ / ٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٥٢ : ٩١ / ٥ .

٧٦

الدين وتمام النعمة (١) في إثبات الغيبة وكشف الحيرة.

- ١٨٠ -

باب علّة دفاع الله عزوجل عن أهل المعاصي

[ ٤٤٤ / ١ ] حدّثنا أحمد بن هارون الفامي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، قال : حدّثني أبي ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الله عزوجل إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي وفيها ثلاث نفر من المؤمنين ، ناداهم جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه : يا أهل معصيتي ، لولا فيكم من المؤمنين المتحابّين (٢) بجلالي ، العامرين بصلاحهم (٣) أرضي ومساجدي ، والمستغفرين بالأسحار خوفاً منّي ، لأنزلت بكم عذابي ثمّ لا اُبالي» (٤) .

- ١٨١ -

باب علّة كون الشتاء والصيف

[ ٤٤٥ / ١ ] أخبرني أبو الهيثم عبدالله بن محمّد ، قال : أخبرنا محمّد بن

__________________

(١) كمال الدين : ٤٨١ / ٧ و٨ و١٠.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : وفي بعض النسخ بالحاء المهملة ، أي : يتحابّون بإعطاء المال الحلال الذي أعطيتهم ، والمضبوط في نسخ العامّة بالجيم ، وهو الأظهر. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) في المطبوع : بصلاتهم ، وما أثبتناه من النسخ.

(٤) ذكره المصنّف في الأمالي : ٢٦٦ / ٢٨٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٣ : ٣٨١ / ٣ ، و٧٤ : ٣٩٠ / ١.

٧٧

عليّ بن يزيد الصائغ ، قال : حدّثنا سعيد بن منصور ، قال : حدّثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحرّ من فيح جهنّم ، واشتكت النار إلى ربّهافأذن لها في نفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فشدّة ما تجدون من الحرّ من فيحها ، وما تجدون من البرد من زمهريرها».

قال مصنّف هذا الكتاب : معنى قوله : «فأبردوا بالصلاة» أي : عجّلوا بها ، وهو مأخوذ من البريد ، وتصديق ذلك ما روي أنّه «ما من صلاة يحضر وقتها إلاّنادى ملك : قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها» (١) .

- ١٨٢ -

باب علل الشرائع واُصول الإسلام

[ ٤٤٦ / ١ ] أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا إبراهيم ابن مهزيار ، عن أخيه عليّ ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر ، بإسناده يرفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه كان يقول : «إنّ أفضل ماتوسّل به المتوسّلون الإيمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الإخلاص ؛ فإنّها الفطرة.

وتمام الصلاة ؛ فإنّها الملّة.

وإيتاء الزكاة ؛ فإنّها من فرائض الله.

وصوم شهر رمضان ؛ فإنّه جُنّة من عذابه.

وحجّ البيت ؛ فإنّه منفاة للفقر ومدحضة للذنب.

__________________

(١) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٨ : ٢٨٣ / ٦ ، و٥٨ : ٣٨٠ / ١٤ ، و٨٣ : ١٥ / ٢٧.

٧٨

وصلة الرحم ؛ فإنّها مثراة للمال ومنسأة للأجل.

وصدقة السرِّ ؛ فإنّها تطفئ الخطيئة وتطفئ غضب الربّ.

وصنائع المعروف ؛ فإنّها (١) تدفع ميتة (٢) السوء وتقي مصارع الهوان (٣) ، ألا فتصدّقوا فإنّ الله مع مَنْ تصدّق.

وجانبوا الكذب ؛ فإنّ الكذب مجانب الإيمان ، ألا إنّ الصادق على شفامنجاة وكرامة ، ألا وإنّ الكاذبين على شفا مخزاة وهلكة ، ألا وقولوا خيراً تُعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله ، وأدّوا الأمانة إلى مَن ائتمنكم عليها ، وصلوا أرحام مَنْ قطعكم ، وعودوا (٤) بالفضل على مَنْ سألكم» (٥) .

[ ٤٤٧ / ٢ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا عليّ ابن الحسين السعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن إسماعيل ابن مهران ، عن أحمد بن محمّد بن جابر ، عن زينب بنت عليٍّ عليه‌السلام ، قالت : قالت فاطمة عليها‌السلام في خطبتها : «لله فيكم عهد قدّمه إليكم ، وبقيّة استخلفها عليكم ، كتاب الله بيّنة بصائره (٦) ، وآي (٧) منكشفة (٨) سرائره ،

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : المشهور بين الأصحاب استثناء الزكاة المفروضة ، فإنّ الفضل في إعلانها . (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : كالقحط والطاعون والقتل في غير سبيل الله والفجأة. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : كالجذام والبرص أو الذنوب. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : من العائدة بمعنى الإحسان ، أو العود بمعنى الرجوع ، أو التعويدمن العادة ، وتأمّل. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٥) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٧ : ٣٩٨ / ٢١.

(٦) ورد في حاشية «ل» : أي دلائله المبصرة واضحة.

(٧) ورد في حاشية «ل» : ليست «آي» في الاصحاح ، وبعض نسخ مَنْ لا يحضره الفقيه. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٨) ورد في حاشية «ل» : أي واضحة لاُولي الأبصار.

٧٩

وبرهان متجلّية (١) ظواهره ، مديم للبريّة استماعه (٢) ، وقائد إلى الرضوان أتباعه ، ومؤدٍّ (٣) إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنيرة (٤) ، ومحارمه (٥) المحرّمة ، وفضائله المدوّنة (٦) ، وجمله الكافية ، ورخصه الموهوبة ، وشرائعه (٧) المكتوبة (٨) ، وبيّناته الجليّة (٩) .

ففرض الإيمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيهاً عن (١٠)  الكبر ، والزكاة زيادة في الرزق ، والصيام تثبيتاً للإخلاص (١١) ، والحجّ تسنية للدين ، والعدل مسكاً للقلوب ، والطاعة نظاماً للملّة ، والإمامة لمّاً من

__________________

(١) ورد في حاشية «ل» : من رحمته أقامها مقام نبيّكم .

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي يجب على الخلائق استماعه والعمل به إلى يوم القيامة ، أولا يكره مع كثرة الاستماع ، ولا يخلق بكثرة التلاوة ، أمّا بالنظر إلى العلماء الربّانيّين فكلّما تدبّروا فيه ينكشف لهم الأسرار الغير المتناهية ، وبالنظر إلى الظاهر فبالإشارات والاستنباطات ، وبالنظر إلى من لا يفهم معانيه بمحض الإعجاز ، كذا أفاده الوالد العلاّمة ، والأظهر أن يكون المراد أنّ استماعه سبب لدوام الخلق وبقائهم ، ومادام فيهم لا ينزل عليهم العذاب ولا يقوم الساعة ، كما وردت به الأخبار. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) في «ج ، ل ، ش ، ع ، ن» : مؤدّياً.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : في مَنْ لا يحضره الفقيه : المنوّرة.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : في مَنْ لا يحضره الفقيه : الحدود.

(٦) ورد في حاشية «ج ، ل» : في مَنْ لا يحضره الفقيه : المندوبة.

(٧) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : شرائطه.

(٨) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي الواجبة أو المقرّرة. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٩) ورد في حاشية «ج ، ل» : الواضحة.

(١٠) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : من.

(١١) ورد في حاشية «ج ، ل» : لأنّه لا يكون فيه رياء.

٨٠