علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٢

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-611-0
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٢٨

السهام بالحيرة ، وببانقيا أهل السهام ، وأنا أُقسم بالله قسماً بارّاً أنّ حراسة سفيان ومعاوية بن مرّة ومالك بن معول وخيثمة بن عبد الرحمن خشبة زيد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بكناس (١) الكوفة بأمر هشام بن عبدالملك من العدوان الذي زجر الله عزوجل عنه ، وأنّ حراسة مَنْ سمّيتهم بخشبة زيد - رضوان الله عليه - الداعية (٢) بنقل صدقة بانقيا إلى الحيرة.

فإن عذر عاذر : من (٣) سمّيتهم بالعجز عن نصر البرّ الذي هو الإمام من قِبَل الله عزوجل الذي فرض طاعته على العباد ، على الفاجر (٤) الذي يأمر (٥) بإعانة الفجرة إيّاه.

قلنا : لعمري ، إنّ العاجز معذور فيما عجز عنه ، ولكن ليس الجاهل بمعذور في ترك الطلب فيما فرض الله عزوجل عليه ، وإيجابه على نفسه فرض طاعته وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطاعة اُولي الأمر ، وبأنّه لا يجوز أن تكون سريرة وُلاة الأمر بخلاف علانيتهم كما لم يجز أن تكون سريرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي هو أصل وُلاة الأمر ، وهُم فرعه ، بخلاف علانيته ، وإنّ الله تعالى العالم بالسرائر والضمائر والمطّلع على ما في صدور العباد لم يكل (٦) علم ما لم يعلمه العباد إلى العباد ، جلّ وعزّ عن تكليف العباد ما ليس في

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : الكناسة - بالضمّ - : موضع بالكوفة. القاموس المحيط ٢ : ٣٨٥.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : أمثال هذه المعاونات على الظلم صارت أسباباً لتغيير أحكام الله التي من جملتها نقل صدقة بانقيا إلى الحيرة. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) كذا ، وفي البحار : «عمّن».

(٤) في النسخ : العاجز ، وفي المطبوع وهامش «ج ، ل» عن نسخة كما في المتن.

(٥) في بحار الأنوار : تأمّر.

(٦) في النسخ الخطّية : يكمل ، والظاهر أنّه تصحيف. وما أثبتناه من البحار.

٢١

وسعهم وطوقهم ؛ إذ ذاك ظلم من المكلِّف وعبث منه ، وأنّه لا يجوز أن يجعل جلّ وتقدّس اختيار من يستوي سريرته بعلانيته ، ومن لا يجوز ارتكاب الكبائر الموبقة والغصب (١) والظلم منه إلى من لا يعلم السرائر والضمائر ، فلا يسع (٢) أحداً جهل هذه الأشياء ، وإن وسع العاجز بعجزه ترك مايعجز عنه ، فإنّه لا يسعه الجهل بالإمام البرّ الذي هو إمام الأبرار ، والعاجز بعجزه معذور والجاهل غير معذور ، فلا يجوز أن لا يكون للأبرار إمام ، وإن كان مقهوراً في قهر الفاجر والفجّار ، فمتى لم يكن للبرّ إمام برّ قاهر أو مقهور فمات ميتة جاهليّة إذا مات وليس يعرف إمامه.

فإن قلت : فما تأويل عهد الحسن عليه‌السلام وشرطه على معاوية بأن لايقيم عنده شهادة لإيجاب الله عليه عزوجل إقامة شهادة بما علمه قبل شرطه على معاوية .

قيل : إنّ لإقامة الشهادة من الشاهد شرائط ، وهي : حدودها التي لايجوزتعدّيها ؛ لأنّ من تعدّى حدود الله عزوجل فقد ظلم نفسه ، وأوكد شرائطها إقامتها عند قاض فصل وحَكَم عدل ، ثمّ الثقة من الشاهد أن يقيمها عندمن تجرّ شهادته حقّاً ويميت بها إثرة (٣) ، ويزيل بها ظلماً ، فإذا لم يكن من يشهد عنده سقط عنه فرض إقامة الشهادة.

ولم يكن معاوية عند الحسن عليه‌السلام أميراً أقامه الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أوحاكماً من وُلاة الحكم ، فلو كان حاكماً من قِبَل الله وقِبَل رسوله ، ثمّ علم

__________________

(١) في «ش» والبحار : والغضب.

(٢) في النسخ : فلا يسمع ، وهو تصحيف. وما أثبتناه من البحار.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : استأثر بالشيء : استبدّ به ، وخصّ به نفسه. القاموس المحيط ٢ : ٤ .

٢٢

الحسن عليه‌السلام أنّ الحكم هو الأمير والأمير هو الحكم ، وقد شرط عليه الحسن عليه‌السلام أن لا يؤمّر حين شرط أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ، فكيف يقيم الشهادة عند من أزال عنه الإمرة بشرط أن لا يسمّيه أمير المؤمنين ، وإذا أزال (١) ذلك بالشرط ، أزال عنه الحكم ؛ لأنّ الأمير هو الحاكم ، وهو المقيم للحاكم ، ومن ليس له تأمير ولاتحاكم يحكم فحكمه هذر ، ولا تقام الشهادة عند من حكمه هذر.

فإن قال (٢) : فما تأويل عهد الحسن عليه‌السلام على معاوية وشرطه عليه أن لايتعقّب على شيعة عليٍّ عليه‌السلام شيئاً ؟

قيل : إنّ الحسن عليه‌السلام علم أنّ القوم جوّزوا لأنفسهم التأويل ، وسوّغوا في تأويلهم إراقة ما أرادوا إراقته من الدماء وإن كان الله تعالى حقنه ، وحقن ما أرادوا حقنه وإن كان الله تعالى أراقه في حكمه ، فأراد الحسن عليه‌السلام أن يبّين أنّ تأويل معاوية على شيعة عليٍّ عليه‌السلام بتعقّبه عليهم ما يتعقّبه زائل مضمحلٌّ فاسد ، كما أن أزال إمرته عنه وعن المؤمنين بشرط أن لا يسمّيه أميرالمؤمنين ، وأنّ إمرته زالت عنه وعنهم ، وأفسد حكمه عليه وعليهم ، ثمّ سوّغ الحسن عليه‌السلام بشرطه عليه أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين القدوة منهم به في أن لا يقيموا عنده شهادة ، فيكون حينئذ داره دائرة ، وقدرته قائمة لغير الحسن ولغير المؤمنين ، ويكون داره كدار بُخت نصّر ، وهو بمنزلة دانيال فيها ، وكدار العزيز وهو كيوسف فيها.

فإن قال : دانيال ويوسف عليهما‌السلام كانا يحكمان لبُخت نصّر والعزيز.

قلنا : لو أراد بخت نصّر دانيال والعزيز يوسف أن يريقا بشهادة عمّار

__________________

(١) في «ش» : زال.

(٢) في المطبوع : قلت ، وما أثبتناه من النسخ.

٢٣

ابن الوليد وعقبة بن أبي معيط ، وشهادة أبي بردة بن أبي موسى ، وشهادة عبدالرحمن بن الأشعث بن قيس دم حجر بن عدي بن الأدبر وأصحابه رحمة الله عليهم ، وأن يحكما له بأنّ زياداً أخوه وأنّ دم حجر وأصحابه مراقة بشهادة من ذكرت لما جاز أن يحكما لبخت نصّر والعزيز ، والحكم بالعدل يرمى الحاكم به في قدرة عدل أو جائر ، ومؤمن أو كافر ، لاسيّماإذا كان الحاكم مضطرّاً إلى أن يدين قدر الجائر الكافر ، والمبطل والمحقّ بحكمه .

فإن قال : ولِمَ خصّ الحسن عليه‌السلام عدّ الذنوب إليه وإلى شيعة عليٍّ عليه‌السلام وقدّم أمامها قتله عبدالله بن يحيى الحضرمي وأصحابه ، وقد قتل حجر وأصحابه وغيرهم ؟

قلنا : لو قدّم الحسن عليه‌السلام في عدّه على معاوية ذنوب حجر وأصحابه على عبدالله بن يحيى الحضرمي وأصحابه لكان (١) سؤالك قائماً ، فتقول : لِمَ قدّم حُجراً على عبدالله بن يحيى وأصحابه أهل الأخيار والزهد في الدنيا والإعراض عنها ؟ فأخبر معاوية بما كان عليه ابن يحيى وأصحابه من الحزق (٢) على أميرالمؤمنين عليه‌السلام وشدّة حبّهم إيّاه وإفاضتهم في ذكره وفضله فجاء بهم فضرب أعناقهم صبراً ، ومن أنزل راهباً من صومعته فقتله بلاجناية منه إلى قاتله أعجب ممّن يُخرج قسّاً من ديره (٣) فيقتله ؛ لأنّ صاحب الدير أقرب إلى بسط اليد لتناول ما معه على التشريط من صاحب

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : حاصله : أنّ عبدالله كان أعبد وأفضل ، وأقلّ ضرراً من سائرهم ، وكان قتله وأصحابه أشنع فلذا قدّمه. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الحزق : الشدّ البليغ والتضييق. الفائق في غريب الحديث ١ : ٢٤٣ .

(٣) في النسخ إلاّ «ج ، ل» : دير.

٢٤

الصومعة الذي هو بين السماء والأرض ، فتقديم الحسن عليه‌السلام العبّاد على العبّاد ، والزهّاد على الزهّاد ، ومصابيح البلاد على مصابيح البلاد لايتعجّب منه ، بل يتعجّب لو قدّم في الذكر مقصّراً على مخبت (١) ومقتصداً على مجتهد.

فإن قال : ما تأويل اختيار مال دار أبجرد على سائر الأموال لمّا اشترط أن يجعله لأولاد من قتل مع أبيه صلوات الله عليهم يوم الجمل وبصفّين ؟

قيل : لدار أبجرد خطب (٢) في شأن الحسن عليه‌السلام بخلاف جميع فارس.

وقلنا : إنّ المال مالان : الفيء الذي ادّعوا أنّه موقوف على المصالح الداعية إلى قوام الملّة وعمارتها من تجييش الجيوش للدفع عن البيضة ولأرزاق الأسارى ، ومال الصدقة الذي خصّ به أهل السهام ، وقد جرى في فتوح الأرضين بفارس والأهواز وغيرهما من البلدان ممّا فتح منها صلحاًوما فتح منها عنوةً وما أسلم أهلها عليها هنات (٣) وهنات (٤) وأسباب وأسباب بإيجاب الشرائط الدالّة لها ، وقد كتب ابن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن زيد بن الخطّاب ، وهو عامله على العراق : أيّدك الله ، هاش (٥) في السواد مايركبون فيه البراذين ، ويتختّمون بالذهب ، ويلبسون

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أخبت : خشع وتواضع. القاموس المحيط ١ : ١٩٧ / خبت.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الخطب : الأمر الشديد.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي تدريجاً.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : فيه : ستكون هنات وهنات ، أي : شرور وفساد ، وفيه : وفي البيت هنات من قرط ، أي قطع متفرّقة. «مجمع - البحار» ، مجمع البحرين ١ : ٤٨٠ / هنا ، بحار الأنوار ٤٤ : ١٨ ، تهاوشوا عليه : اجتمعوا عليه ، وهاوشهم : خالطهم. الهيش : الإفساد والتحريك ، مجمع البحرين ٤ : ١٥٩ / هوش وهيش ، القاموس ٢ : ٤٥١ / هوش.الهيج : الحلب الرُّوَيْدُ والجمع. مجمع البحرين ٢ : ٣٣٧ / هيج.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : هوّش تهويشاً : خلط ، وتهوّشوا : اختلطوا.

٢٥

الطيالسة ، وخذ فضل ذلك فضعه في بيت المال.

وكتب ابن الزبير إلى عامله : جنّبوا بيت مال المسلمين ما يؤخذ على المناظر والقناطر ؛ فإنّه سحت.

فقصر المال عمّا كان ، فكتب إليهم : ما للمال قد قصر.

فكتبوا إليه : إنّ أمير المؤمنين نهانا عمّا يؤخذ على المناظر والقناطر ، فلذلك قصر المال.

فكتب إليهم : عودوا إلى ما كنتم عليه.

هذا بعد قوله : إنّه سحت ، ولابدّ أن يكون أولاد من قتل من أصحاب عليٍّ صلوات الله عليه بالجمل وبصفّين من أهل الفيء ، ومال المصلحة ، ومن أهل الصدقة والسهام ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصدقة : «قد اُمرت أن آخذها من أغنيائكم ، وأردّها في فقرائكم» بالكاف والميم ، ضمير من وجبت عليهم في أموالهم الصدقة ومن وجبت لهم الصدقة ، فخاف الحسن عليه‌السلام أنّ كثيراً منهم لا يرى لنفسه أخذ الصدقة من كثير منهم ولا أكل صدقة كثير منهم إذاكانت غسالة ذنوبهم ، ولم يكن للحسن عليه‌السلام في مال الصدقة سهم.

روى بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جدّه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «في كلّ أربعين من الإبل إبنة لبون ، ولا تفرّق إبل عن حسابها (١) من أتانا بها مؤتجراً فله أجرها ، ومن منعناها (٢) أخذناها

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد لا يفرّق بين مجامع في الملك. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : في حديث مانع الزكاة : «أنا آخذها وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربّنا» ، الحربي : هو غلط الراوي ، إنّما هو «وشُطّر ماله» ، أي يجعل ماله شطرين فيأخذ المصدّق من خير النصفين عقوبة لمنعه ، فأمّا ما لا يلزمه فلا ، وبُعّد ،

٢٦

منه ، وشطر إبله عزمة من عزمات ربّنا ليس لمحمّد وآل محمّد فيها شيء ، وفي كلّ غنيمة خمس أهل الخمس بكتاب الله عزوجل وإن منعوا.

فخصّ الحسن عليه‌السلام ما لعلّه كان عنده أعفّ وأنظف من مال أردشيرخره (١) ؛ لأنّها حوصرت سبع سنين حتّى اتّخذ المحاصرون لها في مدّة حصارهم إيّاها مصانع وعمارات ، ثمّ ميّزوها من جملة ما فتحوها بنوع من الحكم ، وبين الإصطخر الأوّل والإصطخر الثاني هنات علمها الربّاني الذي هو الحسن عليه‌السلام ، فاختار لهم أنظف ما عرف.

فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال في تفسير قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) (٢) : «أنّه لا يجاوز قدما عبد حتّى يُسأل عن أربع : عن شبابه فيما أبلاه ، وعمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه ،

__________________

وقيل : إنّ الحقّ مستوفى منه غير متروك وإن تلف شطر ماله ، كمن له ألف شاة مثلاً فتلفت إلاّعشرين فإنّه يؤخذ منه عشرشياه ، وهو أيضاً بعيد ؛ لقوله : «أنا آخذها وشطر ماله» ، ولم يقل : أناآخذها وأُشطّر ماله ، وقيل : إنّه كان في صدر الإسلام تقع بعض العقوبات في الأموال ثمّ نسخ كقوله في الثمر المعلّق : مَنْ خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه ، والعقوبة ، وكان عمر يحكم به فغرّم حاطباً ضعف ثمن ناقة المُزَنِّي لمَّا سرقها رفيقه ونحروها ، وأخذأحمد بشيء منه ، وقال الشافعي في القديم : مَنْ منع زكاة ماله أُخذ منه شطر ماله مع زكاته عقوبة ، وفي الجديد جعله منسوخاً ، وهو مذهب العامّة. (مجمع - البحار). مجمع البحرين ٦ : ١١٥ / عزم ، بحار الأنوار ٤٤ : ١٨ ، ولم نعثر على قول الحربي في غريب حديثه ، وعنه في معالم السنن للخطّابي ٢ : ٢٨ ، وللحديث راجع : مسند أحمد ٥ : ٦٢١ / ١٩٥١٤ ، وسنن أبي داوُد ١ : ١٠١ / ١٥٧٥ ، وسنن النسائي ٥ : ١٥ - ١٦ ، وانظر قول الشافعي في تذكرة الفقهاء ٥ : ٨ ، والمهذّب للشيرازي ١ : ١٤٨ ، والمجموع ٥ : ٣٣٤ و٣٣٧ ، وحلية العلماء ٣ : ١٢ ، والمغني ٢ : ٤٣٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٦٨.

(١) في النسخ : أردشيرجوه.

(٢) سورة الصافّات ٣٧ : ٢٤.

٢٧

وعن حبّنا أهل البيت» .

وكان الحسنوالحسين عليهما‌السلام (ابناعليّ عليه‌السلام) (١) يأخذان من معاوية الأموال ، فلا ينفقان من ذلك على أنفسهما وعلى عيالهما ما تحمله الدابّة (٢) بفيها.

قال شيبة بن نعامة : كان عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ينحل ، فلمّا مات نظروا فإذا هو يعول في المدينة أربعمائة بيت من حيث لم يقف الناس عليه (٣) .

فإن قال : فإنّ هذا محمّد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري قال : حدّثناأبو بشر الواسطي ، قال : حدّثنا خالد بن داوُد ، عن عامر ، قال : بايع الحسن بن عليّ عليه‌السلام معاوية على أن يسالم من سالم ، ويحارب من حارب ، ولم يبايعه على أنّه أمير المؤمنين.

قلنا : هذا حديث ينقض آخره أوّله ، وإنّه لم يؤمّره وإذا لم يؤمّره لم يلزمه الائتمار له إذا أمّره ، وقد روينا من غير وجه ما ينقض قوله : «يسالم من سالم ، ويحارب من حارب» ، فلم نعلم فرقة من الاُمّة أشدّ على معاوية من الخوارج ، وخرج على معاوية بالكوفة جويرية بن ذراع أو ابن وداع أو غيره من الخوارج ، فقال معاوية للحسن : اخرج إليهم وقاتلهم.

فقال : «يأبى الله لي بذلك».

قال : فلِمَ ؟ أليس هُم أعداؤك وأعدائي ؟

قال : «نعم يا معاوية ، ولكن ليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه كمن طلب الباطل فوجده» (٤) ، فأسكت معاوية.

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في «ج ، ل ، س».

(٢) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : الذبابة.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : من العطية أو من الهزال. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد أن طلبت الحقّ فلم أجده ، وطلبت الباطل

٢٨

ولو كان مارواه أنّه بايع على أن يسالم من سالم ، ويحارب من حارب ، لكان معاوية لا يسكت على ما حجّه به الحسن عليه‌السلام ؛ ولأنّه يقول له : قدبايعتني على أن تحارب من حاربت كائناً من كان ، وتسالم من سالمت كائناًمن كان ، وإذا قال عامر في حديثه : ولم يبايعه على أنّه أميرالمؤمنين قدناقض ؛ لأنّ الأمير هو الآمر ، والزاجر والمأمور هو المؤتمر والمنزجر ، فأبى تصرّف الآمر ، فقد أزال الحسن عليه‌السلام في موادعته معاوية الائتمار له ، فقدخرج من تحت أمره حين شرط أن لا يسمّيه أميرالمؤمنين ، ولو انتبه معاوية بحيلة (١) الحسن عليه‌السلام بما احتال عليه لقال له : يا أبا محمّد ، أنت مؤمنوأنا أمير ، فإذا لم أكن أميرك لم أكن للمؤمنين أيضاً أميراً ، وهذه حيلة منك تزيل أمري عنك ، وتدفع حكمي لك وعليك ، فلو كان قوله : يحارب من حارب مطلقاً ، ولم يكن شرطه إن قاتلك من هو شرّ منك قاتلته ، وإن قاتلك من هو خير منك في الشرّ وأنت أقرب منه إليه لم أُقاتله ؛ ولأنّ شرط الله على الحسن عليه‌السلام وعلى جميع عباده التعاون على البرّ والتقوى ، وترك التعاون على الإِثم والعدوان ، وإنّ قتال من طلب الحقّ فأخطأه مع من طلب الباطل فوجده تعاونٌ على الإِثم والعدوان ، والمبايع غير المبايَع ، والمؤازرغير المؤازَر.

فإن قال : هذا حديث ابن سيرين ، يرويه محمّد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : حدّثنا بشّار ، قال : حدّثنا ابن أبي عديّ ، عن ابن عون ، عن

__________________

فوجدته ، ولست في الحكم مثلك حتّى اتّبعك ، ولست بأهل للجهاد حتّى يلزم الجهاد معك ؛ إذ لايجوز دفع الباطل بالباطل. كذا توهّمه بعض المعاصرين ، والظاهر أنّ المراد أنّ هؤلاء الخوارج مع غاية كفرهم أفضل من معاوية وأصحابه ؛ لأنّ الخوارج كان غرضهم طلب الحقّ فأخطأوا بخلاف معاوية.

(١) في «ش ، ج ، ل» : لحيلة.

٢٩

أنس بن سيرين ، قال : حدّثنا الحسن بن عليّ عليه‌السلام يوم كلّم فقال : «مابين جابرسا (١) وجابلقا (٢) رجل جدّه نبيّ غيري ، وغير أخي ، وإنّي رأيت أن أُصلح بين اُمّة محمّد وكنت أحقّهم بذلك ، فإنّا بايعنا معاوية ولعلّه فتنة لكم ، ومتاع إلى حين».

قلنا : ألا ترى إلى قول أنس كيف يقول : يوم كلّم الحسن ، ولم يقل : يوم بايع ؛ إذ لم يكن عنده بيعة حقيقة ، وإنّما كانت مهادنة كما يكون بين أولياء الله وأعدائه ، لا عموماً (٣) تكون بين أوليائه وأوليائه ، فرأى الحسن عليه‌السلام رفع السيف مع العجز بينه وبين معاوية كما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع السيف بينه وبين أبي سفيان ، وسهل بن عمرو ، ولو لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مضطرّاً إلى تلك المصالحة (٤) والموادعة لما فعل.

فإن قال : قد ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينه وبين سهل وأبي سفيان مدّة ، ولم يجعل الحسن عليه‌السلام بينه وبين معاوية مدّة ؟

قلنا : بل ضرب الحسن عليه‌السلام أيضاً بينه وبين معاوية مدّة وإن جهلناها ولم نعلمها ، وهي ارتفاع الفتنة ، وانتهاء مدّتها ، وهو متاع إلى حين.

فإن قال : فإنّ الحسن قال لجبير بن نفير حين قال له : إنّ الناس

__________________

(١) في «ج ، س ، ش» وحاشية «ج ، ل» عن نسخة : جابرس.

(٢) في «ج ، ل» عن نسخة : جابلق.

وورد في حاشية «ج ، ل» : جابلق ، وبفتح اللام : بلد بالمشرق ليست وراءه أنيس. القاموس المحيط ٣ : ٢٩٤.

وجابلص بفتح الباء واللاّم أو سكونها : بلد بالمغرب ، ليست وراءه إنسيٌّ. القاموس المحيط ٢ : ٤٥٧.

(٣) في المطبوع : لا مبايعة ، وما أثبتناه من النسخ.

(٤) في «ج ، ل» : المصلحة.

٣٠

يقولون : إنّك تريد الخلافة ، فقال : «قد كان جماجم (١) العرب في يدي يحاربون من حاربت ، ويسالمون من سالمت ، تركتها ابتغاء وجه الله ، وحقن دماء اُمّة محمّد ، ثمّ أثيرها يا تيّاس (٢) أهل الحجاز».

قلنا : إنّ جبيراً كان دسيساً (٣) إلى الحسن عليه‌السلام دسّه معاوية إليه ليختبره هل في نفسه الإثارة ، وكان جبير يعلم أنّ الموادعة التي وادع معاوية غير مانعة من الإِثارة التي اتّهمه بها ، ولو لم يجز للحسن عليه‌السلام مع المهادنة التي هادن أن يطلب الخلافة لكان جبير يعلم ذلك فلا يسأله ؛ لأنّه يعلم أنّ الحسن عليه‌السلام لا يطلب ما ليس له طلبه ، فلمّا اتّهمه بطلب ما له طلبه دسّ إليه دسيسة هذا ليستبرئ برأيه وعلم أنّه الصادق وابن الصادق ، وأنّه إذا أعطاه بلسانه أنّه لا يثيرها بعد تسكينه إيّاها فإنّه وفيٌّ بوعده صادق في عهده ، فلمّا مقته (٤) قول جبير قال له : يا تيّاس أهل الحجاز ، والتيّاس بيّاع عسب (٥) الفحل الذي هو حرام.

وأمّا قوله : بيدي جماجم العرب ، فقد صدق عليه‌السلام ، ولكن كان من تلك الجماجم الأشعث بن قيس في عشرين ألفاً ويزيدونهم (٦) .

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : الجماجم : السادات والقبائل التي تنسب إليها البطون. القاموس المحيط ٤ : ٣٠.

(٢) في النسخ إلاّ «ج» : ثانياً بين ، وفي حاشية «ل» عن نسخة كما في المتن.

وورد في حاشية «ج ، ل» : التيس : المعز ، والتيّاس : ممسكه. القاموس المحيط ٢ : ٣٢٢.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : الدس : الاخفاء ، ودفن الشيء تحت الشيء. القاموس المحيط٢ : ٤٤ .

(٤) في «ل ، ن» : قصّه ، وفي حاشية «ل ، ج» عن نسخة : مقته ، وفي «ش ، ع ، س ، ح ، ج»وحاشية «ن» : نصّه.

(٥) في «س ، ش» : عسيب.

(٦) في «ج ، ل» : ويزهّدونهم.

٣١

قال الأشعث يوم رفع المصاحف ووقع تلك المكيدة : إن لم تُجب إلى ما دُعيتَ إليه لم يرم معك غداً يمانيّان بسهم ، ولم يطعن يمانيّان برمح ، ولايضرب يمانيّان بسيف ، وأومأ بقوله (١) إلى أصحابه : أبناء الطمع ، وكان في تلك الجماجم شبث بن ربعي ، تابع كلّ ناعق ، ومثير كلّ فتنة ، وعمرو ابن حريث الذي ظهر على عليٍّ صلوات الله عليه ، وبايع ضبّة احتوشها (٢) مع الأشعث ، والمنذر بن الجارود الطاغي الباغي ، وصدق الحسن صلوات الله عليه أنّه كان بيده هذه الجماجم يحاربون من حارب ، ولكن محاربة منهم للطمع ويسالمون من سالم لذلك ، وكان من حارب لله تعالى وابتغى القربة إليه والحظوة منه قليلاً ، ليس فيهم عدد يتكافأ أهل الحرب لله ، والنزاع لأولياء الله ، واستمداد كلّ مدد ، وكلّ عدد ، وكلّ شدّة على حجج الله تعالى (٣) .

- ١٦٠ -

باب السبب الداعي للحسن صلوات الله عليه إلى

موادعة (٤) معاوية ، وما هو ؟ وكيف هو ؟

[ ٤٠١ / ١ ] دسَّ (٥) معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس

__________________

(١) في حاشية «ج ، ل» عن نسخة : بيده.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : احتوش القوم على فلان : جعلوه وسطهم. القاموس المحيط ٢ : ٤١٨ .

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٤ : ٢ ١٦ / ٢.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : وادَعْتُهُ : صالحته. المصباح المنير : ٣٣٧.

(٥) يقال للجاسوس : دسيس القوم. المصباح المنير : ١٠٣.

٣٢

وإلى حجر بن أبجر (١) وشبث بن ربعي دسيساً أفرد كلّ واحد منهم بعين من عيونه أنّك إن قتلت الحسن بن عليّ فلك مائتا ألف درهم ، وجند من أجناد الشام ، وبنت من بناتي.

فبلغ الحسن عليه‌السلام ذلك فاستلأم ولبس درعاً وكفّرها (٢) ، وكان يحترز ولايتقدّم للصلاة بهم إلاّ كذلك ، فرماه أحدهم في الصلاة بسهم ، فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة (٣) ، فلمّا صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم فعمل فيه الخنجر فأمر عليه‌السلام أن يعدل به إلى بطن جريحى (٤) وعليها عمّ المختار بن أبي عبيد ، مسعود بن قيلة ، فقال المختار لعمّه : تعال حتّى نأخذالحسن ونسلّمه إلى معاوية ، فيجعل لنا العراق.

فنذر (٥) بذلك الشيعة من قول المختار لعمّه ، فهمّوا بقتل المختار فتلطّف عمّه لمسألة الشيعة بالعفو عن المختار ففعلوا.

فقال الحسن عليه‌السلام : «ويلكم ، والله إنّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي ، وأنّي أظنّ أنّي إن وضعت يدي في يده فأُسالمه لم يتركني أدين لدين جدّي (٦) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّي أقدر أن أعبد الله عزوجل وحدي ، ولكنّي كأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم

__________________

(١) في المطبوع : الحجر ، وما أثبتناه من النسخ.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الكفر - بالفتح - : التغطية ، وقد كفرت الشي أكفره - بالكسر - كفراً ، أي سترته. الصحاح ٢ : ٥٣٥.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : اللامة : هي الدرع ، واستلأم الرجل : إذا لبس اللامة. الصحاح ٥ : ٤١٠ .

(٤) في «س ، ن ، ج ، ل» : جريخى.

(٥) في المطبوع : فبدر ، وما أثبتناه من النسخ ، وورد في حاشية «ج ، ل» : نَذِر القوم بالعدوبكسر الذال : إذا علموا. الصحاح ٢ : ٥٦٠.

(٦) في «ع ، س» زيادة : محمّد

٣٣

بما (١) جعله الله لهم ، فلا يسقون ولا يطعمون ، فبُعداً وسحقاً لما كسبته أيديكم (٢) ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٣) » فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه.

فكتب الحسن عليه‌السلام من فوره ذلك إلى معاوية :

«أمّا بعد ، فإنّ خطبي (٤) انتهى إلى اليأس من حقٍّ أُحييه وباطل اُميته ، وخطبك خطب من انتهى إلى مراده ، وإنّني أعتزل هذا الأمر وأُخلّيه لك ، وإن كان تخليتي إيّاه شرّاً لك في معادك ، ولي شروط أشترطها لا تبهظنّك (٥) إن وفيت لي بها بعهد ، ولا تخف إن غدرت» ، وكتب الشرط في كتاب آخر فيه يمنّيه بالوفاء ، وترك الغدر : «وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممّن نهض في الباطل أو قعد عن الحقّ حين لم ينفع الندم ، والسلام».

فإن قال قائل : من هو النادم الناهض ، والنادم القاعد ؟

قلنا : هذا الزبير ذكره أمير المؤمنين صلوات الله عليه ما أيقن بخطأما أتاه ، وباطل ما قضاه ، وبتأويل ما عزّاه ، فرجع عنه القهقرى ، ولو وفى بما كان في بيعته لمحا نكثه ، ولكنّه أبان ظاهراً الندم والسريرة إلى عالمها.

وهذا عبدالله بن عمر بن الخطّاب روى أصحاب الأثر في فضائله أنّه

__________________

(١) في «ج ، ل ، ش ، ع ، س ، ح» : ممّا ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة كما في المتن.

(٢) في «ج ، ل ، ح ، س» : أيديهم ، وفي حاشية «ج ، ل» عن نسخة كما في المتن.

(٣) سورة الشعراء ٢٦ : ٢٢٧.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : الخطب : الأمر والشأن. القاموس المحيط ١ : ٨٣.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : بهظه الأمر ، كمنع : غلبه وثقل عليه. القاموس المحيط ٢ : ٣٩٣.

٣٤

قال : مهما آسى (١) عليه من شيء فإنّي لا آسي على شيء أسفي على أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع عليٍّ ، فهذا ندم القاعد.

وهذه عائشة روى الرواة أنّها لمّا أنّبها مؤنّب فيما أتته قالت : قضي القضاء ، وجفّت الأقلام ، والله لو كان لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرون ذكراًكلّهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، فثكلتهم بموت وقتل كان أيسر عليَّ من خروجي على عليٍّ ، ومسعاي التي سعيت ، فإلى الله شكواي لا إلى غيره.

وهذا سعد بن أبي وقّاص ، لمّا أُنهي إليه أنّ عليّاً صلوات الله عليه قتل ذا الثدية أخذه ماقدّم (٢) وما أخّر ، وقلق (٣) ونزق (٤) ، وقال : «والله ، لو علمت أنّ ذلك كذلك لمشيت إليه ولو حبواً».

ولمّا قدم معاوية دخل إليه سعد فقال له : يا أبا إسحاق ، ما الذي منعك أن تعيننا على الطلب بدم الإمام المظلوم ؟

فقال : كنت اُقاتل معك عليّاً ، وقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول له : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».

قال : أنت سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

قال : نعم ، وإلاّ صُمّتا.

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أسِي على مصيبته بالكسر يأسى ، أسىً ، أي : حزن. الصحاح ٦ : ١٨٤ .

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد أخذه ما قدّم من سوء معاملته مع عليٍّ عليه‌السلام ، وماأخّر ، أي : ما نوى أن يفعل ؛ وذلك لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أنّ ذا الثدية في الفئة الباغية وأنّ قاتله على الحقّ. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : القلق محركة : الانزعاج. القاموس المحيط ٣ : ٣٧٨.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : نزق كفرح وضرب طاش وخفّ عند الغضب. القاموس المحيط٣ : ٣٨٦.

٣٥

قال : أنت الآن أقلّ عذراً في القعود عن النصرة (١) ، فوالله لو سمعت هذامن رسول الله ما قاتلته ، وقد أحال (٢) فقد سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليٍّ عليه‌السلام أكثر من ذلك فقاتله وهو (٣) بعد مفارقته (٤) للدنيا يلعنه ، ويشتمه ، ويرى أنّ ملكه وثبات قدرته بذلك ، إلاّ أنّه أراد أن يقطع عذر سعد في القعودعن نصره ، والله المستعان.

فإن قال قائل لحمقه وخرقه : فإنّ عليّاً ندم ممّا كان منه من النهوض في تلك الاُمور وإراقة تلك الدماء ، كما ندموا هم في النهوض والقعود ؟

قيل : كذبت وأحلت ؛ لأنّه في غير مقام قال :

«إنّي قلّبت أمري وأمرهم ظهراً لبطن ، فما وجدت إلاّ قتالهم أو الكفر بماجاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » ، وقد روي عنه : «أُمرت بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين» .

وروي هذا الحديث من ثمانية عشر وجهاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين» ولو أظهر ندماً بحضرة من سمعوا منه هذا ، وهو يرويه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لكان مكذِّباً فيه نفسه ، وكان فيهم المهاجرون كعمّار (٥) ، والأنصار كأبي الهيثم ، وأبي أيّوب ، ودونهما فإن لم يتحرّجولم يتورّع عن الكذب على مَنْ كذب عليه تبوّأ مقعده من النار ، استحيى من هؤلاء الأعيان من المهاجرين والأنصار ، وعمّار الذي يقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عمّار مع الحقّ والحقّ مع عمّار ، يدور معه حيث دار (٦) » ، يحلف جهد

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي نصرة عليٍّ عليه‌السلام .

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي كذب معاوية عليه اللعنة (م ق ر).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : معاوية. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي مفارقة عليٍّ عليه‌السلام الدنيا.

(٥) في النُّسَخ والمطبوع زيادة : وروى عمّار. والمثبت كما في البحار.

(٦) في «ح» زيادة : الحقّ.

٣٦

أيمانه : والله ، لو بلغوا بنا قصبات هجر لعلمت أنّا على الحقّ ، وأنّهم على الباطل. ويحلف أنّه قاتل (١) رايته التي أحضرها صفّين ، وهي التي أحضرها يوم اُحد والأحزاب. والله ، لقد قاتلت هذه الراية آخر أربع مرّات. والله ، ماهي عندي بأهدى (٢) من الأُولى ، وكان يقول : إنّهم أظهروا الإسلام ، وأسرّوا الكفر حتّى وجدوا عليه أعواناً ، ولو ندم عليٌّ عليه‌السلام بعد قوله : «اُمرت أن اُقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين» ، لكان مَنْ مع عليٍّ يقول له : كذبت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإقراره بذلك على نفسه ، وكانت الاُمّة : الزبير (٣) وعائشة وحزبهما ، وعليٌّ وأبو أيّوب وخزيمة بن ثابت وعمّار وأصحابه ، وسعدبن عمر وأصحابه ، فإذا اجتمعوا جميعاً على الندم فلابُدّ من أن يكون اجتمعوا على ندم من شيء فعلوه وودّوا أنّهم لم يفعلوه ، وأنّ الفعل الذي فعلوه باطل ، فقد اجتمعوا على الباطل ، وهم الاُمّة التي لا تجتمع على الباطل ، أو اجتمعوا على الندم من ترك شيء لم يفعلوه ، وودّوا أنّهم فعلوه ، فقداجتمعوا على الباطل بتركهم جميعاً الحقّ ، ولابُدّ من أن يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال لعليٍّ عليه‌السلام : «إنّك تقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين» كان ذلك من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خبراً ، ولا يجوز أن لا يكون ما أخبر إلاّ بأن يكذب المخبر ، أو يكون أَمرَه (٤) بقتالهم ، فتركه للائتمار بما أمر به عنده ، كما قال عليٌّ عليه‌السلام أنّه كفر.

__________________

(١) في «ن ، ش ، ح» زيادة : تحت. وورد في حاشية «ج ، ل» أي : راية معاوية.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي في هذه المرّة مثل الأُولى في أنّها راية شرك وكفر. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) في النسخ : اللأمة للزبير ، والظاهر أنّها تصحيف ، كما في حاشيتي «ج ، ل».

(٤) في نسخة «ج ، ل» : أخبره ، وفي حاشيتهما عن نسخة كما في المتن ، وورد فيهما : أي إمّاأن يكون خبراً أو أمراً في صورة الخبر. (م ق ر رحمه‌الله ).

٣٧

فإن قال : إنّ الحسن عليه‌السلام أخبر بأنّه حقن دماء ، وأنت تدّعي أنّ عليّاً عليه‌السلام كان مأموراً بإراقتها ، والحقن لما أمر الله ورسوله بإراقته من الحاقن عصيان.

قلنا : إنّ الاُمّة التي ذكر الحسن عليه‌السلام اُمّتان وفرقتان وطائفتان : هالكة وناجيةوباغية ومبغيّ عليها ، فإذا لم يكن حقن دماء المبغي عليها إلاّ بحقن دماءالباغية ؛ لأنّهما إذا اقتتلا وليس للمبغي عليها قوام بإزالة الباغية حقن دم المبغي عليها وإراقة دم الباغية مع العجز عن ذلك إراقة لدم المبغيّ عليها لاغير ، فهذا هذا.

فإن قال : فما الباغي عندك أمؤمن أو كافر ؟ أولا مؤمن ولا كافر ؟

قلنا : إنّ الباغي هو الباغي بإجماع أهل الصلاة ، وسمّاهم أهل الإرجاء مؤمنين مع تسميتهم إيّاهم بالباغين ، وسمّاهم أهل الوعيد كفّاراً مشركين وكفّاراًغير مشركين ، كالأباضية والزيديّة ، وفسّاقاً خالدين في النار كواصلوعمرو ، ومنافقين خالدين في الدرك الأسفل من النار كالحسن وأصحابه ، فكلّهم قد أزال الباغي عمّا كان فيه قبل البغي ، فأخرجه قوم إلى الكفروالشرك كجميع الخوارج غير الأباضية وإلى الكفر غير الشرك كالأباضيةوالزيديّة ، وإلى الفسق والنفاق ، وأقلّ ما حكم عليهم أهل الإرجاء إسقاطهم من السنن والعدالة والقبول.

فإن قال : فإنّ الله عزوجل سمّى الباغي مؤمناً ، فقال تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (١) ، فجعلهم مؤمنين.

قلنا : لابدّ من أنّ المأمور بالإصلاح بين الطائفتين المقتتلين كان قبل

__________________

(١) سورة الحجرات ٤٩ : ٩.

٣٨

اقتتالهما عالماً بالباغية منهما ، أو لم يكن عالماً بالباغية منهما ؟

فإن كان عالماً بالباغية منهما كان مأموراً بقتالها مع المبغي عليها حتّى تفيء إلى أمر الله ، وهو الرجوع إلى ما خرج منه بالبغي.

وإن كان المأمور بالإصلاح جاهلاً بالباغية والمبغي عليها ، فإنّه كان جاهلاً بالمؤمن غير الباغي من المؤمن الباغي ، وكان المؤمن غير الباغي عرف بعد التبيين. والفرق بينه وبين الباغي مجمعاً من أهل الصلاة على إيمانه لا اختلاف بينهم في اسمه ، والمؤمن الباغي بزعمك مختلف فيه ، فلايسمّى مؤمناًحتّى يجمع على أنّه مؤمن كما أُجمع على أنّه باغ ، فلايسمّى الباغي مؤمناً إلاّ باجماع أهل الصلاة على تسميته مؤمناً ، كما أجمعوا عليه وعلى تسميته باغياً.

فإن قال : فإنّ الله تعالى سمّى الباغي للمؤمنين أخاً ، ولا يكون أخ المؤمنين إلاّ مؤمناً؟

قيل : أحلت وباعدت ، فإنّ الله تعالى سمّى هوداً وهو نبيٌّ أخا عاد وهُم كفّار فقال : ( وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً ) (١) ، وقد يقال للشاميّ : يا أخا الشام ، ولليمانيّ : يا أخا اليمن ، ويقال للمسايف اللازم له المقاتل به : فلان أخ السيف ، فليس في يد المتأوّل أخ المؤمن لا يكون إلاّ مؤمناً مع شهادة القرآن بخلافه ، وشهادة اللغة بأنّه يكون المؤمن أخا الجماد الذي هو الشام واليمن ، والسيف والرمح ، وبالله أستعين على اُمورنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، وإيّاه نسأل التوفيق لما قرب منه وأزلف لديه بمنّه وكرمه (٢) .

__________________

(١) سورة هود ١١ : ٥٠.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٤ : ٣٣ / ١.

٣٩

- ١٦١ -

باب العلّة التي من أجلها لم يُدفن الحسن بن علي

ابن أبي طالب عليه‌السلام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

[ ٤٠٢ / ١ ] حدّثنا محمّد بن الحسن (١) رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام ابن سالم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «إنّ الحسين بن عليّ عليه‌السلام أراد أن يدفن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجمع جمعاً ، فقال رجل سمع الحسن بن عليّ عليه‌السلام يقول : قولوا للحسين : أن لايهرق فِيّ دماً ، لولا ذلك ما انتهى الحسين عليه‌السلام حتّى يدفنه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : «أوّل امرأة ركبت البغل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة جاءت إلى المسجد فمنعت أن يُدفن الحسن بن عليّ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢) .

- ١٦٢ -

باب العلّة التي من أجلها صار يوم عاشوراء

أعظم الأيّام مصيبة

[ ٤٠٣ / ١ ] حدّثنا محمّد بن عليّ بن يسار (٣) القزويني رضي‌الله‌عنه، (قال :

__________________

(١) في «ح» : الحسين.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤٤ : ١٥٠ / ٢٠.

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر أنّه تصحيف : بشار.

٤٠