علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٢

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-611-0
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٤٢٨

فإن قيل : فلِمَ لم يجعل بدل التهليل التسبيح والتحميد (١) واسم الله في آخر الحرف من هذين الحرفين ؟

قيل : لأنّ التهليل إقرار له بالتوحيد ، وخلع الأنداد من دون الله ، وهو أوّل الإيمان ، وأعظم من التسبيح والتحميد.

فإن قال : فلِمَ بدأ في الاستفتاح والركوع والسجود والقيام والقعود بالتكبير ؟

قيل : للعلّة التي ذكرناها في الأذان.

فإن قال : فلِمَ جعل الدعاء في الركعة الاُولى قبل القراءة ، ولِمَ جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة ؟

قيل : لأنّه أحبّ أن يفتح قيامه لربّه ، وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبةوالرهبة ، ويختمه بمثل ذلك ؛ ليكون في القيام عند القنوت بعض الطول ، فأحرى أن يدرك المدرك الركوع فلا تفوته الركعتين في الجماعة.

فإن قال : فلِمَ اُمروا بالقراءة (٢) في الصلاة ؟

قيل : لأن لايكون القرآن مهجوراً مضيّعاً ، بل يكون محفوظاً (٣) مدروساًفلا يضمحلّ ولا يجهل.

فإن قال : فلِمَ بدأ بالحمد في كلّ قراءة دون سائر السُّوَر ؟

__________________

(١) في «ج ، ل» : أو التحميد ، وفي بقيّة النسخ «والتحميد» لم ترد.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : من جانب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» ، ونحوه ، أو من قوله تعالى : ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) سورة المزّمّل ٧٣ : ٢٠ أو من بطن الكتاب كما كانوا عليهم‌السلام يعلمونه ويستنبطونه. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : بحفظ الإعجاز والأحكام والمواعظ والحكم. (م ق ر رحمه‌الله ).

١٠١

قيل : لأنّه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير (١) والحكمة ما جمع في سورة الحمد ، وذلك قوله عزوجل : ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) (٢) : إنّماهو أداء لما أوجب الله على خلقه من الشكر ، وشكراً لما وفّق عبده للخير.

( رَبِّ الْعالَمِينَ ) : تمجيد (٣) له وتحميد ، وإقراراً بأنّه هو الخالق المالك لا غير.

( الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) : استعطاف (٤) وذكر لربّه (٥) ونعمائه على جميع خلقه .

( مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) : إقرار (٦) له بالبعث والحساب والمجازاة ، وإيجاب له ملك الآخرة كما (٧) أوجب له ملك الدنيا.

( إِيِّاكَ نَعْبُدُ ) : رغبةً وتقرّباً إلى الله ، وإخلاصاً بالعمل له دون غيره.

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي الحكم والمنافع الدنيويّة والأُخرويّة . (م ق ر رحمه‌الله ) .

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي لمّا علم الله سبحانه عجز عبيده عن الإتيان بحمده ، حمدنفسه بدلاً عن خلقه ، أو أنّه تعالى علّمهم ليشكروه وإلاّ لم يكونوا يعرفون طريق حمده وشكره ، و«شكراً لما وفّق» ، تخصيص بعد التعميم. (م ت ق رحمه‌الله ).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : التمجيد ذكرما يدلّ على العظمة ، والتحميد ما يدلّ على الجميل ، ودلالته عليهما ظاهر ، وأمّا الإقرار بأنّه الخالق المالك لا غيره ؛ فلأنّ المرادمن العالَم ما يعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سوى الله ، وجمع ليدلّ على جميع أنواعه ، فإذا كان الله تعالى خالق الجميع ومدبّرهم ومربّيهم فيكون هو الواجب تعالى ، وغيره آثاره. (م ت ق رحمه‌الله ).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : لأنّ ذكره تعالى بالرحمانيّة والرحيميّة نوع طلب الرحمة بل أكمله . (م ق ر رحمه‌الله ).

(٥) ورد في حاشية «ج» : لآلاء رحمته.

(٦) في «ن ، ج ، ل» : إقراراً.

(٧) في النسخ : ممّا ، وفي هامش «ج ، س ، ش ، ع» عن نسخة كما في المتن.

١٠٢

( وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) : استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة لما أنعم عليه ونصره .

( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) : استرشاد لأدبه ، ومعتصماً (١) بحبله ، واستزادة في (المعرفة (٢) بربّه وبعظمته) (٣) وكبريائه.

( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) : توكيداً في السؤال والرغبة وذكراً لماقد تقدّم من نعمه على أوليائه ، ورغبة في مثل تلك النعم.

( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) : استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين المستخفّين به وبأمره ونهيه.

( وَلاَ الضَّآلِّينَ ) (٤) اعتصاماً من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله من غير معرفة ، وهُم يحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً ، فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في أمر الآخرة والدنيا ما لا يجمعه شيء من الأشياء.

فإن قال : فلِمَ جعل التسبيح والركوع والسجود ؟

قيل لعلل منها : أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبّده وتورّعه واستكانته وتذلّله وتواضعه وتقرّبه إلى ربّه مقدّساً له ، ممجّداً ، مسبّحاً ، معظّماً ، شاكراً لخالقه ورازقه ، وليستعمل التسبيح والتحميد كما استعمل التكبير والتهليل ، وليشغل قلبه وذهنه بذكر الله ولم يذهب به الفكر والأماني إلى غير الله.

__________________

(١) فى «ع ، ن ، ح ، ج» : ومعتصم.

(٢) في هامش «ل» عن نسخة : المغفرة.

(٣) بدل ما بين القوسين في «ن ، ح ، ش ، ع ، س» وهامش «ج» عن نسخة : المغفرة لربّه ولعظمته ، وفي «ل» : المعرفة ولعظمته.

(٤) سورة الحمد ١ : ١ ٧.

١٠٣

فإن قال : فلِمَ جعل أصل الصلاة (ركعتين ركعتين) (١) ، ولِمَ زِيد على بعضها ركعة وعلى بعضها ركعتين ، ولم يزد على بعضها شيء ؟

قيل : لأنّ أصل الصلاة إنّما هي ركعة واحدة ؛ لأنّ أصل العدد واحد ، فإذانقصت من واحد فليست هي صلاة ، فعلم الله عزوجل أنّ العباد لايؤدّون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقلّ منها بكمالها وتمامها والإقبال (٢) عليها ، فقرن إليها ركعة أُخرى ؛ ليتمّ بالثانية ما نقص من الاُولى ، ففرض الله أصل الصلاة ركعتين ، ثمّ علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ العباد لا يؤدّون هاتين الركعتين بتمام ما اُمروا به وبكمالها ، فضمّ إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ؛ ليكون فيها تمام الركعتين الاُوليين.

ثمّ علم أنّ صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلى الإفطار والأكل والوضوء والتهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة ؛ ليكون أخفّ عليهم ، ولأن تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فرداً ، ثمّ ترك الغداة على حالها ؛ لأنّ الاشتغال (٣) في وقتها أكثر ، والمبادرة إلى الحوائج فيهاأعمّ ، ولأنّ القلوب فيها أخلى من الفكر ؛ لقلّة معاملات الناس بالليل ، وقلّة الأخذ والإعطاء ، فالإنسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها (٤) من الصلوات ؛ لأنّ الفكرة أقلّ لعدم (من يقدّم) (٥) العمل من الليل.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في «ع ، ح» : ركعتين ، وفي «ن» : ركعتان ركعتان ، وكذلك في حاشية «ش» عن نسخة.

(٢) في النسخ : ولا إقبال ، وفي هامش «ح» عن نسخة كما في المتن.

(٣) في «ج ، ل» زيادة : بالصلاة.

(٤) في النسخ : غيره ، وفي هامش «ح ، ل ، ش» عن نسخة كما في المتن.

(٥) ما بين القوسين أثبتناه من «ل».

١٠٤

فإن قال : فلِمَ جعل في الاستفتاح (١) سبع تكبيرات ؟

قيل : لأنّ الفرض منها واحد وسائرها سُنّة ، وإنّما جعل ذلك لأنّ التكبير في الصلاة الاُولى التي هي الأصل كلّه سبع تكبيرات : تكبيرة الاستفتاح ، وتكبيرة الركوع ، وتكبيرتي السجود ، وتكبيرة أيضاً للركوع (٢) ، وتكبيرتين للسجود.

فإذا كبّر الإنسان في أوّل صلاته سبع تكبيرات فقد علم إجزاء التكبير كلّه ، فإن سها في شيء منها أو تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته ، (كما قال أبو جعفر وأبو عبدالله عليهما‌السلام : «مَنْ كبّر أوّل صلاته سبع تكبيرات أجزأه ، ويجزئ تكبيرة واحدة» ، ثمّ إن لم يكبّر في شيء من صلاته أجزأه عنه ذلك ، وإنّما عنى بذلك إذا تركها ساهياً أو ناسياً.

قال مصنّف هذا الكتاب : غلط الفضل أنّ تكبيرة الافتتاح فريضة ، وإنّماهى سُنّة واجبة (٣) ، رجعنا إلى كلام الفضل) (٤) .

فإن قال : فلِمَ جعل ركعة وسجدتين ؟

قيل : إنّ الركوع من فعل القيام ، والسجود من فعل القعود ، وصلاة القاعدعلى النصف من صلاة القائم ، فضوعف السجود ؛ ليستوي بالركوع ، فلايكون بينهما تفاوت ؛ لأنّ الصلاة إنّما هي ركوع وسجود.

فإن قال : فلِمَ جعل التشهّد بعد الركعتين ؟

__________________

(١) ورد في هامش «ج ، ل» : أي التكبيرات الاستفتاحيّة ؛ لأنّ الاُولى استفتاح للقراءة والثانية افتتاح للركوع والثالثة للسجود الأوّل والرابعة للسجود الثاني. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) في المطبوع : في الركوع.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : بل الظاهر كونها فريضة ؛ لقوله تعالى : ( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ )سورة المدّثّر ٧٤ : ٣ ولذا يبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) ما بين القوسين لم يرد في «ح».

١٠٥

قيل : لأنّه كما قدّم قبل الركوع والسجود من الأذان والدعاء والقراءة فكذلك أيضاً أخّر بعدها التشهّد والتحميد والدعاء.

فإن قال : فلِمَ جعل التسليم تحليل الصلاة ، ولم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخَر ؟

قيل : لأنّه لمّا كان في (١) الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق ، فإنّ (٢) تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها ، وإنّما بدأ بالمخلوقين في الكلام أوّلاً بالتسليم.

فإن قال : فلِمَ جعل القراءة في الركعتين الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين (٣) ؟

قيل : للفرق بين ما فرضه الله تعالى من عنده وما فرضه من عند رسوله.

فإن قال : فلِمَ جعلت الجماعة ؟

قيل : لأن لا يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلاّ ظاهراًمكشوفاً مشهوداً ؛ لأنّ في إظهاره حجّة على أهل الشرق والغرب لله عزوجل وحده ، ولأن يكون (٤) المنافق والمستخفّ مؤدّياً لما أقرّ به يظهر (٥) الإسلام والمراقبة ، ولأن تكون شهادات الناس بالإسلام من بعضهم لبعض جائزة ممكنة مع ما فيه من المساعدة على البرّ والتقوى ، والزجر عن كثير من معاصي الله عزوجل .

__________________

(١) كلمة «في» لم ترد في «س ، ش ، ع».

(٢) في المطبوع : كان ، بدل : فإنّ.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي جوّز ، وظاهره اللزوم. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) في المطبوع وفي حاشيتي «ج ، ل» : وليكون.

(٥) في المطبوع : بظاهر ، وما أثبتناه من النسخ .

١٠٦

فإن قال : فلِمَ جعل الجهر في بعض الصلوات ولا يجهر في بعض ؟

قيل : لأنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي صلوات تصلّى في أوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيها ، لأن يمرَّ المارّ فيعلم أنّ هاهنا جماعة ، فإن أراد أن يصلّي صلّى ؛ لأنّه إن لم ير جماعة (١) تصلّي (٢) سمع وعلم ذلك من جهة السماع ، والصلاتان اللّتان لا يجهر فيهما فإنّما هما صلاة تكون بالنهار في أوقات مضيئة ، فهي تُعلم من جهة الرؤية فلا يحتاج فيها إلى السماع.

فإن قال : فلِمَ جعلت الصلوات في هذه الأوقات ولم تقدّم ولم تؤخّر ؟

قيل : لأنّ الأوقات المشهورة المعلومة التي تعمّ أهل الأرض فيعرفها الجاهل والعالم أربعة : غروب الشمس مشهور معرفتها (٣) فوجب عندها (٤) المغرب ، وسقوط الشفق مشهور فوجب عنده عشاء الآخرة ، وطلوع الفجر مشهور فوجب عنده الغداة ، وزوال الشمس ، وإيفاء الفيء مشهور معلوم فوجب عنده الظهر ، ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه الأوقات الأربعة ، فجعل وقتها الفراغ من الصلاة التي قبلها إلى أن يصير الظلّ من كلّ شيء أربعة أضعافه.

وعلّة اُخرى : إنّ الله عزوجل أحبّ أن يُبدأ (٥) في كلّ عمل أوّلاً

__________________

(١) في النسخ : إن أتى جماعة. وما أثبتناه من بحار الأنوار.

(٢) في «ج ، ل ، س ، ع ، ش» : يصلّي فيها.

(٣) كذا في النسخ ، وفي بحار الأنوار : «معروف» بدل «مشهور معرفتها».

(٤) كذا في النسخ ، وفي بحار الأنوار : «عنده» .

(٥) في المطبوع زيادة : الناس.

١٠٧

بطاعة وعبادة ، فأمرهم أوّل النهار أن يبدأوا بعبادته ثمّ ينتشروا فيما أحبّوا من مؤونة دنياهم ، فأوجب صلاة الفجر عليهم ، فإذا كان نصف النهار وتركوا ما كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم ويستريحون ويشتغلون بطعامهم وقيلولتهم فأمرهم أن يبدأوا بذكره وعبادته ، فأوجب عليهم الظهر ثمّ يتفرّغوا لما أحبّوا من ذلك فإذا قضوا وطرهم (١) وأرادوا الانتشار في العمل لآخر النهار بدأوا أيضاً بعبادته ثمّ صاروا إلى ما أحبّوا من ذلك فأوجب عليهم العصر ، ثمّ ينتشرون فيما شاؤا من مؤونة دنياهم ، فإذا جاءالليل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم بدأوا أوّلاً بعبادة ربّهم ثمّ يتفرّغون لما أحبّوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب ، فإذا جاء وقت النوم وفرغوا ممّا كانوا به مشتغلين أحبّ أن يبدأوا أوّلاً بعبادته وطاعته ثمّ يصيرون إلى ما شاءوا أن يصيروا إليه من ذلك ، فيكونوا قد بدأوا في كلّ عمل بطاعته وعبادته ، فأوجب عليهم العتمة ، فإذا فعلوا ذلك لم ينسوهولم يغفلوا عنه ولم تقس قلوبهم ولم تقلّ رغبتهم.

فإن قال : فلِمَ إذا لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الأوقات أوجبهابين الظهر والمغرب ، ولم يوجبها بين العتمة والغداة ، أو بين الغداة والظهر ؟

قيل : لأنّه ليس وقت على الناس أخفّ ولا أيسر ولا أحرى أثراً فيه للضعيف (٢) والقويّ بهذه الصلاة من هذا الوقت ؛ وذلك أنّ الناس عامّتهم

__________________

(١) في حاشية «ل» عن نسخة : ظهرهم.

(٢) كذا في النسخ ، وفي العيون وبحار الأنوار العبارة هكذا : ولا أحرى أن يعمّ فيه الضعيف.

١٠٨

يشتغلون في أوّل النهار بالتجارات والمعاملات ، والذهاب في الحوائج ، وإقامة الأسواق ، فأراد أن لا يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم ، وليس يقدر الخلق كلّهم على قيام الليل ولا يشتغلون (١) به ولا ينتبهون لوقته لو كان واجباً ، ولا يمكنهم ذلك ، فخفّف الله عنهم ، ولم يجعلها في أشدّ الأوقات عليهم ، ولكن جعلها في أخفّ الأوقات عليهم ، كما قال الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) .

فإن قال : فلِمَ يرفع اليدين في التكبير ؟

قيل : لأنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتّل والتضرّع ، فأوجب الله عزوجل أن يكون في وقت ذكره متبتّلاً (٣) متضرّعاً مبتهلاً (٤) ، ولأنّ في وقت رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب على ما قال وقصد ، لأنّ الفرض من الذكر إنّما هو الاستفتاح ، وكلّ سُنّة فإنّها تؤدّى على جهة الفرض ، فلمّا أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحبّ أن يؤدّوا السُّنّة على جهة ما يؤدّى الفرض.

__________________

(١) في حاشية «ج» : ولا يشعرون.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٨٥.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد أنّه في وقت ذكر الله تعالى يناسب التضرّع والابتهال خصوصاً في وقت هذا الذكر المخصوص ؛ لأنّه وقت إحضار النيّة وإقبال القلب ، فيكون التضرّع والابتهال أنسب. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : التبتّل : الانقطاع عن الخلق والاتّصال بجنابه تعالى والإقبال على عبادته ، والتضرّع والابتهال المبالغة في الدعاء والمسكنة ، ويطلق الابتهال على مدّاليدين عند الدعاء إلى السماء ، والتبتّل على تحريك السبّابة اليسرى برفعها إلى السماءو وضعها ، والتضرّع على تحريك السبّابة اليمنى يميناً وشمالاً ، كما ورد في الصحيح عن محمّد بن مسلم. (م ق ر رحمه‌الله ).

ورد الحديث في الكافي ٢ : ٤٨٠ / ٤.

١٠٩

فإن قال : فلِمَ جعل صلاة السُّنّة أربعة وثلاثين ركعة ؟

قيل : لأنّ الفريضة سبع عشرة ركعة فجعلت السُّنّة مثلَي الفريضة كمالاً للفريضة (١) .

فإن قال : فلِمَ جعل صلاة السُّنّة في أوقات مختلفة ، ولم تجعل في وقت واحد ؟

قيل : لأنّ أفضل الأوقات ثلاثة : عند زوال الشمس ، وبعد الغروب ، وبالأسحار ، فأوجب (٢) أن يصلّى له في هذه الأوقات الثلاثة ؛ لأنّه إذا فرّقت السُّنّة في أوقات شتّى كان أداؤها أيسر وأخفّ من أن تجتمع كلّها في وقت واحد.

فإن قال : فلِمَ صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين ، وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين.

قيل : لعلل شتّى منها : أنّ الناس يتخطّون (٣) إلى الجمعة من بُعد ، فأحبّ الله عزوجل أن يخفّف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه.

ومنها : أنّ الإمام يحبسهم للخطبة وهُم منتظرون للصلاة ، ومَن انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام.

ومنها : أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ وأكمل ، لعلمه وفقهه وفضله وعدله.

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : لأنّ الغالب من أحوال الناس أنّه يمكنهم مع التشبّث بعلائقهم حضور القلب في أكثر من ثلث الصلاة ، فلمّا صارت النافلة مثلَي الفريضة يمكن تحصيل المجموع ، وهو عدد الفريضة ، كذا أفاده الوالد العلاّمة. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) في حاشية «ج ، ل ، س» عن نسخة : فأحبّ.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : وتخطّيته : إذا تجاوزته ، يقال : تخطّيت رقاب الناس ، وتخطّيت إلى كذا ، ولا تقل : تخطّأت بالهمز. الصحاح ٦ : ٢٧١ / خطا.

١١٠

ومنها : أنّ الجمعة عيد ، وصلاة العيد ركعتان ولم تقصر (١) لمكان الخطبتين.

فإن قال : فلِمَ جعلت الخطبة ؟

قيل : لأنّ الجمعة مشهد عامّ فأراد أن يكون للأمير سبب (٢) إلى موعظتهم ، وترغيبهم في الطاعة ، وترهيبهم من المعصية ، وفعلهم وتوقيفهم على ما أرادوا من مصلحة دينهم ودنياهم ، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (٣) من الأحوال (٤) التي لهم فيها المضرّة (٥) والمنفعة (٦) ، ولايكون

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : يمكن أن يكون بيان حكم جديد ، أي : ليس صلاة الجمعة مقصورة ؛ لأنّ الركعتين بمنزلة الخطبتين ، أو يكون الغرض بيان علّة قصر العيدين فتكون «لم» بكسر اللام استفهاميّة ، أو المراد أنّه لم تُوقع في السفر قصراً ؛ لأنّه لا تكون الجمعة بدون الخطبة ، والخطبة بمنزلة الركعتين ، فلذا لا توقع في السفر ، والله يعلم.(م ق ر رحمه‌الله ) .

(٢) في بحار الأنوار : الإمام سبباً ، وفيه نسخة بدل كما في المتن.

(٣) في «ج ، ل ، ش» : الآفات.

(٤) في «ج ، ل ، ش» : الأهوال.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : كأنّها معطوفة على الأهوال ، أو يكون بدل الأهوال : الأحوال ، فتأمّل. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٦) ورد في حاشية «ج ، ل» : من قوله : «ولا يكون إلى الجمعة» ليس في العيون ، وعلى تقديره يمكن أن يكون المراد بيان كون حالة الخطبة حالة متوسّطة بين الصلاة وغيرها ، فيكون تقدير الكلام : لا يكون الصائر في الصلاة ، أي : الكائن فيها منفصلاً عنهافي غير يوم الجمعة وفي يوم الجمعة في حال الخطبة كذلك ، وليس فاعل غير الصلاة يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة ويوم الجمعة كذلك ؛ لأنّ الإمام في الخطبة يؤمّ الناسوليست الخطبة بصلاة ، فعلى هذا الظاهر غيرها إلاّ بتأويل مثل الفعل ، كذا أفاده الاستاد رحمه‌الله . (م ق ر رحمه‌الله ).

وكذلك ورد في حاشية «ج ، ل» : ويمكن أن يكون المراد بيان علّة اُخرى للخطبة بأن يكون «وليس بفاعل غيره» تأكيداً لقوله : منفصلاً ، وقوله : «ممّن يؤمّ»

١١١

الصائر في الصلاة منفصلاً ، وليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة .

فإن قال : فلِمَ جعلت خطبتين ؟

قيل : لأن تكون واحدة للثناء والتمجيد (١) والتقديس لله عزوجل ، والاُخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء ، ولمّا يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد.

فإن قيل : فلِمَ جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أوّل الصلاة ، وجعلت في العيدين بعد الصلاة ؟

قيل : لأنّ الجمعة أمر دائم (وتكون في الشهر مراراً وفي السنة كثيراً) (٢) وإذا كثر ذلك على الناس ملّوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرّقوا عنه ، فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرّقوا ولا يذهبوا ، وأمّا العيدين فإنّما هو في السنة مرّتين ، وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه أكثر ، والناس فيه أرغب فإن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم وليس هو بكثير (٣) فيملّوا ويستخفّوا به.

قال مصنّف هذا الكتاب : جاء هذا الخبر هكذا : «والخطبتان في

__________________

متعلّقاً ب «منفصلاً» ، أي : لا يكون المصلّي في يوم الجمعة منفصلاً عن المصلّي في غيره بأن تكون صلاته ركعتين ، بل يكونان سواء ، لكون الخطبتين بمنزلة الركعتين أو يكون «ممّن يؤمّ» خبر كان و«منفصلاً» و«ليس فاعل» حالين ، أي : لامتياز إمام الجمعة باعتباراشتراط علمه بالخطبة عن إمام غير الجمعة ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله ). سنة ١٠٨٥.

(١) في «ج ، ل» : للتمجيد ، وفي «ع» : والتحميد.

(٢) بدل ما بين القوسين في «ج ، ل ، ع» هكذا : ويكون في الشهور والسنة كثيراً.

(٣) في «س ، ع ، ح ، ن ، ش» : كثير ، وفي «ج ، ل» : كثيراً.

١١٢

الجمعة والعيدين من بعد الصلاة ؛ لأنّهما بمنزلة الركعتين الاُخراوين» ، وإنّ أوّل مَنْ قدّم الخطبتين عثمان ؛ لأنّه لمّا أحدث ما أحدث لم يكن الناس ليقفوا على خطبته ، ويقولون : ما نصنع بمواعظه ، وقد أحدث ما أحدث ، فقدّم الخطبتين لتقف الناس انتظاراً للصلاة.

فإن قال : فلِمَ وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك ؟

قيل : لأنّ ما يقصر فيه الصلاة بريد ان ذاهباً ، أو بريد ذاهباً وجائياً ، والبريدأربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على مَنْ هو على نصف البريد الذي يجب فيه التقصير ؛ وذلك أنّه يجيء فرسخين ويذهب فرسخين ، فذلك أربعة فراسخ ، وهو نصف طريق المسافر.

فإن قال : فلِمَ زِيد في صلاة السُّنَة يوم الجمعة أربع ركعات ؟

قيل : تعظيماً لذلك اليوم ، وتفرقةً بينه وبين سائر الأيّام.

فإن قيل : فلِمَ قصرت الصلاة في السفر ؟

قيل : لأنّ الصلاة المفروضة أوّلاً إنّما هي عشر ركعات ، والسبع إنّما زِيدت فيها بعدُ ، فخفّف الله عزوجل تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبهواشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته ؛ لئلاّ يشتغل عمّا لابدّ له من معيشته رحمةً من الله وتعطّفاً عليه ، إلاّ صلاة المغرب ؛ فإنّها لم تقصر لأنّها صلاة مقصورة في الأصل.

فإن قال : فلِمَ وجب التقصير في ثمان فراسخ لا أقلّ من ذلك ولاأكثر ؟

قيل : لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسيرة يوم.

١١٣

فإن قال : فلِمَ وجب التقصير في مسيرة يوم ؟

قيل : لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة ؛ وذلك أنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولا فرق بينهما.

فإن قال : قد يختلف المسير ، وذلك أنّ سير البقر إنّما هو أربعة فراسخ وسير الفرس عشرين فرسخاً ، فلِمَ جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ ؟

قيل : لأنّ ثمانية فراسخ هو سير الجمّال (١) والقوافل ، وهو الغالب على المسير ، وهو أعظم السير الذي يسيره الجمّالون والمكّارون.

فإن قال : فلِمَ ترك في السفر تطوّع النهار ولم يترك تطوّع الليل ؟

قيل : كلّ صلاة لا تقصر فيها فلا تقصر في تطوّعها ؛ وذلك أنّ المغرب لايقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوّع ، وكذلك الغداة لايقصر (٢) فيماقبلها من التطوّع.

فإن قال : فما بال العتمة مقصورة وليس تُترك ركعتاها (٣) ؟

قيل : إنّ تلك الركعتين ليس هي من الخمسين ، وإنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع.

فإن قيل : فلِمَ وجب على المسافر والمريض أن يصلّيا صلاة الليل في أوّل الليل ؟

__________________

(١) في «ج ، ل ، ح ، س» : للجمال.

(٢) في المطبوع زيادة : فيها ولا.

(٣) في «ع ، س ، ح» : ركعتيها.

١١٤

قيل : لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته ، فيشرع المريض في وقت راحته ، ويشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره.

فإن قيل (١) : فلِمَ اُمروا بالصلاة على الميّت ؟

قيل : ليشفعوا له ، ويدعوا له بالمغفرة ؛ لأنّه لم يكن في وقت من الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والدعاء والاستغفار من تلك الساعة.

فإن قال : فلِمَ جعلت خمس تكبيرات دون أن تصير أربعاً أو ستّاً ؟

قيل : إنّما الخمس اُخذت من الخمس الصلوات في اليوم والليلة ، وذلك أنّه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلاّ تكبيرة الافتتاح ، فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة ، فجعلت صلاة على الميّت.

فإن قال : فلِمَ لم يكن فيها ركوع ولا سجود ؟

قيل : لأنّه لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلّل والخضوع ، إنّما اُريد بها الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلّى عمّا خلّف ، واحتاج إلى ما قدّم.

فإن قيل : فلِمَ أمر بغسل الميّت ؟

قيل : لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى ، فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة الملائكة الذين يلونه ويماسّونه فيما بينهم نظيفاً موجّهاً به إلى الله عزوجل .

وقد روي عن بعض الأئمّة عليهم‌السلام أنّه قال : «ليس من ميّت يموت إلاّ خرجت منه الجنابة» ، فلذلك وجب الغسل.

فإن قيل : فلِمَ أمر أن يُكفَّن الميّت ؟

__________________

(١) في «ج ، ل ، ش ، ع» : فإن قال.

١١٥

قيل : لأن يلقى ربّه طاهر الجسد (١) ، ولئلاّ تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه ، ولئلاّ يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره ، ولئلاّ يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد ، ولأن يكون أطيب لأنفس الأحياء ، ولئلاّ يبغضه حميم فيلغى ذكره ومودّته ، ولا يحفظه فيما خلّف وأوصاه وأمره به وأحبّ .

فإن قيل : فلِمَ أمر (٢) بدفنه ؟

قيل : لئلاّ يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغيّر ريحه ، ولا يتأذّى به الأحياء بريحه (٣) وبما يدخل عليه من الآفة والدنس والفساد وليكون مستوراً عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوّ ولا يحزن صديق.

فإن قيل : فلِمَ أُمر مَنْ يغسّله بالغسل ؟

قيل : لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته ، ولئلاّ يلهج الناس به وبمماسّته ؛ إذ قد غلبت علّة النجاسة والآفة.

فإن قيل : فلِمَ لا يجب الغسل على مَنْ مسّ شيئاً من الأموات من غير الإنسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك ؟

قيل : لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبسة ريشاً وصوفاً وشعراً ووبراً ، وهذا كلّه ذكيٌّ ولا يموت ، وإنّما يماسّ (٤) منه الشيء الذي هو ذكيٌّ من الحيّ

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : ولا يصير جسده من تراب القبر وغيره كثيفاً. (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) في حاشية «ج» عن نسخة : أُمروا.

(٣) في «ش ، ج ، ل» : وبريحه.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : لعلّ المراد أنّه لمّا كان غالب المماسّة هكذا فلذا رفع الغسل مطلقاً ، وإلاّ فيلزم وجوب الغسل إذا مسّ ما تحلّه الحياة منها. (م ق ر رحمه‌الله ).

١١٦

والميّت الذي قد ألبسه وعلاه.

فإن قيل : فلِمَ جوّزتم الصلاة على الميّت بغير وضوء ؟

قيل : لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود ، وإنّما هي دعاء ومسألة ، وقد يجوزأن تدعو الله عزوجل وتسأله على أيّ حال كنت ، وإنّما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود.

فإن قيل : فلِمَ جوّزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر ؟

قيل : لأنّ (١) هذه الصلاة إنّما تجب في وقت الحضور والعلّة ، وليست هي مؤقّتة كسائر الصلوات ، وإنّما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ، ليس للإنسان فيه اختيار ، وإنّما هو حقّ يؤدّى ، وجائز أن تؤدّى الحقوق في أيّ وقت كان إذا لم يكن الحقّ مؤقّتاً.

فإن قال : فلِمَ جعلت للكسوف صلاة ؟

قيل : لأنّه آية من آيات الله لا يُدرى لرحمة ظهرت أم لعذاب ؟ فأحبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفزع اُمّته لخالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرّها ، ويقيهم مكروهها ، كما صرف عن قوم يونس حين تضرّعوا إلى الله عزوجل .

فإن قيل : فلِمَ جعلت عشر ركعات ؟

قيل : إنّ الصلاة التي نزل فرضها من السماء أوّلاً في اليوم والليلة فإنّما هي عشر ركعات ، فجمعت تلك الركعات هاهنا ، وإنّما جعل فيها السجود ؛ لأنّه لا يكون صلاة فيها ركوع إلاّ وفيها سجود ، ولأن يختموا صلاتهم أيضاً بالسجود والخضوع والخشوع ، وإنّما جعلت أربع سجدات ؛

__________________

(١) في «ج ، ل» : إنّ.

١١٧

لأنّ كلّ صلاة نقص سجودها من أربع سجدات لا تكون صلاة ، لأنّ أقلّ الفرض من السجود في الصلاة لا يكون إلاّ على أربع سجدات.

فإن قال : فلِمَ لم يجعل بدل الركوع سجوداً ؟

قيل : لأنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً ، ولأنّ القائم يرى الكسوف (١) والانجلاء والساجد لا يرى.

فإن قال : فلِمَ غيّرت عن أصل الصلاة التي قد افترضها الله عزوجل ؟

قيل : لأنّها صلاة لعلّة تغيّر أمر من الاُمور وهو الكسوف ، فلمّا تغيّرت العلّة تغيّر المعلول.

فإن قال : فلِمَ جعل يوم الفطر العيد ؟

قيل : لأن يكون للمسلمين مجمعاً يجتمعون فيه ، ويبرزون لله تعالى فيحمدونه على ما منَّ عليهم فيكون يوم عيد ويوم اجتماع ، ويوم فطر ويوم زكاة ويوم رغبة ويوم تضرّع ؛ ولأنّه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل (والشرب) (٢) ؛ لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان فأحبّ الله تعالى أن يكون لهم في ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدّسونه.

فإن قال : فلِمَ جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلاة ؟

قيل : لأنّ التكبير إنّما هو تعظيم لله وتحميد على ما هدى وعافى ، كما قال الله عزوجل : ( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٣) .

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي آثاره من ضوء الشمس والقمر.

(٢) ما بين القوسين لم يرد فيما عدا «ج ، ل» من النُّسَخ.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٨٥.

١١٨

فإن قال : فلِمَ جعل اثنتا عشرة تكبيرة فيها ؟

قيل (١) : لأنّه يكون في الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة ؛ فلذلك جعل فيها اثنتا عشرة تكبيرة.

فإن قال : فلِمَ جعل في الاُولى سبع ، وخمس في الثانية ولم يسوّ بينهما ؟

قيل : لأنّ السُّنّة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات ؛ فلذلك بدأهاهنا بسبع تكبيرات ، وجعل في الثانية خمس تكبيرات ؛ لأنّ التحريم من التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات ، وليكون التكبير في الركعتين جميعاً وتراً وتراً.

فإن قال : فلِمَ اُمروا بالصوم ؟

قيل : لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش ويستدلّوا على فقر الآخرة ، وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً على ما أصابه من الجوع والعطش فيستوجب الثواب ، مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات ، وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل ورايضاً (٢) لهم على أداءما كلّفهم ودليلاً لهم في الآجل ، وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا ، فيؤدّوا إليهم ما فرض الله لهم في أموالهم.

فإن قيل : فلِمَ جعل الصوم في شهر رمضان خاصّة دون سائر الشهور ؟

قيل : لأنّ شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن ، وفيه فرّق

__________________

(١) في هامش «ج ، ل» عن نسخة زيادة : له.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : راض المُهْر رياضاً ورياضةً : ذلّله فهو رايض. المُهْر : ولدُ الفرس.القاموس المحيط ٢ : ٥٠٩ / روض ، و٢٢٨ / مهر.

١١٩

الله بين أهل الحقّ (١) والباطل ، كما قال الله تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ) (٢) ، وفيه نبّأ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، وفيها يفرّق كلّ أمرحكيم ، وهو رأس السنة ، ويقدّر فيها ما يكون في السنة من خير أو شرّ ، أو مضرّة أو منفعة ، أو رزق أو أجل ، ولذلك سُمّيت ليلة القدر.

فإن قيل : فلِمَ اُمروا بصوم شهر رمضان لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ؟

قيل : لأنّه قوّة العباد الذي يعمّ فيه القويّ والضعيف ، وإنّما أوجب الله الفرائض على أغلب الأشياء وأعمّ القوم (٣) ثمّ رخّص لأهل الضعف ، وإنّما أوجب الله ورغّب أهل القوّة في الفضل ، ولو كانوا يصلحون على أقلّ من ذلك لنقصهم ، ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم.

فإن قال : فلِمَ إذا حاضت المرأة لا تصوم ولا تصلّي ؟

قيل : لأنّها في حدّ نجاسة ، فأحبّ أن لا تتعبّد إلاّ طاهرة ؛ ولأنّه لاصوم لمن لا صلاة له.

فإن قال : فلِمَ صارت تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة (٤) ؟

قيل : لعلل شتّى فمنها : أنّ الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها وإصلاح بيتها والقيام باُمورها والاشتغال بمرمّة معيشتها ، والصلاة تمنعها من ذلك كلّه ؛ لأنّ الصلاة تكون في اليوم والليلة مراراً فلا تقوى على ذلك والصوم ليس كذلك.

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : بنزول القرآن ، ويمكن أن يكون الضمير في «فيه» راجعاً إلى القرآن . (م ق ر رحمه‌الله ).

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٨٥.

(٣) في المطبوع : القوى ، وما أثبتناه من النسخ.

(٤) في «ج ، ل ، ش ، ع» : تقضي الصيام لا الصلاة.

١٢٠