عمدة الأصول - ج ٤

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

كونه استغراقيّا ، بدليل : أنّه لا يحتاج إلى تصوّر أمر زائد وراء مرآتيّة المدخول فإنّ مقتضى تكثّر الأفراد ـ التي يكون المدخول مرآة لها ومقتضى إفادة الأداة للعموم والاستيعاب هو الاستغراق ؛ وإلّا لزم الخلف : إمّا في مرآتيّة المدخول ، أو في إفادة الأداة للعموم والاستيعاب ، وكلاهما ممنوعان ، وهذا بخلاف العموم المجموعي أو البدلي ؛ لاعتبار أمر زائد فيهما من وحدة المتكثّرات أو البدليّة والتردّد.

هذا كلّه على تقدير الشكّ ، كما إذا قلنا بأنّ الأداة مشتركة بين الاستغراقي والمجموعي كما قد يدّعى في مثل الجمع المحلّى باللام ، أو مشتركة بين الاستغراقي والبدلي كما قد يدّعى في مثل كلمة «أيّ» ، أو مشتركة بين الثلاثة كما ذهب إليه بعض.

وأمّا إذا لم نقل بالاشتراك ـ كما هو الظاهر ـ فلا مورد للشكّ ؛ فإنّ العامّ إذا كان مدخولا لأداة الاستغراقي يكون استغراقيّا ، وإذا كان مدخولا لأداة المجموعي يكون مجموعيّا ، وإذا كان مدخولا لأداة البدلي يكون بدليّا.

ثمّ لا يخفى عليك ضعف القول بظهور الكلام في المجموعي دون الاستغراقي ؛ بدعوى أنّ لفظ «كلّ رجل» في قولنا : «أكرم كلّ رجل» لا يصدق إلّا على مجموع الأفراد دون كلّ فرد فرد.

وذلك لأنّ مفاد «كلّ رجل» ليس مجموع الأفراد حتّى لا يصدق إلّا على المجموع ، بل مفاده كلّ فرد فرد من طبيعة الرجل ، وهو غير مجموع الأفراد ، ومن الواضح أنّ هذا المعنى يصدق على كلّ واحد واحد من أفراد طبيعة المدخول كالرجل ، واللازم هو صدق المدخول لا أداة العموم ؛ لأنّ الأداة تعمّم صدق المدخول وفعليّته.

ولا موجب لصدق نفس الأداة على كلّ واحد حتّى ينكر ذلك ويقال : ليس الفرد كلّ فرد ، والسرّ في ذلك : أنّ العامّ ليس هو لفظ «كلّ» بل ، العامّ هو مدخول لفظ «كلّ» ، وهو ـ في نفسه ـ قابل للانطباق على كلّ فرد بعد كونه مرآة للأفراد ، وإنّما أداة العموم توجب فعليّة هذا الانطباق وشموله لجميع أفراده ، وعليه «فكلّ رجل» معناه

٤١

كلّ فرد من أفراد طبيعة الرجل ، وفرد الرجل يصدق على كلّ واحد واحد من أفراد طبيعة الرجل ، ولا حاجة إلى صدق أداة العموم على كلّ واحد واحد من أفراد مدخولها حتّى يقال : إنّها غير صادقة عليه ، فلا تغفل.

الأمر السابع : في كيفيّة دلالة نفي الطبيعة واسم الجنس والنكرة على العموم :

والأظهر أنّ إسناد النفي أو النهي إلى الطبيعة واسم الجنس ـ سواء قلنا بحكايتهما عن الأفراد أو لم نقل ـ لا يعقل إلّا بانتفاء جميع الأفراد ، وإلّا لكان إسناد النفي أو النهي إلى الطبيعة أو اسم الجنس من دون لحاظ قيد وقرينة صارفة غير صحيح ، ومع هذه الدلالة العقليّة لا حاجة في التعميم إلى الأخذ بمقدّمات الحكمة كما ذهب إليه في الكفاية ؛ إذ موضوع المقدّمات هو الشكّ ، ومع الدلالة العقليّة على التعميم لا شكّ.

وهكذا الأمر إن قلنا بالدلالة اللفظيّة على التعميم ، كما ذهب إليها سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره ؛ بدعوى : أنّ الطبيعة اسم الجنس في متعلّق النفي والنهي منصرفة إلى الطبيعة السارية ؛ لكثرة استعمالها فيها ، دون متعلّق الأوامر ، ومع هذا الانصراف لا حاجة أيضا إلى المقدّمات لإثبات السريان والتعميم.

والموضوع في الأمر والنهي وإن كان واحدا ، إلّا أنّ مقتضى نفي الطبيعة أو اسم الجنس أو النهي عنهما مغاير مقتضى طلبهما والبعث نحوهما ؛ لأنّ المطلوب في ناحية الأمر هو وجود الطبيعة أو اسم الجنس ، وهو ناقض للعدم الكلّي وطارد للعدم الأزلي ، وهو ينطبق على أوّل فرد ووجود من الطبيعة أو اسم الجنس ، والمطلوب في ناحية النهي هو نقيض ذلك ؛ وهو طلب عدم وجود ناقض العدم ، ومعناه مساوق لطلب إبقاء العدم الكلّي على حاله ؛ وبذلك يتحقّق الفرق بين الأمر والنهي في مقام

٤٢

الامتثال ؛ لأنّ لازم صرف الوجود أو مطلق الوجود هو تحقّق الطبيعة أو اسم الجنس بفرد ما ، ولازم نقيضه هو انتفاء الطبيعة أو اسم الجنس بانتفاء جميع أفرادهما.

بل يمكن أن يقال : إنّ دلالة نفي الطبيعة واسم الجنس على الاستغراق والتعميم مقدّمة رتبة على مقدّمات الحكمة ؛ لتأخّر الحكم عن الموضوع ، وتأخّر جريان المقدّمات عن الحكم المترتّب على الموضوع ، فالمقدّمات متأخّرة عن الموضوع ، فلا يعقل توقّف دلالة نفي الطبيعة واسم الجنس على جريان المقدّمات في الرتبة المتقدّمة عليه برتبتين.

ثمّ إنّ النكرة إذا وقعت في سياق النفي أو النهي خرجت عن كونها نكرة ، واستعملت بمنزلة الطبيعة ، فيترتّب عليها ما يترتّب على الطبيعة ، فلا مجال للأخذ بمقدّمات الحكمة فيها أيضا كما لا يخفى.

الأمر الثامن : في أنّ اللام في الجمع هل تفيد العموم أو لا؟

يمكن أن يقال : إنّ الأصل في اللام أن تكون للتعريف والعهديّة ، سواء كانت ذكريّة أو خارجيّة مستفادة من القرائن.

فإذا كانت اللام موضوعة للتعريف ودخلت على الجمع أفادت تعريفه ، وتعريف الجمع يدلّ بالدلالة العقليّة على الاستغراق ؛ إذ لا تعيّن إلّا لتلك المرتبة ـ يعني جميع الأفراد ـ دون سائر المراتب.

لا يقال : إنّ تلك المرتبة وإن كانت متعيّنة في الواقع ، ولكنّ التعيّن أيضا ثابت لأقلّ مرتبة الجمع ، ولا دليل على تقدّم أحد المتعيّنين.

لأنا نقول : إنّ الثلاثة ـ التي هي أقلّ مرتبة الجمع ـ تصدق في الخارج على الأفراد الكثيرة ، ولها مصاديق متعدّدة فيه ، كهذه الثلاثة وتلك الثلاثة وغيرهما ، إذن فالمرتبة الأخيرة متعيّنة دون غيرها.

٤٣

فالنتيجة : أنّ الجمع المعرّف باللام يدلّ على إرادة جميع أفراد مدخوله على نحو العموم الاستغراقي.

وذهب بعض إلى أنّ الجمع في نفسه يدلّ على العموم ، واللام لا تفيد إلّا المنع من دخول علامة التنوين التي تدلّ على وحدة المدخول.

ويمكن أن يقال : إنّا لا نسلم دلالة الجمع على الاستغراق ، بل غايته هو صلاحيّة لفظ الجمع للدلالة على العموم كما يصلح للدلالة على أقلّ الجمع ، والشاهد عليه أنّ استعمال الجمع في أقلّ الجمع لا يحتاج إلى عناية.

ومع قابليّة لفظ الجمع للدلالة على العموم وأقلّ الجمع فلو لم تفد اللام التعريف لم يكن وجه لاستفادة الاستغراق منه.

فالأولى هو أن يقال : إنّ سبب إفادة اللام في الجمع للاستغراق هي إفادة اللام للتعريف ؛ إذ التعريف هو التعيّن ، وهو لا يتحقّق إلّا في الاستغراق لا غير.

الأمر التاسع :

أنّ ألفاظ أدوات العموم مثل لفظة «كلّ» و «جميع» موضوعة في اللغة للاستغراق ، وإضافتها إلى طبيعة مدخولها ـ التي تكون قابلة للصدق على الكثيرين ـ تدلّ على استغراق أفراد المدخول من دون حاجة إلى ملاحظة مقدّمات الحكمة ؛ لأنّ هذه الدلالة وضعيّة لفظيّة ، والدلالة الوضعيّة لا تحتاج إلى مقدّمات الحكمة.

هذا مضافا إلى أنّ الحكم متأخّر عن الموضوع العامّ برتبة ، وجريان المقدّمات متأخّر عنه برتبتين ، فلا يعقل توقّف دلالة الأداة على العموم على جريان المقدّمات.

٤٤

الفصل الثاني : في حجّيّة العامّ المخصّص في

الباقي بعد تخصيصه بالمخصّص المبيّن

ولا يخفى عليك أنّه إذا خصّص العامّ بأمر معلوم مفهوما ومصداقا فلا ريب في عدم حجّيّة العامّ في مصداق الخاصّ لفرض التخصيص وأمّا غير مصداق الخاصّ من أفراد العامّ ممّا يشمله العامّ ولا تخصيص بالنسبة إليه فلا ينبغي الاشكال في حجّيّة العامّ فيه كما عليه بناء العقلاء من دون فرق بين كون التخصيص بالمتّصل أو بالمنفصل.

والدليل عليه كما أفاد وأجاد شيخنا الأعظم قدس‌سره هو ظهور العامّ في تمام الباقي بعد التخصيص على وجه لا يشوبه شائبة الانكار في العرف ويشهد له انقطاع عذر العبد المأمور باكرام العلماء إلّا زيدا عند عدم الامتثال.

ولا نعنى بالحجّيّة في المقام إلّا ذلك ويظهر بالرجوع إلى الوجدان الخالي عن الاعتساف ويزيد ظهورا بملاحظة الاحتجاجات الواردة في كلمات الأئمّة وأرباب العصمة صلوات الله عليهم وأصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أرباب اللسان والعلماء في موارد جمّة على وجه لا يمكن انكاره بل ولولاه لانسدّ باب الاجتهاد فإنّ رحى الاجتهاد تدور على العمل بالعمومات مع أنّ من السائر في الأفواه ما من عامّ إلّا وقد خصّ (١).

فمع ظهور العامّ في معناه فلا إجمال وإنّما التخصيص يوجب التضييق في ناحية الإرادة الجدّيّة والظهور حجّة ببناء العقلاء ويشهد له انقطاع عذر العبد وصحّة

__________________

(١) مطارح الأنظار : / ١٩٠.

٤٥

الاحتجاج عليه.

هذا مضافا إلى إمكان منع التخصيص حقيقة في المتّصل لأنّ تضييق المدخول لا ينافي استعمال أداة العموم في العموم لأنّها موضوعة لإفادة عموم المدخول.

إذ لا فرق بين قوله كلّ رجل وكلّ رجل عالم في كون كلمة كلّ مستعملة في العموم والاختلاف لا يكون بينهما إلّا في المدخول والتضييق في المدخول يكون بتعدّد الدالّ والمدلول فكلمة كلّ مستعملة في العموم والمدخول مع قيوده أو بلا قيود بعد دخول أداة العموم يكون عاما.

ثمّ إنّ القول باجمال العامّ بعد التخصيص لتعدّد المجازات وعدم ترجيح لتعيّن الباقي يكذبه ما عرفت من ظهور العامّ بالوجدان إذ الظهور ينافي الاجمال هذا مضافا إلى امكان منع المجاز.

وذلك لأنّ ألفاظ العموم والعامّ استعملت فيما وضعت له فلا مجاز بالنسبة إلى الكلمة لاستعمال أداة العموم في معناها من الاستغراق والاستيعاب واستعمال العامّ وهو مدخولها في معناه فقوله أكرم كلّ عالم مع تخصيصه بقوله لا تكرم الفاسق منه لا مجاز فيه لا بالنسبة إلى كلمة كلّ ولا بالنسبة إلى كلمة عالم فإنّهما مستعملان في معناهما كما لا مجاز فيه باعتبار ادّعاء أنّ غير الموضوع له هو الموضوع له ثمّ تطبيق المعنى الموضوع له على المعنى المجازي ادّعاء كما ذهب إليه في نهاية الاصول في جميع المجازات تبعا لما ادّعاه السكّاكي في خصوص الاستعارة مدّعيا بأنّ لطافة الاستعمال المجازي تكون من هذه الجهة وإلّا فصرف ايجاد المعنى المقصود في ذهن السامع بلفظ آخر غير ما وضع له لا يوجب اللطافة ما لم يتوسّط في البين ادّعاء اتّحاد المعنيين (١).

ضرورة عدم ادّعاء وتأوّل في مثل كلّ عالم المخصّص ب «لا تكرم الفاسق» منه

__________________

(١) نهاية الاصول : ١ / ٣٢٤.

٤٦

بأنّ المخصّص بالفتح أي العالم هو غير المخصّص بالفتح فأطلق اللفظ الموضوع لغير المخصّص على المخصّص.

لقد أفاد وأجاد سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره حيث قال والقول بإجماله لتعدّد المجازات وعدم ترجيح لتعيّن الباقي ساقط لأنّ المجاز كما عرفت في محلّه ليس استعمال اللفظ في غير ما وضع له بل يكون استعماله فيما وضع له وتطبيق المعنى الموضوع له على المعنى المجازي ادّعاء سواء في ذلك الاستعارة وغيرها.

فحينئذ نقول إنّ العامّ المخصّص لا يجوز أن يكون من قبيل المجاز ضرورة عدم ادّعاء وتأوّل فيه فليس في قوله أوفوا بالعقود ادّعاء كون جميع العقود هي العقود التي لم تخرج من تحته إلى أن قال فلا محالة انّ مثل أكرم العلماء وأوفوا بالعقود استعملت جميع ألفاظهما فيما وضعت له (١).

وعليه فلا يحدث في العامّ أو أداة العموم بعروض التخصيص تضييق في ناحية الاستعمال وإنّما التضييق في ناحية الإرادة الجدّيّة فالظهور باق على حاله ولا مجاز ولا إجمال.

كما أفاد وأجاد في الكفاية حيث قال إرادة الخصوص يعني ما عدى الخاصّ واقعا لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاصّ قرينة عليه بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة وكون الخاصّ مانعا عن حجّيّة ظهوره تحكيما للنصّ أو الأظهر لا مصادما لأصل ظهوره ومعه لا مجال للمصير إلى أنّه قد استعمل فيه مجازا كي يلزم الإجمال.

لا يقال هذا مجرّد احتمال ولا يرتفع به الاجمال لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.

__________________

(١) مناهج الوصول : ٢ / ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

٤٧

فانّه يقال مجرّد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم والثابت من مزاحمته بالخاصّ إنّما هو بحسب الحجّيّة تحكيما لما هو الأقوى (١).

وهذا الجواب عن دعوى المجاز والاجمال أحسن الجواب.

وربّما يجاب عنه بعد تسليم دعوى المجاز بأنّه لا إجمال لأنّ تمام الباقي أقرب المجازات وهو لا يخلو عن الاشكال إذ مجرّد أقربيّة العدد وكثرة الأفراد لا يرفع الاجمال ما دام لم توجب الانس بين اللفظ وذلك المعنى والانس لا يتحقّق إلّا بكثرة الاستعمال لا بغلبة الأفراد وأقربيّتها.

وهكذا لا يخلو عن الاشكال ما أجابه شيخنا الأعظم قدس‌سره عن دعوى الاجمال بعد تسلم المجاز من أنّ دلالة العامّ على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده ولو كانت دلالة مجازيّة إذ هي بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود لأنّ المانع في مثل المقام إنّما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصّص بغيره فلو شكّ فالأصل عدمه.

وجه الإشكال كما في الكفاية أنّ دلالته على كلّ فرد إنّما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في ما عدى الخاصّ مجازا كان تعيين بعضها بلا معيّن ترجيحا بلا مرجّح ولا مقتضي لظهوره فيه (٢).

ثمّ إنّ تصوير عدم المجازيّة كما أفاده شيخنا الاستاذ قدس‌سره بأحد النحوين : إمّا بجعل الفرد المخصّص خارجا في مرحلة الحكم دون مقام الاستعمال بأن كان اللفظ مستعملا

__________________

(١) الكفاية : ج ١ ص ٣٣٦.

(٢) الكفاية ١ / ٣٣٨.

٤٨

في المحيط ثمّ غضّ النظر عن الفرد المعيّن وانشأ الحكم في موضوع الباقي (وعليه يكون المخصّص المنفصل كالمتّصل في الكشف عن تضييق الموضوع وعدم التخصيص والاخراج).

وإمّا بجعله خارجا عن المراد اللبّي مع كونه داخلا في مرحلة الحكم كمقام الاستعمال بأن لاحظ المعنى المحيط عند مقام الاستعمال وكذا لاحظه أيضا عند جعل الحكم لكن كان تعميمه الحكم للجميع بحسب الصورة مع اختصاص الباقين به بحسب اللبّ.

فعلى الأوّل لا اخراج في البين حقيقة وعلى الثاني يكون الاخراج من هذا الحكم الصوري ويكشف عن عدم الدخول في الحكم الجدّيّ من الأوّل وعلى التقديرين يكون العامّ حجّة في الباقي أمّا على الأوّل فلأنّ المفروض عدم الاغماض عن ما سوى هذا الفرد في مرحلة الحكم ولازم ذلك شمول الحكم لجميع ما سواه.

وأمّا على الثاني فلأنّ المفروض تعلّق الحكم الصوري بجميع الأفراد غاية الأمر قد علم مخالفته للحكم الجدّيّ في خصوص هذا الفرد بالدليل فيبقى أصالة التطابق بين الحكمين بالنسبة إلى الباقي بحالها (١).

والأرجح هو الأخير كما اعترف به شيخنا الاستاذ قدس‌سره في الدورة الأخيرة وإن لم يبيّن وجهه (٢).

ولعلّ الوجه في الارجحيّة أنّ الأوّل يحتاج إلى الاستخدام وهو خلاف الظاهر من اسناد الحكم إلى الموضوع بماله من المعنى العامّ وعليه فالبعث أو الزجر المدلول عليه بالهيئة عامّ ولكن لم يكن في مورد التخصيص بداعي الانبعاث ولذلك قال

__________________

(١) اصول الفقه لشيخنا الاستاذ : ١ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٢) اصول الفقه لشيخنا الاستاذ : ٣ / ٣٤٧.

٤٩

شيخنا الاستاذ قدس‌سره إنّ تعلّق الحكم بجميع الأفراد صوري.

وقال سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره البعث المدلول عليه بالهيئة لم يكن في مورد التخصيص لداعي الانبعاث بل إنّما إنشاؤه كلّيّا وقانونيّا بداعي الانبعاث إلى غير مورد التخصيص والجعل الكلّيّ إنّما هو بداع آخر فالإرادة الاستعماليّة في مقابل الجدّيّة هي بالنسبة إلى الحكم فإنّه قد يكون انشائيّا وقد يكون جدّيّا لغرض الانبعاث.

ف «أوفوا بالعقود» انشاء البعث على جميع العقود وهو حجّة ما لم تدفعها حجّة أقوى منها فاذا ورد مخصّص يكشف عن عدم مطابقة الجدّ للاستعمال في مورده ولا ترفع اليد عن العامّ في غير مورده لظهور الكلام وعدم انثلامه بورود المخصّص وأصالة الجدّ التي هي من الاصول العقلائيّة حجّة في غير ما قامت الحجّة على خلافه (١).

وممّا ذكر يظهر أنّ الارادة الاستعماليّة والجدّيّة ملحوظة بالنسبة إلى انشاء البعث والحكم لا بالنسبة إلى لفظ العامّ حتّى يقال إنّ المراد الاستعمالي منه جميع العلماء والجدّيّ بعضهم.

وعليه فلا وجه للايراد بأنّ حقيقة الاستعمال ليس إلّا إلقاء المعنى باللفظ والمستعمل إن أراد المعنى واقعا فهو وإلّا كان هازلا وذلك لأنّ إرادة معنى اللفظ في مقام الاستعمال جدّيّة على تقدير التخصيص وعدمه وإنّما احتمال عدم الجدّيّة يكون بحسب موضوعيّة المستعمل بالنسبة إلى إنشاء الحكم فتحصّل أنّ البعث الكلّيّ بداعي الأمرين أحدهما بداعي الانبعاث بالنسبة إلى غير مورد التخصّص وثانيهما بداعي ضرب القانون.

اورد عليه المحقّق الاصفهاني بأنّ اللازم من عدم كون البعث حقيقيّا بالإضافة

__________________

(١) مناهج الوصول : ج ٢ ص ٢٤٠.

٥٠

إلى بعض الأفراد مع كونه متعلّقا به في مرحلة الانشاء هو صدور الواحد عن داعيين بلا جهة جامعة تكون هو الداعي.

والحجّيّة وإن كانت جهة جامعة لترتّبها على الكاشف عن البعث لا على المنكشف.

لكنّه بعد ورود المخصّص وانكشاف كون الداعي جعل القاعدة لا جعل الداعي والباعث ، لا يترتّب عليه الحجّيّة ولا الباعثيّة.

أمّا عدم ترتّب البعث فلأنّه لم ينشأ هذا الواحد بداع البعث.

وأمّا عدم ترتّب الحجّيّة فلأنّ الحجّيّة متقوّمة بالكاشف عن البعث وقد انكشف أنّه لم ينشأ بداع البعث في شيء من أفراده.

ولا ينقلب الانشاء بداع من الدواعي بحيث يكون قبل المخصّص حجّة وقاعدة وبعده بعثا وتحريكا.

مضافا إلى أنّ الظاهر من الانشاء كونه بداع البعث لا بداعي جعل القاعدة والحجّة فيدور الأمر بعد ورود المخصّص بين مخالفة أحد الظهورين.

إمّا الظهور الاستعمالي برفع اليد عنه مع حفظ ظهوره في كونه بداع البعث الجدّيّ بالاضافة إلى ما استعمل فيه وهو الخصوص (أي ما عدى الخاصّ).

وإمّا الظهور من حيث الداعي وهو كون الانشاء بداع البعث برفع اليد عنه وحمل الانشاء على كونه بداع ضرب القاعدة وإعطاء الحجّة ولا مرجّح لأحدهما على الآخر.

ويمكن أن يقال إنّ المخصّص المنفصل إمّا أن يرد قبل وقت الحاجة أو بعدها فاذا ورد قبلها فالانشاء وإن كان بداع البعث جدّا إلّا أنّه بالاضافة إلى موضوعه الذي يحدّده ويعيّنه بكلامين منفصلين فإنّه لو علم أنّ عادة هذا المتكلّم إفادة مرامه الخصوصي بكلامين لم يكن ظهور كلامه في العموم دليلا على مرامه.

٥١

وإذا ورد بعدها فالإنشاء بداع البعث الجدّيّ بالاضافة إلى الجميع غاية الأمر أنّ البعث المزبور منبعث في بعض أفراد العامّ عن المصالح الواقعيّة الأوّليّة وفي بعضها الآخر عن المصالح الثانويّة بحيث ينتهي أمدّها بقيام المخصّص (١).

حاصله أنّ قاعدة الواحد لا تصدر إلّا عن الواحد تمنع عن تعدّد الدواعي بالنسبة إلى انشاء البعث الواحد ثمّ إنّ جعل الداعي هو جامع الحجّيّة أو الباعثيّة حتّى لا يتعدّد الداعي غير سديد لعدم الباعثيّة أو الحجّيّة بالنسبة إلى مورد التخصيص مع انكشاف أنّه لم ينشأ بداع البعث بالنسبة إلى مورد التخصيص كما أنّ دعوى أنّ الداعي قبل التخصيص هو جعل القاعدة ثمّ ينقلب عنه بعد التخصيص إلى البعث والتحريك مندفعة بأنّه لا واقع له مضافا إلى أنّه خلاف الظاهر وعليه فاللازم هو رفع اليد إمّا عن الظهور الاستعمالي وجعل الداعي هو البعث أو من الظهور من حيث الداعي وحمل الإنشاء على ضرب القانون وكلاهما خلاف الظاهر ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ثمّ ذهب في أخير كلامه إلى جعل الانشاء بداعي الجدّ والمصالح الواقعيّة الموضوع ما عدى الخاصّ إن ورد المخصّص قبل وقت الحاجة وجعل الإنشاء بداع الجدّ بالنسبة إلى الجميع وتعميم المصالح الثانوية إن ورد المخصّص بعد وقت الحاجة وعليه فلا يتعدّد الداعي ولا منافاة للقاعدة المذكورة.

ويمكن دفعه :

أوّلا : بما أفاده سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره من أنّه مضافا إلى عدم جريان برهان امتناع صدور الواحد عن الكثير في مثل المقام (٢) وإلى أنّ الوجدان حاكم بأنّ

__________________

(١) نهاية الدراية : ٢ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

(٢) لأنّ القاعدة المذكورة على فرض تماميّتها تختصّ موردها بالواحد البسيط الشخصيّ التكويني لا الواحد الاعتباريّ النوعي إذ لا مانع من أن يكون معلول العلل المتعدّدة واحدا نوعيّا كالحرارة بالنسبة إلى الشمس والنار ونحوهما فضلا عن الاعتباريات.

٥٢

الدواعي المختلفة قد تجتمع على فعل واحد.

أنّ الدواعي ليست علّة فاعليّة لشيء بل الدواعي غايات لصدور الأفعال وكون الغايات علل فاعليّة الفاعل ليس معناه أنّها مصدر فاعليّته بحيث تكون علّة فاعليّة لها كما لا يخفى (١).

ولقائل أن يقول نعم ولكن صدور الواحد عن داع جدّ وغير جدّ غير معقول لا من باب صدور الواحد عن الكثير بل من باب المناقضة ولكن يمكن دفعه أيضا بناء على الانحلال بأنّ بعد اختصاص الجدّ بغير مورد التخصيص لا يجتمع الجدّ وغيره في مورد واحد حتّى يلزم المناقضة ولذلك أجاب شيخنا الاستاذ قدس‌سره عن إشكال المحقّق الاصفهاني بأنّ لفظة كلّ في قوله أكرم كلّ عالم مرآة للمتعدّد.

فلا مانع من أن يكون الداعي لفرد هو ضرب القانون وللآخر هو البعث الجدّي لا يجتمع الداعيان في الواحد حينئذ فشمول العامّ بالنسبة إلى موارد الخاصّ من باب ضرب القانون دون غيرها فإنّ العامّ بالنسبة إليه بداعي البعث الجدّي.

وثانيا : بما ذكره شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره من أنّ دعوى دوران الأمر بين مخالفة أحد الظهورين وعدم المرجّح لأحدهما على الآخر كما ترى إذ بناء العقلاء في المحاورات على رفع اليد عن ظهور كون الانشاء بداع البعث الجدّي بقرينة المخصّص وحمل الانشاء على كونه بداعي ضرب القانون وإعطاء الحجّة بالنسبة إلى مورد التخصيص ولذا يجمعون بين العامّ والمخصّص بذلك لا بتقديم العامّ على الخاصّ أو حمل الخاصّ على الكذب حتّى لا يلزم التخصيص في العامّ وهذا كاف في رفع الاجمال كما لا يخفى.

وعليه فالخطابات البعثية ظاهرة في كونها بداع البعث الجدّي إلّا بالنسبة إلى

__________________

(١) مناهج الوصول : ٢ / ٢٤١.

٥٣

مورد التخصيص ولذا لم يقبل عذر المتخلّف في غير مورد التخصيص بأنّه لا يكون بداع الجدّ فدعوى الاجمال وعدم المرجّح لا وجه له.

وثالثا : بأنّ ما ذكره بعنوان حلّ الاشكال في أخير كلامه من امكان أن يكون البعث العامّ جدّيّا حتّى في مورد الخاصّ باعتبار المصالح الثانويّة منظور فيه.

فإنّه إن أراد به أنّ موارد التخصيص موارد النسخ فهو بعيد جدّا في المخصّصات الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام لإبائهم عليهم‌السلام عن النسخ وتغيير الشريعة كما أفاده شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره.

وإن أراد به أنّ الحكم العامّ في موارد التخصيص هو الحكم الظاهري الذي موضوعه هو الشكّ ففيه أنّ الموضوع في الحكم الظاهري بشرط الشيء وهو الشكّ وفي الحكم الواقعيّ لا بشرط وهما لا يجتمعان في واحد كما أفاد شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره.

وإن أراد به أنّ الحكم العامّ في موارد التخصيص هو الحكم الظاهري الأماري بحيث يكون الشكّ مأخوذا فيه موردا لا موضوعا ففيه أنّ الحكم الخاصّ أيضا حكم ظاهري أماريّ وكلّ واحد منهما يحكي عن حكم الله الواقعي الأوّلي ولا شاهد لحمل العامّ على الواقعيّ الثانوي بل يجمع بينهما بإخراج موارد التخصيص من أوّل الأمر كما عليه البناء (١).

وعليه فلا يشتمل موارد التخصيص مصلحة حتّى تكون الارادة بالنسبة إليها جدّيّة بالعنوان الثانوي فتحصّل أنّه لا اشكال في اجتماع الداعيين في الانشاء الواحد فيكون الانشاء بداعي الجدّ بالنسبة إلى غير مورد التخصيص وبداعي ضرب القانون والقاعدة بالنسبة إلى مورد التخصيص فلا تغفل.

__________________

(١) راجع تسديد الاصول : ١ / ٥٠٤.

٥٤

الخلاصة :

الفصل الثاني

في حجّية العامّ المخصّص في الباقي بعد تخصيصه

بالمخصّص المبيّن

لا يخفى عليك أنّه إذا خصّص العامّ بأمر معلوم مفهوما ومصداقا فلا ريب في عدم حجّية العامّ في مورد التخصيص ؛ لتقديم الخاصّ على العامّ.

وأمّا حجّية العامّ بالنسبة إلى غير مورد التخصيص فهي على حالها عند العقلاء كما عليه بناؤهم ، من دون فرق بين كون التخصيص بالمتّصل أو بالمنفصل ، ويشهد له : انقطاع عذر العبد ـ المأمور بإكرام العلماء إلّا زيدا ـ عند عدم امتثاله في غير زيد.

ووجه ذلك : هو ظهور العامّ في معناه ، فلا إجمال ، والتخصيص لا يوجب التضييق إلّا في ناحية الإرادة الجدّية بالنسبة إلى مورد التخصيص.

هذا مضافا إلى إمكان منع التخصيص حقيقة في المتّصل ؛ لأنّ تضييق المدخول في المتّصل لا ينافي استعمال أداة العموم في العموم ؛ لأنّها موضوعة لإفادة عموم المدخول ؛ ولا فرق بين قوله : «كلّ رجل» و «كلّ رجل عالم» في كون لفظة «كلّ» مستعملة في العموم ويراد بها العموم ، والاختلاف بينهما لا يكون إلّا في المدخول.

ودعوى : إجمال العامّ بعد التخصيص ـ لتعدّد المجازات ، وعدم ترجيح لتعيّن الباقي ـ ممنوعة : بما عرفت من ظهور العامّ بالوجدان ، والظهور ينافي الإجمال ، ولا مجال

٥٥

للمجاز بعد استعمال ألفاظ العموم فيما وضعت له من الاستغراق واستعمال العامّ في معناه.

فقوله : «أكرم كلّ عالم» مع تخصيصه بقوله : «لا تكرم الفاسق منه» لا مجاز فيه : لا بالنسبة إلى كلمة «كلّ» ولا بالنسبة إلى كلمة «عالم» فإنّهما مستعملتان في معناهما ، كما لا مجاز فيه باعتبار ادّعاء أنّ غير الموضوع له هو الموضوع له ثمّ تطبيق المعنى الموضوع له على المعنى المجازي الادّعائي ؛ ضرورة عدم ادّعاء في مثل «كلّ عالم» المخصّص ب «لا تكرم الفاسق منه».

فالقول بإجمال العامّ لتعدّد المجازات وعدم ترجيح لتعيّن الباقي ساقط.

ولا يحدث في العامّ أو أداة العموم ـ بعروض التخصيص ـ تضييق في ناحية المستعمل فيه ، وإنّما التضييق في ناحية الإرادة الجدّية ، فالظهور في العامّ المخصّص باق على حاله ولا مجاز ولا إجمال.

ودعوى : أنّ اللازم من عدم كون البعث حقيقيّا بالإضافة إلى بعض الأفراد مع كونه متعلّقا به في مرحلة الإنشاء ، هو صدور الواحد ـ وهو إنشاء البعث الواحد ـ عن داعيين بلا جهة جامعة تكون هي الداعي ، وقاعدة الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد تمنع عن تعدّد الدواعي بالنسبة إلى إنشاء البعث الواحد.

مندفعة : بعدم جريان برهان امتناع صدور الواحد عن المتعدّد في مثل المقام ؛ لاختصاصه بالواحد البسيط الشخصي التكويني ، ولا يعمّ الواحد النوعي والاعتباري :

أمّا الواحد النوعي فلا مانع من أن يكون معلولا لعلل متعدّدة ؛ كالحرارة بالنسبة إلى الشمس والنار وغيرهما من علل الحرارة.

وأمّا الاعتباري ـ كالإنشاء الواحد ـ فجواز صدوره من دواع متعدّدة أوضح.

ثمّ القول بأنّ صدور الواحد عن داع جدّي وداع غير جدّي غير معقول

٥٦

للمناقضة ، يمكن دفعه : بأنّ الواحد منحلّ إلى المتعدّد ، فيختصّ الجدّ بغير مورد التخصيص ، فلم يجتمع الجدّ وغيره في مورد واحد ، فلا تلزم المناقضة من كون الداعي بالنسبة إلى فرد هو ضرب القانون وبالنسبة إلى آخر هو البعث الجدّي ؛ إذ لم يجتمع وجود الجدّ وعدمه في الشيء الواحد في الحقيقة.

٥٧

الفصل الثالث

في حجّيّة العامّ المخصّص في الباقي

بعد تخصيصه بالمخصّص المجمل

ولا يخفى عليك أنّ المخصّص قد يكون مجملا بحسب المفهوم وقد يكون مجملا بحسب المصداق لأجل الاشتباه الخارجي.

والإجمال بحسب المفهوم إمّا من جهة دورانه بين الأقلّ والأكثر كدوران الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط أو الأعمّ منه ومن مرتكب الصغيرة.

وإمّا من جهة دورانه بين المتباينين من جهة اجمال المخصّص كقولنا أكرم العلماء إلّا زيدا مثلا وافترضنا دوران أمر زيد بين زيد بن خالد وزيد بن بكر إذا زيد متعدّد في العلماء ثمّ أنّ المجمل المفهومي إمّا منفصل فهذه أربعة.

والاجمال بحسب المصداق يكون من جهة عروض الاشتباه الخارجي وإن كان مفهوم المخصّص واضحا كما إذا شكّ في فسق شخص ولم تكن له حالة سابقة كما إذا تبادلت الحالتان فحينئذ يشكّ في انطباق عنوان العامّ أو الخاصّ عليه من جهة الاشتباه الخارجي.

ثمّ إنّ المخصّص المذكور إمّا متّصل وإمّا منفصل وعليه فالصور ستّة ولا إشكال في سراية الإجمال حقيقة إلى العامّ في ثلاثة منها لاحتفافهما بما يكون مجملا وهي ما إذا كان المخصّص متّصلا سواء كان اجماله من ناحية إجمال المفهوم ودورانه بين الأقلّ والأكثر أو من ناحية اجمال المفهوم من جهة دورانه بين المتباينين أو كان إجماله من

٥٨

ناحية الاشتباه الخارجي.

اذ على كلّ تقدير يسري إجمال المخصّص إلى العامّ فيمنع حقيقة من الأوّل عن انعقاد ظهور العامّ في العموم بحسب المراد لأنّ العامّ المخصّص باعتبار احتفافه بمخصّص مجمل مشكوك المراد فيما دار الأمر بين الأقلّ والأكثر أو دار الأمر بين المتباينين أو مشكوك الانطباق والصدق فيما إذا كان الاشتباه من ناحية الامور الخارجيّة إذ مع الشكّ في فسق شخص مثلا وعدم معلوميّة الحالة السابقة يشكّ في انطباق عنوان العامّ المخصّص عليه وهو العالم غير الفاسق كما يشكّ في انطباق عنوان الخاصّ عليه وهو الفاسق ولا حجّيّة للعامّ فيما لا ظهور له.

وعليه فالباقي من الستّة ثلاثة صور وهي منفصلة ولا إشكال في اثنين منها.

أحدهما ما إذا كان المخصّص المنفصل المجمل مردّدا بين المتباينين كقوله لا تكرم زيدا وهو مردّد بين شخصين من العلماء فإنّه لا إشكال في سقوط أصالة العموم فيه بالنسبة إليهما إذ المخصّص المذكور وإن لم يوجب إجمال العامّ حقيقة لأنّ ظهور العامّ كقوله أكرم العلماء منعقد في العموم ولكن المخصّص المذكور يوجب إجماله حكما لأنّ مع المخصّص المذكور يحصل العلم الإجمالي بخروج أحدهما وهو يوجب سقوط العامّ عن الاعتبار بالنسبة إلى مورد المخصّص لأنّ تعيين أحد الموردين ترجيح بلا مرجّح وأحدهما لا بعينه ليس موردا للعامّ وحيث إنّ أصالة العموم في كلّ طرف معارضة معها في طرف آخر فالعامّ في حكم المجمل بالنسبة إليهما وإن لم يكن مجملا حقيقة وبالجملة لا يمكن التمسّك بأصالة العموم في العامّ بالنسبة اليهما مع العلم الإجمالي بخروج أحدهما.

وثانيهما ما إذا كان المخصّص المنفصل المجمل مردّدا بين الأقلّ والأكثر كما إذا قال المولى أكرم العلماء ثمّ قال لا تكرم الفسّاق منهم وفرضنا أنّ مفهوم الفاسق مجمل ومردّد بين فاعل الكبيرة فقط أو الأعمّ منه ومن فاعل الصغيرة.

٥٩

ففي هذه الصورة لا إشكال في التمسّك بعموم العامّ لأنّ أصالة عدم التخصيص لا معارض لها ومورد الاشتباه من قبيل الشبهة البدويّة بعد انحلال المفهوم إلى الأقلّ والأكثر وعليه فما لم يعلم خروج فرد من العامّ يجب الأخذ به لعدم وصول المعارض إلينا من جانب المولى كما جرى عليه طريقة العقلاء في مقام الامتثال الأوامر المتعلّقة بهم كما هو الظاهر.

ودعوى أنّه إن قلنا بأنّ الخاصّ يكون حجّة ودليلا على ما يكون حجّة فيه فعلا من مدلوله التصديقي كان ما عليه الأعلام هو الحق لأنّه حجّة في الأقلّ فقط لأنّه القدر المتيقّن من مدلوله التصديقي فيخصّص العامّ بمقدار الأقلّ فقط.

وإن قلنا بأنّه يكون حجّة على ثبوت الحكم للعنوان الواقعي على واقعه وإن لم يكن ظاهرا فيه فعلا كان الحقّ هو إجمال العامّ في مورد الشكّ لأنّ الخاصّ يستلزم تضييق دائرة حجيّة العامّ بغير عنوان الخاصّ الواقعي فيشكّ في شمول المراد الواقعي من العامّ للمشكوك وأثر ذلك هو التوقّف عن إثبات حكم العامّ للمشكوك.

مندفعة بأنّ الخاصّ ليس هو اللفظ بما هو اللفظ بل اللفظ بما هو له المعنى فمع كون المعنى مردّدا بين الأقلّ والأكثر لا يوجب الخاصّ تضييقا في دائرة حجّيّة العامّ إلّا بمقدار المعلوم من المعنى الموضوع له واحتمال تضييق الواقع بالأكثر كاحتمال تخصيص زائد بعد تخصيص العامّ بخاصّ معلوم فكما أنّ احتمال التخصيص الزائد يدفع بأصالة عدم التخصيص فكذلك يدفع احتمال التخصيص بالأكثر بأصالة عدم التخصيص.

ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان الخاصّ حجّة ودليلا على ما يكون حجّة فيه فعلا وبين ما إذا كان الخاصّ حجّة على ثبوت الحكم للعنوان الواقعيّ على واقعة فإنّه أيضا مقصور على مقدار دلالته على الواقعيّ أيضا وهو القدر المتيقّن كما لا يخفى وممّا

٦٠