عمدة الأصول - ج ٤

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

أفرادها أفرادا حال العدم فلا محالة يكون الحكم في ظرف صدق الطبيعة على الأفراد فكلّ نار حارّة إخبار عن مصاديق النار دلالة تصديقيّة والمعدوم ليس مصداقا لشيء كما أنّ الموجود الذهني ليس فردا بالحمل الشائع فينحصر الصدق في ظرف الوجود الخارجي من غير أن يكون الوجود قيدا ومن غير أن يفرض للمعدوم وجودا أو ينزّل منزلة الوجود ومن غير أن تكون القضيّة متضمّنة للشرط (١).

فتحصّل أنّه يكفي في شمول التكاليف بالنسبة إلى غير الموجودين في عصر الصدور كون القضايا حقيقيّة لأنّ موضوعاتها تعمّ كلّ موجود في ظرف وجوده من دون لزوم محذور تعلّق التكليف بالمعدوم فالحكم فعليّ بالنسبة إلى المصاديق الموجودة بالفعل وإنشائيّ بالنسبة إلى المصاديق الموجودة في الظروف الآتية والقضيّة الحقيقيّة حمليّة لا مشروطة وتحليلها إلى المشروطة لا يصيرها مشروطة كما لا يخفى.

المقام الثاني : أنّ التكاليف المقرونة بأداة النداء أو حروف الخطاب أو التكاليف المنشأة بصيغ الأمر والنهي التي تستلزم المخاطبة مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أو قوله عزوجل : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) أو قوله تبارك وتعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) وغير ذلك هل تكون كالتكاليف غير المقرونة بهذه الأمور وغير المنشأة بصيغ الأمر والنهي في التعميم بالنسبة إلى الغائبين أو المعدومين أو لا تكون.

ذهب الشيخ الأعظم قدس‌سره إلى إمكان الشمول على وجه الحقيقة ولكن لا دليل له وعليه فيختصّ الخطاب على وجه الحقيقة بالمشافهين وهذا لفظه والأظهر عندي القول بإمكان الشمول على وجه الحقيقة إن اريد من المجاز المبحوث عنه في المقام المجاز في أداة الخطاب إلى أن قال وتحقيق ذلك أنّ أداة الخطاب إنّما هي موضوعة لأن

__________________

(١) مناهج الوصول : ٢ / ٢٨٦.

١٦١

يخاطب بها والمخاطبة إنّما تقتضي أن تكون إلى مخاطب يتوجّه إليه الخطاب وذلك لا يعقل في حقّ المعدوم إلّا تنزيله منزلة الموجود وادّعاء أنّه الموجود ومجرّد ذلك يكفي في استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزام لتصرّف آخر في اللفظ باستعماله في غير معناه إلى أن قال ولا يعقل الأمر الأعمّ الشامل للمعدومين والموجودين في مدلول أداة الخطاب والوجه في ذلك أنّ الخطاب إمّا من الأمور الحادثة بالأداة كما يراه البعض أو من الامور التي يكشف عنها الأداة سواء كانت الأداة علامة لها كما في علامة التأنيث والتذكير أو غيرها وعلى التقادير فهي معاني شخصيّة جزئيّة لا تتحمّل العموم كما هو ظاهر لمن تدبّر. نعم يصحّ ذلك (أي العموم) في مدلول مدخول الأداة وأين ذلك من اعتبار العموم في مدلول الأداة.

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بمجرّد الإمكان وأمّا الوقوع فلا بدّ له من التماس دليل آخر ولم نجد ما يقضي له فإنّ ما تخيّله البعض من الأدلّة لا يقتضي إلّا الاشتراك في الحكم.

وأمّا أنّ الخطابات القرآنيّة ممّا لوحظ فيها التنزيل المذكور واستعمل في المخاطبة للحاضر ولمن هو منزل منزلته فلم يدلّ عليه دليل ثمّ إنّه قد احتمل بعض المحقّقين في الخطابات القرآنيّة مع القول باختصاصها بالحاضرين شمولها للغائبين لقيام الكتاب والمتلقّون واحدا بعد واحد مقام المتكلّم بها فلم يخاطب بها إلّا الموجود فكأنّ الكتابة نداء مستمرّ من ابتداء صدور الخطاب إلى انتهاء التكليف والسّرّ فيه أنّ المكتوب إليه ينتقل من الوجود الكتبي إلى الوجود اللفظي ومنه إلى المعنى فمن حيث هو قارّ متكلّم ومن حيث أنّه من المقصودين للخطاب مستمع انتهى كلامه. أقول وما أفاده أمر معقول لكنّه موقوف على وجود ما يدلّ عليه ولم نقف على ما يقضي بذلك

١٦٢

الاعتبار مع أنّ ما ذكره في السرّ ليس أمرا ظاهرا لا يقبل المنع (١).

اورد عليه أوّلا : أنّ دعوى كون الشمول للمعدومين الغائبين على وجه الحقيقة مع الالتزام بتنزيل الغائب والمعدوم منزلة الموجود الحاضر مندفعة بأنّ المخاطبة والتوجيه نحو الغير حقيقة لا يمكن إلّا إذا كان الغير موجودا وكان بحيث يتوجّه إلى الكلام ويلتفت إليه وفرض الحضور والالتفات لا يوجب كون الخطاب على وجه الحقيقة وإن لم يستعمل أداة الخطاب في غير معناها.

وعليه لو كانت أداة الخطاب للخطاب الحقيقي لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين كما أنّ قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غير ما وضع له أو رفع اليد عن المخاطبة الحقيقيّة.

وثانيا : كما في الكفاية أنّ الظاهر أنّ مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا للخطاب الحقيقي بل هي موضوعة للخطاب الإنشائيّ الايقاعي نعم لا يبعد دعوى الانصراف إلى الحقيقي ما لم يمنع عنه مانع.

كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع ضرورة عدم اختصاص الخطابات بمن حضر المسجد بحيث لا تشمل الموجودين في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وثالثا : أنّ دعوى عدم الدليل على العموم كما ترى إذ عدم اختصاص الخطابات بمن حضر المسجد دليل على العموم فتأمّل.

هذا مضافا إلى أنّ صحّة النداء بالأدوات مع إرادة العموم من العامّ الواقع تلوها بلا عناية وعلاقة حاكية عن كون الخطابات إنشائيّة لا حقيقيّة.

ويشهد لذلك أنّ القارئ لمثل القرآن الكريم يرى بالارتكاز نفسه مخاطبا بخطابات القرآن الكريم ومتلقّيا للتكاليف بنفسه.

__________________

(١) مطارح الأنظار : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

١٦٣

وهو ممّا يشهد على أنّ الخطابات القرآنيّة إنشائيّة كالتكاليف الإنشائيّة وتصير فعليّة فيما إذا كان المخاطب موجودا وحاضرا وملتفتا وبقيت على الإنشائيّة فيما إذا لم يكن المخاطب موجودا وحاضرا وملتفتا إلى أن يصير كذلك وبالجملة فالموضوع كالمتعلّق مأخوذ في القضيّة الحقيقيّة كلّيّا وهو من وجد وحضر والتفت.

فتحصّل أنّ الخطابات الإنشائيّة متصوّرة بل لعلّها شائعة في الخطابات الكتبيّة إلى كلّ من يرى الكتابة كما ترى أنّ المؤلّفين كانوا يخاطبون كثيرا من يقرأ كتابهم بقولهم فاعلم وفافهم واعلم أيّدك الله وغير ذلك.

ثمّ دعوى لزوم تنزيل المعدوم وغير الحاضر منزلة الموجود الحاضر في الخطابات الإنشائيّة كما ترى إذ لا حاجة إلى ذلك بعد كون المتفاهم من أدوات الخطاب الإنشائي هو إظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداعي تفهيم المخاطب في ظرف وجوده عند التفاته وعليه فلا مانع من شموله للغائبين والمعدومين كما أنّه هو المتعارف في الخطابات الكتبيّة مثل قول المؤلّف اعلم أيّدك الله تعالى في الدارين فإنّ المتكلّم في مثل هذا الكلام يخاطب كلّ من يكون قارئا في ظرف وجوده وقراءته لمكتوبه ثمّ لا ينافي عموميّة الحاضر المنادى أو المخاطب كون أدوات النداء موضوعة لايجاد النداء لا لمفهومه أو كون المخاطبة نحو توجّه إلى الحاضر توجّها جزئيّا مشخّصا.

اذ جزئيّة النداء لا تنافي كلّيّة المنادى كما أنّ جزئيّة البعث لا تنافي كلّيّة المبعوث إليه.

وعليه فالحقّ هو التفصيل بين الخطاب الحقيقيّ الفعلي والخطاب الإنشائي واختيار عدم الإمكان في الأوّل دون الثاني.

وإليه ذهب شيخنا الأراكي قدس‌سره تبعا لشيخه الحائري قدس‌سره حيث قال والحقّ عدم جواز تكليف المعدوم فعلا وفي حال عدمه كما لا يصحّ مخاطبته بغرض التفهيم الفعلي.

١٦٤

ولا إشكال في إمكان تكليفه مشروطا بزمان وجوده ومخاطبته وتوجيه الكلام نحوه بغرض التفهيم مشروطا بحال وجوده والتفاته غاية الأمر أنّه يحتاج حينئذ إلى آلة يوصل الكلام إليه من كتابة ونحوها وهذا أعني الخطاب المشروط بوجود المخاطب والتكليف المشروط بوجود المكلّف نظير الوقف المشروط بوجود الموقوف عليه بمكان من الإمكان (١).

وعليه فالخطابات الصادرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمّة عليهم‌السلام أو غيرهم تكون خطابات إنشائيّة وهي تعمّ الموجودين والمعدومين من دون حاجة إلى تنزيل المعدومين بمنزلة الموجودين لما عرفت من الخطاب الإنشائي متوجّه إلى كلّ مخاطب موجود ملتفت في ظرف وجوده بغرض التفهيم وهو المتداول في الخطابات العامّة من المقنّنين وغيرهم.

وممّا ذكر يظهر أنّه لا حاجة إلى التنزيل المذكور في الخطابات الانشائيّة فلا وجه لما في مناهج الوصول من أنّه لا بدّ من التشبّث بتنزيل المعدوم منزلة الموجود (٢).

كما أنّ دعوى أنّ التنزيل المذكور من لوازم القضيّة الحقيقيّة (٣).

مندفعة بما مرّ من أنّ مصاديق القضيّة الحقيقيّة ليست إلّا الموجودة من دون حاجة إلى تنزيل المعدوم بمنزلة الموجود فلا تغفل.

وأمّا الخطابات القرآنيّة فهي على طوائف :

منها خطابات فعليّة وحقيقيّة بالنسبة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ).

ومنها : خطابات عامّة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعموم الناس كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا

__________________

(١) اصول الفقه : ٣ / ٣٦٨.

(٢) مناهج الوصول : ٢ / ٢٩٠.

(٣) المحاضرات : ٥ / ٢٧٦.

١٦٥

النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ).

فهذه الخطابات خطابات إنشائيّة ولكن كانت بالنسبة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعليّة وبقيت على الانشائيّة بالنسبة إلى غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل قراءته ايّاها لهم وتصير فعليّة لغيره عند وجوده والتفاته إليها وبقيت على الانشائيّة بالنسبة إلى المعدومين إلى حين وجودهم والتفاتهم.

ومنها : خطابات أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يخاطب بها كقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ولا إشكال في أنّها فعليّة بالنسبة إلى الحاضرين وانشائيّة بالنسبة إلى غير الحاضرين والموجودين وتصير فعليّة عند وجودهم وحضورهم.

وكيف كان فخطابات الله سبحانه وتعالى لا تكون متوجّهة إلى الناس من دون وساطة وكفى ذلك في كون الناس مطلقا سواء كانوا حاضرين في المسجد أو غائبين أو غير موجودين غير مخاطبين بخطاب الله سبحانه وتعالى حقيقة إذ لم يكونوا طرفا لخطابه تعالى وهو يقتضي أن تكون الخطابات انشائيّة لا حقيقيّة لأنّ المفروض هو نزولها على قلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو لم يكن الناس طرفا لخطابه تعالى فلا مجال لدعوى أنّ الخطابات القرآنيّة الإلهيّة متوجّهة إلى الحاضرين في مجلس الوحي من دون واسطة وقياس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشجرة موسى على نبيّنا وآله وعليه‌السلام كما ترى إذ ذلك مع عدم مناسبته مع شأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير سديد بعد كون الخطابات نازلة على قلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالنبيّ بعد نزولها قرءها للناس.

فتحصّل أنّ حال الحاضرين بالنسبة إلى الخطابات القرآنيّة الإلهيّة كحال غيرهم من الغائبين وغير الموجودين في عدم كونهم طرفا للخطاب الحقيقي.

ومن المعلوم أنّ مجرّد كون الخطابات الإلهية بداعي الأفهام للناس من دون وجود الطرفيّة للخطاب بلا واسطة لا يكفي في كون الخطابات الإلهيّة خطابات حقيقيّة.

١٦٦

وممّا ذكر يظهر ما في نهاية الاصول حيث قال إنّ شمول الخطابات للمعدومين ليس باعتبار حال العدم بل باعتبار ظرف الوجود كيف ولا يكون المعدوم في ظرف العدم مصداقا لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ، مثلا وفي ظرف وجوده يكون الخطاب بالنسبة إليه حقيقيّا لا ادّعائيّا حيث أنّ الكلام القي إليه بداعي الافهام لا بداعي التحسّر وأمثاله فكيف جعل صاحب الكفاية قدس‌سره الخطابات القرآنيّة خطابات ايقاعيّة غير حقيقيّة (١).

وذلك لما عرفت من أنّ الخطاب الحقيقي فيما إذا كان المكلّف طرفا للخطاب والمخاطبة وتلقّى الكلام عن المتكلّم من دون وساطة شخص والخطابات القرآنيّة لا تكون من كذلك وإحاطة الله تعالى بجميع خلقه لا توجب حدوث مخاطبة مع كلّ موجود حاضر ملتفت في ظرف وجوده بل هو يسمع ما خاطبه الله مع نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فلا محيص إلّا عن كون الخطابات القرآنيّة العامّة المتوجّهة إلى الناس بداعي الافهام خطابات إنشائيّة تصير فعليّة بالنسبة إلى كلّ حاضر ملتفت إليه ونسبة الحاضرين والغائبين وغير الموجودين إليها سواء لأنّ جميعهم لم يكونوا طرفا لمخاطبته سبحانه وتعالى بالحقيقة.

ثمرة البحث عن تعميم الخطابات وعدمه

ذكروا للبحث ثمرات منها أنّ بناء على التعميم لا تختصّ حجّيّة ظهور خطابات الكتاب وغيره بالمشافهين بخلاف ما إذا لم نقل بالتعميم فإنّ الحجّيّة حينئذ تختصّ بالمشافهين فلا تشمل الغائبين وغير الموجودين.

وفيه كما في الدرر أوّلا أنّ هذا مبنيّ على اختصاص حجّيّة الظواهر بمن قصد

__________________

(١) نهاية الاصول : ١ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

١٦٧

إفهامه كما يظهر من المحقّق القمّي قدس‌سره وقد ذكر في محلّه عدم صحّة المبنى وثانيا : أنّه لا ملازمة بين كون المشافهين مخصوصين بالخطاب وكونهم مخصوصين بالإفهام بل الناس كلّهم مقصودون بالافهام إلى القيامة وإن قلنا بعدم شمول الخطاب إلّا لخصوص المشافهين (١).

وأمّا ما في كلام المحقّق النائيني قدس‌سره من وجود الثمرة سواء قلنا بمقالة المحقّق القمي أو لم نقل إذ مع تعميم الخطابات بالنسبة إلى المشافهين وغيرهم يؤخذ بها في غير المشافهين ومع عدم التعميم المذكور يحتاج التسرية إلى قاعدة الاشتراك ولو كانت حجّيّة الخطابات غير مختصّة بمن قصد إفهامه وقاعدة الاشتراك غير جارية مع احتمال اختصاص الخطابات بالموجودين في زمان الحضور. فالثمرة موجودة ففيه :

أوّلا أنّ احتمال مدخليّة الوجود في زمان الحضور موهون وعليه فلا ثمرة لأنّه على فرض التعميم يؤخذ بالعموم وعلى فرض عدم التعميم واختصاص الخطابات بالمشافهين تكون حجّيّتها غير مختصّة بهم فيمكن أن يؤخذ بإطلاق الحجّيّة فلا ثمرة وثانيا أنّ معنى عموميّة الحجّيّة وعدم اختصاصها بمن قصد إفهامه هو عدم دخالة خصوصيّة الحضور فلا حاجة إلى قاعدة الاشتراك بعد تعميم الحجّيّة ، فافهم.

ومنها صحّة التمسّك بإطلاق الكتاب والسنّة على التعميم بالإضافة إلى الغائبين والمعدومين كقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فإنّه لا مانع من التمسّك بعمومه للغائبين والمعدومين وإن كانوا مخالفين مع المشافهين في الصنف كوصف الحضور.

هذا بخلاف عدم التعميم واختصاص الخطابات بالمشافهين فإنّها مختصّة بالحاضرين وإثباتها لغيرهم يحتاج إلى تماميّة قاعدة الاشتراك في التكليف هنا.

__________________

(١) الدرر : ١ / ٢٦٦.

١٦٨

وهذه القاعدة لا تجري إلّا مع اتّحاد الصنف وهو مفقود في المقام من جهة وصف الحضور.

فالآية المذكورة لا تدلّ على وجوب صلاة الجمعة على الغائبين لاحتمال اختلافهم مع المشافهين في الصنف كأن كان وجوبها مشروطا بحضور السلطان أو نائبه الخاصّ المفقود ذلك الشرط في حقّ الغائبين والمعدومين فلا تجري قاعدة الاشتراك مع عدم الاتّحاد في الصنف.

وفيه أنّه يمكن منع ذلك لجواز التمسّك حينئذ بأصالة عدم القيد وأصالة الاطلاق بالنسبة إلى نفس المشافهين لرفع الشكّ في دخالة وصف الحضور ومجرّد كونهم واجدين للشرط لا يمنع من جريان الأصل المذكور بالنسبة إلى المشافهين لاحتمال عروض العدم بالنسبة إلى وصف الحضور ومع جريان الأصل المذكور لا مدخليّة لوصف الحضور وعليه فتجري قاعدة الاشتراك لوحدة المشافهين مع الغائبين في الأوصاف الدخيلة في الحكم ولا اعتبار بغير الأوصاف الدخيلة في الحكم كما لا يخفى.

اورد عليه بأنّ الأصل المذكور لا يجري في المقام إذ مرجع الأصل المذكور إلى قبح إرادة المقيّد من المطلق ولا قبح لإطلاق الخطاب فيما إذا كان المخاطب واجدا للشرط فإهمال القيد لا يوجب قبحا.

واجيب عنه بأنّ ذلك صحيح فيما لا يتطرّق إليه العدم وأمّا فيما تطرّق إليه العدم والفقدان فأصالة الإطلاق تجري فيه لرفع الشكّ عنه وإلّا فإرادة المقيّد مع إطلاق الكلام قبيح.

والحضور ممّا يتطرّق إليه الفقدان كما أفاد شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره لأنّ جميع المكلّفين القاطنين في جميع نقاط كرة الأرض لم يكونوا متمكّنين في يوم جمعتهم الحاضرة من الوصول بخدمة الإمام عليه‌السلام أو من نصبه الإمام عليه‌السلام إلّا أن يجعل تمكّن

١٦٩

البعض شرطا لتكليف الكلّ وهو كما ترى لم يحتمله أحد (١).

فالحضور لا كلّيّة له لا بالنسبة إلى المكان ولا بالنسبة إلى الزمان ولا بالنسبة إلى الإمام والسلطان ولا بالنسبة إلى المؤمنين فإذا تطرّق الفقدان بالنسبة إلى الحضور فمع اطلاق الدليل وعدم تقييده بالحضور بالنسبة إلى المشافهين يثبت الاتّحاد بين المشافهين وغيرهم فتجري قاعدة الاشتراك ويتعدّى الحكم عن مورد الخطابات إلى غيرهم من الغائبين والمعدومين فلا ثمرة بين أن نقول بالتعميم وبين أن لا نقول به كما لا يخفى.

وإليه يؤوّل ما في الكفاية حيث قال ولا يذهب عليك أنّه يمكن إثبات الاتّحاد وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له ممّا كان المشافهون واجدين له بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به وكونهم كذلك لا يوجب صحّة الاطلاق مع إرادة المقيّد منه فيما يمكن أن يتطرّق إليه الفقدان وإن صحّ فيما لا يتطرّق إليه ذلك.

وليس المراد بالاتّحاد في الصنف إلّا الاتّحاد فيما اعتبر قيدا في الأحكام لا الاتّحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الأنام بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيّام وإلّا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلا عن المعدومين حكم من الأحكام (٢).

وقال أيضا في الدرر ليس في الخارج أمر يشترك فيه جميع المشافهين إلى آخر عمرهم ولا يوجد عندنا وحينئذ لو احتملنا اشتراط شيء يوجد في بعضهم دون آخر أو في بعض الحالات دون بعض يدفعه أصالة الإطلاق والله أعلم بالصواب (٣).

اورد عليه سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره بظهور الثمرة في بعض الأحيان كالتمسّك

__________________

(١) اصول الفقه : ٣ / ٣٦٩.

(٢) الكفاية : ١ / ٣٦٠.

(٣) الدرر : ١ / ٢٢٦.

١٧٠

بالآية لوجوب صلاة الجمعة علينا إذا احتملنا اشتراط وجوبها أو جوازها بوجود الإمام عليه‌السلام ولو كان الحكم مختصّا بالمخاطبين أو الحاضرين في زمن الخطاب لما ضرّ الإطلاق بالمقصود لتحقّق الشرط وهو حضوره إلى آخر عمر الحاضرين ضرورة عدم بقائهم إلى غيبة وليّ العصر عجّل الله فرجه فلا يرد عليه ما اورد شيخنا العلّامة فراجع (١).

وعليه فوجود الامام بالنسبة إلى المشافهين ممّا لا يتطرّق إليه الفقدان ومع اشتراطه فلا حاجة إلى التقييد لأنّ القيد حاصل ولا يلزم من الإطلاق نقض الغرض فلا يجري فيه أصالة الإطلاق بالنسبة إلى المشافهين حتّى يكونوا متّحدين مع الغائبين فتجري قاعدة الاشتراك هذا بخلاف ما إذا قلنا بالتعميم فتظهر الثمرة اللهمّ إلّا أن يقال إن وجود الإمام المحتمل اشتراطه هو وجوده مع بسط يده وحضوره لا مطلق الوجود والّا فهو حاصل أيضا في زمن الغيبة لأنّ الإمام الثاني عشر عليه‌السلام موجود وتحقّق هذا الوجود أي مع بسط يده إلى آخر عمر الحاضرين معلوم العدم إذ لم يكن الأئمّة عليهم‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبسوطي اليد إلّا في زمن قليل وعليه فأصالة الاطلاق يدفع احتمال اشتراطه فلا ثمرة.

__________________

(١) راجع الدرر : ١ / ٢٩٤.

١٧١

الخلاصة :

الفصل الخامس : في عموميّة التكاليف والخطابات

لغير الموجودين والحاضرين

ويقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : في التكاليف الّتي لا تكون مقرونة بأداة الخطاب وليست بصيغ الأمر ، ولا إشكال في كون هذه التكاليف بنحو القضيّة الحقيقيّة ، فلا تختصّ بالمشافهين ، بل تعمّ الغائبين والمعدومين.

ثم إنّ تعميم التكاليف بنحو القضيّة الحقيقيّة للمعدومين ليس بلحاظ ظرف عدمهم ، بل بلحاظ ظرف وجودهم ، وفرض تحقّقهم ، ففي مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) ، ليس وجوب الحجّ مقصورا على من وجد واستطاع حال نزول الآية الكريمة ، بل الحكم فيها يعمّ الموجود والمعدوم حاله ، ولكنّ المعدوم في ظرف عدمه لا يكون مشمولا للحكم الفعليّ ولا الإنشائيّ ، وإنّما يصير مشمولا له على فرض تحقّقه ووجوده بداهة ، أنّ الموضوع للحكم الانشائيّ والفعليّ في الآية ، هو ـ من كان من الناس ـ وصدق عليه المستطيع ،

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

١٧٢

والمعدوم في رتبة عدمه ليس من أفراد الناس ، ولا يصدق عليه أنّه مستطيع ، فلا تعقل سراية الإنشاء إليه ، فإنّ الحكم المنشأ لا يسري من موضوعه إلى شيء آخر ، نعم إنّما يصير المعدوم حال الخطاب في ظرف وجوده ، وتحقّق الاستطاعة له مصداقا لما هو الموضوع في الآية ، فيتحقّق حينئذ بالنسبة إليه التكليف الانشائيّ ، وبتحقّق سائر الشرائط العامّة يصير فعليّا.

ومقتضى ما ذكر أنّ القضيّة حقيقيّة ، والحكم فيها متعلّق بالمصاديق الموجودة سواء كانت محقّقة الوجود أو مقدّرة الوجود والقضيّة المذكورة فعليّة بالنسبة إلى المصاديق المحقّقة ، وإنشائيّة بالنسبة إلى ما سيوجد في ظرف وجوده ، وعليه فلا يتعلّق الحكم بالمعدوم.

ولا حاجة معه في إمكان تعلّق التكليف الفعليّ بالنسبة إلى غير الموجودين بالفعل إلى تعليق التكليف الفعليّ بالموجود الاستقبالي ، نظير الواجب المعلّق ، بدعوى أنّ إرادة شيء فعلا ممّن يوجد استقبالا كإرادة ما لم يمكن فعلا بل يمكن تحقّقه استقبالا.

وذلك لما عرفت من أنّ موضوع القضيّة الحقيقيّة ، هو الطبيعة بما هي مرآة وحاكية عن مصاديقها الموجودة بحسب ظروفها ، فيشمل التكليف غير الموجودين بنفس القضيّة الحقيقيّة.

وأيضا ، لا وجه لجعل الحمليّة ، مشروطة بوجود المعدوم لتوجيه التكليف إلى المعدوم ، إذ القضايا الحقيقيّة ليست مشروطة ، وإن أمكن تحليلها إليها في العقل.

فتحصّل أنّه يكفي في شمول التكاليف ، بالنسبة إلى غير الموجودين في عصر الصدور كون القضايا حقيقيّة لأنّ موضوعاتها تعمّ كلّ موجود في ظرف وجوده من دون لزوم محذور تعلّق التكليف بالمعدوم ، فالحكم فعليّ بالنسبة إلى المصاديق الموجودة بالفعل ، وإنشائيّ بالنسبة إلى المصاديق الموجودة في الظروف الآتية ، والقضيّة

١٧٣

حمليّة لا مشروطة ، وتحليلها إلى المشروطة لا يصيّرها مشروطة.

المقام الثاني : أنّ التكاليف المقرونة بأداة النداء والخطاب ، أو التكاليف المنشأة بصيغ الأمر والنهي التي تستلزم المخاطبة كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وقوله عزوجل : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) وقوله تبارك وتعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) وغير ذلك هل تكون كغيرها من التكاليف الّتي لا تستلزم المخاطبة في التعميم بالنسبة إلى الغائبين والمعدومين ، أو لا تكون كذلك؟

يمكن القول بالتعميم على وجه الحقيقة ، بيان ذلك ، أنّ أداة الخطاب. وإن كانت موضوعة لأن يخاطب بها ، والمخاطبة إنّما تقتضي أن تكون إلى مخاطب يتوجّه إليه الخطاب ، وذلك لا يعقل في حقّ المعدوم إلّا أنّه يمكن تنزيل المخاطب المعدوم منزلة المخاطب الموجود ، وادّعاء أنّه الموجود ، ومجرّد ذلك يكفي في استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزام ، لتصرّف آخر في اللفظ باستعماله في غير معناه.

والوجه في التنزيل المذكور ، أنّه لا يعقل التعميم في مدلول أداة الخطاب ، لأنّ الخطاب ، إمّا من الامور الحادثة بالأداة ، أو من الامور الّتي يكشف عنها الأداة ، سواء كانت الأداة علامة أو غيرها ، وعلى كلّ التقادير ، فالخطاب من المعاني الشخصيّة الجزئيّة التي لا تحتمل العموم ، نعم يصحّ التعميم في مدخول الأداة.

فمع ادّعاء المعدوم بمنزلة الموجود تعمّ الخطابات المذكورة لغير المشافهين أيضا.

أورد عليه بأنّ مجرّد الإمكان ، لا يكفي والتنزيل المذكور يحتاج إلى الدليل ، هذا مضافا إلى أنّ المخاطبة الحقيقيّة لا تمكن إلّا إذا كان الغير موجودا حقيقة ، بحيث يتوجّه إلى الكلام ويلتفت إليه ، وفرض الحضور والالتفات لا يوجب كون الخطاب على الحقيقة ، وإن لم تستعمل أداة الخطاب في غير معناها.

فالأولى هو أن يقال ، إنّ الخطابات إنشائيّة كالتكاليف الإنشائية وتصير فعليّة ، فيما إذا كان المخاطب موجودا وحاضرا وملتفتا وبقيت على الإنشائيّة فيما إذا لم يكن

١٧٤

المخاطب موجودا وحاضرا وملتفتا ، إلى أن يصير كذلك ، وبالجملة فالموضوع كالمتعلّق مأخوذ في القضيّة الحقيقيّة كلّيّا وهو كلّ من وجد وحضر والتفت ، فالخطابات الانشائيّة متصوّرة وشايعة في مثل الخطابات الكتبيّة إلى كلّ من يرى الكتابة ، ألا ترى أنّ المؤلّفين كانوا يخاطبون كثيرا ما من يقرأ كتابهم بقوله «فافهم» و «اعلم» وغيرهما من الخطابات.

ولا حاجة إلى التنزيل المذكور ، بعد كون المتفاهم من أدوات الخطاب الإنشائيّ هو إظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداعي تفهيم المخاطب في ظرف وجوده عند التفاته ، وعليه فلا مانع من شموله للغائبين والمعدومين.

ولا منافاة بين جزئيّة النداء وكلّيّة المنادى كما لا منافاة بين جزئيّة البعث وكلّيّة المبعوث إليه.

وعليه فالحقّ ، هو التفصيل بين الخطاب الحقيقيّ الفعليّ والخطاب الإنشائيّ واختيار عدم الإمكان في الأوّل دون الثاني.

وأمّا الخطابات الواردة في القرآن الكريم ، حيث لا تكون متوجّهة إلى الناس من دون وساطة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهي خطابات إنشائيّة لا حقيقيّة لأنّ الناس لم يكونوا طرفا لخطابه تعالى ، ولا فرق في ذلك بين الحاضرين وغيرهم.

نعم ، الخطابات العامّة الصادرة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تكون فعليّة حقيقيّة بالنسبة إلى الحاضرين ، وإنشائيّة بالنسبة إلى غيرهم ، وهذه الخطابات عامّة ولا حاجة مع عمومها إلى تنزيل غير الحاضر بمنزلة الحاضر ، كما لا يخفى.

ثمرة البحث عن تعميم الخطابات :

ذكروا للبحث عن تعميم الخطابات ، للمعدومين والغائبين وعدمه ثمرات :

منها أنّه بناء على التعميم ، لا تختصّ حجّيّة ظهور الخطابات بالمشافهين ، بخلاف

١٧٥

ما إذا لم نقل بالتعميم ، فتختصّ الحجّيّة بهم ولا تشمل الغائبين وغير الموجودين.

اورد عليه بأنّ هذا مبنيّ على اختصاص حجّيّة الظواهر بمن قصد إفهامه مع أنّه لا وجه له ، لأنّ الناس كلّهم مقصودون بالإفهام إلى يوم القيامة وإن قلنا بعدم شمول الخطاب إلّا لخصوص المشافهين.

ومنها صحّة التمسّك بإطلاق الكتاب والسنّة على التعميم بالإضافة إلى الغائبين وغير الموجودين ، بخلاف ما إذا لم نقل به ، فإنّه لا يصحّ التمسّك بإطلاقهما إلّا مع قاعدة الاشتراك ، وهذه القاعدة لا تجري إلّا مع اتّحاد الغائبين وغير الموجودين مع الحاضرين في الصنف ، وهو مفقود في المقام من جهة احتمال مدخليّة وصف حضور الإمام أو نائبه الخاصّ في مثل صلاة الجمعة ، ولا يوجد هذا الوصف في غير الموجودين.

وفيه أنّ احتمال مدخليّة وصف الحضور في صلاة الجمعة مدفوع بأصالة الإطلاق وعدم التقييد بالنسبة إلى المشافهين وكونهم واجدين لهذا الشرط لا يمنع من جريان أصالة عدم التقييد بالنسبة إليهم لاحتمال عروض عدم بقاء هذا الوصف ، إذ المراد من الحضور هو الحضور مع بسط اليد وهو ممّا يمكن أن يعرضه العدم ، وعليه فلا مانع من جريان قاعدة الاشتراك للتساوي بين المشافهين وغيرهم بعد جريان أصالة عدم التقييد ، وليس المراد من الحضور مجرّد الوجود حتّى يقال لا يعرض لهذا الوصف ، فاذا لم يعرض عدم للوصف الموجود فلا ضرورة في تقييده مع احتمال مدخليّته ، لأنّ الفرض أنّه موجود ولا يعرضه العدم ، وحينئذ فلا يمكن إثبات الحكم في غيرهم بقاعدة الاشتراك لعدم اتّحادهم معهم في الوصف المذكور.

وذلك لما عرفت من ، أنّ المراد من وصف الحضور هو الحضور مع بسط اليد ، ومن المعلوم أنّه ممّا يتطرّق إليه العدم فأصالة عدم التقييد جارية ومع جريانها لا فرق بين المشافهين وغيرهم ، فتجري قاعدة الاشتراك.

١٧٦

هذا مضافا إلى أنّه لو سلّمنا أنّ الوصف هو وصف وجود الإمام من دون اعتبار بسط اليد ، فلا إشكال في أنّه متحقّق في كلّ زمان ، إذ الإمام موجود في كلّ عصر وعليه فلا يصحّ دعوى أنّ غير المشافهين لا يكونون واجدين للوصف ، فمع وجود هذا الوصف في المشافهين وغيرهم تجري قاعدة الاشتراك فلا ثمرة.

١٧٧

الفصل السادس : في أنّ تعقّب العامّ بضمير

لا يراد منه إلّا بعض أفراد العامّ هل يوجب

تخصيص العامّ به أو يوجب الإجمال أو لا؟

وقد اختلف فيه الأعلام والمختار هو عدم التخصيص وعدم الإجمال فيما إذا استقل العامّ.

وتوضيح ذلك أنّ محلّ الخلاف ما إذا وقعا في كلامين مع استقلال العامّ بما حكم عليه في الكلام كما في قوله تبارك وتعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) ـ إلى قوله ـ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ).

فإنّ العامّ والضمير في كلامين والمطلّقات عامّة تشمل الرجعيّات وغيرها من البائنات وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ مختصّة بالرجعيّات إمّا بالدليل الخارجي أو بإسناد البعولة اليهنّ مع وجود الطلاق فإنّه لا يكون إلّا في الرجعيّات أو ما إذا وقعا في كلام واحد مع استقلال العامّ بما حكم عليه في الكلام كما في قوله أكرم العلماء وأصدقائهم مع فرض إرادة إكرام أصدقاء عدول العلماء فإنّ العامّ مستقلّ بما حكم عليه وإن كان العامّ مع الضمير في كلام واحد لأنّ العطف في قوّة تكرار الفعل فكأنّه قال أكرم العلماء وأكرم أصدقائهم.

وأمّا إذا لم يكن العامّ مستقلا بما حكم عليه بل الحكم واحد كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) فلا نزاع في تخصيص العامّ إذ حكم التربّص ليس لجميعهنّ

١٧٨

وعليه فالمطلّقات وإن كانت شاملة لليائسة وغير مدخول بها ولكن يختصّ بغيرهما بسبب التربّص كما لا يخفى.

دعوى الإجمال

ربّما يقال حيث دار الأمر في المقام بين التصرّف في العامّ بالتخصيص أو التصرّف في الضمير بارجاعه إلى البعض تصير القضيّة الاولى مجملة لوجود ما يصلح للقرينيّة في الكلام وهو الضمير الراجع إليه إذ الضمير المذكور يجعل القضيّتين بمنزلة كلام متّصل واحد.

وفيه أنّ استقلال الحكمين يمنع عن حدوث الاجمال هذا مضافا إلى منع التصرّف لا في الضمير ولا في العامّ لأنّهما لم يستعملا في غير ما وضع له.

قال شيخ مشايخنا في الدرر يمكن أن يقال إنّ مجرّد القطع باختصاص الحكم المذكور في الثانية ببعض أفراد العامّ لا يوجب التصرّف في إحدى القضيّتين في مدلولهما اللفظي بل يصحّ حمل كلتا القضيّتين على إرادة معناهما اللغويّ في مرحلة الاستعمال مع الالتزام بخروج بعض أفراد العامّ في الثانية عن الإرادة الجدّيّة كما أنّه لو كان في القضيّة الثانية الاسم الظاهر مكان الضمير مثل «وبعولة المطلّقات» فإنّ مجرّد العلم بخروج بعض الأفراد من القضيّة الثانية لا يوجب الإجمال في الأوّل فكذلك حال الضمير من دون تفاوت فتدبّر جيّدا (١).

وتوضيحه كما أفاد شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره بأنّ الضمير راجع إلى المراد الاستعمالي من العامّ السابق ولا شكّ أنّ الخاصّ منفصل فالمراد الاستعمالي في العامّ جميع الأفراد فيكون المراد من الضمير أيضا ذلك.

__________________

(١) الدرر : ١ / ٢٢٧.

١٧٩

فلو رجع التخصيص إلى العامّ فلا يرفعه عن الضمير وأمّا الاستخدام فليس إلّا كحال التجوّز في العمومات الأخر حيث قلنا في محلّه إنّ باب التخصيص في الاسم الظاهر ليس راجعا إلى التجوّز.

فكذلك في اسم الضمير الراجع إلى العامّ أيضا ليس باب التخصيص فيه راجعا إلى الاستخدام بل هو تصرّف في اللبّ مع محفوظيّة المراد الاستعمالي بحاله.

وإذن فيبقى الأمر بين رفع اليد عن أصالة التطابق بين الاستعماليّ والجدّي في مقامنا في كلّ من الظاهر والضمير وبينه في خصوص الأخير فقط ومن الواضح تعيّن الثاني هذا (١).

والوجه في تعيّن الثاني هو أنّ أصالة العموم في الاسم الظاهر لا معارض له كما أنّ استقلال الأحكام يمنع عن الأخذ بالظهور السياقيّ الناشئ من رفع اليد عن أصالة التطابق في ناحية الضمير كما لا يخفى.

دعوى الاستخدام والمجاز

وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية حيث ذهب إلى الدوران بين التصرّف في العامّ بإرادة خصوص ما اريد من الضمير الراجع إليه أو التصرّف في ناحية الضمير إمّا بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلى تمامه مع التوسّع في الاسناد باسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكلّ توسّعا وتجوّزا (٢).

وذلك لما عرفت من أنّ الضمير راجع إلى المراد الاستعمالي من العامّ السابق والتصرّف فيه في الإرادة الجدّيّة لا في الإرادة الاستعماليّة وعليه فلا مورد للدوران

__________________

(١) اصول الفقه : ٣ / ٣٧١.

(٢) الكفاية : ١ / ٣٦٢.

١٨٠