عمدة الأصول - ج ٤

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

فكما أنّ أصالة الحقيقة تجري فيما إذا شكّ في لفظ أنّه استعمل في معناه الحقيقي أو في غيره ويحكم بكونه مستعملا في معناه الحقيقي ويعين المراد لا فيما إذا علم أنّ اللفظ استعمل في معنى وشكّ في أنّه معناه الحقيقي أو غيره فكذلك أصالة العموم جارية فيما إذا شكّ في خروج فرد وعدمه لا ما إذا علم بالخروج من الحكم وشكّ في أنّه فرد من العامّ أو ليس بفرد.

قال شيخنا الاستاذ الأراكي قدس‌سره الحقّ أن يقال إنّ هذه الاصول حيث تكون مأخوذة من العقلاء لبّا فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن والقدر المتيقّن من إجراء العقلاء هو في الشبهات المراديّة.

ولعلّ السرّ أنّ وجه الحاجة إليها هو الإلزام والالتزام والاحتجاج بين المتكلّم والمخاطب فلو قال أكرم العلماء فلم يكرم المخاطب فردا من العلماء يلزمه المتكلّم ويحتجّ عليه بأنّه لم لم تكرمه مع أنّ العلماء قد شمل هذا أيضا كما أنّه لو أكرم المخاطب فردا وقال المتكلّم لم أكن مريدا لإكرام هذا الفرد كان للمخاطب الزامه والاحتجاج عليه بأنّ لفظك كان عامّا شاملا لهذا أيضا وإن كنت غير مريد لاكرامه كان عليك الاستثناء.

والحاصل أنّ إلزام أحد المتخاطبين للآخر واحتجاجه عليه إنّما يكون في مقامات الشكّ في المراد وأمّا لو كان المراد معلوما فلا إلزام ولا احتجاج في البين كما لا يخفى (١).

ولكن لا يخلو هذا عن التأمّل والنظر وسيأتي بيانه فيما يلي إن شاء الله تعالى.

هذا كلّه فيما إذا كان دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص بالنسبة إلى فرد واحد.

__________________

(١) اصول الفقه : ١ / ٣٠٠.

١٢١

وأمّا إذا كان ذلك بين فردين كما إذا علمنا بخروج فرد من حكم العامّ ولكن دار أمره بين فردين أحدهما فرد للعامّ والآخر ليس فردا له فحينئذ تردّد أمر زيد في مثل لا يجب اكرام زيد بين زيدا العالم وغيره.

فقد عرفت أنّ الشيخ الأعظم قدس‌سره ذهب في هذه الصورة أيضا كالصورة السابقة إلى جريان أصالة عدم التخصيص ووافقه في هذه الصورة جماعة منهم السيّد المحقّق الخوئي قدس‌سره في المحاضرات حيث قال لا مانع من التمسّك بأصالة العموم بالاضافة إلى زيد العالم لفرض أنّ الشكّ كان في خروجه عن حكم العامّ وبذلك يثبت التخصّص في هذه الصورة يعني أنّ الخارج هو زيد الجاهل بناء على أنّ مثبتاتها حجّة والوجه فيه هو أنّ هذا المورد من موارد التمسّك بها.

حيث إنّ فرديّته للعامّ محرزة والشكّ إنّما هو في خروجه عن حكمه وهذا بخلاف المسألة المتقدّمة حيث إنّها بعكس ذلك تماما يعني أنّ هناك كان خروج الخارج عن حكم العامّ معلوما والشكّ إنّما هو في فرديّته له وقد تقدّم أنّه لا دليل في مثل ذلك على جريان أصالة العموم لإثبات التخصّص (١).

وفيه أنّ إحراز الفرديّة وعدمه لا دخل له في ذلك لأنّ في كليهما نشكّ في خروج الفرد عن حكم العامّ ومقتضى أصالة عدم التخصيص كما أفاد شيخنا الأعظم هو عدم التخصيص فالعمدة هي ملاحظة أنّ أصالة عدم التخصيص في أمثال الموردين الذين نعلم الحكم ونشكّ في كيفيّة محكوميّة الفرد أنّها من باب التخصيص أو التخصّص جارية أم لا.

وقد عرفت تنظير أصالة عدم التخصيص بأصالة الحقيقة وأنّها مختصّة بما إذا شكّ في أصل الحكم كما أنّ أصالة الحقيقة مختصّة بما إذا شكّ في أصل المراد فلا تشمل

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٢٤٣.

١٢٢

أصالة عدم التخصيص ما إذا كان الحكم معلوما كما أنّ أصالة الحقيقة لا تشمل ما إذا كان المراد من اللفظ معلوما والشكّ في الاستناد ومقتضى هذا التنظير هو عدم جريان أصالة عدم التخصيص في الموردين لأنّ الشكّ في الاستناد لا المراد.

اللهمّ إلّا أن يقال إنّ قياس أصالة عدم التخصيص بأصالة الحقيقة في غير محلّه لأنّ الاستعمال في المراد معلوم في موارد عدم جريان أصالة الحقيقة وإنّما الشكّ في الاستناد من جهة أنّه من باب استعمال اللفظ في معناه أو من باب المجاز فلا أصل في البين للتعيين.

هذا بخلاف المقام فإنّ الحكم وإن كان معلوما ولكن خروج الفرد عن العامّ مشكوك في الموردين ومع الشكّ في الخروج تجري أصالة عدم التخصيص في الموردين كما ذهب إليه الشيخ الأعظم قدس‌سره إذ العلم بالحكم لا يلازم العلم بخروج الفرد من العامّ وعليه فالشكّ في خروج فرد من العامّ باق ومع بقائه يكون مجرى لأصالة عدم التخصيص إذ هي جارية لتعيين حدود المراد والمفروض أنّ حدوده مشكوك وبجريانه حكم بأنّه عامّ وحدود المراد كالمراد فكما أنّ أصالة عدم التخصيص جارية في المراد فكذلك جارية في تعيين حدوده.

ولذلك استدرك شيخنا الاستاذ الأراكي في كتاب الطهارة بعد نقل عدم جريان أصالة عدم التخصيص من جهة أنّ مورد هذا الأصل هو الشبهة المراديّة لا الاستناديّة بقوله ولكنّ الأصل الجاري في جانب العموم في موارد معلوميّة الحكم ومجهوليّة العنوان له وجه يمكن القول باعتباره وإن قيل بعدم اعتباره في جانب الحقيقة في الشبهة المراديّة وذلك لأنّ الشبهة في تلك الموارد مراديّة من جهة وغيرها من اخرى.

أمّا الاولى فمن حيث الشبهة في إرادة المتكلّم ففي ما لو علم بعدم وجوب إكرام زيد مع الجهل بعالميّته وجاهليّته لا يعلم الإرادة الجدّيّة للمتكلّم ب «أكرم العلماء» هل

١٢٣

هي تعلّقت بكلّ عالم أو بما سوى زيد وهذا بخلاف ما لو علم أنّه أراد بالأسد الرجل الشجاع ولم يعلم أنّه حقيقة فيه أو مجاز فإنّه لا اشتباه في إرادة المتكلّم ومراده أصلا لأنّ إرادة الرجل الشجاع من لفظ الأسد معلومة وإنّما الشكّ في أمر خارج عن الإرادة وهو أنّه هل اعتمد في هذه الإرادة على الوضع أو على القرينة والعلاقة.

وبالجملة فمن هذا الحيث يمكن إدراج الشبهة (في المقام) في الموارد المذكورة في الشبهة المراديّة (١).

وقد حكى في حاشية الدرر عن المحقّق الحائريّ اليزدي قدس‌سره أيضا إنّه قال ولكنّ الانصاف الفرق بين التمسّك بأصالة الحقيقة في مورد القطع بالمراد لأنّ المراد الجدّي هناك معلوم بخلاف المقام فيصحّ التمسّك بأصالة العموم لتعيين المراد الجدّي ولازم ذلك كشف حال الموضوع (٢).

إلّا أنّ شيخنا الاستاذ قدس‌سره مع ذلك لم يجزم بما استدركه وأفاده أيضا شيخ الاستاذ الحائري قدس‌سره حيث قال فإن حصل الجزم بأنّ مورد الأصل هو مطلق الشبهة الواقعة في مراد المتكلّم من لفظه وإن لم يكن في نتيجة مراده من حيث العمل شبهة فهو المطلوب إلى أن قال وإن لم يحصل الجزم بذلك بأن علم اختصاص مورد الأصل بالشبهة في نتيجة المراد وأنّ الشكّ في المراد مع معلوميّة النتيجة ليس مجراه أو شكّ في أنّه هل يشمل هذا المورد أيضا أولا فاللازم الاقتصار على المورد المعلوم وهو الشبهة في النتيجة (٣).

ولقائل أن يقول إنّ البناءات العقلائيّة ليست بناءات جزئيّة بحسب الموارد حتّى نشكّ في بنائهم في هذا المورد وعدمه بل البناءات كلّيّة وبكلّيّتها تعمّ هذا المورد

__________________

(١) كتاب الطهارة : ١ / ٢١٠ ـ ٢١١.

(٢) الدرر : ١ / ٢٢٢.

(٣) كتاب الطهارة : ١ / ٢١١ ـ ٢١٢.

١٢٤

كغيرها وبعبارة اخرى بناء العقلاء في الشكّ في خروج الفرد من حكم العامّ على إجراء أصالة عدم الخروج وعدم التخصيص وإثبات أنّ العامّ لم يرد عليه التخصيص والفرد غير خارج وهذا الأصل كلّيّ يعمّ الموردين المذكورين في المقام لأنّ في كلّ واحد منهما ينتهي الشكّ إلى احتمال خروج الفرد والبناءات وإن كانت لمصلحة الاحتجاج لكنّها غالبيّة كما في سائر المصالح الموجبة للبناءات.

هذا مضافا إلى إمكان القول بوجود المصلحة المذكورة في المقام أيضا إذ بعد إثبات أنّ الفرد ليس من أفراد العامّ يترتّب عليه أحكام الجاهل وهذه الأحكام ممّا تصلح الاحتجاج بها فتدبّر وعليه فلا منافاة لعدم الشكّ من ناحية الحكم في المورد الأوّل مع عموم البناء لأنّ الشكّ في خروج الفرد موجود في هذه الصورة أيضا.

التنبيه السادس :

في مانعيّة العلم الإجمالي عن أصالة عدم التخصيص وعدمها في العمومات واعلم أنّه إن كان الحكم المعلوم إجمالا حكما غير إلزاميّ كالعلم بعدم وجوب إكرام زيد المردّد بين العالم والجاهل لا يمنع عن جريان أصالة عدم التخصيص إذ لا يلزم من جريانها مخالفة عمليّة.

وأمّا إذا كان الحكم المعلوم إجمالا حكما إلزاميّا كما إذا قيل لا تكرم زيدا ودار أمر زيد بين زيد الجاهل وزيد العالم فقد يقال إنّ العلم الإجمالي بحرمة إكرام زيد يمنع عن جريان أصالة عدم التخصيص وإن قلنا بجريانها في التنبيه الخامس من جهة كون الشبهة مراديّة لا استناديّة لأنّ العامّ غير متكفّل لبيان حال الأفراد وعليه فيسقط العامّ عن الحجّيّة بالاضافة إلى زيد العالم أيضا فلا يجوز التمسّك بالعامّ لوجوب إكرامه.

ويمكن الجواب عنه بأنّ العامّ وإن لم يكن متكفّلا لحال الأفراد إلّا أنّ أصالة عدم التخصيص لا معارض لها في طرف العامّ لخروج بعض الأطراف عن أفراد العامّ وعليه فتجري في العامّ ومع جريانها فيه تدلّ العامّ بالدلالة المطابقيّة على وجوب

١٢٥

إكرام زيد العالم لأنّه مقتضى عموم العامّ ومع دلالته على وجوبه تدلّ بالدلالة الالتزاميّة على انتفاء الحرمة عن إكرام زيد العالم وإثباتها لزيد الجاهل وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي إلى علمين تفصيليّين وهما العلم بوجوب إكرام زيد العالم والعلم بحرمة إكرام زيد الجاهل فلا يبقى ترديد في البين (١).

هذا بخلاف ما إذا كان أطراف المعلوم بالإجمال من أفراد العامّ كما إذا قيل لا تكرم زيدا العالم وهو مردّد بين زيدين العالمين فإنّ العلم الإجمالي بحرمة إكرام أحدهما يمنع عن جريان أصالة عدم التخصيص لمعارضتها في كلّ طرف بجريانها في الطرف الآخر وترجيح أحد الطرفين على الآخر ترجيح من غير مرجّح وعليه فأصالة عدم التخصيص في كلّ طرف ساقطة ومع سقوطها لا دليل على وجوب الإكرام في الطرفين ، نعم لو كان لأحدهما مرجّح فأصالة العموم جارية فيه ويعمّه العامّ فتدبّر.

__________________

(١) راجع المحاضرات : ٥ / ٢٤٣.

١٢٦

الخلاصة :

الفصل الثالث

في حجّية العامّ المخصّص في الباقي

بعد تخصيصه بالمخصّص المجمل

ولا يخفى عليك أنّ المخصّص قد يكون مجملا ، وهو إمّا بحسب المفهوم أو بحسب المصداق.

والأوّل : إمّا من جهة دوران المخصّص بين الأقلّ والأكثر ، كدوران معنى الفاسق بين مرتكب الكبيرة فقط أو الأعمّ من مرتكب الصغيرة.

وإمّا من جهة دوران المخصّص بين المتباينين ، كقولنا : «أكرم العلماء إلّا زيدا» وافترضنا تعدّد زيد في العلماء.

ثمّ إنّ المجمل المفهومي إمّا متّصل وإمّا منفصل ، فهذه أربعة أقسام للمجمل مفهوما.

والثاني ـ وهو المجمل بحسب المصداق ـ يكون من جهة عروض الاشتباه الخارجي وإن كان مفهوم المخصّص واضحا ، كما إذا شكّ في فسق شخص ولم تكن له حالة سابقة لتبادل أحواله ، فحينئذ يشكّ في انطباق عنوان العامّ أو الخاصّ من جهة الاشتباه الخارجي ، وهو على قسمين متّصل ومنفصل ، فمجموع ستّة.

لا إشكال في سراية الإجمال حقيقة إلى العامّ فيما إذا كان الخاصّ المجمل متّصلا ،

١٢٧

إذ إجمال المخصّص في هذه الصور يمنع عن انعقاد ظهور العامّ في العموم بحسب المراد سواء كان الإجمال في المخصّص من جهة دورانه بين الأقلّ والأكثر ، أو دورانه بين المتباينين ، أو شكّ في الانطباق والصدق من ناحية الاشتباه في الأمور الخارجيّة ، فهذه ثلاث صور :

وأمّا المجمل المفهومي المنفصل ، فلا إشكال في جواز الأخذ بعموم العامّ ، لأنّ أصالة عدم التخصيص لا معارض لها ، ومورد الاشتباه فيه من قبيل الشبهة البدويّة بعد انحلال المفهوم إلى الأقلّ ، والأكثر ، وعليه فما لم يعلم خروج فرد من العامّ يجب الأخذ به لعدم وصول المعارض إلينا من جانب المولى ، كما عليه جرت طريقة العقلاء في مقام الامتثال للأوامر.

كما لا إشكال أيضا في عدم جواز الأخذ بالعامّ فيما إذا كان المخصّص المنفصل مردّدا بين المتباينين ، كقوله : «لا تكرم زيدا» ، وهو مردّد بين شخصين من العلماء ، وذلك لسقوط أصالة العموم بالنسبة إليهما إذ المخصّص المذكور وإن لم يوجب الإجمال في المفهوم ؛ لأنّ الظهور في العامّ منعقد ، ولكن يوجب الإجمال حكما ، لأنّ مع المخصّص المذكور يحصل العلم الإجمالي بخروج أحدهما ، ومعه يسقط العامّ عن الاعتبار بالنسبة إلى مورد التخصيص ، ومن المعلوم أنّ تعيين أحدهما بلا مرجّح وتعيين أحدهما لا بعينه ليس موردا للعامّ ، فأصالة العموم في كلّ ، طرف تعارض أصالة العموم في طرف آخر ، فإذا تعارضت أصالة العموم في كلّ طرف صار العامّ ، في حكم المجمل ، ولا يمكن التمسّك به في طرف أصلا ، فهذه خمس صور ، وبقيت صورة واحدة ، وهي ما إذا كان المخصّص منفصلا وكان الاشتباه والإجمال من ناحية الشبهة الخارجيّة ، كأن يشتبه فرد بين أن يكون فردا للخاص ، أو باقيا تحت العام ولم يكن أصل منقّح في البين ، وهذه هي الشبهة المصداقيّة.

١٢٨

التمسّك بالعام ، في الشبهة المصداقيّة

يقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : في المخصّصات اللفظيّة

واستدلّ المجوّزون بأمور ، منها :

أنّ العامّ ، ظاهر في جميع أفراده الّتي منها الفرد المشتبه ، فيشمله حكم العامّ.

بخلاف الخاصّ ، فإنّ فرديّة المشكوك للخاصّ غير محرزة حتّى يشمله حكم الخاصّ.

ولا حاجة في شمول العام إلى بيان أنّ زيدا مثلا فاسق أو عادل ، حتّى يقال إنّ العام ، ليس متعرضا لذلك.

ويمكن الجواب عنه ، بأنّ العامّ بعد التخصيص لا يكون حجّة ، إلّا فيما سوى المخرج ، والمخرج ليس هو خصوص معلوم الفرديّة ، بل المخرج ، هو العنوان بما هو حاك عن الأفراد الواقعيّة.

وعليه ، فحجّيّة ظهور العامّ تسقط بعد التخصيص في الأفراد الواقعيّة للخاصّ ، وحينئذ يحتاج التمسّك بالعامّ إلى إحراز عدم كون المشكوك من مصاديق الخاصّ واقعا والعامّ ليس متعرّضا لذلك ، فيما إذا لم يكن أصل منقّح كما هو المفروض.

ولعلّ منشأ هذا التوهّم ، هو الخلط بين الإرادة الاستعماليّة والإرادة الجدّيّة ، إذ العامّ ، يكون شاملا بعمومه المستعمل فيه لجميع الأفراد حتّى المشكوك منها ، لصدقه عليه ، ولكن ذلك بحسب الإرادة الاستعماليّة ، وليس بحجّة بعد تخصيص العامّ ، بمصاديق الواقعيّ من الخاصّ.

١٢٩

لأنّ العامّ بعد التخصيص معنون بما سوى الخاصّ ، والإرادة الجدّيّة تابعة لعنوان ما سوى الخاصّ ، وشمول هذا العنوان للفرد المشكوك غير محرز ، فلا يجوز التمسّك بالعامّ فيه.

ومنها ، أنّ البعث والزجر قبل وصولهما إلى العبد بنحو من أنحاء الوصول ، لا يمكن اتّصافهما بحقيقة الباعثيّة والزاجريّة.

ولا فرق بحسب هذا الملاك ، بين الحكم وموضوعه مفهوما ومصداقا ، إذ لا يعقل محرّكيّة البعث ، نحو ما لم يعلم بنفسه ، أو لا يعلم انطباقه على ما بيده ، كما لا يعقل محرّكيّة البعث الغير المعلوم بنحو من أنحائه.

والإرادة والكراهة الواقعيّتان ، وإن كانتا موجودتين في مرحلة النفس ، وإن لم يعلم بهما ، إلّا أنّهما ما لم تبلغا إليه لا توجبان بعثا وزجرا ، وعلى هذا ، يصحّ التمسّك بالعامّ في المصداق المردّد ، إذ انطباق العامّ معلوم فيه ، فيكون حجّة فيه ، ولكن ، انطباق الخاصّ على المصداق المردّد غير معلوم ، فلا يكون الخاصّ حجّة فيه ، والعبرة في المعارضة والتقديم بصورة فعليّة مدلولي الدليلين ، لا بمجرّد صدور الإنشاءين.

فمجرّد ورود المخصّص ، لا يوجب تخصيص حجّيّة العامّ بما عدا المعنون بعنوان الخاصّ.

واجيب عنه ، بأنّ المخصّص كاشف نوعيّ عن عدم وجوب إكرام العالم الفاسق ولازمه قصر حكم العامّ على بعض مدلوله ، فهنا كاشفان نوعيان لا يرتبط أحدهما بالآخر ، وقصر حكم العامّ ، لا يدور مدار انطباق عنوان المخصّص على شخص في الخارج ، حتّى يتوهّم عدمه مع عدم الانطباق ، بل لازم وجود هذا الكاشف الأقوى ، اختصاص الحكم العموميّ ببعض أفراده ، وحيث إنّه أقوى ، فيكون حجّة رافعة لحجّيّة العامّ ، بالإضافة إلى بعض مدلوله.

ومنها ، أنّ العامّ بعمومه الأفرادي ، يشمل كلّ فرد ، وبإطلاقه الأحوالي يعمّ كلّ

١٣٠

حالة من حالات الموضوع ، ومنها مشكوك الفسق.

والخاصّ يقدّم على العامّ في معلوم الفسق لكونه أقوى حجّة من العامّ ، وبقي مشكوك الفسق داخلا في إطلاق أحوالي العامّ.

يمكن أن يقال ، إنّ مع الاعتراف بخروج ذوات أفراد الفاسق واقعا عن عموم أكرم العلماء لا يعقل بقاء الإطلاق الأحوالي ، بالنسبة إلى تلك الذوات حال الشكّ ، لأنّ الحال فرع بقاء أصل الذات ، فإذا فرض خروج الذوات فلا معنى لبقاء أحوالها.

ودعوى ، أنّ التفرّع بحسب مقام الظهور والدلالة ، لا يستلزم التفرّع بحسب مقام الحجّيّة.

مندفعة ، بأنّه خلاف الظاهر بحسب مقام الإثبات ، لأنّ الحكم ناش عن ملاك واحد لا ملاكين ، أحدهما قائم بالذات والآخر بالحال ، فالتفكيك في الحجّيّة من دون تعدّد الملاك لا دليل عليه.

فتحصّل أنّ الحقّ ، هو عدم صحّة التعويل على العامّ عند عروض الاشتباه في أفراد المخصّص من ناحية الأمور الخارجيّة ، فيما إذا كان للمخصّص عنوان ولم يكن أصل موضوعيّ في المقام لتعيين المشتبه وتنقيح الموضوع.

بقي شيء ، وهو أنّه ذهب في جامع المدارك إلى أنّه ، إذا كان رفع الشبهة من وظائف الشارع في الشبهة المصداقيّة ، يكون حكمها حكم الشبهة المفهوميّة من جواز الرجوع إلى عموم العامّ.

وهو كلام متين بالنسبة إلى الكبرى ، وأمّا المثال الذي ذكره بعنوان بيان هذه الكبرى ، فهو منظور فيه فراجع.

المقام الثاني : في المخصّصات اللبّيّة

والظاهر أنّ حكمها حكم المخصّصات اللفظيّة في عدم جواز التمسّك بالعامّ في

١٣١

الشبهات المصداقيّة ، لأنّ الخارج عن حكم العامّ ، هو العنوان لا الأفراد ، والشكّ في مصداق المخصّص ، بعد العلم بالتخصيص ، لا في التخصيص.

وعليه ، فيختصّ الحكم الجدّيّ في العامّ بغير عنوان الخاصّ ، ومع هذا الاختصاص ، لا يحرز انطباق العامّ على مورد الشكّ في كونه من مصاديق الخاصّ أو العامّ ، ولا فرق في ذلك ، بين كون المخصّص لفظيّا أو لبّيّا.

ودعوى أنّ للحجّيّة مرتبتين ، الأولى ، حجّيّة نفس الكبريات والعمومات ، وفي هذا المقام لا نحتاج إلى إحراز الصغريات.

الثانية : حجّيّتها بالنسبة إلى المصاديق ، وفي هذا المقام نحتاج إلى إحراز المصاديق ، فلا يكون قوله لا تشرب الخمر مثلا ، حجّة بالنسبة إلى هذا الفرد الخارجيّ ، إلّا بعد إحراز كونه خمرا.

وإن كان نفس الكبرى في حجّيّتها لا تحتاج إلى إحراز ذلك.

وعلى هذا ، فالحكم العقليّ أيضا على قسمين : الأوّل : حكم كلّيّ ، لا يحتاج العقل في حكمه به إلى إحراز الصغرى.

الثاني : حكم جزئيّ ، يحتاج في حكمه به إلى العلم بالصغرى والكبرى معا.

فإذا قال المولى ، أكرم جيراني ، واعتمد في تخصيصه بحكم العقل بحرمة إكرام أعداء المولى ، أمكن أن يكون إكرام الجيران في نظر المولى بمثابة من الأهمّيّة ، بحيث تقتضي إكرام الأفراد الذين تحتمل عداوتهم له أيضا احتياطا لتحصيل الواقع ، وإنّما الذي لا يجب هو ، إكرام خصوص من ثبتت عداوته ، فاعتمد في إخراجهم على الحكم الثاني للعقل ، ولا دليل على اعتماده على الحكم الأوّل له حتّى يصير موجبا لإجمال العامّ.

ولا يخفى عدم جريان هذا البيان في المخصّصات اللفظيّة ، إذ الفرض ، أنّ المولى بنفسه قد ألقى المخصّص ، فلا يمكن عدم اعتماده عليه ، بل يصير حجّة أقوى في قبال

١٣٢

العامّ موجبا لقصر حجّيّته على ما بقي تحته واقعا.

مندفعة ، بأنّ المرتبة الثانية متفرّعة على الأولى ، أي العلم بالكبرى ، فإذا أحرزت المرتبة الأولى في الخاصّ ، بالحكم العقلي أو الإجماع يتعنون العامّ بها قضاء للجمع بين العامّ والحكم الكلّيّ الكبروي في طرف الخاص ، كما يتعنون العامّ بالخاصّ الكلّيّ في المخصّصات اللفظية ، فمع تعنون العام ، في رتبة متقدّمة على رتبة انطباق الكبرى الكلّيّ على مصاديقه فلا مجال للتمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة ، كما لا مجال للتمسّك بالخاصّ فيها ، واحتمال اعتماد الشارع في تخصيص العامّ بالمرتبة الثانية دون الأولى.

لا وقع له بعد كون المكشوف بالحكم العقليّ من الكبرى الكلّيّ كاللفظيّ في تخصيص العامّ ، وايجاب قصر حجّيّته على ما بقي تحته ، لكون الخاصّ أقوى بالنسبة إلى العامّ مطلقا ، سواء كان الخاصّ لفظيّا أو لبّيّا.

وتخصيص العامّ بالمكشوف اللبّيّ ، يكفي لدفع احتمال الاحتياط لتحصيل الواقع ، مع عدم إقامة قرينة عليه.

غاية ما يدلّ عليه ، الدليل في طرف العامّ وفي طرف الخاصّ ، هو بيان الحكم على تقدير وجود الموضوع بنحو القضيّة الحقيقيّة ، ولا تعرّض لهما بالنسبة إلى أنّ الموضوع فيهما هل هو ثابت في الخارج أم لا ، إذ لا ارتباط ذلك بمدلول الدليلين ، لأنّ مدلولهما هو بيان كبريات لصغريات تقديريّة فقط.

وأمّا الزائد عليه ، فهو خارج عن مدلولهما ، وعليه فيزاحم الخاصّ العامّ فيما يتكفّله العامّ من ثبوت الحكم على الموضوع العامّ المقدّر الوجود ، فيقدّم الخاصّ على العامّ ، ومع تقدّمه عليه ، يتضيّق العامّ بعدم الخاصّ ، فلا يكون حجّة في الفرد المشتبه ، لعدم كونه ناظرا إلى تشخيص موضوع حكمه.

فتحصّل أنّه ، لا يجوز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة من دون فرق بين

١٣٣

المخصّصات اللفظيّة واللبّيّة.

تنبيهات :

التنبيه الأوّل : أنّه إذا شكّ في مخصّص أنّه لفظيّ أو لبّيّ ، فإن قلنا بجواز التمسّك بالعامّ في المخصّصات اللبّيّة ، فمقتضى أصالة العموم هو ، جواز الرجوع إلى العامّ ، إذ الشكّ في وجود المخصّص اللفظيّ ، والأصل هو العدم.

وإن قلنا بعدم جواز التمسّك بالعامّ في المخصّصات اللبّيّة ، فلا يجوز الرجوع إلى العموم للعلم بالتخصيص ، كما لا يخفى.

التنبيه الثاني : أنّ محلّ النزاع ، في جواز التمسّك بعموم العامّ وعدمه في المخصّصات اللبّيّة ، هي القيود التي أمكن أخذها في الموضوع العامّ ، وأمّا القيود التي لا يمكن أخذها في الموضوع المذكور كالقيود المتأتّية من قبل إرادة المولى أو أمره ، كعنوان الصحّة والفساد ، فلا وجه للنزاع فيها ، إذ العامّ لا يتعنون بعنوان الصحّة ، ومع عدم تعنون العامّ بعنوان الصحّة ، مثلا يصدق العامّ على الفرد المشكوك صحّته.

فإذا شكّ في صحّة عقد وفساده ، يمكن الاستناد إلى الإطلاق أو العموم ، وإثبات كونه صحيحا ، ولا حاجة إلى إحراز صحّته أوّلا ، ثم الاستناد إلى الإطلاق أو العموم ، كما ذهب إليه صاحب الحدائق على ما حكي عنه ، حتّى لا يجوز التمسّك بالعامّ عند الشكّ في الصحّة والفساد ، كما لا يخفى.

التنبيه الثالث : أنّ عدم التمسّك بالعامّ ولا بالخاصّ في الشبهات المصداقيّة ، فيما إذا لم يكن أصل موضوعيّ في المقام ، وإلّا فيرجع إليه ، وبه ينقّح موضوع الدليل ، مثلا إذا قيل «أكرم العلماء» ، ثمّ قيل «لا تكرم الفسّاق من العلماء» ، وشككنا في زيد العالم ، أنّه فاسق أو عادل ، فإن كان قبلا عادلا استصحب ذلك ، ويحكم بوجوب إكرامه ، وإن كان قبلا فاسقا ، استصحب ذلك ، ويحكم بحرمة إكرامه.

١٣٤

وهذا واضح في الأوصاف المتأخّرة عن وجود الذات التي تعرض على الذات وتجتمع معه أو تفترق عنه أحيانا ، كالعدالة والفسق ، لأنّ لها حالة سابقة مع حفظ وجود الذات ، فيستصحب ذلك ، إلّا إذا كانت الأحوال متبادلة ، فلا علم حينئذ بالحالة السابقة حتّى يستصحب ، فافهم.

وأمّا الأوصاف المقرونة ، مع وجود الذات ممّا لم يكن لها حالة سابقة معلومة مع حفظ وجود الذات بل كانت مردّدة من أوّل الأمر ، فيقع الكلام فيها من جهة أنّه هل يكون لها أصل موضوعيّ أم لا.

مثلا إذا شكّ في امرأة أنّها قرشيّة ، حتّى تكون مشمولة لما دلّ على أنّ الدم الذي تراه المرأة القرشيّة بعد الخمسين حيض أو غير قرشيّة حتّى تكون مشمولة لعموم ما دلّ على أنّ الدم الذي تراه المرأة بعد الخمسين استحاضة.

فلا أصل يحرز به أنّها قرشيّة أو غيرها ، لأنّها من أوّل وجودها إمّا وجدت قرشيّة أو غير قرشيّة ولا حالة سابقة للقرشيّة أو عدمها ، مع حفظ وجود المرأة حتّى يجري فيها الاستصحاب.

ربّما يقال ، إنّ استصحاب العدم الأزلي يكفي في مثل المقام حيث إنّ تقيّد وجود المرأة بعنوان القرشيّة لم يكن في الأزل ولو بانعدام الموضوع ، فمع الشكّ في وجود التقيّد وعدمه ، يرجع إلى استصحاب عدم تحقّق التقيّد المذكور ، ومع هذا الاستصحاب ، يثبت موضوع العامّ بعد كونه معنونا بعنوان عدميّ بنحو التركيب لا بنحو الاتّصاف ، كما هو المفروض ، لأنّ الاتّصاف بالعدم يحتاج إلى مئونة زائدة.

وعليه ، فلا مانع من الرجوع إلى استصحاب عدم تقيّد وجود المرأة بالقرشيّة ، لأنّ العامّ بعد تخصيصه بالخاصّ معنون بعدم اتّصافه بالعنوان المخرج ، وهو مركّب من العامّ وعدم الاتّصاف بالعنوان المخرج.

وعليه ، فالباقي بعد التخصيص ، في عموم ما دلّ على أنّ الدم الذي تراه المرأة

١٣٥

بعد الخمسين ، استحاضة هو امرأة لم يكن بين وجودها وبين قريش انتساب بنحو التركيب من الوجود والعدم ، لا الاتّصاف بالعدم.

وحينئذ حيث إنّ لتقيّد المرأة الموجودة بالقرشيّة دخلا في حكم الخاصّ بحسب الدليل ، يستصحب عدمه من جهة حدوثه بحدوث المرأة ، فيتحقّق الموضوع في طرف العامّ ، بجزأيه ، جزء بالوجدان ، وجزء بالأصل ، لأنّ المرأة موجودة بالوجدان وعدم تقيّد وجودها بالقرشيّة محرز باستصحاب العدم الأزليّ ، فيتحقّق الموضوع المركّب المترتّب عليه الحكم.

هذا ، فيما إذا كان المخصّص ، موجبا لتركيب موضوع العامّ من عنوان وجوديّ وعنوان سلبيّ ، وهو عدم اتّصافه وتقيّده بعنوان وجوديّ مخصّص ، كقولنا «أكرم العلماء» و «لا تكرم الفسّاق منهم» ، فإنّ عدم تقيّده محرز باستصحاب العدم الأزليّ ، فيتحقّق الموضوع المركّب.

وأمّا إذا كان المخصّص موجبا لتركيب موضوع العامّ من عنوان وجوديّ وعنوان آخر وجودي وهو تقيّده بعنوان وجوديّ ، فهو خارج عن محلّ الكلام فيما إذا لم يكن للتقيّد بعنوان وجوديّ حالة سابقة ، إذ لا مجال لاستصحاب العدم الأزليّ فيه ، لأنّه أمر وجوديّ ، ولا مورد لاستصحاب الأمر الوجوديّ ، فيما ليس له حالة سابقة ، كصورة تبادل الحالتين ، مثلا إذا قلنا ، «أكرم العلماء» ، ثمّ قلنا «فليكونوا عدولا». فلا مجال لاستصحاب العدم الأزليّ ، لأنّ المأخوذ في العامّ هو وجود العدالة لا عدم الفسق ، كما لا مورد لاستصحاب وجود العدالة فيما لا يكون حالة سابقة كصورة تبادل الحالتين ، هذا كلّه بالنسبة إلى استدلال القائل ، بإمكان إحراز المصداق في الشبهات المصداقيّة بالأصل.

وذهب جماعة إلى عدم إمكان إحراز ذلك.

منهم ، الشيخ ضياء الدين العراقيّ ، حيث قال ، إنّ قضيّة التخصيص ، مجرّد

١٣٦

إخراج بعض الأفراد أو الأصناف ، عن تحت حكم العامّ الموجب لقصر حكم العامّ ببقيّة الأفراد ، أو الأصناف ، من دون اقتضائه ، لإحداث عنوان إيجابيّ أو سلبيّ في موضوع حكم العامّ في الأفراد ، أو الأصناف الباقية ، وإن فرض ملازمة تلك الأفراد الباقية بعد خروج الفسّاق ، مثلا من باب الاتّفاق مع العدالة ، أو عدم الفسق ، فلا مجال لجريان الأصل الموضوعي ، المزبور ، من جهة عدم ترتّب أثر شرعيّ عليه ، حينئذ وإنّما موضوع الحكم والأثر ، هي ذوات الأفراد الباقية ، والتخصيص حينئذ يشبه بموت بعض الأفراد ، فكما أنّ الموت لا يوجب تعنون الأفراد الباقية بل يوجب تقليلها ، فكذلك التخصيص.

أورد عليه بأنّه في مقام الثبوت والإرادة الجدّيّة ، إمّا أن يكون تمام الملاك في وجوب الإكرام ، مثلا هو ، حيثيّة العالميّة فقط ، وإمّا لا يكون كذلك ، بل يشترط في ثبوت الحكم للعالم عدم كونه فاسقا.

فعلى الأوّل لا معنى للتخصيص ، وعلى الثاني لا يكون عنوان العامّ بنفسه تمام الموضوع ، بل يشترط في ثبوت الحكم له عدم عنوان المخصّص بالعدم النعتي أو المحمولي ، فعدم المخصّص إجمالا بأحد النحوين دخيل ثبوتا في الحكم ، ومع دخالة عنوان عدم المخصّص يجري الأصل.

وأمّا تنظير التخصيص بموت بعض الأفراد ففيه ، أنّ الموت يوجب انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه في مرحلة التطبيق ، لأنّ القضايا الحقيقيّة مردّها إلى القضايا الشرطيّة ، مقدّمها وجود الموضوع ، وتاليها ثبوت المحمول له ، وهذا ليس تقييدا في مرحلة الجعل ، ضرورة أنّه مجعول في هذه المرحلة للموضوع المفروض وجوده في الخارج ، فمتى وجد تحقّق حكمه ، وإلّا فلا حكم في هذه المرحلة ، أي مرحلة التطبيق.

وهذا بخلاف التخصيص ، فإنّه يوجب تقييد الحكم في مرحلة الجعل في مقام الثبوت ، بمعنى أنّ دليل المخصّص يكشف عن أنّ الحكم من الأوّل خاصّ ، وفي مقام

١٣٧

الإثبات يدلّ على انتفاء الحكم ، مع بقاء الموضوع يعني عن الموضوع الموجود ، فيكون من السالبة بانتفاء المحمول ، والموضوع في الموت التكويني غير موجود ، ويكون الحكم المنحلّ فيه من السالبة بانتفاء الموضوع وعليه فلا وجه للقياس والتنظير المذكور.

ومنهم المحقّق الأصفهاني قدس‌سره حيث قال ، إنّ التخصيص لا يحدث عنوانا إيجابيّا أو سلبيّا في موضوع حكم العامّ ، بل يمتنع ذلك ببيان أنّه ليس للموضوعيّة للبعث الحقيقيّ الموجود بوجود منشأ انتزاعه مقام إلّا مقام تعلّق البعث الإنشائيّ بشيء ، وجعل الداعي إلى غير ما تعلّق به البعث الإنشائيّ محال ، لأنّه مصداق جعل الداعي ، والمفروض تعلّقه بهذا العنوان فصيرورته داعيا إلى غير ما تعلّق به خلف محال ، فليس شأن المخصّص إلّا إخراج بعض أفراد العامّ ، وقصر الحكم على باقي الأفراد من دون أن يجعل الباقي معنونا بعنوان وجوديّ أو عدميّ.

والشاهد على ذلك ، أنّ المخصّص إذا كان مثل «لا تكرم زيدا العالم» لا يوجب إلّا قصر الحكم على ما عداه لا على المعنون بعنوان ما عدا زيد أو شبهه.

يمكن الجواب عنه بأنّ البعث على قسمين ، بعث ظاهريّ ، وبعث واقعيّ ، فالظاهريّ منه متعلّق بالمطلق أو العامّ ، والواقعيّ منه غير مذكور وإنّما يكشف بالتخصيصات المتأخّرة فلا يلزم الخلف.

وأمّا استشهاده بإخراج بعض الأفراد لعدم تعنون العامّ في غير محلّه ، لأنّ إخراج الفرد إن كان في قوّة إخراج العنوان ، فمع إخراجه يتعنون العامّ بعدم الاتّصاف به ، وإن لم يكن كذلك فخروج مثله كموت بعض الأفراد ولا يقاس بخروج عنوان الخاصّ.

ومنهم المحقّق النائينيّ قدس‌سره حيث قال ، إنّ ما خرج عن تحت العامّ من العنوان لا محالة يستلزم تقييد الباقي بنقيض هذا العنوان ، وأنّ هذا التقييد لا بدّ أن يكون على مفاد ليس الناقصة ، وأنّ هذا العنوان المأخوذ في الموضوع يستحيل تحقّقه قبل وجود

١٣٨

موضوعه ، وعليه فلا يمكن إحراز قيد موضوع العامّ بأصالة العدم الأزليّ لعدم حالة سابقة له إن اريد استصحاب العدم النعتيّ.

ولكون الأصل مثبتا إن أريد استصحاب العدم المحمولي ، إذ العدم النعتيّ لا يثبت باستصحاب العدم المحموليّ أزلا.

اورد عليه بأنّ وجود العرض بذاته وإن كان محتاجا إلى وجود موضوعه إلّا أنّ عدم العرض غير محتاج إلى وجود الموضوع أصلا ، وعليه فدعوى أنّ تقييد الباقي بنقيض عنوان الخارج مستلزم لأن يكون تقييد الباقي على نحو مفاد كان الناقصة.

مندفعة بأنّ نقيض كلّ شيء رفعه ، وهو أعمّ من النعتي ، وعليه فيكفي أن يكون الباقي مركّبا من وجود العامّ وعدم الاتّصاف بالخاصّ ، ومن المعلوم أنّ عدم الاتّصاف مسبوق بالعلم فيمكن إحرازه بأصل العدم الأزليّ ، فيكون مع وجود الموضوع وجدانا موضوعا للحكم.

لا يقال إنّ عدم الانتساب لا يجدي ، فإنّ ذات القيد وإن كان قابلا للاستصحاب إلّا أنّ الاتّصاف به لا وجدانيّ ولا تعبّديّ ، إذ التقيّد والاتّصاف ليس على وفق الأصل.

لأنا نقول إنّ التقيّد بمعنى ارتباط العدم به غير لازم ، وبمعنى عدم الانتساب لها بنفسه متيقّن فيستصحب ، وإضافة عدم الانتساب إلى المرأة الموجودة لازمة في ظرف ترتّب الحكم ، وهو ظرف التعبّد الاستصحابي لا ظرف اليقين ، حتّى ينافي كونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع في ظرف اليقين ، فإذا شكّ في كون امرأة قرشيّة لم يكن مانع من التمسّك باستصحاب عدم القرشيّة الثابت له قبل تولّد تلك المرأة في الخارج ، لأنّ مفاد قضيّة المرأة تحيض إلى الخمسين إلّا القرشيّة ، وإن كان هو اعتبار وصف القرشيّة على وجه النعتيّة في موضوع الحكم بتحيّض القرشيّة بعد الخمسين ، إلّا أنّه لا يستدعي أخذ عدم القرشيّة في موضوع عدم الحكم بتحيّض المرأة بعد الخمسين على

١٣٩

وجه النعتيّة أعني به مفاد ليس الناقصة ، وإنّما يستدعي أخذ عدم القرشيّة في ذلك الموضوع على نحو السالبة المحصّلة ، فكلّ امرأة لا تكون متّصفة بالقرشيّة باقية تحت العامّ وإنّما الخارج خصوص المتّصفة بالقرشيّة ، لا أنّ الباقي بعد التخصيص هي المرأة المتّصفة بعدم القرشيّة.

بل أخذ عدم ذلك العرض في الموضوع على نحو مفاد ليس الناقصة يحتاج إلى إعمال عناية ومئونة ، وإلّا فطبع أخذ عدم عرض ما في موضوع الحكم لا يقتضي إلّا أخذه فيه على نحو السالبة المحصّلة دون الموجبة المعدولة.

فتحصّل أنّه لا دليل على لزوم اتّصاف العامّ بعدم الخاصّ ، حتّى لا يمكن إثباته باستصحاب العدم الأزليّ في الأوصاف المقرونة كالقرشيّة ، بل اللازم هو ملاحظة عدم الخاصّ مع العامّ وهو يساوي التركيب.

ومنهم السيّد المحقّق البروجرديّ قدس‌سره حيث قال ، إنّ الظاهر دخالة العدم بعدم النعتيّة والربطيّة ، فإنّ حكم المخصّص ثابت لوجوده الربطيّ ، وانتفاء الوجود الربطيّ بالعدم الربطيّ ، ولا مجال للاستصحاب في ذلك إلّا إذا كان بنحو الربطيّة ، متيقّنا في السابق مع وجود الموضوع.

وفيه أنّ نقيض كلّ شيء رفعه ، وعليه فيكون نقيض الوجود الرابطيّ عدمه.

وهو أعمّ من العدم المحموليّ ، والمأخوذ في جانب العدم هو نقيض الخاصّ لا العدم الرابطيّ ، إذ لا ملزم له بل لا حاجة إليه ، لأنّ الخاصّ بمنزلة المانع ، والعامّ بمنزلة المقتضي ، ومن المعلوم أنّ المقتضي لا يحتاج في اقتضائه إلى الاتّصاف بعدم المانع ، بل اللازم هو عدم الاتّصاف بالمانع وهو يساوي تركيب موضوع العامّ ، وحيث إنّ عدم الاتّصاف بالمانع له حالة سابقة ، فيمكن استصحابه ، ويكفي في انتساب العدم المحموليّ إلى موضوع العامّ إضافته إلى موضوع العامّ الموجود في ظرف التعبّد بالاستصحاب ولا حاجة إلى إضافته إليه في ظرف اليقين.

١٤٠