عمدة الأصول - ج ٤

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

جميع المركّبات بشتّى أنواعها (١).

فتحصّل أنّ الفرق بين العامّ المجموعي وأسماء الأعداد يكون في اشتمال العامّ لمادّة هي صالحة للانطباق على جميع الأفراد دون أسماء الأعداد ويكون في دلالة العامّ المجموعي على الاستيعاب والشمولي بالنسبة إلى آحاد المادّة كاستيعاب المادّة في الاستغراق دون أسماء الأعداد إذ لا استيعاب ولا شمول فيها.

لا يقال العامّ المجموعي ربما يكون عددا محصورا كما يقال جئني بمجموع العلماء مع أنّهم تعداد محدود فلا استيعاب ولا شمول لأنّا نقول لا محدوديّة في العنوان وإن كان المعنون في الخارج محدودا والعبرة بالعنوان لا بالمعنون فلا تغفل.

الأمر الخامس :

أنّ أداة العموم مثل كلّ موضوعة في اللغة لخصوص العموم ومقتضاه دلالتها على العموم بالحقيقة لا بالمجاز ولا بالاشتراك بين العموم والخصوص وإلّا لزم الخلف في كونها موضوعة لخصوص العموم كما لا يخفى.

ولا ينافي ذلك الاختصاص استعماله أحيانا في الخصوص عناية سواء كانت العناية بادّعاء أنّ الخصوص هو العموم كما هو مذهب السكّاكي كأن يطلق على رجل خاصّ أنّه كلّ رجل بادّعاء أنّه جميع الأفراد أو بعلاقة العموم والخصوص الّتي تكون من إحدى العلاقات المجازيّة ودعوى أنّ شيوع التخصيص إلى حدّ قيل ما من عامّ إلّا وقد خصّ يمنع عن القول بوضع ألفاظ العموم للعموم بل الظاهر يقتضي كونها موضوعة لما هو الغالب تقليلا للمجاز مندفعة بمنع استلزام التخصيص للتجوّز لأنّ العامّ مستعمل في مقام الاستعمال في العموم لا في الخصوص وإنّما التخصيص في

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ١٥٣ ـ ١٥٤.

٢١

الإرادة الجدّيّة وعليه فلا مجاز لاستعمال العامّ في معناه سواء تعلّق الحكم على العامّ حكما صوريّا نظير الحكم الصوريّ في مقام التقيّة أو تعلّق الحكم بما سوى الخاصّ في مرحلة الحكم.

نعم لو استعمل العامّ في الخصوص بقرينة الخاصّ لكان مجازا ولكنّه خلاف الوجدان اذ العامّ لا يستعمل في الخصوص وإنّما التحديد والتخصيص في الارادة الجدّيّة والتخصيص في المراد الجدّيّ من باب تعدّد الدالّ والمدلول لا استعمال لفظ العامّ في الخاصّ.

هذا مضافا إلى أنّه لو سلّم الملازمة بين التخصيص والتجوّز فلا محذور فيه بعد كونه بالقرينة فلا ينافي ظهور اللفظ في العموم كما لا ينافي استعمال الأسد في الرجل الشجاع بالقرينة مع ظهور اللفظ في الحيوان المفترس.

اورد عليه في نهاية النهاية بأنّه يمكن أن يقال إنّ اشتهار التخصيص وإن لم يكن يوجب كثرة المجاز إلّا أنّه يوجب كثرة ذكر اللفظ لا بداعي الجدّ وهذا يساوق كثرة المجاز في المحذور فإنّ وضع اللفظ لما يستعمل فيه غالبا لا بداعي الجدّ كوضعه لما لا حاجة غالبا إلى استعماله فيه وإنّما يستعمل في غيره مجازا في كونه خلاف الحكمة والغرض من الوضع فلا يجوز الالتزام بشيء منهما (١).

ويمكن أن يقال استعمال اللفظ بداعي الجدّ في العموم ليس بقليل كقوله تعالى :

(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ)(٢).

وقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(٣).

__________________

(١) نهاية النهاية : ١ / ٢٧٦.

(٢) المطفّفين : ٢٢.

(٣) المطفّفين : ١.

٢٢

وقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ)(١).

وقوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ)(٢).

وقوله تعالى : (كُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ)(٣).

(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)(٤).

وإلى غير ذلك من الموارد الكثيرة وعليه فالحكمة تقتضي الوضع للعموم كما يشهد له التبادر ولا ينافيه ارادة الخاصّ في موارد كثيرة اخرى من باب تعدّد الدالّ والمدلول.

هذا مضافا إلى امكان أن يقال إنّ التخصيص لا يصدق في موارد يكون مدخول لفظ كلّ متقيّدا من أوّل الأمر إذ لا يستعمل العامّ في مثله إلّا في معناه فلا تغفل.

الأمر السادس : في مقتضى الأصل عند الشكّ في كون العامّ هل هو الاستغراقيّ أو المجموعيّ أو البدليّ.

ذهب في نهاية الاصول إلى أنّ مقتضى الأصل هو الاستغراقيّ بدليل أنّه لا يحتاج إلى تصوّر أمر زائد ومئونة زائدة وراء جعل المفهوم مرآة للحاظ الأفراد فإنّها بالذات متكثّرات ومستقلّات ومقتضى ذلك هو الاستيعاب وهذا بخلاف المجموعي فإنّه يحتاج مع ذلك إلى اعتبار قيد الوحدة في المتكثّرات بالذات وبخلاف البدلي فإنّه

__________________

(١) العنكبوت : ٥٧.

(٢) الرعد : ٨.

(٣) القمر : ٣.

(٤) القمر : ٥٢ و ٥٣.

٢٣

يحتاج إلى اعتبار التردّد بينها (١).

ولا يخفى عليك أنّ الشكّ لا مورد له في العامّ إذا كان مدخولا لأداة تفيد خصوص العموم أو خصوص المجموع أو خصوص البدل فإنّ العامّ حينئذ تابع لأداة العموم في نوع العموم نعم يكون للشكّ مجال فيما إذا كانت الأداة موضوعة للاستيعاب وكانت مشتركة بين الاستغراقي والمجموعي كما قد يدّعى في مثل الجمع المحلّى باللام أو كانت الأداة مشتركة بين الاستغراقي والبدليّ كما قد يدّعى في مثل كلمة أيّ أو كانت الأداة مشتركة بين الاستغراقي والمجموعي والبدلي وصارت متعيّنة بحسب الموارد والقرائن كما ذهب إليه بعض.

وكيف ما كان فاذا شكّ في ذلك فالأصل كما ذهب إليه الأعلام هو الاستغراقي لأنّه لا يحتاج إلى مئونة زائدة إذ يكفيه أن يجعل المفهوم مرآة بلحاظ الأفراد فإنّها بالذات متكثّرات ومستقلّات ومقتضى الأداة الدالة على الاستيعاب هو الاستغراق وهذا بخلاف غيره من المجموعي أو البدلي فإنّهما يحتاجان إلى مئونة زائدة من لحاظ وحدة المتفرّدات أو لحاظ التردّد فيها.

ولقائل أن يقول إنّ الأدوات إذا كانت موضوعة لمجرّد الاستيعاب فالاستغراق كغيره في الحاجة إلى المئونة إذ مرآتيّة المفهوم مشتركة بين الاستغراقي والمجموعي والبدلي فلا يختصّ بأحدها إلّا بالقرائن هذا بخلاف ما إذا كانت الأدوات موضوعة لخصوص الاستغراق فإنّ دخولها على الأجناس يدلّ على كون العامّ للاستغراق ولا حاجة إلى مئونة زائدة. اللهمّ إلّا أن يقال إنّ الاستيعاب أيضا يفيد ذلك لأنّ المفهوم إذا كان مرآة إلى الأفراد المتكثّرة فالاستيعاب يدلّ على عموميّة ما يفيده المفهوم بنفسه من دون حاجة إلى أمر آخر هذا بخلاف المجموعي أو البدلي فإنّهما يحتاجان إلى

__________________

(١) نهاية الاصول : / ٣١٨.

٢٤

ملاحظة أمر زائد وهو الوحدة أو التردّد وممّا ذكر يظهر ما في منتقى الاصول حيث أنكر ذلك فراجع (١).

ودعوى أنّ ظهور الكلام يقتضي حمله على المجموعي دون الاستغراقي سواء في ذلك كون العموم مستفادا من مثل كلمة كلّ أو كونه مستفادا من هيئة الجمع المحلّى باللام أو من وقوع النكرة ونحوها في سياق النهي أو النفي فلأنّ لفظ كلّ رجل في قولنا أكرم كلّ رجل لا يصدق مفاده إلّا على مجموع الأفراد دون كلّ واحد واحد منها.

هذا مضافا إلى أنّ العموم إنّما يستفاد من لفظ كلّ بنحو المعنى الاسمي وبما أنّه ملحوظ استقلالي فالحكم في القضيّة إنّما يثبت له بنفسه لا لكلّ فرد من أفراد المدخول وهكذا الجمع المحلّى لا يصدق على كلّ واحد واحد من الأفراد وإنّما يصدق على جملة منها وبما أنّ لفظة اللام تدلّ على تعريف مدخولها وتعيّنه ولا تعيّن لشيء من مراتب الجمع القابلة للانطباق عليها يكون المتعيّن هو أقصى مراتبه فيكون الموضوع للحكم هو مجموع الأفراد لا كلّ واحد واحد منها.

وهكذا الحال في النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي لأنّ القضيّة حينئذ تكون سالبة كلّيّة وتدلّ على ثبوت الحكم لمجموع الأفراد.

وبالجملة إذا لم تقم قرينة خارجيّة على إرادة العموم الاستغراقي فالظاهر من العموم سواء كان مدلولا اسميّا أو حرفيّا أو مدلولا سياقيا هو إرادة العموم المجموعي دون الاستغراقي.

مندفعة أوّلا بانّ لفظ «كلّ» موضوع لخصوص إفادة الاستغراقي والعامّ ليس لفظ «كلّ» بل العامّ هو مدخول لفظ الكلّ وهو في نفسه قابل للانطباق على كلّ فرد بعد كونه مرآة للأفراد وإنّما أداة العموم توجب فعليّة هذا الانطباق وشموله لجميع

__________________

(١) منتقى الاصول : ٣ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.

٢٥

أفراده وعليه كلّ رجل بمعنى كلّ فرد من أفراد الرجل وهو يصدق على كلّ واحد واحد من حصص طبيعة الرجل ولا حاجة إلى صدق أداة العموم على كلّ واحد واحد من أفراد مدخوله حتّى يقال أنّه غير صادق إذ مدلول كلمة كلّ رجل الذي في اللغة الفارسيّة «هر مرد» لا يصدق على خصوص زيد وعمرو.

وثانيا بأنّ مفاد كلّ رجل ليس مجموع الأفراد لما عرفت من أنّ معادله في اللغة الفارسيّة «هر فرد» وهو غير مجموع الأفراد وعليه فلا وجه لقوله لا يصدق كلّ رجل إلّا على مجموع الأفراد.

وممّا ذكر يظهر ما في أجود التقريرات في مقام الجواب عن الدعوى المذكورة حيث قال إنّ لفظ كلّ وان كان لا يصدق بمفهومه على كلّ واحد واحد من أفراده مدخوله إلّا انّه إنّما يؤخذ في الموضوع مرآة يثبت الحكم لكلّ فرد بخصوصه نظير كلمة «هر» في اللغة الفارسيّة فكما أنّ مدلول كلمة «هر مرد» لا يصدق على خصوص زيد وعمرو ولكنّه مع ذلك يفيد عموم الحكم لكلّ واحد من الأفراد كذلك كلمة كلّ تفيد هذا المعنى أيضا (١).

وذلك لما عرفت من أنّ كلّ رجل بمعنى كلّ فرد من أفراد الرجل وهو قسيم المجموع والعامّ هو المدخول لا أداة العموم والمدخول بعد كونه مرآة وعامّا يصدق على كلّ واحد واحد من أفراده فلا وجه لتصديقه عدم صدق كلّ رجل بمفهومه على كلّ واحد واحد من أفراد مدخوله كما لا وجه لذهابه إلى دلالته على كلّ فرد بمعونة أخذه في الموضوع مرآة لأنّ العامّ الاصولي هو العامّ المنطقي وإنّما الفرق بينهما في أنّ العامّ المنطقي مفهوم لا يمتنع فرض صدقه على الكثيرين والعامّ الاصولي بعد دخول أداة العموم عليه هو الذي يشمل الكثيرين بمعونة أداة العموم ويكون معناه كلّ فرد

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٤٤٤.

٢٦

فرد من أفراد المدخول ولا حاجة إلى تعلّق الأحكام في دلالته على ذلك كما لا يخفى.

وثالثا : بأنّ المتفاهم العرفي من الجمع المعرّف باللام كما أفاد السيّد المحقّق الخوئي قدس‌سره كون المستعمل فيه الجمع ملحوظا فانيا في الأفراد الخارجيّة ما لم تقم قرينة على كونه ملحوظا على نحو العموم المجموعي (١).

ولا ملازمة بين دلالته على أقصى مراتب الجمع وكون المستعمل فيه هو المجموع بل هو جميع الآحاد ما لم تقم قرينة على المجموع.

ورابعا : بأنّ النكرة في سياق النفي أو النهي تفيد العموم ومفاد السلب في مثل لا رجل هو عموم السلب لا سلب العموم وهو الذي عبّر عنه بالسالبة الكلّيّة فإنّ السلب متعلّق بالطبيعة فيدلّ على سلب جميع أفرادها لا على سلب مجموع الأفراد. ودعوى أنّ تعلّق السلب بمجموع الأفراد من لوازم تعلّقه بالجميع لا أنّه بنفسه مدلول للكلام كما عن المحقّق النائيني (٢).

مندفعة بمنع كون تعلّق السلب بمجموع الأفراد من لوازم تعلّقه بالجميع فلا يكون ذلك مدلولا له بنفسه ولا من لوازمه بل هو يحتاج إلى اعتبار وحدة امور كثيرة ولا موجب لذلك كما لا يخفى.

فتحصّل أنّ السلب والنفي يفيد عموم السلب والقضيّة تكون في قوّة الكلّيّة لا في قوّة الجزئيّة.

الأمر السابع : في كيفية دلالة نفي الطبيعة واسم الجنس والنكرة على العموم وقد اختلف فيها بين الأعلام.

ذهب صاحب الكفاية إلى أنّ دلالتها على العموم منوطة بما إذا اخذت مرسلة

__________________

(١) أجود التقريرات : ١ / ٤٤٥ ذيل الصفحة.

(٢) أجود التقريرات : ١ / ٤٤٦.

٢٧

بمقدّمات الحكمة لا مبهمة قابلة للتقييد وإلّا فسلبها لا يقتضي إلّا استيعاب السلب لما اريد منها يقينا لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها وهذا لا ينافي كون دلالتها على العموم عقليّة فإنّها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها لا الأفراد التي تصلح لانطباقها عليها (١).

وتبعه المحقّق الاصفهاني حيث قال إنّ السلب كالايجاب لا ينافي الاهمال كمنافاة التوسعة معه والقضيّة حينئذ سالبة كانت أو موجبة في قوّة الجزئيّة فلا بدّ في استفادة كون المدخول مطلقا من إثبات مقدّمات الحكمة (٢).

خالفهما المحقّق الايرواني بقوله ظاهر سلب الطبيعة عموم السلب ما لم تكن قرينة صارفة عن هذا الظهور تقتضي إرادة الطبيعة المقيّدة التي منها الطبيعة المهملة.

والماهيّة في ذاتها لا إبهام فيها ما لم تلحظ مقيّدة بقيد مبهم بل هي في ذاتها سيّالة سارية ذات اطلاق فلو توجّه الحكم اليها سرى بتبع سرايتها لأنّ الطبيعة حينئذ تكون تمام الموضوع وما هذا شأنه لا ينفكّ عن الحكم فلا حاجة إلى نصب مقدّمات والتماس أمر آخر للدلالة على الاطلاق وسريان الحكم حيثما سرت الطبيعة.

فإذا ألغي عن مقام الطبيعة لحاظ شيء من الحدود سواء كان حدّا خاصّا لا على التعيين وهو الذي تصير الطبيعة به مهملة أو حدّا خاصّا على التعيين وهو الذي تصير الطبيعة به مقيّدة أم كان حدّ الارسال ثمّ سلّط عليها السلب فمقتضى ذلك سلبها بتمام أفرادها كما أنّها لو لوحظت بالنحو الأخير كان الأمر كذلك لكنّ هذا يقتضي سلبها بتمام أفرادها لفظا والأوّل يقتضيه عقلا وأمّا إذا لوحظت بقيد مهمل أو معيّن فليس مقتضى ذلك إلّا سلب الطبيعة المقيّدة سواء أتى بالقيد لفظا أم فهم من

__________________

(١) الكفاية : ١ / ٣٣٤.

(٢) نهاية الدراية : ٢ / ١٨٥.

٢٨

الخارج (١).

وتبعه السيّد المحقّق البروجردي قدس‌سره حيث قال ممّا يدلّ عقلا على العموم النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي فإنّ ثبوت الطبيعة بثبوت فرد ما وانتفاؤها بانتفاء جميع الأفراد والطبيعة الواقعة في سياقهما مرسلة لا مبهمة فلا نحتاج إلى اجراء مقدّمات الحكمة فيها (٢).

فالأظهر هو أنّ إسناد النفي أو النهي إلى الطبيعة سواء قلنا بحكايتها عن الأفراد أو لم نقل لا يعقل إلّا بانتفاء جميع الأفراد وإلّا لكان إسناد النفي أو النهي إلى الطبيعة من دون لحاظ قيد وقرينة صارفة غير صحيح بل اللازم هو إسناد النفي إلى الفرد أو حصّة خاصّة من الطبيعة أو الطبيعة المقيّدة ولو بقيد الإهمال وهو منتف ومع الدلالة العقليّة المذكورة لا حاجة إلى الأخذ بمقدّمات الحكمة إذ موضوع المقدّمات هو الشكّ ومع هذه الدلالة لا شكّ وهكذا إن قلنا بأنّ الطبيعة في متعلّق النواهي منصرفة إلى الطبيعة السارية لكثرة استعمالها فيها في النواهي دون متعلّق الأمر كما ذهب إليه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدس‌سره فانّه مع الانصراف المذكور لا حاجة في مقدّمات الحكمة نعم تكون الدلالة حينئذ لفظيّة لا عقليّة.

وهكذا النكرة إذا وقعت في سياق النفي أو النهي خرجت عن كونها نكرة واستعملت بمنزلة الطبيعة فيترتّب عليها ما يترتّب على الطبيعة على ما عرفت.

وممّا ذكر يظهر أنّ الحكم بوحدة السلب والايجاب في عدم المنافاة مع الاهمال والحاجة إلى مقدّمات الحكمة كما ذهب إليه المحقّق الاصفهاني ليس في محلّه بعد ما عرفت من ملازمة نفي الطبيعة واسم الجنس والنكرة مع انتفاء جميع الأفراد ومع هذه

__________________

(١) راجع نهاية النهاية : ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ و ٣١٢.

(٢) نهاية الاصول : ١ / ٣٢٠.

٢٩

الملازمة لا وجه للاهمال بل القضيّة كلّيّة وحيث إنّ هذه الملازمة عقليّة فلا يبقى شكّ حتّى يحتاج إلى مقدّمات الحكمة فلا تغفل.

وممّا ذكر يظهر أيضا ما في مناهج الوصول حيث قال إنّ اسم الجنس موضوع لنفس الطبيعة بلا شرط وتنوين التنكير لتقييدها بقيد الوحدة الغير المعيّنة لكن بالمعنى الحرفي لا الاسمي وألفاظ النفي والنهي وضعت لنفي مدخولها والزجر عنه فلا دلالة فيها على نفي الأفراد ولا وضع على حدّه للمركّب فحينئذ تكون حالها حال سائر المطلقات في احتياجها إلى مقدّمات الحكمة فلا فرق بين أعتق رقبة ولا تعتق رقبة في أنّ الماهيّة متعلّقة للحكم وفي عدم الدلالة على الأفراد وفي الاحتياج إلى المقدّمات نعم بعد تماميّتها قد تكون نتيجتها في النفي والإثبات مختلفة عرفا لما تقدّم من حكمه بأنّ المهملة توجد بفرد ما وتنعدم بعدم جميع الأفراد (١).

وذلك لأنّ الموضوع في الأمر والنهي وإن كان واحدا إلّا أنّك عرفت أنّ مقتضى نفي الطبيعة أو النهي عنها مغاير مع مقتضى طلبها والبعث نحوها ولا مدخليّة لكون الطبيعة مرآة إلى الأفراد في ذلك بل نفس نفي الطبيعة لا يصحّ عقلا مع وجود بعض أفرادها من دون فرق بين وجود مقدّمات الاطلاق وعدمها.

وبعبارة اخرى أنّ المطلوب في ناحية الأمر هو وجود الطبيعة وهو ناقض للعدم الكلّيّ وطارد العدم الأزلي وهو ينطبق على أوّل فرد ووجود من الطبيعة والمطلوب في ناحية النهي هو نقيض ذلك وهو عدم ناقض العدم ومن المعلوم أنّه يساوق إبقاء العدم الكلّيّ على حاله وبذلك يتحقّق الفرق بين الأمر والنهي في مقام الامتثال لأنّ لازم صرف الوجود أو مطلق الوجود هو تحقّق الطبيعة بفرد ما ولازم نقيضه هو انتفاء الطبيعة بانتفاء جميع أفرادها وقد مرّ تفصيل ذلك في المبحث الرابع في

__________________

(١) مناهج الوصول : ٢ / ٢٣٨.

٣٠

وجه اختلاف الأمر والنهي في كيفيّة الامتثال من أبحاث الفصل الأوّل من النواهي.

هذا مضافا إلى أنّ منع حكاية الطبيعة عن الأفراد محلّ نظر كما مرّ في الأمر الأوّل ومنشأ ذلك هو عدم التوجه والالتفات إلى الفرق بين المسائل الفلسفيّة والمسائل الاصوليّة المبتنية في مثل المقام على الدلالات العرفيّة ومن المعلوم أنّ العرف يرى الطبائع موجودة في الخارج ومع وجودها في الخارج تكون الطبيعة حاكية عن حصصها الخارجيّة.

على أنّ محلّ الكلام هو تعلّق النفي أو النهي بنفس الطبيعة لا الطبيعة المهملة لما عرفت من أنّ الاهمال أيضا من القيود والمفروض هو عدم لحاظ شيء مع الطبيعة فتحصّل أنّ نفي الطبيعة من دون ملاحظة قيد معها يساوي نفي جميع الأفراد بحكم العقل من دون حاجة إلى مقدّمات الحكمة لإثبات الإطلاق في المنفي بل يمكن أن يقال إنّ دلالة نفي الطبيعة على الاستغراق مقدّمة رتبة على مقدّمات الحكمة لتأخّر الحكم عن الموضوع وتأخّر جريان المقدّمات عن الحكم المترتّب على الموضوع فالمقدّمات متأخّرة عن الموضوع برتبتين فلا يعقل توقف دلالة نفي الطبيعة على جريان المقدّمات أو دلالتها في الرتبة المتقدّمة عليه برتبتين وسيأتي إن شاء الله تعالى بقيّة الكلام في وجه إفادة ألفاظ العموم للاستغراق من دون حاجة إلى المقدّمات فتدبّر.

الأمر الثامن : في أنّ اللام في الجمع هل يفيد العموم أو لا وتفصيل ذلك موكول إلى مبحث المطلق والمقيّد إن شاء الله تعالى.

وإجمال المطلب أنّ بعض الاصوليين أنكر وضع اللام لشيء من المعاني وقال إنّها ليست إلّا لمجرّد التزيين.

ومنشأ ذلك هو توهّم أنّ اللام لو كانت موضوعة لتعريف الجنس ومفيدة لتعيينه لزم أن لا يصحّ حمل المعرّف باللام بما هو معرّف على الأفراد لأنّ الجزئي لا يحمل على الجزئي واستنتج من ذلك أنّ اللام لا تفيد التعريف بل هي للزينة.

٣١

أورد عليه في نهاية النهاية بأنّ هذا مضافا إلى اختصاصه باللام التي تكون للاشارة إلى الجنس دون ما كانت للإشارة إلى المعهود الخارجي والاستغراقي أنّ الظاهر من كون اللام لتعريف الجنس أنّها موضوعة للإشارة إلى جهة تعيّن الجنس من بين الأجناس إلى أن قال فإنّ جنس الرجل ذو تعيّن وتميّز واقعي من جنس المرأة وسائر الأجناس الأخر والذهن يدرك هذا التميّز لا أنّه يحصل له التميّز في الذهن.

فإذا أشرنا إليه بماله من التعيّن الواقعي النفس الأمري وقلنا الرجل خير من المرأة كان معرفة وأمّا إذا أشرنا إليه بجهة ابهامه بين أفراده ولا تعيّنه كان نكرة.

والمدّعى هو أنّ لفظ اسم الجنس موضوع للجنس بما هو جنس غير متعيّن واللام للاشارة إليه بجهة تعيّنه وتميّزه ولذلك يحصل التعريف باللام لا لأنّ اللام للاشارة إلى الجنس المتميّز في الذهن ليتّجه الاشكال من عدم الصدق على الخارجيّات (١).

وبالجملة فاللام تشير إلى تعيّن الجنس بالنسبة إلى سائر الأجناس لا تعيّنه بخصوصيّات الوجود الذهني حتّى يصير بذلك جزئيّا وعليه فيمكن أن يقال إنّ الأصل في اللام أن تكون للتعريف والعهديّة مطلقا سواء كانت ذكريّة أو خارجيّة مستفادة من القرائن وحينئذ فإذا كانت اللام موضوعة للتعريف فاذا دخلت على الجمع تفيد تعريفه وهو يدلّ بالدلالة العقليّة على الاستغراق إذ لا تعيّن لسائر مراتبه إلّا تلك المرتبة يعني جميع الأفراد.

والايراد عليه بأنّ لتلك المرتبة وإن كان تعيّن في الواقع ولكنّ التعيّن ثابت لأقلّ مرتبة الجمع أيضا فإذا لا دليل على تعيين تلك دون هذه.

يجاب عنه بأنّ هذه المرتبة أي أقلّ مرتبة الجمع أيضا لا تعيّن لها في الخارج

__________________

(١) نهاية النهاية : ١ / ٣١٠.

٣٢

وإن كان لها تعيّن بحسب مقام الارادة فإنّ الثلاثة التي هي أقلّ مرتبة الجمع تصدق في الخارج على الأفراد الكثيرة ولها مصاديق متعدّدة فيه كهذه الثلاثة وتلك وهكذا فإذا فالمرتبة الأخيرة متعيّنة دون غيرها (١).

وقد أفاد وأجاد سيّدنا الامام المجاهد قدس‌سره حيث قال إنّ اسم الجنس المجرّد عن اللام والتنوين وغيرهما موضوع لنفس الطبيعة من حيث هي ، وهي ليست معرفة ولا نكرة إلى أن قال : ولهذا تصلح لعروضهما عليها فلو كانت متعيّنة ومعرفة بذاتها لم يمكن أن يعرضهما ما يضادّها وبالعكس.

فحينئذ يمكن أن يفرق بينهما بأن يقال اسم الجنس موضوع لنفس الماهيّة التي ليست نكرة ولا معرفة وعلمه موضوع للماهيّة المتعيّنة والفرق بين علم الجنس واسم الجنس المعرّف أنّ الأوّل يفيد بدالّ واحد ما يفيد الثاني بتعدّد الدالّ ...

فالماهيّة بذاتها لا معروفة ولا غيرها وبما أنّها معنى معيّن بين سائر المعاني وطبيعة معلومة في مقابل غير المعيّن معرفة فأسامة موضوعة لهذه المرتبة واسم الجنس لمرتبة ذاتها وتنوين التنكير يفيد نكارتها واللّاتعيّن ملحق بها كالتعيّن.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ اللام وضعت مطلقا للتعريف وإفادة العهد وغيره بدالّ آخر فاذا دخلت على الجنس وعلى الجمع تفيد تعريفهما وإفادة الاستغراق لأجل أنّ غير الاستغراق من سائر المراتب لم يكن معيّنا والتعريف هو التعيين وهو حاصل في استغراق الأفراد لا غير (٢).

وإلى ما ذكر يرجع ما أفاده في المحاضرات أيضا حيث قال وأمّا احتمال وضع المجموع من حيث المجموع للدلالة على ذلك زائدا على وضع كلمة (اللام) ومدخولها

__________________

(١) راجع المحاضرات : ٥ / ٣٦٠.

(٢) مناهج الوصول : ٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

٣٣

فهو بعيد جدا ضرورة أنّ الدالّ على إرادة هذه المرتبة إنّما هو دلالة كلمة (اللام) على التعريف والتعيين نظرا إلى أنّه لا تعيّن في الخارج إلّا لخصوص هذه المرتبة.

وكذا احتمال وضع كلمة اللام للدلالة على العموم والاستغراق ابتداء بعيد جدّا لما عرفت من أنّها لم توضع إلّا للدلالة على التعريف والتعيين.

فالنتيجة إنّ الجمع المعرّف باللام يدلّ على إرادة جميع أفراد مدخوله على نحو العموم الاستغراقي (١).

ثمّ لا يخفى عليك أنّه ذهب بعض المعاصرين إلى أنّ الجمع إذا كان خاليا عن اللام التنوين على الوحدة الموجبة لإرادة جماعة واحدة في الجموع وإذا كان محلّى باللام يستفاد من المجموع جميع مصاديق مفردها وذلك لا من باب دلالة اللام على الاستغراق بل الظاهر أنّ اللام لا يفيد في شيء من الموارد شيئا وليس فائدته إلّا الزينة والمنع من دخول علامة التنوين الّتي تدلّ على الوحدة لإرادة فرد واحد في أسماء الأجناس وجماعة واحدة في الجموع فاللام لا يدلّ على العموم ولذلك ترى مرادفها بالفارسيّة مثلا يدلّ على العموم ولا لام ولا شيء آخر إلّا الجمع فراجع لفظ «دانايان» «دانشمندان» ونحوهما (٢).

حاصله أنّ الجمع في نفسه يدلّ على العموم وإنّما يمنعه التنوين الدالّ على الوحدة وحيث إنّ مع اللام لا تنوين فالجمع يدلّ على العموم واستشهد بلفظ دانايان ودانشمندان.

ولقائل أن يقول أوّلا إنّ الاستدلال بما في اللغة الفارسيّة للاستظهار من اللغة العربيّة غير تامّ إذ لا ملازمة بينهما ، وثانيا إنّا لا نسلّم دلالة الجمع على العموم

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٣٦١.

(٢) راجع تسديد الاصول : ١ / ٥٠٢.

٣٤

والاستغراق غايته هو صلاحيّة اللفظ للدلالة على العموم كما يصلح للدلالة على أقلّ الجمع ولذا لا يحتاج حمل لفظ الجمع على أقلّ الجمع إلى عناية ومئونة.

وثالثا : إنّ نفي الدلالة على الوحدة لا ينافي إرادة غير الواحد وعليه فلا يستلزم الاستغراق اذ الجمع موضوع لاستعماله في الثلاثة أو الأزيد فالجمع قابل لاستعماله في الاستغراق وغيره فلو لم تفد اللام التعريف فلا وجه لاستفادة الاستغراق منه.

فالأولى هو أن يقال أنّ سبب إفادة الاستغراق هو إفادة اللام للتعريف إذ التعريف هو التعيين وهو لا يتحقّق إلّا في الاستغراق لا غير فتدبّر جيّدا ثمّ إنّه لا حاجة في استفادة الاستغراق إلى مقدّمات الحكمة لأنّ التعريف مدلول وضعي للام وهو يدلّ بالدلالة العقليّة على الاستغراق خلافا لصاحب الكفاية حيث ذهب إلى أنّ إفادة اللام للعموم مبتنية على مقدّمات الحكمة هذا مضافا إلى أنّ رتبة الموضوع مقدّمة على رتبة مقدّمات الحكمة برتبتين إذ الموضوع مقدّم على الحكم وهو مقدّم على المقدّمات فلا يعقل توقّف دلالة اللام على الاستغراق على المتأخّر عنه برتبتين كما لا يخفى.

وممّا ذكر يظهر أنّ اللام في المفرد لا يفيد إلّا التعريف في الجنس وأمّا العموم والاستغراق فلا موجب له ولذا يحتاج في إفادة العموم والاستغراق إلى مقدّمات الحكمة ولا محذور فيه كما لا يخفى.

الأمر التاسع : أنّ ألفاظ العموم مثل «كلّ» و «جميع» موضوعة للاستغراق واضافتها إلى الطبيعة الّتي تكون قابلة للصدق على الكثيرين توجب إفادة استغراق المدخول من دون حاجة إلى ملاحظة الحكم المتعلّق على الموضوع ومقدّمات الاطلاق لأنّ أداة العموم متعرّضة لكمّيّة مصاديق الطبيعة ومعه لا معنى لعدم كون المتكلّم في مقام بيان تمام الأفراد وإلّا لزم الخلف في اتّخاذ أداة العموم الدّالّة على الاستغراق.

وهذا هو مقتضى باب العموم بخلاف باب الاطلاق لإمكان أن لا يكون

٣٥

المتكلّم فيه بصدد بيان حكم الطبيعة بل يكون بصدد بيان حكم آخر فلا بدّ في اثبات الاطلاق من جريان مقدّمات الاطلاق هذا مضافا إلى أنّ الحكم متأخّر عن الموضوع العامّ برتبة وجريان المقدّمات متأخّر عنه برتبتين فلا يعقل توقّف دلالة الأداة على العموم عليه كما لا يخفى (١).

ولا ينافي ذلك تقييد المدخول بالقيود فإنّ مفاد كلّ هو استغراق المدخول من دون فرق بين أنّ يكون المدخول مع القيد أو بلا قيد.

وعليه لفظة كلّ أو جميع تدلّ بحسب الوضع في مثل قولنا كلّ رجل أو جميع طلّاب على الاستغراق في مدخوله فيسري الحكم المتعلّق به إلى جميع ما يمكن أن ينطبق عليه ماهيّة المدخول بما لها من المعنى والشاهد على ذلك هو التبادر العرفي وهذه الدلالة وضعيّة لفظيّة ولا تتوقّف على مقدّمات الحكمة كما لا يخفى.

وممّا ذكر يظهر وجه ضعف كلام صاحب الكفاية حيث ذهب إلى أنّ لفظة كلّ ونحوها من أداة العموم وإن كانت موضوعة للدلالة على العموم إلّا أنّ دلالتها على عموم جميع ما ينطبق عليه مدخولها من الأفراد والوجودات تتوقّف على جريان مقدّمات الحكمة فيه (٢).

وذلك لما عرفت من أنّ لفظة كلّ ونحوها تدلّ على استغراق أفراد المدخول بالظهور الوضعي ولا حاجة إلى جريان مقدّمات الحكمة بعد الدلالة الوضعيّة هذا مضافا إلى ما عرفت من تأخّر جريان المقدّمات عن الموضوع برتبتين فلا دلالة لها في الرتبة المتقدّمة.

__________________

(١) راجع مناهج الوصول : ٢ / ٢٣٣.

(٢) الكفاية : ١ / ٣٣٤.

٣٦

الخلاصة :

الفصل الأوّل

في تعريف العامّ

وهنا أمور :

الأمر الأول : في تعريف العامّ الاصولي :

عرّف شيخنا الاستاذ العامّ بأنّه ما يكون مسوّرا بسور محيط بأفراد حقيقة واحدة ، كما في «كلّ عالم» و «العلماء» و «جميع علماء».

ومقتضى هذا التعريف أنّ مثل لفظ «كلّ» و «جميع» و «لام الاستغراق» من أدوات العموم وليست بعمومات ، كما أنّ لفظ «عالم» و «علماء» ونحوهما يكون من المطلقات لا العمومات ، وإنّما يصير لفظ «عالم» و «علماء» من العمومات إذا صدّرت بإحدى أدوات العموم.

فالعامّ هو مدخول أداة العموم ، وهو الذي يشمل جميع أفراده ويكون محيطا بالنسبة إليها ، وهذا العامّ هو اللفظ بلحاظ معناه ، لا المفهوم.

وممّا ذكر يظهر ما في الكفاية حيث قال في تعريفه : «هو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه» وذلك لأنّ العموم والخصوص ليسا من صفات المفهوم والمعنى ، بل هما من صفات اللفظ باعتبار المعنى ولحاظه.

٣٧

وأيضا جعل العامّ نفس الأداة لا مدخولها كما ترى ؛ لأنّ أداة العموم لا تفيد إلّا الاستيعاب ، ولا حكاية لها عن المصاديق ، وإنّما الحكاية لمدخولها ، ولا وجه لإنكار حكاية طبيعة المدخول عن حصصها ، مع أنّ الحكاية أمر عرفيّ وليست عقليّا.

نعم يرد على هذا التعريف : أنّه لا يشمل العامّ الذي ليس بمسوّر ، كاسم الجمع مثل «قوم» و «ناس» بناء على كونهما من ألفاظ العموم ، وعليه فاعتبار تعدّد الدالّ والمدلول يكون بحسب الغالب ، والعامّ في الحقيقة هو لفظ يحيط بأفراده لا ، سواء كانت إحاطته من جهة تعدّد الدالّ والمدلول أو من جهة وضع اللفظ للإحاطة الفعليّة.

ثمّ الفرق بين العامّ الأصولي والعامّ المنطقي يكون في فعليّة الإحاطة وعدمها ، فإذا اعتبرت الإحاطة بالفعل في التعريف فهو عامّ أصوليّ ، وإذا لم يعتبر فيه ذلك ـ بل عرّف بأنّه الذي لا يمتنع فرض صدقه على الكثيرين ـ فهو كلّي منطقيّ.

الأمر الثاني : في أقسام العمومات :

ينقسم العامّ إلى الاستغراقي والمجموعي والبدلي ، والأوّل هو الذي دلّ اللفظ فيه على استيعاب تمام أفراد الطبيعة في عرض واحد من دون اعتبار وحدتها واجتماعها ، مثل قولهم : «كلّ عالم».

والثاني : هو الذي دلّ اللفظ فيه على استيعاب تمام الأفراد مع اعتبار الوحدة والاجتماع ، مثل «مجموع إنسان» أو «مجموع علماء».

والثالث : هو الذي دلّ اللفظ فيه على استيعاب الأفراد على البدل ، مثل «أيّ رجل».

وامتثال الأوّل يتمّ بإتيان كلّ واحد من أفراد العامّ ، فإذا أتى ببعض امتثل بالنسبة إليه وعصى بالنسبة إلى غيره.

وامتثال الثاني يتمّ بإتيان المجموع ، ولو أخلّ ببعضه لم يمتثل التكليف أصلا.

٣٨

وامتثال الثالث يتمّ بإتيان فرد واحد من دون اعتبار خصوصية من خصوصيّات أفراد موضوع الخطاب.

الأمر الثالث : في منشأ هذا التقسيم :

لا يخفى أنّ دلالة أدوات العموم على الأقسام الثلاثة تكون بالوضع ، ولا حاجة فيها إلى تعلّق حكم أو ملاحظة متكلّم أو قرينة أخرى ، والشاهد لذلك : هو تبادر الاستغراق من لفظة «كلّ رجل» ، وتبادر المجموع من لفظة «مجموع» ، وتبادر الفرد الواحد من لفظة «أيّ رجل» في قوله : «تصدّق على أيّ رجل رأيته».

وصحّة استعمال بعض هذه الأدوات في الأخرى مع القرينة لا تكون علامة على الاشتراك ، كما في اللام فإنّها موضوعة للجنس وقد تستعمل في الاستغراق مع القرينة ، ومع ذلك ليست مشتركة بين الجنس والاستغراق.

الأمر الرابع : في خروج أسماء الأعداد عن العمومات :

وذلك لأنّ آحاد مثل العشرة ليست أفرادا لها ، بل هي أجزاء كأجزاء الكلّ ومقوّمة لها ، ولفظة العشرة لا تصدق على كلّ فرد من الآحاد كما تصدق الطبيعة على أفرادها ، وعليه فلا تكون أسماء الأعداد كالعمومات.

ودعوى : أنّ مفهوم «كلّ عالم» لا ينطبق أيضا على كلّ فرد من العالم ، ولا يضرّ ذلك بعد انطباق مدخول «كلّ عالم» على كلّ فرد ، وهكذا يكفي في المقام انطباق عنوان الواحد على كلّ واحد بعد كون كلّ عدد مؤلّفا من الآحاد.

مندفعة : بأنّ مراتب الأعداد وإن تألّفت من الآحاد ، إلّا أنّ الواحد ليس مادّة لفظ العشرة كي يكون له الشمول ، بل العشرة لها مفهوم يباين سائر المفاهيم من مراتب الأعداد حتّى مفهوم الواحد ، وبهذه الملاحظة لا ينطبق مفهوم العشرة على

٣٩

آحادها.

فالعدد كعنوان الكلّ لا الكلّي الشامل لأفراده ، وهذا بخلاف المدخول في العامّ الاستغراقي أو المجموعي فإنّه الكلّي الشامل لأفراده ، فالفرق بين العام الاستغراقي والمجموعي وبين العشرة ونحوها من أسامي الأعداد واضح.

الأمر الخامس :

أنّ أداة العموم مثل لفظة «كلّ» موضوعة في اللغة لإفادة خصوص العموم ، ومقتضى ذلك : أنّ دلالة مثل هذه اللفظة على العموم من باب الحقيقة ، لا المجاز ، ولا الاشتراك بين العموم والخصوص ؛ وإلّا لزم خلف ما قلناه في كونها موضوعة لخصوص العموم.

ولا ينافي ما ذكر استعمالها أحيانا في الخصوص بعناية ، سواء كانت العناية بادّعاء أنّ الخصوص هو العموم ، أو بعلاقة العموم والخصوص ؛ لأنّ ذلك بالقرينة فلا ينافي ظهور أداة العموم في العموم بحسب الوضع.

ودعوى : أنّ شيوع التخصيص ـ إلى حدّ كبير ؛ حتّى قيل : ما من عامّ إلّا وقد خصّ ـ يمنع عن القول بوضع ألفاظ العموم للعموم ، بل الظاهر يقتضي كونها موضوعة لما هو الغالب تقليلا للمجاز.

مندفعة : بمنع استلزام التخصيص للتجوّز ؛ لأنّ أداة العموم في موارد التخصيص مستعملة في مقام الاستعمال في العموم لا في الخصوص ، وإنّما التخصيص في الإرادة الجدّية بتعدّد الدالّ والمدلول ، وعليه فلا تجوّز في استعمال أداة العموم في معناها.

الأمر السادس : فى تأسيس الأصل :

إذا شككنا في كون العامّ استغراقيّا أو مجموعيّا أو بدليّا فلا يخفى أنّ الأصل هو

٤٠