عمدة الأصول - ج ٤

السيّد محسن الخرّازي

عمدة الأصول - ج ٤

المؤلف:

السيّد محسن الخرّازي


المحقق: السيّد علي رضا الجعفري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسه در راه حق
المطبعة: كيميا
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٤

إذا كان المنهيّ هي الطبيعة المتقيّدة بقيد كما هو الظاهر فإنّ مرجوحيّة الطبيعة المتقيّدة لا يجتمع مع المطلوبيّة والراجحيّة.

اورد عليه سيّدنا الإمام المجاهد قدس‌سره بقوله الظاهر عدم الحمل لأنّ لازم التنزيهيّ الترخيص بإتيان المتعلّق فلا يبقى التنافي بينهما بل يحمل النهي على المرجوحيّة الإضافيّة أو الإرشاد إلى أرجحيّة الغير.

فإذا قال صلّ وقال لا تصلّ في الحمّام وعلم أنّ النهي تنزيهيّ لازمه الترخيص في إتيانها فيه فلا اشكال في أنّ العرف يجمع بينهما بأنّ إتيانها فيه راجح ذاتا وصحيح ومرجوح بالإضافة إلى سائر الأفراد فلا وجه للحمل.

وما أفاد شيخنا العلّامة أعلى الله مقامه من لزوم اجتماع الراجحيّة والمرجوحيّة في مورد واحد فلا بدّ من الحمل لا يمكن المساعدة عليه (١).

يمكن أن يقال إنّ محلّ الكلام فيما إذا لم يحرز أنّ الطبيعة بما هي مطلقة مطلوبة.

فقياس المقام بباب العبادة المكروهة التي تكون مطلوبيّة العبادة فيها محرزة ليس في محلّه وعليه فمع عدم الإحراز يدلّ ظاهر النهي التنزيهي على مرجوحيّة المتعلّق وهو لا يجتمع مع راجحيّة المتعلّق فيجمع بينهما بحمل المطلق على غير المقيّد وأمّا دلالة النهي التنزيهي على الترخيص بإتيان المتعلّق فلا تجدي إلّا في جواز إتيانه ولكن لا يوجب ذلك رفع المرجوحيّة فلو أعتق رقبة فاسقة لم يفعل حراما وأتى بأمر مرجوح فلا يجدي في امتثال الأمر بعتق الرقبة فإنّ اللازم فيه أن يكون عتقها راجحا والمفروض أنّه مرجوح بسبب ظاهر النهي عنه والترخيص لا يرفع المرجوحيّة وبعبارة اخرى ليس الكلام في مقام إمكان الامتثال حتّى يقال بانّ النهي التنزيهي يرخص في الإتيان فلا ينافي مطلوبيّة الإتيان بل الكلام في عدم اجتماع الراجحيّة مع

__________________

(١) مناهج الوصول : ٢ / ٣٣٤.

٣٢١

المرجوحيّة وهذا المحذور باق على حاله.

فاللازم هو الجمع بينهما بحمل المطلق على غير المقيّد وصرف النهي عن المقيّد إلى نفس الإضافة خلاف الظاهر ولا وجه له بعد إمكان التقييد الذي هو الجمع العرفي ولا فرق في هذه الصورة أيضا أن يكون الحكم إلزاميّا أو غير إلزاميّ.

هذا كلّه فيما إذا كان التحريمي او التنزيهي معلوما.

وأمّا إذا لم نعلم شيئا منهما ودار الأمر بينهما كان مقتضى ما عرفت من لزوم حمل المطلق على غير المقيّد في صورة كون النهي تنزيهيّا أيضا هو حمل المطلق على غير المقيّد في هذه الصورة أيضا لأنّ النهي على كلا التقديرين يدلّ على مرجوحيّة الطبيعة وهو لا يجتمع مع راجحيّتها فاللازم هو حمل المطلق على غير المقيّد.

هذا على المختار من حمل المطلق على غير المقيّد حتّى في صورة كون النهي نهيا تنزيهيّا.

بل اختار ذلك في هذه الصورة من ذهب إلى عدم حمل المطلق على غير المقيّد وجعل المرجوحيّة بالنسبة إلى إضافة الطبيعة لا أصل الطبيعة مستدلا عليه بأنّ ذهن العرف لو خلّي وطبعه لا يتوجّه عند سماع قوله «أعتق رقبة ولا تعتق رقبة فاسقة» إلّا إلى تقييد الإطلاق ولا يختلج بباله الحمل على التنزيه بقرينة الإطلاق وإنّما هو احتمال عقلي ولعلّ وجهه تعارف الإطلاق والتقييد في محيط التشريع وعدم معهوديّة جعل الإطلاق قرينة على أنّ النهي او كون الهيئات بما أنّها حرفيّة لا يلتفت إليها الذهن وإلى طريق جمع بينها وكيف كان فلا إشكال في حمل المطلق على المقيّد في هذه الصورة عرفا (١). ولا يخفى أنّ محلّ الكلام هو ما إذا شكّ في كون النهي نهيا تحريميّا أو تنزيهيّا وما فرضه من استفادة التحريمي خارج عن محلّ الكلام هذا مضافا إلى ما عرفت من

__________________

(١) راجع مناهج الوصول : ج ٢ ص ٣٣٤ و ٣٣٥.

٣٢٢

أنّ تعارف الإطلاق والتقييد لا يمنع عن كون النهي تنزيهيّا حيث أنّ اللازم على فرض كون النهي تنزيهيّا هو حمل المطلق على غير المقيّد أيضا لتنافي المرجوحيّة مع الراجحيّة ، فتحصّل أنّ في هذه الصورة يقيّد المطلق بحمله على غير المقيّد من دون فرق بين أن يكون النهي تحريميّا أو تنزيهيّا وبين أن يعلم كون النهي تحريميّا أو تنزيهيّا أو لم يعلم.

الصورة الثالثة : هي ما إذا كان الدليلان أي المطلق والمقيّد مثبتين إلزاميين كقوله أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة.

ففي هذه الصورة إن احرزت وحدة الحكم فلا إشكال في حمل المطلق على المقيّد إذ مع وحدة الحكم يكون المتفاهم العرفي وارتكازاتهم هو تقديم المقيّد على ظهور المطلق فيجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد من دون فرق بين كون القيد منفصلا أو متّصلا غاية الأمر كما أفاد في المحاضرات أنّه على الأوّل يمنع عن حجّيّة الظهور وكاشفيّته عن المراد الجدّيّ وعلى الثاني يمنع عن أصل انعقاد الظهور له فلا تكون بينهما معارضة أبدا (١).

وهكذا لا فرق بين كون إحراز وحدة الحكم من جهة وحدة السبب أو من غيرها من سائر القرائن وفصّل في الدرر في صورة إحراز وحدة الحكم بين كون الاحراز من جهة وحدة السبب (كقوله إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة) فيتعيّن التقييد ولا وجه للتصرّف في المقيّد بأحد النحوين فإنّه إذا فرض كون الشيء علّة لوجوب المطلق فوجود القيد أجنبيّ عن تأثير تلك العلّة فلا يمكن أن يقال إنّ وجوب المقيّد معلول لتلك فلا بدّ له من علّة اخرى والمفروض وحدتها وكذا كون الشيء علّة لوجوب المطلق ينافي كونه علّة الاستحباب للفرد الخاصّ إذ

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٣٧٧.

٣٢٣

استناد المتباينين إلى علّة واحدة غير معقول.

وبين كون الإحراز من غير جهة وحدة السبب فيدور الأمر بين حمل الأمر المتعلّق بالمطلق على ظاهره من الوجوب والإطلاق والتصرّف في الأمر المتعلّق بالمقيّد إمّا هيئة بحملها على الاستحباب وإمّا مادّة برفع اليد عن ظاهر القيد من دخله في موضوع الوجوب وجعله إشارة إلى الفضيلة الكائنة في المقيّد وبين حمل المطلق على المقيّد وحيث لا ترجيح لأحدها لاشتراك الكلّ في مخالفة الظاهر فيتحقّق الإجمال (١).

ولا يخفى عليك أنّ دعوى الإجمال فيما كان إحراز الوحدة من غير جهة وحدة السبب غير وجيه لأنّ المفروض هو وحدة الحكم ومع وحدة الحكم يكون المتفاهم العرفيّ هو الجمع بحمل المطلق على المقيّد.

والوجه في ذلك هو أنّ المقيّد قرينة على التصرّف في أصالة الجدّ الجارية في المطلق لا أنّ المقيّد يوجب اختلال الظهور الإطلاقيّ بدعوى أنّ الظهور الإطلاقيّ فرع عدم ما يصلح للقرينيّة ومع العثور عليه لا ينعقد له إطلاق كما حكي عن الشيخ قدس‌سره (٢).

وذلك لما عرفت مرارا إنّ ذلك صحيح بالنسبة إلى قرينة متّصلة وأمّا القرينة المنفصلة فلا توجب اختلال الظهور الاستعمالي غاية الأمر أنّها موجبة للتصرّف في أصالة الجدّ الجارية في ناحية الإطلاق إذ الظهور الاستعمالي لا يكون بعد الفحص وعدم الظفر بالقيد معلّقا.

نعم الظهور الكاشف عن المراد الجدّي معلّق على عدم البيان فمع البيان لا مورد له وكيف كان فالعمدة هو إحراز وحدة الحكم سواء كان ذلك من جهة وحدة السبب

__________________

(١) الدرر : ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٢) الفرائد طبع رحمة الله : ٤٥٧.

٣٢٤

أو من غيرها من ساير الجهات. هذا كلّه فيما إذا أحرزت وحدة التكليف.

وأمّا إذا لم يحرز وحدة التكليف فالمتعيّن هو حمل كلّ منهما على التكليف المستقلّ أخذا بظاهر الأمرين وعليه فإذا لم يعلّق كلاهما أو أحدهما على سبب كان كما إذا علّق كلّ على سبب غير السبب الآخر في كون كلّ واحد تكليفا مستقلا وحيث لا يمكن اجتماع الخطابين في الواحد فيقيّد المطلق بغير مورد المقيّد ثمّ الكلام في كفاية المقيّد عن امتثال المطلق هو الكلام في تداخل المسبّبات مثلا إذا قيل أكرم عالما ثمّ قيل أكرم عالما هاشميّا لم يحكم بوحدة الحكم إذ لا دليل عليه فهما بعثان وتكليفان ولا يتداخلان.

فإكرام العالم امتثال لقوله أكرم عالما كما أنّ إكرام العالم الهاشميّ إكرام لقوله أكرم عالما هاشميّا نعم ذهب بعض الأعلام إلى أنّ امتثال الأوّل لا يكفي عن الامتثال الثاني ولكن امتثال الثاني يكفي عن امتثال الأوّل أيضا عملا بإطلاق المادّة في كلّ من الأمرين (١).

ولكنّه منظور فيه لأنّ مفهوم الأعمّ إذا كان مأخوذا في الأخصّ كطبيعي النافلة والنافلة المختصّة بالأيّام والأمكنة أو طبيعيّ إكرام العالم وإكرام العالم الهاشميّ فالمطلق عين ما أخذ في المقيّد ومع العينيّة لا يعقل تعلّق الحكمين المتماثلين بالواحد لاستحالة البعث نحو الشيء الواحد بالبعثين المستقلّين ولو كان البعثان استحبابيين فلا مناص من أن يتقيّد متعلّق المطلق بغير مورد متعلّق المقيّد كما مرّ بالتفصيل في تداخل المسبّبات فراجع وعليه فلا وجه للاكتفاء بالثاني عن امتثال الأوّل فالمطلق لا يشمل المقيّد كما أنّ المقيّد لتقيّده بمورد القيد لا يشمل المطلق وعليه فامتثال كلّ واحد لا يكفي عن الآخر هذا مضافا إلى ما في المحاضرات من أنّ الإتيان بالمقيّد إذا كان موجبا

__________________

(١) تسديد الاصول : ١ / ٥٦٤.

٣٢٥

لسقوط الأمر عن المطلق أيضا فلا محالة يكون الأمر به لغوا محضا حيث إنّ الإتيان بالمقيّد ممّا لا بدّ منه ومعه يكون الأمر بالمطلق لغوا وعبثا ولا يقاس هذا بما لو كان بين متعلّقي التكليفين عموم من وجه كعنوان العالم وعنوان الهاشميّ فإنّ إطلاق الأمر فيه لكلّ من الدليلين لا يكون لغوا أبدا لفرض أنّ لكلّ منهما مادّة الافتراق بالإضافة إلى الآخر (١).

هذا كلّه مع الشكّ في وحدة التكليف وحمل كلّ واحد من الخطابين على التكليف المستقلّ أخذا بظاهر الخطابين ومقتضاه كما عرفت هو حمل المطلق على غير مورد المقيّد وعليه فاللازم في امتثال المطلق هو الإتيان بالمطلق في غير مورد المقيّد لعدم إطلاق مادّة المقيّد فلا يكتفى بالمقيّد عن المطلق كما لا يكتفى بالمطلق عن المقيّد.

وأمّا إذا احرز أنّ التكليف متعدّدا ومتوافقا في الإثبات فالمتعيّن أيضا هو حمل كلّ منهما على التكليف المستقلّ فتقييد المطلق بغير مورد المقيّد أخذا بظاهر الأمرين لا يقال إنّ لازمه هو اجتماع المثلين في الواحد.

لأنّا نقول مقتضى الجمع بين الخطابين بعد ما عرفت من استحالة اجتماع الخطابين في واحد هو حمل المطلق على أنّ المراد منه غير المقيّد.

ففي مثل أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة يكون المراد من الرقبة في قوله أعتق رقبة هي غير الرقبة التي تكون في رقبة مؤمنة فلا يجتمع الخطابان في الواحد ومقتضاه كما مرّ آنفا هو عدم كفاية امتثال الثاني عن الأوّل لعدم إطلاق المادّة هذا بخلاف مثل أكرم العالم وأكرم الهاشميّ فإنّ الخطابين لا يجتمعان في واحد ويجوز التداخل فيهما بمثل إكرام العالم الهاشميّ لاطلاق المادّة وصدقها عليه فتدبّر جيّدا.

فتحصّل أنّه إذا علم من الخارج تعدّد التكليف أو حمل الكلام عليه في المطلق

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٣٧٩.

٣٢٦

والمقيّد فالمتعيّن هو تقييد الأمر بالمطلق بالاتيان به في ضمن غير المقيّد.

ومقتضاه هو عدم سقوط التكليف بالمطلق بالاتيان بالمقيّد بل لا بدّ من الاتيان به أيضا فلا تغفل.

الصورة الرابعة : هي ما إذا كان الدليلان نافيين إلزاميين كما إذا ورد لا تشرب المسكر ولا تشرب الخمر ففي هذه الصورة مع تعدّد التكليف كما يقتضيه ظاهر النهيين يمتنع شمول المطلق لمورد المقيّد للزوم تعلّق الكراهتين والحكمين المتماثلين في الطبيعة المتقيّدة وهي واحدة واجتماع اثنين في محلّ واحد ممتنع فمع امتناع الاجتماع يحمل المطلق على غير المقيّد وعليه فيحرم المسكر غير الخمر كما يحرم الخمر فهنا تكليفان لا يتداخلان ولذا لا يكفي امتثال أحدهما عن الآخر لعدم إطلاق كلّ مادّة بالنسبة إلى الاخرى ، نعم لو أحرزت وحدة الحكم فاللازم هو حمل المطلق على المقيّد فليس التكليف إلّا بالمقيّد كما لا يخفى.

الصورة الخامسة : هي ما إذا كان الدليلان النافيان غير إلزاميين ففي هذه الصورة مع تعدّد التكليف يحمل المطلق على غير المقيّد لامتناع اجتماعهما في واحد لأنّه اجتماع المثلين في شيء واحد وهو محال والحمل على التأكّد خلاف التعدّد فمع امتناع الاجتماع يحمل المطلق على غير مورد المقيّد كما أنّ المقيّد لا يشمل المطلق لخصوصيّة مورده.

فهنا تكليفان ولا منافاة بينهما إذ لا مفهوم للقب حتّى يجيء التنافي من قبله وحيث لا إطلاق لمادّة كلّ واحد بالنسبة إلى الاخرى فلا يكفي امتثال أحدهما عن الآخر كما لا يخفى.

هذا إذا أحرزت تعدّد الحكم وأمّا إذا أحرزت وحدة الحكم فاللازم هو حمل المطلق على المقيّد فليس إلّا التكليف بالمقيّد.

الصورة السادسة : هي ما إذا كان الدليلان مثبتين غير إلزاميين كما إذا وردت

٣٢٧

في استحباب زيارة الإمام الحسين عليه‌السلام مطلقات وورد في دليل آخر استحباب زيارته عليه‌السلام في أوقات خاصّة كليالي الجمعة وأوّل ونصف رجب ونصف شعبان وليالي القدر وغير ذلك فإن أحرز تعدّد المطلوب فلا تقييد بمعنى حمل المطلق على المقيّد بل يحمل المطلق على غير مورد المقيّد لما عرفت من امتناع اجتماع المثلين في الواحد بناء على أنّ المقيّد هو الزيارة الواقعة في ليالي القدر وعليه فهنا تكليفان مستحبّيان أحدهما متعلّق بالمطلق الذي يشمل غير مورد المقيّد وثانيهما متعلّق بالمقيّد ولا يجوز شمول المطلق لمورد المقيّد للزوم اجتماع المثلين وإن أحرزت وحدة المطلوب فيحمل المطلق على المقيّد لما عليه بناء العقلاء من حمل المطلق على المقيّد كما في سائر الموارد لأظهريّة المقيّد بالنسبة إلى المطلق ولا يبعد دعوى انصراف المستحبّين في تعدّد المطلوب لكثرة استعمال موارد المستحب في الشريعة في أمور يكون مطلوبيّتها عامّة في جميع أفرادها لاشتمالها على الملاك ولذا يحكم في كثير من الموارد بإطلاق الاستحباب من دون الفحص على المقيّدات وهذا هو الفارق بين المستحبّين والواجبين في عدم حمل المطلق على المقيّد كثيرا ما في الأوّل دون الثاني.

وذهب في المحاضرات إلى أنّ منشأ الفرق أنّ ترخيص المكلّف في تطبيق الواجب على أيّ فرد من أفراده في امتثال المطلق لا يجتمع مع كونه ملزما بالإتيان بالمقيّد هذا بخلاف غير إلزامين فانه لا ينافي إطلاق المطلق لفرض عدم إلزام المكلّف بالإتيان بالمقيّد بل هو مرخّص في تركه فإذا لم يكن تناف بينهما فلا موجب لحمل المطلق على المقيّد (١).

وفيه أنّ عدم اجتماع ترخيص المكلّف في التطبيق في الواجب مع كونه ملزما بالإتيان بالمقيّد متفرّع على استظهار تعدّد المطلوب وإلّا فمع إحراز وحدة المطلوب فلا

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٣٨٤.

٣٢٨

ترخيص في تطبيق الواجب بل اللازم هو حمل المطلق على المقيّد فالعمدة هو إحراز وحدة المطلوب أو تعدّده فلا تغفل.

وذهب في الكفاية إلى أنّ الفرق بين الواجبين والمستحبّين من ناحية شمول قاعدة التسامح في أدلّة السنن للمطلقات في المستحبّات دون الواجبات بدعوى صدق موضوع أخبار من بلغ على ورود المطلقات ومع الصدق يحكم باستحباب المطلقات مسامحة ولو كانت المقيّدات موجودة.

وفيه ما لا يخفى فإنّ مقتضى ما عليه بناء العقلاء في المطلقات والمقيّدات هو حمل المطلقات على المقيّدات ومع الحمل المذكور فالّذي بلغ الثواب عليه هو المقيّدات لا المطلقات.

اللهمّ إلّا أن يقال إنّ مقتضى قاعدة التسامح في السنن هو الحكم بالاستحباب بمجرد ورود المطلقات من دون فحص عن وجود المقيّدات مع أنّ اللازم في الواجبات هو الفحص.

وفيه أنّ قاعدة التسامح تدلّ على التسامح في الأسناد لا التسامح في القيود وعليه فمقتضى بناء العقلاء هو حمل المطلق على المقيّد فيما إذا أحرزت وحدة المطلوب فلا مجال للحكم باستحباب المطلق مع إحراز وحدة المطلوب.

فتحصّل أنّ المطلقات والمقيّدات إذا كانتا مختلفين فلا مناص من تقييد المطلقات بالمقيّدات من دون فرق بين كونهما مثبتين أو منفيين وإلزاميين أو غير إلزاميين.

وأمّا إذا كانتا متوافقين فمع وحدة المطلوب فالأمر أيضا كذلك ، وأمّا مع تعدّد المطلوب فلا. بل مقتضى القاعدة هو الحكم بتكليفين أحدهما بالمطلق المتقيّد بغير مورد المقيّد وثانيهما هو التكليف بالمقيّد لما عرفت من امتناع اجتماع المثلين في شيء واحد.

٣٢٩

ثمّ إنّ وحدة المطلوب وتعدّده إمّا تستظهر من وحدة السبب أو من غيرها بحسب اختلاف الموارد.

الصورة السابعة : هي أن يكون الدليلان المثبتان أحدهما حكم إلزاميّ وهو المطلق والآخر غير الإلزاميّ وهو المقيّد ففي هذه الصورة يتصرّف في غير الإلزاميّ بحمله على بيان أفضل الأفراد من الواجب إذ لا موجب لرفع اليد عن الحكم الإلزاميّ بغير الإلزاميّ.

ذهب في المحاضرات إلى أنّ السبب في حمل المقيّد على أفضل الأفراد أنّ الموجب لحمل المطلق على المقيّد في الواجبات هو التنافي بين دليل المطلق والمقيّد حيث إنّ مقتضى إطلاق المطلق ترخيص المكلّف في تطبيقه على أيّ فرد من أفراده شاء في مقام الامتثال وهو لا يجتمع مع كونه ملزما بالإتيان بالمقيّد وهذا بخلاف ما إذا كان دليل التقييد استحبابيّا فإنّه لا ينافي إطلاق المطلق أصلا لفرض عدم إلزام المكلّف بالإتيان به بل هو مرخّص في تركه فإذا لم يكن تناف بينهما فلا موجب لحمل المطلق على المقيّد بل لا بدّ من حمله على تأكّد الاستحباب وكونه الأفضل (١).

وفيه أنّ إطلاق المطلق متفرّع على عدم حمل المطلق على المقيّد وهو أوّل الكلام إذ مع الحمل على المقيّد لا ترخيص له في تطبيقه على أيّ فرد من أفراده من دون فرق بين الواجب والمستحبّ فاللازم هو إثبات إطلاق المطلق وقد عرفت إمكان إثبات ذلك بقوّة الإطلاق بالنسبة إلى المقيّد لدلالته على الحكم الإلزامي.

الصورة الثامنة : هي أن يكون المطلق والمقيّد متعرّضين للحكم الوضعي ويظهر حكمهما ممّا تقدّم ففي المختلفين يحمل المطلق على المقيّد وأمّا في المتوافقين فمع وحدة الحكم يقدّم المقيّد على المطلق للأظهريّة مثلا قوله عليه‌السلام : «اغسل ثوبك بالماء

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٣٨٤.

٣٣٠

مرّتين عند ملاقاته مع البول» يقدّم على قوله عليه‌السلام : «اغسل ثوبك بالماء إذا لاقي بولا» فإنّهما في مقام بيان الغسل المطهّر فالحكم فيهما واحد ومع الوحدة يقع التنافي بينهما فيحمل المطلق على المقيّد.

هذا بخلاف ما إذا لم يكن الحكم واحدا فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد إذ لا منافاة بينهما كقوله عليه‌السلام : «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» وقوله عليه‌السلام : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه» فيؤخذ بكليهما ولا يحمل أحدهما على الآخر لعدم المنافاة بين مانعيّة أجزاء ما لا يؤكل ومانعيّة وبره نعم لو قيل بأنّ القيد له مفهوم لزم التنافي ولكنّه كما ترى (١).

__________________

(١) راجع مناهج الوصول : ٢ / ٣٣٨.

٣٣١

الخلاصة :

الفصل الثالث : في كيفيّة الجمع بين المطلق والمقيّد

ولا يخفى أنّ المطلق والمقيّد إمّا يتضمّنان حكما تكليفيّا وإما حكما وضعيّا ، ثمّ إنّ كلّا منهما إمّا متخالفان نفيا وإثباتا ، وإمّا متوافقان.

والتكليف ، إمّا يكون إلزاميّا وإمّا غير إلزاميّ ، والكلام يقع في صور :

الصورة الاولى : هو ما إذا كان الحكم تكليفيّا ومختلفا في النفي والإثبات وتعلّق النهي بالمطلق والأمر بالمقيّد كقوله لا تعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة أو كقوله لا يجب عتق الرقبة ويجب عتق الرقبة المؤمنة.

فاللازم هو حمل المطلق على المقيّد ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحكم إلزاميّا أو غير إلزاميّ ، هذا مع الإغماض عن كون هذه الأمثلة أمثلة العموم ، فإنّ النكرة والجنس في سياق النفي تفيد العموم.

الصورة الثانية : هي عكس الصورة الاولى ، وهو ما إذا كان النهي متعلّقا بالمقيّد والأمر متعلّقا بالمطلق كقوله أعتق رقبة ولا تعتق رقبة فاسقة.

فإن كان المراد من النهي هو التحريم فلا إشكال في أنّ مقتضى الجمع العرفي هو حمل المطلق على غير المقيّد.

ووجهه واضح ، إذ لا يجتمع مطلوبيّة الذات مع مبغوضيّة المركّب من الذات والخصوصيّة فيحمل المطلق على غير المقيّد ، ونتيجته أنّ المطلق في ضمن المقيّد ليس

٣٣٢

بمطلوب وحمل المبغوضيّة في المقيّد على خصوصيّة القيد لا الذات خلاف الظاهر من تعلّق النهي بالمتّصف لا خصوص الوصف.

وأمّا إن كان المراد من النهي الكراهة ، فالمطلق يحمل أيضا على غير المقيّد ، كما ذهب إليه شيخ مشايخنا المحقّق اليزدي الحاج الشيخ قدس‌سره ، وجه ذلك أيضا هو ظهور تعلّق النهي بالطبيعة المقيّدة لا بخصوص إضافة الطبيعة إلى قيدها.

نعم لو قامت قرينة على أنّ الطبيعة الموجودة في ضمن المقيّد مطلوبة أيضا كما في العبادات المكروهة ، فاللازم حينئذ هو صرف النهي إلى خصوص الإضافة بحكم العقل وإن كان خلاف الظاهر.

وعليه فلا فرق بين النهي التحريمي والتنزيهي في حمل المطلق على غير المقيّد ، وممّا ذكر يظهر حكم ما إذا شكّ في كون النهي تحريميّا أو تنزيهيّا ، فإنّ النهي على كلا التقديرين يدلّ على مرجوحيّة الطبيعة بحسب ما عرفت من ظهور تعلّق النهي بالطبيعة المتقيّدة وهو لا يجتمع مع راجحيّة الطبيعة ، فاللازم هو حمل المطلق على غير المقيّد ، فتدبّر جيّدا.

الصورة الثالثة : هي ما إذا كان الدليلان ، أي المطلق والمقيّد ، مثبتين إلزاميين كقوله أعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة.

ففي هذه الصورة إن احرزت وحدة الحكم فلا إشكال في حمل المطلق على المقيّد لأنّه المتفاهم العرفي في مثله ، ولا فرق فيه بين كون القيد منفصلا أو متّصلا ، كما لا تفاوت بين كون منشأ إحراز وحدة الحكم هو وحدة السبب أو غيرها من سائر القرائن.

ودعوى الإجمال فيما إذا كان منشأ إحراز وحدة الحكم غير وحدة السبب ، لدوران الأمر بين بقاء المطلق على إطلاقه والتصرّف في المقيّد ، إمّا هيئة بحمل الأمر فيه على الاستحباب ، وإمّا مادّة برفع اليد عن ظاهره في الدخالة ، وبين حمل المطلق

٣٣٣

على المقيّد ، وحيث لا ترجيح بينهما لاشتراك الكلّ في مخالفة الظاهر يتحقّق الإجمال.

مندفعة بأنّ مع إحراز وحدة الحكم كما هو المفروض يكون المتفاهم العرفي هو الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد كسائر الموارد ، وذلك لقوّة ظهور المقيّد بالنسبة إلى ظهور المطلق.

وإن لم يحرز وحدة الحكم فمقتضى ظاهر الأمرين أنّهما تكليفان مستقلّان ، وحيث لا يمكن اجتماعهما في واحد فيقيّد المطلق بغير مورد المقيّد ، وعليه فلا يكفي امتثال كلّ عن الآخر ، بل اللازم في امتثال المطلق هو الإتيان بالمطلق في غير مورد المقيّد لعدم إطلاق المادّة ، فتدبّر.

وإن احرز تعدّد التكليف مع توافقهما في الإثبات ، فالمتعيّن هو حمل كلّ منهما على التكليف المستقلّ وتقييد المطلق بغير مورد المقيّد أخذا بظاهر الأمرين.

ففي مثل أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة ، يكون المراد من الرقبة في قوله أعتق رقبة هي غير الرقبة التي تكون في رقبة مؤمنة ، فلا يجتمع الخطابان بعد حمل المطلق على غير المقيّد في واحد ، ومقتضاه هو عدم كفاية امتثال الثاني عن الأوّل لعدم إطلاق المادّة.

هذا بخلاف مثل أكرم العالم وأكرم الهاشمي لعدم اجتماع الخطابين في واحد من أوّل الأمر ، ويجوز التداخل في امتثالهما ، لإطلاق المادّة وعدم تقيّدها بغير مورد الآخر.

الصورة الرابعة : هي ما إذا كان الدليلان نافيين إلزاميين ، كما إذا ورد لا تشرب المسكر ولا تشرب الخمر.

ففي هذه الصورة مع تعدّد التكليف كما هو ظاهر تعدّد النهي يحمل المطلق على غير المقيّد فيحرم المسكر غير الخمر كما يحرم الخمر.

وذلك لامتناع شمول المطلق لمورد المقيّد من جهة لزوم اجتماع حكمين متماثلين في الطبيعة المتقيّدة مع أنّها واحدة. وعليه فلا يكفي امتثال كلّ واحد عن الآخر لعدم

٣٣٤

إطلاق مادّة المطلق بالنسبة إلى المقيّد ، ولاختصاص المقيّد بمورده. نعم لو احرزت وحدة الحكم ، فاللازم هو حمل المطلق على المقيّد ، فليس التكليف إلّا بالمقيّد.

الصورة الخامسة : هي ما إذا كان الدليلان النافيان غير إلزاميين. فمع تعدّد التكليف يمتنع اجتماعهما في واحد ، ومع امتناع الاجتماع يحمل المطلق على غير مورد المقيّد كما أنّ المقيّد لا يشمل المطلق لخصوصيّة مورده.

هذا بخلاف ما إذا احرزت وحدة الحكم ، فإنّ اللازم حينئذ هو حمل المطلق على المقيّد إذ ليس في البين إلّا تكليف واحد وهو التكليف بالمقيّد.

الصورة السادسة : هي ما إذا كان الدليلان مثبتين غير إلزاميين ، فمع التوافق وتعدّد المطلوب هنا تكليفان مستحبّان ، أحدهما متعلّق بالمطلق الذي يشمل غير مورد المقيّد ، وثانيهما متعلّق بالمقيّد ولا يشمل المطلق لمورد المقيّد للزوم اجتماع المثلين في واحد.

ومع وحدة المطلوب يحمل المطلق على المقيّد لأظهريّة المقيّد بالنسبة إلى المطلق ، ولا يبعد دعوى انصراف المستحبّين في تعدّد المطلوب لكثرة استعمال موارد المستحبّ في الشريعة في امور يكون مطلوبيّتها عامّة في جميع الأفراد لاشتمالها على الملاك.

الصورة السابعة : هي ما إذا كان الدليلان المثبتان ، أحدهما حكم إلزاميّ وهو المطلق ، والآخر غير إلزاميّ وهو المقيّد ، ففي هذه الصورة يتصرّف في غير إلزاميّ بحمله على بيان أفضل الأفراد من الواجب ولا موجب لرفع اليد عن الحكم الإلزاميّ بغير الإلزاميّ.

الصورة الثامنة : أنّه لا فرق بين الحكم التكليفيّ والوضعيّ ، فمع اختلافهما فلا مناص من تقييد المطلقات بالمقيّدات ، وأمّا مع توافقهما ، فمع وحدة الحكم يقدّم المقيّد على المطلق أيضا للأظهريّة ، مثلا قوله عليه‌السلام «اغسل ثوبك بالماء مرّتين عند ملاقاة

٣٣٥

البول» يقدّم على قوله عليه‌السلام «اغسل ثوبك بالماء إذا لاقى بولا» ، لأنّ الحكم واحد فيحمل الثاني على الأوّل.

وأمّا إذا لم يكن الحكم واحدا فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد ، إذ لا منافاة بينهما كقوله عليه‌السلام «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» وقوله «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه» فيؤخذ بكليهما ، ولا وجه لحمل المطلق على المقيّد لعدم المنافاة بينهما.

٣٣٦

الفصل الرابع : في المجمل والمبيّن

والمجمل ما ليس له ظاهر والمبيّن ماله ظاهر وأمّا تفسيره بأنّ المجمل عبارة عمّا لا يكون بحجّة ولا يستطرق به إلى الواقع فيقابله المبيّن وهو الذي يستطرق به إلى الواقع ففيه إنّه تفسير الشيء بلوازمه.

ثمّ إنّ المجمل لا حجّيّة له إلّا أن يكون له قدر متيقّن فهو بالنسبة إليه حجّة لظهور اللفظ فيه وجريان أصالة الجدّ بالنسبة إليه وربّما يمكن رفع الإجمال بالرجوع إلى المبيّن.

هذا هو حكم المجمل الحقيقيّ وربّما يكون المجمل مجملا حكميّا وهو ما إذا لم يكن اللفظ مجملا في نفسه.

ولكن صار مجملا من ناحية اختلال المراد الجدّيّ من جهة تخصيص العامّ بدليل منفصل يدور أمره بين المتباينين كما إذا ورد أكرم كلّ عالم ثمّ ورد في دليل آخر لا تكرم زيدا العالم والمفروض أنّه مردّد بين الشخصين أي زيد بن خالد وزيد بن عمرو مثلا فيكون المخصّص من هذه الناحية مجملا ويسري إجماله إلى العامّ حكما لا حقيقة إذ مع العلم بالتخصيص وإجماله بين الشخصين مع عدم ترجيح في المبيّن يتعارض أصالة الجدّ بالنسبة إلى كلّ واحد منهما ولأجل ذلك يعامل معه معاملة المجمل. نعم لو كان لأحدهما مرجّح فأصالة الجدّ جارية فيه ويعمّه العموم.

ثمّ إنّ الإجمال والبيان كما أفاد في المحاضرات من الامور الواقعيّة فالعبرة بهما إنّما هي بنظر العرف فكلّ لفظ كان ظاهرا في معناه وكاشفا عنه عندهم فهو مبيّن وكلّ

٣٣٧

لفظ لا يكون كذلك سواء كان بالذات أو بالعرض فهو مجمل فلا واسطة بينهما.

ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده المحقّق صاحب الكفاية من أنّهما من الامور الاضافيّة وليسا من الامور الواقعيّة بدعوى أنّ لفظا واحدا مجمل عند شخص لجهله بمعناه ومبيّن عند آخر لعلمه به خطأ جدّا وذلك لأنّ الجهل بالوضع والعلم به لا يوجبان الاختلاف في معنى الإجمال والبيان فجهل شخص بمعنى لفظ وعدم علمه بوضعه له لا يوجب كونه من المجمل وإلّا لزم أن تكون اللغات العربيّة مجملة عند الفرس وبالعكس مع أنّ الأمر ليس كذلك.

نعم قد يقع الاختلاف في إجمال لفظ فيدّعي أحد أنّه مجمل ويدّعي الآخر أنّه مبيّن ولكن هذا الاختلاف إنّما هو في مقام الاثبات وهو بنفسه شاهد على أنّهما من الامور الواقعيّة وإلّا فلا معنى لوقوع النزاع والخلاف بينهما لو كانا من الامور الإضافيّة التي تختلف باختلاف الأنظار (١).

ثمّ إنّ عدّة من الألفاظ المفردة تكون في اللغة أو العرف العامّ أو العرف الخاصّ كاصطلاح الشرع مجملة كلفظ الصعيد ولفظ الكعب ولفظ الغناء كما أنّ عدّة من المركّبات تكون كذلك في العرف كقوله لا صلاة لمن لم يقم صلبه فإنّه يدور بين نفي الصحة والكمال.

ففي كلّ مورد لزم أن يرجع إلى فهم العرف فإن كان هناك ظهور عرفيّ فهو وإلّا يرجع إلى القواعد والاصول وهي تختلف باختلاف الموارد. نعم لا مجال للرجوع إلى العرف فيما إذا كان الموضوع شرعيّا وكان مجملا (٢).

ثمّ إنّ المهمل هو ما لا يكون المتكلّم في مقام بيان التفصيل وهو ملحق بالمجمل.

__________________

(١) المحاضرات : ٥ / ٣٨٧.

(٢) راجع المحاضرات : ٥ / ٣٨٧.

٣٣٨

وذلك لأنّ المهمل كالمجمل ليس له مراد جدّيّ وإن كان له ظهور استعمالي إذ المتكلّم لا يكون في مقام الجدّ والبيان ومع عدم كونه في مقام الجدّ والبيان فلا يكون حجّة وحيث عرفت أنّ الإهمال خلاف الأصل بعد إحراز كون المتكلّم في مقام بيان أصل الحكم لبناء العقلاء على أنّه في مقام التفصيلات عند الشكّ في ذلك.

فإذا شككنا أنّ المتكلّم في مقام بيان التفصيلات أولا ، كان البناء على أنّه في مقام البيان بعد إحراز كونه في مقام بيان أصل الحكم. اللهمّ إلّا أن تكون قرينة تدلّ على أنّه لم يكن في مقام التفصيل.

ثمّ لا يذهب عليك أنّ الآيات القرآنيّة تكون في مقام الإهمال والإجمال فيما إذا كان موضوعها موضوعا اختراعيّا الذي يحتاج إلى التفصيل لأنّ بيان الخصوصيّات موكول إلى وقت آخر نعم لو لم يذكر تفصيل لذلك لا في الكتاب ولا في السّنّة إلى أن يجيء وقت العمل أمكن التمسّك بالإطلاق المقامي حتّى في الآيات القرآنية.

وأمّا إذا كان موضوعها من الموضوعات العرفيّة كالبيع والجهاد والدفاع ونحوها.

فلا إهمال لوجود البناء على الإطلاق فيما إذا كان المتكلّم في مقام بيان الحكم.

ويشهد لذلك الترغيبات الواردة في الروايات إلى الاستشهاد بالآيات القرآنيّة فإنّها حاكية عن كون الآيات مبنيّة ولا إهمال فيها فلا نغفل.

وقد وقع الفراغ من مباحث الألفاظ في صفر المظفّر ١٤٢١ وله الحمد والشكر واسأل الله أن يوفّقني في بقيّة المباحث والله هو الموفّق.

٣٣٩

الخلاصة :

الفصل الرابع : في المجمل والمبيّن

والمجمل هو ما ليس له ظاهر والمبيّن هو ما له ظاهر.

ثمّ إنّ المجمل لا حجّيّة له إلّا بالنسبة إلى القدر المتيقّن وهو ما يكون مرادا منه على كلّ تقدير ، لدلالة اللفظ عليه مع جريان أصالة الجدّ.

بل قد يمكن رفع الإجمال عنه بالرجوع إلى المبيّن. هذا كلّه بالنسبة إلى المجمل الحقيقيّ ، وقد يكون المجمل مجملا حكميّا ، وهو الذي ليس في لفظه إجمال ، وإنّما صار مجملا من ناحية اختلال المراد الجدّيّ ، كما إذا خصّص العامّ بدليل منفصل يدور أمره بين المتباينين مثلا إذا ورد «أكرم كلّ عالم» ثمّ ورد في دليل آخر «لا تكرم زيدا العالم» والمفروض أنّه مردّد بين الشخصين أي زيد بن خالد وزيد بن عمرو ، صار العامّ مجملا من ناحية العلم الإجمالي ، بخروج أحدهما ، إذ مع العلم الإجمالي ، بخروج أحدهما تعارض أصالة الجدّ في كلّ واحد منهما مع أصالة الجدّ في الآخر والمفروض عدم ترجيح بينهما ويعامل معه حينئذ معاملة المجمل. نعم لو كان مرجّح لأحدهما بالنسبة إلى الآخر فأصالة الجدّ جارية فيه.

ثمّ إنّ الإجمال كما يكون في المفردات ، كلفظ الصعيد ، ولفظ الكعب ، ولفظ الغناء ، فكذلك يكون في المركّبات مثل قولهم «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» بناء على عدم ظهور المقصود منه أنّه نفي الكمال أو نفي الحقيقة.

٣٤٠