شرح الشاطبية

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح الشاطبية

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: أبو عاصم حسن بن عبّاس بن قطب
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة قرطبة للطبع والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

(وقالون) وهو : (عيسى) بن مينا ؛ لقب بقالون لجودة قراءته ، / (١) إذ معناه بالرومية : الجيد (ثمّ عثمان) بن سعيد (ورشهم) أي : القراء ؛ لقب به لشدة بياضه (بصحبته) أي : نافع (المجد الرّفيع تأثّلا) أي / (٢) : جمعا إذ أخذا القرآن عنه ، وعطف عثمان / [٩ / ك] [ب «ثم» إشارة إلى تأخر](٣) صحبته له عن قالون ، فإنه قرأ عليه سنة خمس وخمسين ومائة ، وقرأ قالون سنة خمسين.

ومكّة عبد الله فيها مقامه

هو ابن كثير كاثر القوم معتلا

(ومكّة عبد الله فيها مقامه هو ابن كثير) أبو بكر الداري مولى عمرو بن علقمة الكناني (كاثر القوم معتلا) أي : أكثرهم اعتلاء بأخذه القرآن عن صحابي ، وهو عبد الله بن السائب ، يقال : كاثرته فكثرته بالفتح ، أي : أتيت بأكثر منه.

روى أحمد البزّى له ومحمّد

على سند وهو الملقّب قنبلا

(روى أحمد) بن محمد (البزّي) منسوب إلى جده أبي (٤) بزة (له) أي : لابن كثير (ومحمّد) بن عبد الرحمن المخزومي ، روى له أيضا (على سند) أي : بسند لهما إليه ، فإنهما لم يأخذا عنه ، بل أخذ الأول عن وهب بن واضح المكي ، وغيره ، والثاني عن أبي الحسن أحمد بن محمد القواس عن وهب المذكور عن أبي إسحاق إسماعيل بن (٥) قسطنطين عن ابن كثير (وهو (٦)) أي : محمد (٧) (الملقّب قنبلا) بضم القاف ، والباء الموحدة ، وسكون النون بينهما ، وهو الشديد الغليظ.

وأمّا الإمام المازنىّ صريحهم

أبو عمرو البصرى فوالده العلا]

(وأمّا الإمام المازنيّ) نسبة إلى جده مازن بن مالك بن عمرو بن تميم بن

__________________

(١) [٦ ب / د].

(٢) [٥ ب / ز].

(٣) في ز : إشارة إلى تأخير.

(٤) سقط من ز.

(٥) في ك : ابن كثير.

(٦) سقط من ك.

(٧) في ز : أبي محمد.

٢١

[أد بن طليحة](١) بن إلياس بن مضر (صريحهم) أي : خالصهم نسبا ليس بمولى ، وهو : (أبو عمرو البصرى فوالده) اسمه (٢) (العلا) ، واختلف في اسمه على اثنين وعشرين قولا ، أصحها : زبان ، بفتح الزاي وتشديد الباء (٣) الموحدة.

أفاض على يحيى اليزيدىّ سيبه

فأصبح بالعذب الفرات معلّلا

(أفاض على) تلميذه (يحيى) بن [المبارك (اليزيدي)](٤) من بيت كبير نسبوا إلى يزيد بن منصور الحميري (٥) (سيبه) أي : عطاؤه من علمه الغزير ، (فأصبح / (٦) بالعذب الفرات) أي : الحلو الصادق الحلاوة (معلّلا) أي : مسقى مرة بعد أخرى ، ومصدره : العلل

أبو عمر الدّورى وصالحهم أبو

شعيب هو السّوسىّ عنه تقبّلا

(أبو عمر) حفص بن عمر (الدّوري) منسوب إلى الدور قرب (٧) بغداد (وصالحهم) ابن زياد (أبو شعيب [هو السّوسيّ](٨)) نسبة إلى السوس ، موضع بالأهواز / [١٠ / ك] (عنه) أي عن اليزيدي (تقبّلا) قراءة أبي عمرو

وأمّا دمشق الشّام دار ابن عامر

فتلك بعبد الله طابت محلّلا

(وأمّا دمشق الشّام) بإضافة الخاص إلى العام (دار ابن عامر فتلك بعبد الله) المذكور (طابت محلّلا) يعني محلّا.

هشام وعبد الله وهو انتسابه

لذكوان بالإسناد عنه تنقّلا]

(هشام) بن عمار (وعبد الله) بن أحمد بن (٩) بشير (وهو انتسابه لذكوان) [من الرجال](١٠) (بالإسناد) لهما إلى ابن عامر (عنه تنقّلا) قراءته ، فإنهما أخذا

__________________

(١) في د : آدم طايحة.

(٢) سقط من ك

(٣) زيادة من ز.

(٤) في ز : مبارك

(٥) في ك : الحيري.

(٦) [٧ أ / د].

(٧) في ز : درب.

(٨) سقط من د.

(٩) سقط من د.

(١٠) في د ، ك : والرجز.

٢٢

عن أيوب بن تميم عن يحيى بن حارث الزماري عنه.

وبالكوفة الغرّاء منهم ثلاثة

أذاعوا فقد ضاعت شذا وقرنفلا

(وبالكوفة الغرّاء) إحدى أمهات بلاد الإسلام (منهم) أي : السبعة (ثلاثة أذاعوا) أي : نشروا بها القراءة (فقد ضاعت) أي : فاحت بهم (شذا وقرنفلا) هما نوعان من الطيب.

فأمّا أبو بكر وعاصم اسمه

فشعبة راويه المبرّز أفضلا

(فأمّا) أحدهم (أبو بكر وعاصم اسمه) ووالده أبو النجود بهدلة مولى بني جذيمة (١) بن مالك / (٢) ، وجواب الشرط (فشعبة) مبتدأ خبره (راويه المبرّز) بالكسر على غيره حال كونه (أفضلا)

وذاك ابن عيّاش أبو بكر الرّضى

وحفص وبالإتقان كان مفضّلا

(وذاك) أي : شعبة (ابن عيّاش) وكنيته (أبو بكر الرّضى وحفص) راويه أيضا (وبالإتقان) والضبط (كان مفضّلا)

وحمزة ما أزكاه من متورّع

إماما صبورا للقران مرتّلا

(وحمزة) بن حبيب الزيات مولى بني عجل الثاني (٣) من أئمة الكوفة (ما أزكاه) أي : أطهره (من متورّع) عرض عليه بعض تلاميذه ماء في يوم حار فأبى أن يشربه ، وكان (إماما) في القراءة والفرائض (صبورا) على العبادة (للقران مرتّلا)

روى خلف عنه وخلّاد الّذى

رواه سليم متقنا ومحصّلا

(روى خلف) بن هشام (عنه وخلّاد) بن خالد / (٤) كلاهما بواسطة ، كما قال (الّذى رواه) لهما عنه (سليم) بن عيسى الكوفي (متقنا ومحصّلا).

وأمّا علىّ فالكسائىّ نعته

لما كان فى الإحرام فيه تسربلا

__________________

(١) في د ، ز : خذيمة.

(٢) [٦ أ / ز].

(٣) سقط من ك.

(٤) [٧ ب / د].

٢٣

(وأمّا) أبو الحسن (عليّ) بن حمزة مولى بني أسد الثالث من أئمة الكوفيين (فالكسائيّ نعته) [الذي شهر به](١) (لما كان) أي : لأجل كونه (فى الإحرام فيه) أي : في (٢) الكساء (تسربلا)

روى ليثهم عنه أبو الحارث الرّضى

وحفص هو الدّورى وفى الذّكر قد خلا

(روى ليثهم) ابن خالد المروزي (عنه) ، وكنيته (أبو الحارث الرّضى وحفص هو الدّوري) راوي أبي (٣) عمرو أيضا (وفى الذّكر قد خلا) ، وقد وفّى الناظم بذكر السبعة ، واثنين لكل واحد كما وعد ، ثم قال :

أبو عمرهم واليحصبىّ ابن عامر

صريح وباقيهم أحاط به الولا

(أبو عمرهم) البصري (واليحصبيّ) بتثليث الصاد منسوب / [١١ / ك] إلى يحصب قبيلة من حمير ، والمراد به (ابن عامر صريح) أي : خالص نسبهم [لا ولاء عليه](٤) (وباقيهم أحاط به الولا) كما تقدم.

لهم طرق يهدى بها كلّ طارق

ولا طارق يخشى بها متمحّلا

(لهم) أي : للرواة عن الأئمة (٥) (طرق) باختلاف الآخذين عنهم ، أما اختلاف الرواة فروايات ، كما أن اختلاف الأئمة قراءات (يهدى) بالبناء للمفعول (٦) (بها) الناس (كلّ طارق) أي : نجم مضيء من العلماء ، (ولا طارق) أي : ماش في هذا الفن (يخشى بها) أي : في (٧) الطرق (متمحّلا) أي : ما كان يصده أو يصله (٨).

وهنّ اللّواتى للمواتى نصبتها

مناصب فانصب فى نصابك مفضلا

(وهنّ) أي : الطرق المذكورة (اللّواتى للمواتى) أي : للموافق لي على قراءتها ، وفي «الصحاح» : المواتاة : الموافقة وحسن الطاعة ، وأصلها

__________________

(١) في ك : شهرته.

(٢) سقط من د ، ز.

(٣) في د : أبو.

(٤) سقط من د.

(٥) سقط من د.

(٦) في حاشية ز : «في نسخة : للفاعل».

(٧) سقط من د.

(٨) في ز : يضله.

٢٤

الهمز (نصبتها) أي : جعلتها (مناصب) أي : أعلاما تعرف بهذا (١) النظم ، بخلاف غيرها من قراءات غير السبعة أو روايات غير الأربعة عشر المذكورين (فانصب) أي : اتعب (فى نصابك) أي : مطلوبك (مفضلا) بضم الميم أي : فاعلا للأفضل.

وهأنذا أسعى لعلّ حروفهم

يطوع بها نظم القوافي مسهّلا

(وها) للتنبيه (أنا) مبتدأ خبره / (٢) (ذا أسعى) في بيانها حال (لعلّ حروفهم يطوع بها نظم القوافي) ولا يعصي (مسهّلا) غير (٣) مستصعب ، وقد حصل له ما ترجاه ، وتسهل له بما رمزه حيث قال :

جعلت أبا جاد على كلّ قارئ

دليلا على المنظوم أوّل أوّلا

(جعلت أبا جاد) أي : حروفه ، أي : بعضها ، وهو (٤) الألف ، والباء ، والجيم ، والدال ، والهاء (٥) ، والزاي ، والحاء ، والطاء ، والياء ، والكاف ، واللام ، والميم ، والنون ، والصاد / (٦) ، والعين ، والفاء (٧) ، والضاد ، والقاف ، والراء ، والسين ، والتاء (على كلّ قارئ) من السبعة ورواتهم (دليلا) مرتبا (على المنظوم أوّل أوّلا) أي : أولا من الحروف ، وهو الألف لأول من القراء ، وهو نافع ، والثاني (٨) ، وهو الباء لقالون ، والثالث ، وهو الجيم لورش ، وهكذا ، وأصله : أولا لأول ، حذف اللام اختصارا فركب وبنى.

ومن بعد ذكرى الحرف أسمى رجاله

متى تنقضى آتيك بالواو فيصلا

(ومن بعد ذكري الحرف) أي : الكلمة المختلف فيها (أسمي رجاله) القارئين له بذكر رمز كل واحد أول كلمة عقبه (متى تنقضي) الرجال (آتيك بالواو فيصلا) أي : فاصلة لكلمات الرمز / [١٢ / ك] عن غيرها لئلّا يلتبس.

__________________

(١) في ز : بهذه. وفي ك : بها.

(٢) [٨ أ / د].

(٣) سقط من د ، ز.

(٤) في د : وهي.

(٥) في د ، ك : الباء.

(٦) [٦ ب / ز].

(٧) سقط من ز.

(٨) في ك : والثالث.

٢٥

سوى أحرف لا ريبة فى اتّصالها

وباللّفظ أستغنى عن القيد إن جلا

(سوى أحرف لا ريبة) أي : لا لبس (فى اتّصالها) بدون الواو فلا آتي بها للغنى عنها بوضوح الحال (وباللّفظ) في القراءة (أستغنى عن القيد إن جلا) أي : كشف اللفظ المقصود بأن طاوع الوزن ، ثم تارة يأتي (١) بلفظ القراءتين ، وهو الأكثر كقوله :

(وفي يقتلون الثان قال يقاتلو

ن حمزة (٢)) ...

وتارة يلفظ بأحدهما ، ويقيد الأخرى كقوله :

 ...

(وبالتاء آتينا مع الضم خولا) ،

وربما اقتصر على إحداهما كما سيأتي.

وربّ مكان كرّر الحرف قبلها

لما عارض والأمر ليس مهوّلا

(وربّ مكان كرّر) فيه (الحرف) أي : الرمز (قبلها) أي : الواو (لما عارض) «ما» زائدة ، أي : لعارض يقتضي ذلك لضيق النظم (والأمر) في ذلك (ليس مهوّلا) أي :/ (٣) عظيما بل سهلا.

ومنهنّ للكوفىّ ثاء مثلّث

وستّتهم بالخاء ليس بأغفلا

(ومنهنّ) أي : من حروف «أبي جاد» (للكوفيّ) أي أصحاب الكوفة عاصم وحمزة والكسائي (ثاء مثلّث) رمزا (وستّتهم) رمزهم (بالخاء) الذي (ليس بأغفلا) بل منقوطا.

عنيت الأولى أثبتّهم بعد نافع

وكوف وشام ذالهم ليس مغفلا

(عنيت) بالستة (الألى) (٤) أي : الذين (أثبتّهم) في النظم (بعد نافع) من الأئمة ، وهم مع الكوفيين ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وكوف وشام) أي : ابن عامر (ذالهم) في الرمز (ليس مغفلا) بل منقوطا.

وكوف مع المكّىّ بالظّاء معجما

وكوف وبصر غينهم ليس مهملا

__________________

(١) سقط من ك.

(٢) سقط من د ، ز.

(٣) [٨ ب / د].

(٤) في د الأولى

٢٦

(وكوف مع المكيّ) ابن كثير رمزهم (بالظّاء معجما وكوف وبصر) أي :

أبو عمرو (غينهم) في الرمز (ليس مهملا) بل منقوطا ، ونوع العبارة في [الأنواع الثلاثة دفعا](١) للإيطاء.

وذو النّقط شين للكسائى وحمزة

وقل فيهما مع شعبة صحبة تلا

(وذو النّقط شين) رمز (للكسائي وحمزة وقل فيهما) أي : الكسائي وحمزة (مع شعبة) رمزا (صحبة) ، وقوله : (تلا) تكملة (٢) للبيت.

صحاب هما مع حفصهم عمّ نافع

وشام سما في نافع وفتى العلا

(صحاب) رمز (هما) أي : حمزة والكسائي (مع حفصهم عمّ نافع وشام) وهو ابن عامر أي : رمزهما (سما) رمز (في نافع و) أبي عمرو (وفتى العلا).

ومكّ وحقّ فيه وابن العلاء قل

وقل فيهما واليحصبى نفر حلا

(ومكّ) ، وهو ابن كثير (وحق فيه) أي : ابن كثير (و) أبي عمرو (ابن العلاء قل) رمزا (وقل فيهما) أي : في ابن كثير / (٣) ، وأبي عمرو وفي ابن عامر (اليحصبي نفر) رمز (٤) (حلا).

وحرمىّ المكّىّ فيه ونافع

وحصن عن الكوفى ونافعهم علا

(وحرميّ) مبتدأ (المكّىّ) مبتدأ ثان خبره رمز (فيه) والجملة خبر الأول ، أي : هو رمز في ابن كثير (ونافع وحصن) رمز (عن الكوفي) عاصم وحمزة والكسائي / [١٣ / ك] (ونافعهم علا).

ومهما أتت من قبل أو بعد كلمة

فكن عند شرطى واقض بالواو فيصلا

(ومهما أتت من قبل أو بعد) أي : قبل حروف الرمز أو بعدها (٥) (كلمة) من كلمات الجمع المرموز (فكن عند شرطي) من الدلالة مما ذكرته في النوعين (واقض) بعد ذلك (بالواو فيصلا) أي : فاصلا ، ونصبه على التمييز.

__________________

(١) في ز : أنواع ثلاثة رفعا.

(٢) سقط من د ، ز.

(٣) [٧ أ / ز].

(٤) في د : رمزا.

(٥) في ك : بعد ما

٢٧

وما كان ذا ضدّ فإنّى بضدّه

غنىّ فزاحم بالذّكاء لتفضلا

(وما كان) من القراءات (١) (ذا ضدّ فإنّى بضدّه غنيّ) عن ذكر الآخر اختصارا لدلالته عليه (فزاحم بالذّكاء لتفضلا)

كمدّ وإثبات وفتح ومدغم

وهمز ونقل واختلاس تحصّلا

(كمدّ) وضده القصر ، (وإثبات) وضده / (٢) الحذف (وفتح) وضده الإمالة ، (ومدغم) وضده المظهر ، (وهمز) وضده ترك الهمز (٣) (ونقل) وضده إقرار حركة الهمزة ، (واختلاس تحصّلا) وضده : ترك خطف (٤) الحركة والإسراع بها.

وجزم وتذكير وغيب وخفّة

وجمع وتنوين وتحريك اعملا

(وجزم) وضده الرفع ، (وتذكير) وضده التأنيث ، (وغيب) وضده : الخطاب ، (وخفّة) وضدها : التشديد ، (وجمع) وضده الإفراد ، (وتنوين) وضده : تركه لمنع صرف أو إضافة ، (وتحريك اعملا) وضده : الإسكان ، وتقديم وضده : التأخير ، وقطع : وضده الوصل ، وتحقيق وضده : التسهيل ، وإهمال وضده : الإعجام ، أي : النقط

وحيث جرى التّحريك غير مقيّد

هو الفتح والإسكان آخاه منزلا

(وحيث جرى التّحريك غير مقيّد) كقوله : حرك ، ولم يقل بكذا (هو الفتح) أي : يراد به ذلك (والإسكان آخاه منزلا) أي : يكون هو ضده ، وحيث جرى ذكر فضده الفتح ، أما إذا جرى التحريك مقيّدا كقوله : (حركوا برفع) (وحرك ضمّا) ، فالمراد : ما صرح به ، ولا يكون السكون دالّا عليه.

وآخيت بين النّون واليا وفتحهم

وكسر وبين النّصب والخفض منزلا

(وآخيت بين النّون واليا) في الأفعال المضارعة فذكر كلّ منهما (٥) يدل

__________________

(١) في ز : القراءة.

(٢) [٩ أ / د].

(٣) في د : الهمزة.

(٤) في د : عطف.

(٥) في ك : منها.

٢٨

على أن ضده الآخر ، وبين (١) (فتحهم وكسر) في [«إن» مثلا و «المبينات»](٢) ، (وبين النّصب والخفض) في الأسماء المعربة (منزلا) فذكر كلّ من المذكورين فيهما (٣) يدل على أن ضده الآخر.

وحيث أقول الضّمّ والرّفع ساكتا

فغيرهم بالفتح والنّصب أقبلا

(وحيث أقول الضّمّ) في المبني (والرّفع) في المعرب لفلان أو لجماعة (٤) (ساكتا) عن قراءة غير المذكورين (فغيرهم بالفتح) في الأول (والنّصب) في الثاني (أقبلا) به أي : جاء به في روايته ؛ فإن لم تكن قراءة الغير بهما ، لم يسكت / [١٤ / ك] عليها ، بل يبينها من سكون أو جزم أو كسر.

وفى الرّفع والتّذكير والغيب جملة

على لفظها أطلقت من قيّد العلا

(وفى الرّفع والتّذكير والغيب جملة) من المواضع في هذه القصيدة (على لفظها أطلقت)/ (٥) من غير تقييد (من قيّد العلا) أي : حصله اكتفاء بفهمه.

وقبل وبعد الحرف آتى بكلّ ما

رمزت به فى الجمع إذ ليس مشكلا

(وقبل وبعد الحرف) القرآني (آتي بكلّ ما رمزت به فى الجمع) فلا ألتزم له مكانا ، بل تارة أقدمه ، وتارة أوخره (إذ ليس مشكلا) بخلاف حروف أبي (٦) جاد كما تقدم.

وسوف أسمّى حيث يسمح نظمه

به موضحا جيدا معمّا ومخولا

(وسوف أسمّي) القارئ ، أي : أذكره باسمه صريحا (حيث يسمح نظمه به موضحا) اسم فاعل حال من ضمير : أسمي ، ونصب به (٧) قوله : (جيدا معمّا ومخولا) هو استعارة لإيضاح الحرف بمقاربه ، أخذه من قوله : «جيد معم ومخولا» ؛ لأنهم كانوا يعرفون الغلام ذا الأعمام والأخوال بجيده ،

__________________

(١) في ك : وبنى.

(٢) في د : إنهما مثلا للمبينات ، وفي ز : إنهما مثلا والمبينات.

(٣) في ك : فيها.

(٤) سقط من ك.

(٥) [٩ ب / د].

(٦) في ز : أبا.

(٧) زيادة من ز.

٢٩

أي : عنقه / (١) ، إذ (٢) كان أعمامه وأخواله يكرمونه ، ويقلدونه ، ويزينونه.

ومن كان ذا باب له فيه مذهب

فلا بدّ أن يسمى فيدرى ويعقلا

(ومن كان) من القراء (ذا باب له فيه مذهب) انفرد به كأبي عمرو في الإدغام الكبير (فلا بدّ أن يسمى فيدرى ويعقلا) إذ الرمز إنما جيء به اختصارا عند تعدد القراء.

ولما فرغ من بيان ما اصطلح عليه من الرموز ، وغيرها قال :

أهلّت فلبّتها المعانى لبابها

وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا

(أهلّت) أي نادت هذه القصيدة صارحة ، بالمعاني هلم إلي (فلبّتها المعانى) أي أجابتها بالتلبية ، أي قالت لها : لبيك (لبابها) أي : خالصها بدل اشتمال من المعاني (وصغت بها) من النظم والمعاني (ما ساغ) أي : سهل تناوله ، من قولهم : ساغ (٣) الشراب في الحلق إذا سهل ابتلاعه (عذبا مسلسلا) : حالان ، والعذب : الحلو ، والمسلسل : السهل ، وأصلهما في وصف الماء.

وفى يسرها التّيسير رمت اختصاره

فأجنت بعون الله منه مؤمّلا

(وفى يسرها) أي قلة أبياتها (التّيسير) أي : الكتاب المسمى بذلك لأبي عمرو الداني ، أي ما تضمنه (٤) من العلم ، وهو مبتدأ خبره المجرور المتقدم (رمت اختصاره) فيها (فأجنت) أي : كثر جناها ، أي : ما فيها من المسائل العلمية / [١٥ / ك] لكثرة ما فيه منها ، وأصله من أجنت : إذا كثر كلأها ، وكمأتها وذلك (بعون الله / (٥) منه) أي : «التيسير» (مؤمّلا) حال من ضمير.

وألفافها زادت بنشر فوائد

فلفّت حياء وجهها أن تفضّلا

__________________

(١) [٧ ب / ز].

(٢) في د : إذا.

(٣) في د : شاع.

(٤) في ك : تضمنته

(٥) [١٠ أ / د].

٣٠

(وألفافها) أي : أبياتها ، وأصلها : الأشجار الملتف بعضها ببعض ، وحسن استعارته ذكر الإجناء (١) (زادت) على «التيسير» (بنشر فوائد) أي (٢) : ليست فيه (فلفّت) أي : غطت (حياء) حال (وجهها) مفعول (أن تفضّلا) عليه مفعول له.

وسمّيتها حرز الأمانى تيمّنا

ووجه التّهانى فاهنه متقبّلا

(وسمّيتها حرز الأماني تيمّنا) بأن تحرز أي : تجمع كل أمنية لطالب هذا العلم (ووجه التّهاني) أي : شريفة ما يهنا بها الطالب (فاهنه) أمر من : هناه الشيء : إذا لذ له وطاب وضميره للقصيدة ، وذكره على معنى الكتاب والنظم (متقبّلا) حال من فاعل الأثر ، أي : كن له هينا في حال تقبلك ، ولا تكن وعرا ، ولا متعسفا.

وناديت أللهمّ يا خير سامع

أعذنى من التّسميع قولا ومفعلا

(وناديت) ؛ فقلت (أللهمّ) أي : يا الله (يا خير سامع) أي : مستجيب أو (٣) متقبل ، ومنه : «سمع الله لمن حمده» (أعذني من التّسميع قولا ومفعلا) تمييزان ، وفي البيت جناس الاشتقاق بين (سامع) و (التسميع) (٤) ، وهو مصدر سمع بعمله : إذا عمله لا يريد به وجه الله ، بل السمعة والشهرة ، وفي الحديث : «من سمع سمع الله به ، ومن راءى راءى الله به» (٥) رواه الشيخان.

إليك يدى منك الأيادى تمدّها

أجرنى فلا أجرى بجور فأخطلا

(إليك) مددت (يدى منك الأيادي) أي : النعم (تمدّها) حال (أجرني) من الخطأ والزلل (فلا أجري) أي : أسير (بجور) أي : ميل عن الحق (فأخطلا) أي : فآتي بخطل ، وهو الفاسد (٦) من القول.

__________________

(١) في د : الأخبار ، وفي ز : الأحباب.

(٢) في ز : هي.

(٣) في د : أي.

(٤) في ك : والسميع.

(٥) رواه البخاري حديث (٦٤٩٩) (٧١٥٢) ومسلم (٢٩٨٦).

(٦) في د : الفساد.

٣١

[أمين وأمنا للأمين بسرّها

وإن عثرت فهو الأمون تحمّلا

(أمين) بالقصر لغة في (١) «آمين» بالمد ، وهو اسم فعل بمعنى : استجب (و) هب (أمنا للأمين) أي : الثقة (بسرّها) أي : خالصها ، وهو ما فيها / (٢) من المعاني المنتخبة (وإن عثرت) أي : غلطت (٣) أي : صاحبها ، وأصله من العثار في المشي ، وهو : السقوط ، (فهو) أي : الأمين (الأمون تحمّلا) أي : القائم بإصلاح ما رآه فيها من زلل أو خطأ ، وتأويله على أحسن محمل ، وأصل الأمون : الناقة القوية / (٤) / [١٦ / ك] الصابرة على الأحمال الشاقة ، وأخبر به على وجه التشبيه ، وميزه بالمنصوب ، كقولهم : زيد زهير (٥) شعرا ، وفي (أمين) و (الأمين) جناس تام ، وفيهما مع (الأمون) جناس محرف ، ومع (أمنا) جناس الإطلاق.

أقول لحرّ والمروءة مرؤها

لإخوته المرآة ذو النّور مكحلا

(أقول لحرّ) أي : كريم لم تستعبده (٦) الخصال الدنيئة ، (والمروءة) مبتدأ ، وهي : كمال الرجولية (مرؤها) مبتدأ ثان ، أي : رجلها يقال : مرؤ وامرؤ (لإخوته) لامه للتبيين (المرآة) خبر عن المبتدأ الثاني ، [وهما خبرا](٧) الأول ، والجملة معترضة بين القول ومقوله الآتي ، (ذو النّور) صفة المرآة ، وذكره آخرا على المرء (مكحلا) حال ، وهو المراد. ومعنى البيت مأخوذ من حديث البزار : «المؤمن مرآة أخيه» (٨)

__________________

(١) سقط من ز.

(٢) [٨ أ / ز].

(٣) في ز : غلظ.

(٤) [١٠ ب / د].

(٥) في د ، ز ، ك : زهر. وما أثبتناه موافق لمعنى المثال.

(٦) في ز : تقيده.

(٧) في ز : وهو خبر.

(٨) رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة ، وقال الألباني حسن الإسناد (٢٣٨ / ١٧٧). ورواه أبو داود : «المؤمن مرآة المؤمن» (٤٩١٨) وقال الألباني : حسن. وكذا رواه البيهقي في الكبرى (١٥٥٥٢) ، وفي الشعب (٧٣٦٤) ، وفي الآداب (٩٠) ، والشهاب (١١٩) ، وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه (٥٢). ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس (٢١٥٤) والشهاب (١١٨) وأبو الشيخ في التوبيخ والتنبيه (٥٢) ، وتمام في فوائده (٤٣٦). ورواه الترمذي : «إن أحدكم مرآة أخيه» وفيه يحيى بن عبيد الله ضعفه شعبة. وقال الألباني : ضعيف جدّا وهو في الضعيفة (١٨٨٩) وضعيف الجامع (١٣٧١).

٣٢

أي (١) : يريه عيوبه ، فيصلحها ، وعقده هنا تمهيدا لقوله :

أخى أيّها المجتاز نظمى ببابه

ينادى عليه كاسد السّوق أجملا

يا (أخي) يا (أيّها المجتاز) أي : المار (نظمي ببابه ينادى عليه كاسد السوق) غير نافقه (أجملا) أحسن في القول فيه (٢).

وظنّ به خيرا وسامح نسيجه

بالاغضاء والحسنى وإن كان هلهلا

(وظنّ به خيرا) بأن تحسن الاعتذار عنه ، وتحمل التأويل لما يصدر منه (وسامح نسيجه) أي : أبياته المنظومة ، وأصله من نسج الثوب (بالاغضاء) أي : غض الطرف عن معايبه (والحسنى) أي : القول الحسن فيه بما (٣) تقدم (وإن كان) نسجه (هلهلا) أي : خفيفا.

وسلّم لإحدى الحسنيين إصابة

والاخرى اجتهاد رام صوبا فأمحلا

(وسلّم لإحدى الحسنيين) أي : لحصول واحدة منهما أي : الأولى (إصابة) يحصل بها أجران (والاخرى اجتهاد (٤)) يحصل به أجر لا محالة ، وإن أخطأ كما دل عليه حديث «الصحيح» (٥) ، وكنى المصنف عن الخطأ بقوله : (رام صوبا) أي : طلب مطرا أي : نزوله (فامحلا) أي : فلم تمطر ، وحسن الكناية به كون الصوب (٦) بمعنى الإصابة ، أي : قصد إصابة ، فلم يدركها ففي البيت تورية ، أو استخدام.

وإن كان خرق فادّركه بفضلة

من الحلم وليصلحه من جاد مقولا

(وإن كان / (٧) خرق) بالفتح استعارة عن الخطأ ، من خرق الثوب ، كما استعار منه [النسيج والتهليل](٨) ، و (كان) تامة (فادّركه) أي : تداركه [متلبسا ، (بفضلة](٩) من الحلم وليصلحه) / [١٧ / ك] بتغيير (١٠) النظم (من

__________________

(١) سقط من د.

(٢) سقط من ك.

(٣) في ز ، ك : ما.

(٤) في د : الاجتهاد.

(٥) يعني حديث البخاري (٧٣٥٢) عن عمرو بن العاص مرفوعا : «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر». ورواه مسلم (١٧١٦).

(٦) في ز : الصواب.

(٧) [١١ أ / د].

(٨) في ك : الشيخ.

(٩) في د ، ك : ملتبسا بفضله.

(١٠) في ك : بتعبير.

٣٣

جاد مقولا) تمييز محول عن الفاعل ، أي : مقوله ، وهو بكسر الميم : اللسان ، وأريد به : القول مجازا.

وقل صادقا لو لا الوئام وروحه

لطاح الأنام الكلّ فى الخلف والقلا

(وقل) قولا (صادقا لو لا الوئام) أي : الوفاق (وروحه) أي : حياته ، أي : الحياة التي تحصل بسببه (لطاح) أي : هلك (الأنام) أي : الخلق (الكلّ) أي : كلهم (فى الخلف)/ (١) أي : المخالفة (والقلا) أي : البغض ، ومن أمثال العرب المشهورة : «لولا الوئام لهلك الأنام» ، و «في» سببية.

وعش سالما صدرا وعن غيبة فغب

تحضّر حظار القدس أنقى مغسّلا

(وعش سالما صدرا) من البغي والحسد وغير ذلك من [الأخلاق الذميمة ، والمنصوب الأول حال ، والثاني تمييز](٢) (وعن غيبة (٣) فغب) بذاتك (٤) أو بقلبك (تحضّر) أي : تحتظر (حظار القدس) وهي (٥) : الجنة ، ويقال : حظيرة القدس ، وأصلها : ما يحتظر به على الغنم ونحوها بأغصان الشجر ، وغيرها (أنقى) أي : نقيّا من الذنوب (مغسّلا) منها.

وهذا زمان الصّبر من لك بالّتى

كقبض على جمر فتنجو من البلا

(وهذا زمان الصّبر) الذي قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر» (٦) رواه الترمذي ، وقال : «إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن كقبض على الجمر ، للعامل فيها أجر خمسين شهيدا» (٧) رواه البزار والطبراني.

__________________

(١) [٨ ب / ز].

(٢) سقط من د.

(٣) في د : غيب.

(٤) في د : بذلك ، وفي ك : ببذالك.

(٥) في ز : لين هي.

(٦) رواه الترمذي (٢٢٦٠) وقال : حسن غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني ، وهو في الصحيحة (٩٥٧) ، وصحيح الجامع (٨٠٠٢).

(٧) رواه أبو داود (٤٣٤١) ، والترمذي (٣٠٥٨) ، وقال الألباني : ضعيف لكن لجملة : «أيام الصبر ...» شواهد خرجتها في الصحيحة.

٣٤

(من لك) استفهام استبعاد (بالّتي) أي : بالحالة التي هي في الشدة والصعوبة (كقبض على جمر فتنجو من البلا) إذا حصلت لك.

ولو أنّ عينا ساعدت لتوكّفت

سحائبها بالدّمع ديما وهطّلا

(ولو) وقع (أنّ عينا ساعدت) صاحبها (لتوكّفت) أي : قطرت وسالت (سحائبها بالدّمع) من خشية الله (ديما) جمع ديمة ، وهي السحابة الدائمة المطر (وهطّلا) جمع هاطل ، وهو الكثير السيلان ، ونصبهما على الحال.

ولكنّها عن قسوة القلب قحطها

فيا ضيعة الأعمار تمشى سبهللا

(ولكنّها عن / (١) قسوة القلب) أي : صلابته عن قبول الخير (قحطها) بالجمود (فيا ضيعة الأعمار) هذا تلهف وتحسر (تمشى سبهللا) لا شيء معها من أعمال البر.

بنفسى من استهدى إلى الله وحده

وكان له القرآن شربا ومغسلا

أفدي (بنفسى من استهدى) [١٨ / ك] أي : طلب الهداية (إلى الله وحده) غير مشرك به في طلبها (وكان له القرآن شربا) بالكسر أي : نصيبا وحظّا إذا اقتسم (٢) الناس حظوظهم (ومغسلا) بفتح أوله ، وكسر ثالثه (٣) ، أي : مكان غسل لذنوبه ، بأن يتلوه عاملا به.

وطابت عليه أرضه فتفتّقت

بكلّ عبير حين أصبح مخضلا

(وطابت عليه أرضه) التي تحمله لما عنده من النور والانشراح (فتفتّقت) أي : تفتحت له (بكلّ عبير) أي : طيب كناية (٤) عن حسن الثناء (حين أصبح مخضلا) أي : مبتلّا بما أفاض الله عليه من رحمته.

فطوبى له والشّوق يبعث همّه

وزند الأسى يهتاج فى القلب مشعلا

(فطوبى له) هو مصدر من الطيب (والشّوق يبعث) أي : يثير (همّه) إلى الخيرات (وزند الأسى يهتاج فى القلب مشعلا)

__________________

(١) [١١ ب / د].

(٢) في د : أقسم.

(٣) في ز : ثانيه.

(٤) في د ، ز : كنى به.

٣٥

هو المجتبى يغدو على النّاس كلّهم

قريبا غريبا مستمالا مؤمّلا

(هو) أي : الموصوف بما ذكر (المجتبى) أي : المختار عند الله (يغدو على النّاس كلّهم قريبا) من ربه (غريبا) في الناس ؛ لقلة من يسير على طريقته.

وفي الحديث : «بدأ الإسلام غريبا ثم يعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء» قيل : يا رسول الله ، ومن الغرباء؟ قال : «الذين يصلحون إذا فسد الناس» (١) ، وفي لفظ قال : «أناس صالحون قليل في أناس سوء كثير ، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» (٢) رواهما أحمد وغيره.

(مستمالا) يستميله الناس / (٣) إلى مودتهم (٤) (مؤمّلا) يؤملونه لكل نفع يرجونه.

يعدّ جميع النّاس مولى لأنّهم

على ما قضاه الله يجرون أفعلا

(يعدّ) هذا المذكور أي : يحسب ويعتقد (جميع النّاس مولى) أي : عبدا لله ، فلا يرى لأحد منهم نفعا ولا ضرّا ، أو سيدا ؛ فلا يحتقر منهم عاصيا أو مطيعا (لأنّهم على ما قضاه الله يجرون أفعلا) تمييز عن الفاعل ، / (٥) والأصل : تجري أفعالهم ، وأفعل : جمع فعل ، وأفرد (مولى) اعتبارا بلفظ جميع.

يرى نفسه بالذّمّ أولى لأنّها

على المجد لم تلعق من الصّبر والألا

(يرى نفسه بالذّمّ أولى) من الناس ؛ لاشتغاله بعيوب نفسه عن عيوبهم ؛ (لأنّها على) تحصيل (المجد) الأخروي (٦) (لم تلعق من الصّبر والألا) هو نبت مرّ ، واحده «ألاة» كنّى بذلك عن احتمال المكاره ، وفي الحديث : «حفت الجنة / [١٩ / ك] بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات» (٧) رواه الشيخان.

__________________

(١) المسند (١٦٢٤٩) ، وهو في الصحيحة (١٢٧٣).

(٢) المسند (٦٦١٢) ، وهو في صحيح الجامع (٣٩٢١).

(٣) [٩ أ / ز].

(٤) في د ، ك : مودته.

(٥) [١٢ أ / د].

(٦) سقط من د.

(٧) مسلم (٢٨٢٣) ، والترمذي (٢٥٥٩). من حديث أنس.

٣٦

وقد قيل كن كالكلب يقصيه أهله

وما يأتلى فى نصحهم متبذّلا

(وقد قيل) أي : قال بعض الحكماء (كن) مع الله (كالكلب) مع أهله فإنه (يقصيه أهله) أي : يبعدونه ، ويضربونه (١) (وما يأتلي) أي : يقيم (٢) (فى نصحهم متبذّلا) بالمعجمة ، أي : [فاعلا لجليل](٣) النصح ، وحقيره ، فكذلك لا تقصر في خدمة مولاك ، ونصحه بطريقه ، وإن أدبك بمرض أو فقر أو جوع أو غير ذلك من وجوه المحن ، وهذا البيت مأخوذ من أثر أخرجه أبو نعيم في «الحلية» : «عن وهب بن منبه : أن رجلا قال لراهب : أوصني ، فقال : انصح لله نصح الكلب لأهله ، فإنهم يجيعونه ويضربونه ويطردونه ، ويأبى إلا (٤) أن ينصح لهم» (٥).

لعلّ إله العرش يا إخوتى يقي

جماعتنا كلّ المكاره هوّلا

(لعلّ إله العرش يا إخوتى يقي جماعتنا كلّ المكاره) الدنيوية والأخروية (هوّلا) حال ، أي : مفزعة ، جمع : هائل وهائلة ، من : هالني (٦) الشيء أفزعني.

ويجعلنا ممّن يكون كتابه

شفيعا لهم إذ ما نسوه فيمحلا

(ويجعلنا ممّن يكون كتابه شفيعا لهم إذ ما نسوه) بترك العمل به (فيمحلا) أي : يشين بهم ، ويبلغ أفعالهم القبيحة.

وبالله حولى واعتصامى وقوّتى

ومالى إلّا ستره متجلّلا

(وبالله) لا غيره (حولي) أي : امتناعي عن الشر (واعتصامي) أي : تحولي عن المعصية (وقوّتي) على الطاعة والخير (وما لى إلّا ستره) حال كوني (٧) (متجلّلا) به ، أي : متغطيا.

__________________

(١) في ز : ويضرونه.

(٢) في ك : ينقم.

(٣) في ك : فاعل الجليل.

(٤) سقط من ز.

(٥) حلية الأولياء (٤٧٠٤ ، ٤٧٥٠ ، ٩٧٩٣). والزهد لأحمد (٥٠٩) ، ومصنف ابن أبي شيبة (٣٤٥٠٠).

(٦) في د : أهالني.

(٧) في ز : كونه.

٣٧

فيا ربّ أنت الله حسبى وعدّتى

عليك اعتمادى ضارعا متوكّلا

(فيا ربّ أنت الله حسبي) أي : كافيّ (وعدّتي) عند الحوادث (عليك) لا على غيرك (اعتمادي ضارعا) أي : ذليلا (متوكّلا) مفوضا إليك [يا الله](١).

__________________

(١) زيادة من ز.

٣٨

باب الاستعاذة

إذا ما أردت الدّهر تقرأ فاستعذ

جهارا من الشّيطان بالله مسجلا

(إذا ما / (١) أردت الدّهر تقرأ فاستعذ) قبل القراءة (جهارا من الشّيطان بالله مسجلا) أي : مطلقا لجميع القراء ، وفي جميع القرآن (٢) ، قال تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) [أي : أردت قراءته](٣) (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)(٤).

على ما أتى فى النّحل يسرا وإن تزد

لربّك تنزيها فلست مجهّلا

وليكن لفظه (على ما أتى فى) سورة (النّحل) أي : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ؛ لكونه : (يسرا) أي : ميسرا (٥) سهلا (وإن تزد) عليه (لربّك) / [٢٠ / ك] (تنزيها) بأن تقول : أعوذ بالله العظيم ، أو (٦) السميع العليم (فلست مجهّلا) أي : منسوبا إلى الجهل.

وقد ذكروا لفظ الرّسول فلم يزد

ولو صحّ هذا النّقل لم يبق مجملا

(وقد ذكروا لفظ الرّسول) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فلم يزد) على ما في آية / (٧) «النحل» ، وذلك فيما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : «قرأت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقلت : أعوذ بالله السميع العليم» أخرجه ابن الجوزي من المحدثين ، وجماعة من القراء في كتبهم ، بأسانيدهم : «من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل».

(ولو صحّ هذا النّقل لم يبق) في الآية (مجملا) لكونه بيانا صريحا ؛ لكنه

__________________

(١) [١٢ ب / د].

(٢) في د : القراءة.

(٣) زيادة من ز.

(٤) النحل : (٩٨).

(٥) سقط من د.

(٦) سقط من د.

(٧) [٩ ب / ز].

٣٩

لم يصح فبقيت الآية على إجمالها.

وفيه مقال فى الأصول فروعه

فلا تعد منها باسقا ومظلّلا

(وفيه) أي : التعوذ (مقال فى الأصول) أي : أصول الفقه (فروعه) ، وهل هو واجب أو مندوب؟ بناء على أن صيغة الأمر في الآية للوجوب ، أو الندب ، وقد قال بكل طائفة ، وإن كان الجمهور على الثاني (فلا تعد) أي : تتجاوز (منها) أي : من فروعه المتشعبة (باسقا) هو الطويل (ومظلّلا) هو الساتر بظله.

وإخفاؤه (ف) صل (أ) باه وعاتنا

وكم من فتى كالمهدوى فيه أعملا

(وإخفاؤه فصل أباه وعاتنا) أي : أئمتهم ، ورأوا الجهر به ما عدا حمزة ، ونافعا ، فإنهما رأيا الإخفاء كما رمز إليهما بالفاء والألف نظرا إلى أنه دعاء ، وإخفاء الدعاء أفضل ، أو خشية أن يظن جاهل أنه من القرآن ، ولو قال المصنف : وإخفاؤه (١) / (٢) عن نافع ثم حمزة ؛ لوفى بالتسمية (وكم من فتى كالمهدوي فيه أعملا) آخذا لهما (٣).

__________________

(١) في ز : وإخفاء.

(٢) [١٣ أ / د].

(٣) في ك : لها.

٤٠