شرح الشاطبية

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

شرح الشاطبية

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: أبو عاصم حسن بن عبّاس بن قطب
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة قرطبة للطبع والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٥

١
٢

٣
٤

٥

٦

٧

٨

٩

١٠

بسم الله الرحمن الرحيم

[وصلّى الله على سيدنا محمد وسلم](١)

الحمد لله رافع أهل كتابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، تعظيما لجنابه ، وأشهد أن محمدا (٢) عبده ورسوله ، الذي لا يسامى (٣) جليل نصابه ، صلّى الله وسلم عليه ، وعلى آله وعترته وأصحابه.

هذا شرح لطيف مزجته بقصيدة الإمام أبي القاسم الشاطبي في القراءات تبركا بسلفها ، وتيمنا ببركات مؤلفها ، هاد إلى مقاصدها ، مرشد (٤) إلى مصادر أبياتها ومواردها ، والله أسأل أن ينفع به (٥) ، ويجعله خالصا من شبه الرياء وريبه.

أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام علم الدين ابن شيخ الإسلام ، سراج الدين أبي حفص البلقيني ، وأم الفضل بنت أبي الفضل محمد بن محمد بن أبي بكر المصري ، إجازة منهما ، قالا : أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المقرئ ، قال ـ الأول إجازة والأخرى سماعا ـ قال : أنا قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة ، قال : أنا أبو الفضل هبة الله ابن محمد الأزرق ، قال : أنا الإمام أبو القاسم الشاطبي ـ رحمه‌الله تعالى ـ قال :

بدأت ببسم الله فى النّظم أوّلا

تبارك رحمانا رحيما وموئلا

(بدأت ببسم الله فى النّظم) أي : منظومي (أوّلا) أي : أول كل شيء أتى

__________________

(١) في ز : اللهم سهل علينا يا كريم آمين ، وفي ك : وبه ثقتي.

(٢) في ز : سيدنا محمد.

(٣) في د : يسامر ، وفي ز : يسام.

(٤) في ز : مرشدا.

(٥) سقط من ك.

١١

به فيه ، اقتداء بالكتاب العزيز ، واتباعا لقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو (١) أقطع (٢)» (٣) رواه بهذا اللفظ ابن حبّان.

ورواه هو وأبو داود وابن ماجه بلفظ : «لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» (٤) ، وهو بمعناه ، والباء الأولى في النظم ، إما زائدة أو لا ، والمقصود بما بعدها الحكاية ، أي : بدأت بقولي : «بسم الله» ؛ فيحتاج إلى تقدير متعلّقه على الثاني دون الأول.

(تبارك) / [٣ / ك] أي : تنزه عن صفات المحدثين ، أو كثر خيره.

(رحمانا رحيما) هما صيغتا (٥) مبالغة من الرحمة ، وهي إرادة الخير مجازا عن الرقة والحنو ، ونصبهما على الحال ، من فاعل (تبارك) ، وقيل :/ (٦) على التمييز ، والأول أبلغ ، وقدم مراعاة للفظ القرآن ، ولكثرة اقترانه بالثاني لم (٧) يعطف عليه ، وعطف قوله : (وموئلا) أي :

ملجأ ، وإطلاقه على الله إما على القول بأن أسماءه ـ تعالى ـ غير توقيفية ، أو لورود معناه في «الصحيحين» : «لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك» (٨) ، وفي الاكتفاء بذلك نظر.

وثنّيت صلّى الله ربّى على الرّضى

محمّد المهدى إلى النّاس مرسلا

(وثنّيت) بقولي : (صلّى الله ربّي) أي : مالكي ، وهو عطف بيان ، أو نعت ؛ لأنه صفة مشبهة ك «بر» والجملة خبرية لفظا ، والمراد بها الدعاء ، أي : اللهم صلّ (على الرّضى) أي : المرضي (محمّد المهدى إلى النّاس)

__________________

(١) سقط من د ، ك.

(٢) في ز : قطع.

(٣) ضعيف جدّا ، وانظر تخريجه والكلام عليه في إرواء الغليل حديث (١).

(٤) ضعيف ، وانظر تخريجه والكلام عليه في إرواء الغليل حديث (٢).

(٥) في د : صفتا.

(٦) [٣ ب / د].

(٧) في ك : ولم.

(٨) جزء من حديث رواه البخاري حديث (٢٤٧ ، ١٣١١ ، ٦٣١٥ ، ٧٤٨٨) ومسلم (٣٧١٠).

١٢

كما (١) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنما (٢) أنا رحمة مهداة» (٣) رواه الحاكم / (٤) ، (مرسلا) أي : مبعوثا إليهم ؛ ليدعوهم إلى دين الإسلام ، وهو حال من ضمير (المهدى).

وعترته ثمّ الصّحابة ثمّ من

تلاهم على الإحسان بالخير وبّلا

(وعترته) بالمثناة أي : أهل بيته (ثمّ الصّحابة) أي : صحابته (ثمّ من تلاهم) أي : تبعهم (على) سنن (الإحسان بالخير) من الأمة ، (وبّلا) بالتشديد جمع وابل ، وهو المطر الكثير حال من ضمير (تلا) أي :

مشبهين له في عموم الخير والنفع.

وفي «الصحيحين» حديث : «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» (٥) أي : الصحابة والتابعون (٦) وأتباع التابعين.

وثلّثت أنّ الحمد لله دائما

وما ليس مبدوءا به أجذم العلا

(وثلّثت) بقولي : (أنّ الحمد لله دائما وما ليس مبدوءا به) فهو (أجذم العلا) بالذال المعجمة ، أي : مقطوع الشرف ، منحطّا عن درجة الاعتبار للحديث السابق.

وبعد :

فحبل الله فينا كتابه

فجاهد به حبل العدا متحبّلا

(وبعد) أي : بعد ما تقدم (فحبل الله فينا) أي : السبب الموصل إليه بأن يستمسك به (كتابه فجاهد به حبل العدا) بالكسر أي : مكائدهم التي ينصبونها (٧) لأهله كالشبكة (متحبّلا) أي : ناصبا لهم مثلها من حججه الظاهرة وآياته الباهرة.

__________________

(١) سقط من د.

(٢) زيادة من ز.

(٣) حديث صحيح ، وهو في صحيح الجامع (٢٣٤٥) من حديث ابن سعد الحكيم عن أبي صالح مرسلا. وصححه الألباني في غاية المرام (١) ، والمشكاة (٥٨٠٠) وقال : رواه الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان. وهو في الصحيحة (٤٩٠).

(٤) [٣ ب / ز].

(٥) رواه البخاري حديث (٢٦٥٢ ، ٣٦٥١ ، ٦٤٢٩) ومسلم (٢٥٣٣).

(٦) في د : والتابعين.

(٧) في د : ينصبوها.

١٣

وأخلق به إذ ليس يخلق جدّة

جديدا مواليه على الجدّ مقبلا

(وأخلق به) صيغة تعجب أي : / [٤ / ك] ما أجدره بالتمسك والمجاهدة به (إذ ليس يخلق) أي : يبلى (جدّة) تمييز ضد البلا (جديدا) حال مؤكدة (مواليه) أي : القرآن مبتدأ خبره (على الجدّ) بالكسر ضد الهزل ، أي :

ماش (مقبلا) حال من ضمير / (١) متعلق الخبر ، و «إذ» في البيت حرف تعليل ، أي : قبله ؛ لأن غير القرآن سريع إلى البلا والدحوض.

وفي (أخلق) و (يخلق) جناس مطابق ، وفي (حبل) و (حبل) جناس محرف ، ومعنى البيتين مأخوذ من حديث الترمذي : «سيكون فتن» قيل :

وما المخرج منها؟ قال : «كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، لا تزيغ به الأهواء ، ولا تشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد» (٢) أي : لا تزول جلالته عن القلوب بكثرة ترداده خلاف غيره.

وقارئة المرضىّ قرّ مثاله

كالاترجّ حاليه مريحا وموكلا

(وقارئة المرضيّ) بأن يقف عند حدوده (قرّ) أي : استقر (مثاله كالاترجّ) من الفاكهة حال مما قبله ، (حاليه) بدل اشتمال منه ، ويبدل منه بدل تفصيل (مريحا وموكلا) أي : ذا رائحة ذكية وأكل ، كما في «الصحيحين» (٣) من حديث أبي موسى مرفوعا : «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب» (٤).

__________________

(١) [٤ أ / د].

(٢) سنن الترمذي (٢٩٠٦) والدارمي (٣٣٣١) وقال الألباني : ضعيف الإسناد. وهو في ضعيف الجامع (٧٤) (٢٠٨١).

(٣) في ز ، ك : الصحيح.

(٤) رواه البخاري (٥٤٢٧) ومسلم (٧٩٧).

١٤

هو المرتضى أمّا إذا كان أمّة

ويمّمه ظلّ الرّزانة قنقلا

(هو) أي : قارئ القرآن (المرتضى) إما حال أو تمييز أو مفعول له ، أي : ل (الأم) ، أي : القصد إليه (إذا كان أمّة) أي : جامعا لأنواع الخير من العمل به دون الاقتصار على تلاوته (ويمّمه) أي : قصده / (١) (ظلّ الرّزانة) أي : السكينة والوقار مجازا عن الثقل (قنقلا) حال وهو بفتح القافين : الجبل ، أي : مشبها له فيما ذكر ، [ونسبة القصد إلى ظل الرزانة مجاز](٢) ، كأنه للزومه لها لا تفارقه.

هو الحرّ إن كان الحرىّ حواريا

له بتحرّيه إلى أن تنبّلا

(هو الحرّ) أي : المالك لنفسه فلم يستعبده (٣) هواه ، أي : الموصوف بذلك حقّا (إن كان) هو (الحريّ) أي : الحقيق / [٥ / ك] بالقرآن الجدير بنسبته إليه لعمله به ، (حواريّا) أي : ناصرا (له بتحرّيه) العمل بحدوده واجتهاده فيه مستمرّا على ذلك (إلى أن تنبّلا) أي : مات ، يقال : تنبل / (٤) البعير إذا مات.

وإنّ كتاب الله أوثق شافع

وأغنى غناء واهبا متفضلا

(وإنّ كتاب الله أوثق شافع) قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» (٥) رواه مسلم. (وأغنى غناء) بفتح أوله والمد بمعنى النفع (واهبا متفضّلا) حالان من فاعل (أغنى) قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه» (٦) رواه الطبراني ، وقال : «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (٧)

__________________

(١) [٤ أ / ز].

(٢) في ز : ونسبته القصيد إلى ظل الرزانة مجازا.

(٣) في الأصول كلها : يستعبد ، والصواب ما أثبتنا.

(٤) [٤ ب / د].

(٥) رواه مسلم (٨٠٤).

(٦) حديث ضعيف. انظر ضعيف الجامع (٤١٣٤) ، والضعيفة (١٥٥٨).

(٧) رواه البخاري من حديث أبي هريرة (٧٥٢٧) ، ورواه أحمد (١٤٧٩ ، ١٥٥١ ، ١٥٥٢) وأبو داود (١٤٦٩) وابن حبان (١٢٠) ، وأبو يعلى (٧١٩) ، والحاكم (٢٠٤٣). كلهم من حديث سعد بن أبي وقاص. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

١٥

رواه أبو داود ، قال وكيع وغيره : أي : يستغن به.

وخير جليس لا يملّ حديثه

وترداده يزداد فيه تجمّلا

(وخير جليس لا يملّ حديثه وترداده) للقارئ (يزداد فيه تجمّلا).

وحيث الفتى يرتاع فى ظلماته

من القبر يلقاه سنا متهلّلا

(وحيث الفتى يرتاع) أي : يفزع (فى ظلماته من القبر يلقاه) به (سنا) بالقصر أي : ضياء (متهللا) أي : ضاحكا له تطمينا لفزعه.

هنالك يهنيه مقيلا وروضة

ومن أجله فى ذروة العزّ يجتلا

(هنالك) أي : في القبر (يهنيه مقيلا وروضة) أي : موضع استراحة ونزهة يحصلان له من أجل القرآن ، ونصبهما على التمييز ، (ومن أجله) أي : القرآن (في ذروة العز) أي : مكانه العالي (يجتلا) أي : يرى بها ظاهرا لكل أحد بعلوه.

يناشد في إرضائه لحبيبه

وأجدر به سؤلا إليه موصّلا

(يناشد) القرآن ربه ، أي : يكثر سؤاله (في إرضائه لحبيبه) بالثواب والمغفرة ، (وأجدر به) أي : ما أجدره (سؤلا إليه موصلا) لعظمة السائل له ، وهو القرآن.

روى البزار من حديث معاذ بن جبل مرفوعا : «إذا مات قارئ القرآن ، وكان أهله في جهازه ، جاء القرآن في صورة حسنة جميلة ، فوقف عند رأسه ، حتى يدرج في أكفانه ، فيكون القرآن على صدره دون الكفن ، فإذا وضع في قبره ، وسوي عليه ، وتفرق عنه أصحابه ، أتاه منكر ونكير ؛ فيجلسانه في قبره ، فيجيء القرآن حتى يكون بينه وبينهما ؛ فيقولان له / [٦ / ك] : إليك حتى نسأله ، فيقول : لا ورب الكعبة ، إنه لصاحبي وخليلي ، ولست أخذ له على حال ، فإن / (١) كنتما أمرتما بشيء فامضيا لما أمرتما ، فإني لست أفارقه ، ثم ينظر القرآن إلى صاحبه ،

__________________

(١) [٥ أ / د].

١٦

فيقول : أنا القرآن الذي كنت تظهرني وتخفيني وتحبني ، فأنا [أحببتك اليوم](١) ، ومن أحببته أحبه الله ، ليس عليك بعد مسألة منكر ونكير هم / (٢) ولا حزن ، فيسألانه منكر ونكير ، ويصعدان ، ويبقى القرآن ، فيقول : لأفرشن لك فراشا لينا ، ولأدثرنك دثارا حسنا جميلا ، فيصعد القرآن إلى السماء أسرع من الطرف (٣) ، فيسأل الله ذلك ، فيعطيه ذلك ، فينزل به ألف ملك من مقربي السماء السادسة ، فيجيء القرآن فيقول : هل استوحشت؟ [ما زدت](٤) مذ فارقتك أن كلمت الله ، حتى أحدث لك دثارا وفراشا ، فينهضه الملائكة إنهاضا لطيفا ، ويوضع له فراش بطانته من حرير أخضر حشوه المسك الأذفر ...» (٥) الحديث. وفيه انقطاع.

فيا أيّها القارى به متمسّكا

مجلّا له فى كلّ حال مبجّلا

(فيا أيها القارئ به متمسكا مجلّا) أي : معظما (له في كل حال مبجلا) بارتكاب آدابه وما يجب له (٦).

هنيئا مريئا والداك عليهما

ملابس أنوار من التّاج والحلا

(هنيئا مريئا) مصدران بدل من اللفظ بفعلهما ، وأصل (٧) الهنيء : اللذيذ بلا نقص ، والمريء : السهل (والداك عليهما ملابس أنوار) في القيامة (من التاج والحلا) مما يحلى من الذهب وغيره.

في الحديث : «من قرأ القرآن وعمل بما فيه ، ومات في الجماعة بعثه الله يوم القيامة مع السفرة الكرام البررة ، ثم ينادي مناد : أين الذين كانوا لا (٨) يلهيهم رعاية الأنعام (٩) عن تلاوة كتابي ، فيقومون فيلبس أحدهم تاج الكرامة ، ويعطى خاتم (١٠) الملك بيمينه ، والخلد بيساره ، ثم يكسى

__________________

(١) في د : أحبك ، وفي ز : حبيبك.

(٢) [٤ ب / ز].

(٣) في ز : طرفة عين.

(٤) سقط من ز.

(٥) البحر الزخار (٢٢٩٨) وقال الألباني في ضعيف الترغيب (٣٦٧) : موضوع.

(٦) سقط من ك.

(٧) في د : أصل.

(٨) زيادة من ز.

(٩) في ك : الأنعام.

(١٠) سقط من ز ، ك.

١٧

أبواه ـ إن كانا مسلمين ـ حلة خضراء خير من الدنيا وما فيها ، فيقولان : أنى لنا هذا ، وما بلغته أعمالنا؟ فيقال : إن ولدكما / [٧ ك] كان يقرأ القرآن» (١) / (٢) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» من حديث جابر.

فإذا كان هذا للوالدين ، لقراءة ولدهما

فما ظنّكم بالنّجل عند جزائه

أولئك أهل الله والصّفوة الملا

(فما ظنكم) يا مخاطبين (بالنجل) أي : بالولد (٣) القارئ (عند جزائه) أتظنون أنه لا يجزى ، أو أن جزاءه دونهما ، لا بل أعظم (٤) منه ، وقد تبين في الحديث السابق.

وعند البيهقي أيضا من حديث معاذ بن أنس الجهني : «من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه تاجا ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا ، فما ظنكم بالذي عمل» (٥).

(أولئك) أي : أهل القرآن (أهل الله) وخاصته. كما رواه ابن ماجه من حديث أنس ، (والصفوة) المختارون (الملا) أي : الأشراف.

وفي حديث ابن عباس : «أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل» (٦) رواه الطبراني.

أولو البرّ والإحسان والصّبر والتّقى

حلاهم بها جاء القران مفصّلا

__________________

(١) رواه الطبراني في الكبير (١٦٩٩٣) والبيهقي في الشعب (١٩٣١) ، وأورده في المطالب العالية من مسند إسحاق ـ كلهم من حديث معاذ ، وفيه سويد بن عبد العزيز ضعيف

(٢) [٥ ب / د].

(٣) في د : الولد.

(٤) في ك : أطم.

(٥) رواه أبو داود (١٤٥٣) ، وضعفه الألباني في السنن ، وضعيف الترغيب (٨٦١) والمشكاة (٢١٣٩).

(٦) موضوع ، في إسناده سعد بن سعيد الجرجاني قال البخاري : لا يصح حديثه ـ يعني. «أشراف أمتي حملة القرآن» ـ (لسان الميزان) ، وفيه نهشل أبي عبد الله قال أبو داود : ليس بشيء. وقال أبو حاتم : ليس بقوي في الحديث ، ضعيف الحديث. وقال إسحاق والطيالسي : كذاب. وقال ابن حجر : متروك. وانظر الضعيفة (٢٤١٦) وضعيف الترغيب (٣٦٦) ، وضعيف الحامع (٨٧٢) ، والمشكاة (١٢٣٩)

١٨

هم (أولو البرّ والإحسان) عطف تفسير (والصّبر) أي : الحبس للنفس على ما تكره (والتّقى) أي : الخوف من الله ـ تعالى ـ (حلاهم) أي : صفاتهم الكريمة المذكورة (بها جاء القران مفصّلا) أي : مبينا في عدة آيات.

عليك بها ما عشت فيها منافسا

وبع نفسك الدّنيا بأنفاسها العلا

(عليك) يا مخاطبا (بها) إغراء ، أي : الزمها (١) (ما عشت) وكن (فيها / (٢) منافسا) لمتصف بها (وبع نفسك الدّنيا) أي : الدنية (بأنفاسها العلا) أي : العلية بأن تأخذها بدل ما تطلبه (٣) نفسك من الشهوات ، وفي قوله : (الدنيا) و (العلا) ، وفي (نفسك) و (منافسا) و (أنفاس) ـ جناس مطلق.

جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة

لنا نقلوا القرآن عذبا وسلسلا

(جزى الله بالخيرات عنّا أئمّة لنا نقلوا القرآن عذبا) أي : حلوا (وسلسلا) أي : سهلا ، حالان أو وصفان ل (نقلا) محذوف ، وهم خلائق لا يحصى عددهم ، ولا يدرك مددهم من الصحابة فمن بعدهم.

فمنهم بدور سبعة قد توسّطت

سماء العلى والعدل زهرا وكمّلا

فأضاءت (٤) فيها جميع / (٥) أرجائها (زهرا وكمّلا) حالان جمع : زاهر ، وكامل ، لا يشينها ظلمة خسف أو نقصان ، وإطلاق / [٨ ك] البدور عليهم استعارة ، ورشحها بما ذكره ، وعدل إليها عن الكواكب ، وإن كان أنسب بالعدد المذكور ؛ لأن ضياءها أعظم ، والمقصود بهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي.

__________________

(١) في د : ارضها.

(٢) [٥ أ / ز].

(٣) في د ، ك : تطلبها.

(٤) في د : فأصابت.

(٥) [٦ أ / د].

١٩

لها شهب عنها استنارت فنوّرت

سواد الدّجى حتّى تفرّق وانجلا

(لها) أي : للبدور (شهب) أي : كواكب مضيئة (عنها استنارت) بضوئها (فنوّرت سواد الدّجى) جمع : دجية ، وهي الظلمة (حتّى تفرّق) أي : تقطع السواد (وانجلا) أي : انكشف ، والشهب كناية عن رواة السبعة المذكورين ، والنور كناية عن العلم ، والسواد عن الجهل.

وسوف تراهم واحدا بعد واحد

مع اثنين من أصحابه متمثّلا

(وسوف تراهم) أي : السبعة مذكورين في النظم (واحدا بعد واحد) كلّا منهم (مع اثنين من) أشهر (أصحابه) أي : أتباعه (متمثلا) أي : متشخصا صفة (واحدا) (١)

تخيّرهم نقّادهم كلّ بارع

وليس على قرآنه متأكّلا

(تخيّرهم) (٢) أي : السبعة ورواتهم الأربعة عشر المذكورين ، أي : اختارهم على من سواهم (نقّادهم) أي : أئمة القراءات الجهابذة ، [أو بدل](٣) من ضمير : تخيرهم المنصوب (٤) ، تعليلا للتخيير. قوله : (كلّ بارع) أي : فائق في العلم (وليس على قرآنه متأكّلا) للدنيا أي : جاعلا إياه سببا لأكلها ، ورعا وزهدا ، فلذلك تخيروهم (٥).

فأمّا الكريم السّرّ فى الطّيب نافع

فذاك الّذى اختار المدينة منزلا

(فأمّا الكريم السّرّ فى الطّيب) الذي كان يظهر من فيه إذا تكلم ، وسره قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في فيه في المنام (نافع) عطف بيان ، وهو [ابن عبد الرحمن](٦) مولى جعونة الليثي حليف حمزة بن عبد المطلب (فذاك الّذى اختار المدينة) النبوية (منزلا) له ، وناهيك بها.

وقالون عيسى ثمّ عثمان ورشهم

بصحبته المجد الرّفيع تأثّلا

__________________

(١) في د ، ز : واحد.

(٢) في د : أتخيرهم.

(٣) في د ، ك : وأبدل

(٤) سقط من د

(٥) في د ، ز : تخيرهم.

(٦) في ز : «أبو عبد الرحمن». وكلاهما صحيح.

٢٠