بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

وأما بحسب المرتبة ، ففيها إهمال ، لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافيا ، فلا بد من الاقتصار عليه (١) ، ولو قيل بأن

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه لما كانت الظنون الاطمئنانية كغيرها من الظنون الأخر واصلة ، وكانت ايضا وافية بمعظم الفقه ، والمتحصل من الانسداد هو الكشف عن جعل الظن الواصل ، وليس هناك دليل لفظي له اطلاق يدل على جعل مطلق الظن ، فمقدمات الانسداد تكشف عن اعتبار الظن شرعا ، ولا تعيين فيها يقتضي التعميم ، كما انه لا دلالة فيها على التخصيص بخصوص الاطمئناني ، وما هو الشرط في الحجية هو الوصول ، وان كان موجودا فيها جميعا ، إلّا انه حيث يحتمل اختصاص المجعول بخصوص الاطمئناني من الظن لقوته ، ويحتمل التعميم ولو لاجل مصلحة التسهيل كانت النتيجة هي الاهمال من حيث المرتبة ، ولا بد في الاهمال من الاقتصار على المتيقن وهو خصوص الاطمئناني من الظن ، لفرض وصوله له كغيره وكونه وافيا ايضا بمعظم الفقه.

وينبغي ان لا يخفى ان احتمال الخصوصية وهي مرتبة الاطمئنان انما كان معتنى بها دون احتمال الخصوصية من حيث الاسباب والموارد ، هو انه لما كان المفروض ان المجعول هو الظن الواصل ، واخذ الخصوصية من حيث الاسباب والموارد خارج عن حقيقة الظن ولا تصل بوصول الظن ، فلا بد لها من موصل ، وحيث انها لا موصل لها وليس إلّا نفس الظن ، فأخذ الخصوصية من حيث الاسباب والموارد يستلزم الخلف ، بناء على ان المجعول هو الطريق الواصل ، بخلاف الخصوصية من حيث المرتبة فانها داخلة في حقيقة الظن وهي القوة والضعف ، فان مرتبة الاطمئنان هي المرتبة القوية من الظن ، وغير مرتبة الاطمئنان هي المرتبة الضعيفة من الظن ، والمفروض وصول الظنون الاطمئنانية الوافية بمعظم الفقه ، فاحتمال اخذ هذه الخصوصية لا يستلزم الخلف ، لعدم احتياجها الى موصل ، بل المفروض وصولها ، وحيث انه لا اطلاق لفظي في المقام فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو المرتبة

١٨١

النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه (١) ، فلا إهمال فيها بحسب الاسباب ، لو لم يكن فيها تفاوت أصلا ، أو لم يكن بينها إلا واحد ، وإلا

______________________________________________________

القوية من الظن ، ولذلك كانت النتيجة هي الاهمال من حيث المرتبة ولا مناص من الاقتصار على المتيقن ، ولذا قال (قدس‌سره) : «واما بحسب المرتبة ففيها اهمال لاجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه» أي من الظن «اذا كان وافيا» بمعظم الفقه «فلا بد من الاقتصار عليه» أي على خصوص الظن الاطمئناني لانه القدر المتيقن لحجيته على كل حال ، اما لحجية مطلق الظن الشامل له او لحجيته بالخصوص.

(١) لا يخفى ان الملاك في كون الطريق المجعول هو الواصل ولو بطريقه : أي اعم من كونه واصلا بنفسه او بطريقه ، بان يقوم طريق آخر غير هذه المقدمات على خصوصية اخرى في الظن.

وتوضيح ذلك : ان المراد ـ كلّية ـ من كون الطريق المجعول واصلا ولو بطريقه هو ان اللازم في الطريق المنصوب من الشارع لتنجز احكامه به هو الطريق الواصل ، فلا مانع من ان يجعل الشارع طريقا خاصا ويوصله بطريقين : طريق دال على ذات الطريق ، وطريق آخر دال على خصوصية ذلك الطريق ، وفي المقام فان مقدمات الانسداد الكبير أوصلت ذات الظن ، وحيث نحتمل ان يكون الشارع قد اخذ خصوصية اخرى فيه فلا مانع من اجراء دليل انسداد صغير لتعيين تلك الخصوصية.

ولا يخفى ان هذا لا مانع منه في غير دليل الانسداد ، واما في الانسداد فقد يقال انه لا مجال له.

ولا ينبغي ان تكون النتيجة فيه هو الطريق الواصل ولو بطريقه ، لان الطريق الآخر هو الانسداد الصغير ، وهو يتوقف على العلم الاجمالي بالخصوصية حتى تنضم اليه المقدمات الأخر لتعيينها ، وحيث لا علم اجمالي بأخذ خصوصية في الظن

١٨٢

فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه ، بإجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب ، حتى ينتهي إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت بينها ، فيحكم بحجية كلها ، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار ، فيقتصر عليه (١).

______________________________________________________

فلا مجال لجريان انسداد آخر لتعيينه ، ولذا كان الاحتمال الاول بناء على الكشف اولى في المقام.

(١) لا يخفى انه بناء على هذا الاحتمال الثاني وهو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه وان للشارع ان يبين مجعوله بطريقين ، فلا مانع من اجراء انسداد آخر لتعيين الخصوصية المحتملة بعد تعيين اصل الظن بالانسداد الكبير.

وعلى هذا نقول ان الظنون الموجودة ان لم يكن بينها تفاوت اصلا ، بان يكون الظن الحاصل من الخبر كالظن الحاصل من الشهرة القدمائية ـ مثلا ـ او الاجماع المنقول في لسان الاكابر ، أي ان الظن الحاصل من الخبر ـ مثلا ـ لا يكون متيقن الاعتبار بالنسبة الى الظن الحاصل من الشهرة القدمائية ولا من الاجماع المنقول في لسان الاكابر ، وعلى هذا فلا مجال لاجراء انسداد آخر ، لعدم وجود خصوصية محتملة على الفرض ، وحينئذ فالنتيجة هي التعيين من حيث الاسباب وهي كلية ايضا ، ويكون كل الظن حجة.

ومثله في عدم المجال لاجراء انسداد آخر فيما اذا لم يكن لنا الا واحد من الظن ، بان لا يحصل لنا ظن الا من الخبر ـ مثلا ـ وهو واضح في عدم احتمال الخصوصية حينئذ حتى نحتاج لاجراء انسداد آخر.

واما اذا كانت لنا ظنون متعددة متفاوتة ، فتارة يكون بعضها متيقن الاعتبار كالخبر الصحيح الاعلائي ـ مثلا ـ بالنسبة الى الشهرة غير القدمائية او بالنسبة الى الاجماع المنقول على لسان غير الاكابر ، وكان وافيا بمعظم الفقه ، فيكون هو الحجة دون غيره.

١٨٣

وأما بحسب الموارد والمرتبة ، فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

واخرى لا يكون بينها ما هو متيقن الاعتبار ، وحيث فرضنا التفاوت فلا بد وان يكون بينها ما هو مظنون الاعتبار بخصوصه دون غيره ، فلا بد من تعيين ذلك المظنون الاعتبار بخصوصه باجراء مقدمات الانسداد مرة او مرات حتى ننتهي الى ارجح الظنون في الاعتبار ، ويكون هو المتعين للحجية دون غيره من الظنون.

وعلى كل ، فلا اهمال في النتيجة من حيث الاسباب ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فلا اهمال فيها» أي لا اهمال في النتيجة «بحسب الاسباب لو لم يكن بينها تفاوت اصلا» لما عرفت من عدم امكان اجراء دليل الانسداد الصغير مرة اخرى لتعيين الخصوصية ، لفرض عدم الخصوصية ، ومثله ما اشار اليه بقوله : «او لم يكن بينها الا واحد» بان تكون الظنون كلها من نوع واحد وصنف واحد ، كما اذا لم يكن هناك الا خبر الثقة مثلا.

ثم اشار الى ما فيه التفاوت فاشار اولا الى ما كان التفاوت بتيقن الاعتبار بقوله : «وإلّا فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها».

ثم اشار الى ما كان التفاوت بظن الاعتبار بان يكون بينها ما هو مظنون الاعتبار بقوله : «او مظنونه» أي مظنون الاعتبار ، وحيث كانت متفاوتة بظن الاعتبار وعدمه ويحتمل اعتبار الخصوصية الموجبة لظن الاعتبار ولا تتعين الا «باجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة او مرات في تعيين الطريق المنصوب» بما هو مظنون الاعتبار «حتى ينتهي اما الى ظن واحد» يكون هو مظنون الاعتبار بخصوصه «او» ينتهي «الى ظنون متعددة لا تفاوت بينها» من حيث ظن الاعتبار بان تكون كلها مظنونة الاعتبار «فيحكم بحجية كلها».

(١) قد عرفت انه على الاحتمال الاول وهو كون الطريق المنصوب هو الواصل بنفسه لا اهمال في النتيجة من حيث الموارد ، ونتيجتها كلية ، وهي حجية الظن في جميع

١٨٤

ولو قيل بأن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلا ، فالاهمال فيها يكون من الجهات (١) ، ولا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق

______________________________________________________

الموارد لتنجز الاحكام الملزمة في جميع الموارد ، ولا خصوصية لمورد دون مورد ، والحال مثله على هذا الاحتمال الثاني وهو واضح ، لفرض تنجز الاحكام في موارد اهتمام الشارع وغيرها وفرض وصول الظن ولو بطريقه فيها ايضا ، فلا مجال لاحتمال اختصاص حجية الظن بخصوص الموارد التي لم يعلم اهتمام الشارع فيها ، ولا مجال لتوهم ان الانسداد قد تكون نتيجته الاحتياط ، لوضوح ان جريان الانسداد الصغير لتعيين الخصوصية المأخوذة في الظن الواصل أصله بالانسداد الكبير ، ومنه تعرف ان النتيجة من حيث المرتبة هي الاهمال من حيث التعميم للظن الضعيف او التخصيص بخصوص الاطمئناني منه ، لان التفاوت بين الظنين ليس امرا خارجا عن حقيقة الظن ، فاذا كان الظن القوي ـ أي الاطمئناني ـ وافيا بمعظم الفقه يكون هو القدر المتيقن.

لا يقال : ان النتيجة انتهت الى التعيين ، وهي حجية خصوص الظن الاطمئناني ، فكيف يقول هنا وفي الاول وهو الطريق الواصل بنفسه ان النتيجة هي الاهمال؟

فانه يقال : ان المراد من الاهمال هو عدم وصول التعيين من الشارع ، وانما الأخذ بالظن القوي لاجل كونه قدرا متيقنا.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان الحال في الطريق الواصل ولو بطريقه من حيث الموارد والمرتبة كالحال في الاحتمال الاول ، وهو كون المجعول الظن الواصل بنفسه من حيث التعيين في الموارد وحجيّة الظن في جميعها ومن حيث الاهمال في المرتبة ، ولذا قال : «واما بحسب الموارد والمرتبة فكما اذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه» في ان النتيجة في الموارد معينة وكلية ، وفي المرتبة مهملة.

(١) هذا هو الاحتمال الثالث ـ بناء على الكشف ـ وهو كون المجعول والمنصوب شرعا هو الطريق ولو لم يصل ، والملاك فيه هو ان جعل الطريق هو حكم كسائر

١٨٥

بمراعاة اطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار (١) ، لو لم يلزم منه محذور ، وإلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال ، فتأمل فإن

______________________________________________________

الاحكام له مراتب متعددة من الانشاء والفعلية والتنجز ، فكما يمكن ان يكون ساير الاحكام انشائية غير واصلة ، فكذلك جعل الطريق فانه يمكن ان يكون منشأ وغير واصل.

وعلى كل ، فعلى هذا الاحتمال فالنتيجة هي الاهمال سببا ومرتبة وموردا ، لوضوح ان مقدمات الانسداد لم ينتج منها الا الكشف عن كون الظن مجعولا طريقا شرعا ، وحيث لا يلزم وصول المجعول وكان الظن مختلفا من حيث الاسباب نوعا كالظن من الخبر باصنافه أو الاجماع المنقول او الشهرة ، بل يحتمل اخذ خصوصية من احد الخصوصيات فيه ، ككونه حاصلا من الخبر مثلا ، او خصوص خبر العادل منه ، او اعم منه باعتبار خصوصية كونه خبر ثقة ، ولا مجال لاجراء دليل الانسداد مرة اخرى لتعيينها ، لفرض عدم لزوم الوصول حتى يكون دليل الانسداد الصغير معيّنا للخصوصيّة.

فاتضح : ان النتيجة بناء على هذا الاحتمال الثالث هي الاهمال من حيث السبب ، ومثله الحال بحسب المرتبة لتفاوت الظنون من حيث القوة والضعف.

واما بحسب المورد فكذلك ايضا لاحتمال اعتباره في خصوص ما علم عدم مزيد الاهتمام فيه ، واما في المورد الذي علم مزيد اهتمام الشارع فيه كالفروج والدماء وحقوق الناس فالاحتياط هو الطريق دون الظن ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فالاهمال فيها» أي تكون النتيجة ـ بناء على كون المجعول هو الطريق ولو لم يصل ـ هو الاهمال «من الجهات» المذكورة كلها سببا ومرتبة وموردا.

(١) لا يخفى ان مراده من الاحتياط في الطريق كما سيشير اليه في جوابه عن التعميم المنسوب الى شريف العلماء ، هو الاتيان بما تدل الطرق المثبتة عليه دون الطرق النافية ، فمراده من الاحتياط في الطريق بمراعاة اطراف الاحتمال هو العمل على وفق المثبتات من الطرق دون النافيات منها.

١٨٦

المقام من مزال الاقدام (١).

وهم ودفع : لعلك تقول : إن القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ، ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضا (٢).

______________________________________________________

(١) المراد من المحذور هو لزوم الاختلال او لزوم العسر : أي انه اذا لزم من الاحتياط محذور الاختلال في النظام او العسر يسقط حينئذ اعتبار الظن المكتشف بمقدمات الانسداد ، ولا بد من الرجوع الى الحكومة ، والسبب في ذلك انه اذا كانت النتيجة هي الاهمال ـ بناء على ان المجعول هو الطريق ولو لم يصل ـ وكان اللازم منه هو الرجوع الى الاحتياط ، وكان اللازم منه على الفرض احد المحذورين فلا فائدة في اجراء دليل الانسداد مرة اخرى ، لان النتيجة هي جعل الطريق ولو لم يصل ، الذي قد عرفت ان لازمه الاهمال ، وانه لا بد من الاحتياط ، وكان الاحتياط على الفرض مستلزما للمحذور ، فلا فائدة في الكشف ، لوضوح انه بناء عليه لا فائدة في جعل الظن ولو لم يصل ، فلا فائدة في اعتبار الشارع لهذا الطريق الذي لم يصل ، وحيث علم باهتمام الشارع بامتثال احكامه فلا بد من الرجوع الى حكم العقل مستقلا وتعيينه للطريق الذي يعيّنه لامتثال أحكام الشارع ، والى هذا اشار بقوله : «والّا» أي واذا لزم من الاحتياط محذور الاختلال او العسر فيسقط الكشف لعد فائدة في جعل الشارع حينئذ و «لزم التنزل» حينئذ «الى حكومة العقل بالاستقلال».

(٢) لا يخفى ان هنا توهمين قد ذكرهما الشيخ الاعظم في رسائله في جملة ما ورد على القول بالكشف.

الاول : ان فرض وجود القدر المتيقن من الطريق المجعول شرعا الوافي بمعظم الفقه ينافي الانسداد ، فان من مقدمات الانسداد انسداد باب العلم والعلمي : أي عدم وجود الطريق العلمي للامتثال ، ففرض امكان تحقق القدر المتيقن من الطريق مع القول بان نتيجة الانسداد هي الكشف لازمه امكان وجود الطريق المجعول قطعا

١٨٧

لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله ، لاجل اليقين بأنه لو كان شيء حجة شرعا كان هذا الشيء حجة قطعا (١) ،

______________________________________________________

الذي هو الطريق العلمي ، ومع تحقق الطريق العلمي الوافي بمعظم الفقه لا وجه لفرض الانسداد.

الثاني : ان الدليل على حجية القدر المتيقن وهو الخبر الصحيح الاعلائي هو الاجماع القائم على الملازمة بين حجية مطلق الظن وحجية الخبر الصحيح الاعلائي ، وفرض تحقق الخبر الصحيح الاعلائي الوافي يرجع الى كون الدليل على حجيته هو الاجماع القائم على حجيته ، فيكون الدليل على حجية هذا الخبر الاعلائي مستندا الى الاجماع وهو دليل شرعي لا عقلي ، والحال ان الفرض كون الدليل على الحجية هو الانسداد ، وهو دليل عقلي لا شرعي وان كانت نتيجته هي الكشف عن جعل الظن شرعا ، لوضوح كون الدليل على حجية الخبر الاعلائي هو الاجماع القائم على حجيته دون الانسداد.

وعبارة المصنف في مقام بيان الوهم وان كانت ظاهرة في الوهم الاول ، الّا انه يمكن ان تكون شاملة لكلا التوهمين ، فان قوله : «ان القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ... الى آخر الجملة» يمكن ان يكون عدم المجال لدليل الانسداد من جهة منافاة وجود القدر المتيقن لدليل الانسداد وهو الوهم الاول ، ولاجل ان الدليل على هذا القدر المتيقن لما كان هو الاجماع وهو دليل شرعي فلا مجال لدعوى كون الدال على حجية الظن هو الانسداد وهو دليل عقلي ، يؤيد احتمال كون المصنف ارادهما معا في عبارته هو تعرضه لدفعهما معا في عبارته في مقام الجواب.

(١) هذا هو الجواب عن التوهم الاول ، وحاصله : انه لا يعقل ان يكون ما هو مبني على دليل الانسداد منافيا لدليل الانسداد.

١٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيحه : ان هذا القدر المتيقن انما يكون حجة بواسطة دليل الانسداد القائم الكاشف عن جعل الظن في الجملة ، فانه لو لا دلالة دليل الانسداد على كون الظن حجة في الجملة لما نفع الاجماع القائم على انه اذا كان مطلق الظن حجة فالخبر الاعلائي حجة قطعا اما لحجيّته بخصوصه او لحجيّته في ضمن العام ، فلا تكون حجية هذا القدر المتيقن الحاصلة بالفعل بواسطة الانسداد منافية لدليل الانسداد .. وكيف تكون منافية مع ان هذا القدر المتيقن انما كان حجة بالفعل لاجل قيام الانسداد على حجية الظن في الجملة؟!

والحاصل : ان الاجماع هو حجة على الخبر الاعلائي على فرض وجود الحجة على الظن في الجملة ، ولما كان دليل الانسداد هو الحجة بالفعل على حجية الظن في الجملة كان هو الدليل بالفعل ايضا على حجية هذا القدر المتيقن ، فلا يعقل ان يكون فرض القدر المتيقن منافيا له ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لكنك غفلت» فانه انما يكون فرض القدر المتيقن منافيا للانسداد حيث تكون الدلالة عليه غير مستندة الى الانسداد ، اما اذا كانت حجيته بالفعل مستندة الى الانسداد في الحقيقة لا يكون فرضه منافيا له ، فقد غفلت ايها المتوهم «عن ان المراد» من فرض القدر المتيقن هو «ما اذا لو كان اليقين بالاعتبار» لهذا القدر المتيقن قد جاء «من قبله» أي من قبل دليل الانسداد «لأجل» أن «اليقين» بحجيّته هو تعليقي ، فان محصله هو القطع «بانه لو كان شيء» من الظن «حجة شرعا» ل «كان هذا الشيء» وهو الخبر الاعلائي «حجة قطعا» ودليل الانسداد حيث كان هو الدليل على حجية الظن في الجملة ، فتكون حجية هذا القدر المتيقن ـ وهو الخبر الاعلائي ـ مستندة بالفعل اليه حقيقة ، فلا يعقل ان يكون فرض تحققه منافيا له.

١٨٩

بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر ، لا الدليل على الملازمة (١).

______________________________________________________

(١) هذا راجع الى الجواب عن التوهم الثاني ، وحاصله : انه اذا قام دليل على الملازمة بين شيئين فلا يكون دليلا على تحقق احد المتلازمين ، لامكان قيام الملازمة بين المحالين ، ولذا قالوا ان صدق الشرطية لا يلازم صدق طرفيها ، بل تصدق مع العلم بكذب الطرفين ، وهو واضح.

واما اذا قام دليل على وجود احد المتلازمين المفروض تلازمهما فانه لا بد وان يكون دليلا على وجود الملازم الآخر ، لفرض تلازمهما في الوجود ، والمقام من هذا القبيل ، فان الاجماع الذي هو الدليل الشرعي قائم على الملازمة بين حجية الظن في الجملة وحجية الخبر الاعلائي ، ودليل الانسداد قائم على تحقق احد المتلازمين وهو حجية الظن في الجملة ، فيكون هو الدليل على الخبر الاعلائي بالفعل دون الاجماع الذي هو دليل الملازمة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «بداهة ان الدليل على احد المتلازمين» مثل الانسداد القائم على حجية الظن في الجملة «انما هو الدليل على الآخر» بالفعل وهو الخبر الاعلائي الذي هو القدر المتيقن ، فالانسداد هو الدليل على القدر المتيقن بالفعل «لا الدليل» الدال «على الملازمة» بين حجية القدر المتيقن وحجية الظن.

ولا يخفى انه كما يمكن ان تكون عبارة المتن جوابا عن التوهم الثاني ، كذلك يمكن ان تكون تتمة للجواب عن التوهّم الاول ، لما عرفت من ان ظاهر المتن هو التعرّض للتوهّم الاول لا غير ، فهي وان صلحت لأن تكون جوابا عن التوهّم الثاني الّا ان الظاهر كما عرفت عدم تعرّض المصنف له ، فيكون ظاهر المتن كونها تتمة للجواب عن التوهّم الاول ، ويكون المراد منها على نحو يربطها بالجواب عنه ، هو ان فرض القدر المتيقن انما يكون منافيا لدليل الانسداد حيث يتوهم ان الدليل الدال على

١٩٠

ثم لا يخفى أن الظن باعتبار الظن بالخصوص ، يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه ، فإنه حينئذ يقطع بكونه حجة ، كان غيره حجة أولا ، واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ، ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ، ولكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره ، لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار ، وبالجملة الامر يدور بين حجية الكل وحجيته ، فيكون مقطوع الاعتبار.

ومن هنا ظهر حال القوة ، ولعل نظر من رجح بها إلى هذا الفرض ، وكان منع شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ عن الترجيح بهما ، بناء

______________________________________________________

هذا القدر المتيقن هو غير دليل الانسداد ، وليس هنا ما يمكن ان يتوهم كونه دليلا عليه الا الاجماع القائم على الملازمة بين حجيته وحجية الظن في الجملة.

ومن الواضح ان دليل الملازمة لا يكون دليلا على تحقق اللازم ، وانما الدليل على تحقق احد المتلازمين هو الدليل على تحقق الملازم الآخر ، فالدليل الدال على حجية الظن في الجملة ـ الذي هو دليل الانسداد ـ هو الدليل بالفعل على حجية هذا القدر المتيقن ، لا الدليل القائم على الملازمة فان غاية ما يدل عليه هو انه لو كان الظن حجة لكان هذا القدر المتيقن حجة ، ولكن الدليل الدال على حجية الظن في الجملة يدل بالفعل على حجية هذا القدر المتيقن لانه ملازم له دون الدليل الدال على صرف الملازمة.

فاتضح ان دليل الانسداد هو الدليل بالفعل على حجية القدر المتيقن ، واذا كان الانسداد هو الدليل على حجيّته فكيف يكون فرض هذا القدر المتيقن منافيا للانسداد؟!

١٩١

على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه ، أو الطريق ولو لم يصل أصلا ، وبذلك ربما يوفق بين كلمات الاعلام في المقام (١) ،

______________________________________________________

(١) توضيح الغرض من هذا الكلام هو الخلاف بين الشيخ الاعظم والفاضل النراقي وغيره ، فان الفاضل النراقي يرى ان قوة الظن ككونه مظنون الاعتبار ـ مثلا ـ من المرجحات بناء على الكشف.

وقد اورد عليه الشيخ في رسائله بما يرجع الى ان فرض الحاجة الى الترجيح به فرض الاهمال وان نتيجة الانسداد هي الظن في الجملة ، ولا بد ايضا من الدليل على كون ظن الاعتبار مرجحا ، اذ كون الظن المتعلق بالحكم حجة لا يستلزم حجية قوة الظن في مقام الترجيح ، وعلى هذا فلا يصح الترجيح بها لانه ترجيح بغير ما هو الحجة ، ولا يصح الترجيح شرعا الا بالحجة.

واراد المصنف ان يجعل النزاع بينهما لفظيا ، بان يكون مراد النراقي من الترجيح للقوى هو تعيينه للحجيّة وان ظن الاعتبار ـ مثلا ـ انما هو من دون ملاحظة دليل الانسداد ، واما مع ملاحظته فمظنون الاعتبار هو مقطوع الاعتبار.

وتوضيحه : انه قد عرفت ان الاحتمالات ـ بناء على الكشف في الطريق المنصوب ـ ثلاثة ، الطريق الواصل بنفسه من دون حاجة الى اجراء دليل الانسداد مرة اخرى ، فاذا قلنا به فالانسداد كشف عن حجية الظن الواصل بنفسه ، ومظنون الاعتبار طريق ظني واصل بنفسه ، فان كان مطلق الظن الواصل حجة فهو حجة ، ويحتمل ان يكون هو الحجة بالخصوص لاختصاصه بخصوصية كونه مظنون الاعتبار فيما اذا كان وافيا بمعظم الفقه ، فلا بد وان يكون حجة قطعا في حال الانسداد مع القول بالكشف ، وكون الطريق المنصوب هو الواصل بنفسه فهو مظنون الاعتبار مع الغض عن الانسداد ، واما مع ملاحظته فهو مقطوع الاعتبار لانه طريق مجعول قطعا إمّا لجعل مطلق الظن أو لجعله بخصوصه.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لو قلنا بالاحتمالين الآخرين وهو كون نتيجة دليل الانسداد هي حجية الطريق الواصل ولو بطريقه ، فلا يكون مظنون الاعتبار مقطوعا باعتباره ، لان المفروض ان تعيين مظنون الاعتبار انما هو باجراء دليل الانسداد مرة اخرى لتعيين الخصوصية ، فيكون اجراء دليل الانسداد مرة اخرى هو المعيّن دون ظن الاعتبار مثلا ، وكذلك لو قلنا بان النتيجة هي حجية الطريق وان لم يصل ، فانه من الواضح يكون ظن الاعتبار لا اثر له لما عرفت من انه بناء عليه يكون اللازم هو مراعاة الاحتياط في الطرق ، فلا وجه للترجيح بالقوة ككونه مظنون الاعتبار ، ويكون مراد النراقي بالترجيح بالقوة هو تعيين القوي للحجية بناء منه على ان نتيجة الانسداد ـ على الكشف ـ هي نصب الطريق الواصل بنفسه.

ويكون مراد الشيخ المانع من الترجيح بالقوة مبنيا على كون النتيجة على الكشف هي اما الطريق الواصل ولو بطريقه او الطريق وان لم يصل ، فقد عرفت انه بناء على ذلك لا يتعين القوي من الظنون لاجل قوته ، بل تعيينه اما بانسداد آخر أو لا يتعين اصلا ، ويكون المرجع هو الاحتياط.

وقد اشار الى ان مظنون الاعتبار يكون مقطوع الاعتبار ـ بناء على كون نتيجة الانسداد على الكشف هي الطريق الواصل بنفسه ـ بقوله : «ان الظن باعتبار الظن بالخصوص يوجب اليقين باعتباره ... الى آخر الجملة».

ثم اشار الى ان كونه مظنون الاعتبار بالذات لا ينافي كونه مقطوع الاعتبار بناء على نصب الطريق الواصل بنفسه على الكشف بقوله : «واحتمال عدم حجيته» فان لازم الظن بشيء احتمال عدمه ايضا ، فلازم كونه مظنون الاعتبار هو كونه مما يحتمل عدم اعتباره ايضا ... فكيف يكون مظنون الاعتبار مقطوع الاعتبار؟! وهي منافاة واضحة.

ثم اشار الى رفع هذه المنافاة بقوله : «لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد» فانه محتمل عدم الحجية مع الغض عن دليل الانسداد ، واما بملاحظة الانسداد فهو

١٩٣

وعليك بالتأمل التام (١).

______________________________________________________

مقطوع الحجية ، ولا منافاة بين كون شيء محتمل الحجيّة بذاته ، ومقطوع الحجية بملاحظة شيء آخر.

ثم اشار الى الوجه في كونه مقطوع الحجيّة بملاحظة الانسداد بقوله : «ضرورة انه على الفرض» من كونه مظنون الاعتبار «لا يحتمل ان يكون غيره» مما هو غير مظنون الاعتبار «حجة» دون مظنون الاعتبار مع فرض كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه ، ومظنون الاعتبار قد وصل بنفسه فلا يعقل ان يكون الحجة غيره «بلا نصب قرينة» من الشارع على تعيين على ذلك الظن ، فمظنون الاعتبار اما ان يكون هو الحجة دون غيره للخصوصية الموجودة فيه دون غيره وهي كونه مظنون الاعتبار ، واما ان يكون احد مصاديق الحجة فيما اذا كان المجعول هو الظن المطلق ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ولكنه من المحتمل ان يكون هو الحجة دون غيره لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار ... الى آخر الجملة».

ثم اشار الى انه من المحتمل ان يكون مراد من قال بالترجيح بالقوة هو ما ذكره ، لبناء القائل على ان النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه بقوله : «ولعل نظر من رجح ب» القوة «الى هذا الفرض».

ثم اشار الى ان منع الشيخ عن الترجيح بالقوة لعله بجعل الطريق الواصل ولو بطريقه او الطريق ولو لم يصل ، وقد عرفت انه عليهما لا وجه للترجيح بالقوة بقوله : «وكان منع شيخنا العلامة ... الى آخر الجملة».

(١) لعله يشير الى ان التامل التام في كلاميهما (قدس‌سرهما) يعطي غير ما ذكره من التوفيق بين كلاميهما ، فان الشيخ انما منع عن الترجيح بالقوة ، لقوله بان نتيجة الانسداد على الكشف هي تعميم حجية الظن لكل ظن سواء أكان مظنون الاعتبار ام لا.

١٩٤

ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بهما إنما هو على تقدير كفاية الراجح ، وإلا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية (١) ، فيختلف الحال باختلاف الانظار (٢) بل الاحوال (٣).

وأما تعميم النتيجة بأن قضية العلم الاجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه (٤) ، فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب

______________________________________________________

والنراقي حيث يرى ان النتيجة هي الاهمال وجعل الظن في الجملة لذا احتاج الى المرجحات.

(١) حاصله : ان الترجيح بالقوة ـ كظن الاعتبار مثلا ـ انما هو لتعيين الظن الذي يحصل به امتثال معظم الاحكام او يكون بمقدار المعلوم بالاجمال ، فاذا لم يكن مظنون الاعتبار وافيا ، فحيث المفروض ان الظن هو المتعين للامتثال دون الاحتياط ، فلا بد من التعدي من مظنون الاعتبار الى غيره من الظنون الأخر ، الى ان يحصل ما فيه الكفاية للوفاء بالمعظم او لمقدار المعلوم بالاجمال ، ولذا قال : «فلا بد من التعدي» من مظنون الاعتبار «الى غيره» من الظنون «بمقدار» ما يحصل به «الكفاية» للوفاء اما بالمعظم او بمقدار المعلوم بالاجمال.

(٢) لما كان الظن في المقام هو الظن الشخصي دون النوعي ، وحصول الظن الشخصي للاشخاص مختلف ، فانه قد يحصل لشخص ظن الاعتبار ـ مثلا ـ لجملة من الظنون بحيث تكون وافية ، وبعضهم لا يحصل له ذلك المقدار ، فيكون التعدي الى غير مظنون الاعتبار مختصا بالثاني دون الاول.

(٣) فان الشخص الواحد ربما تكون حاله مختلفة من حيث احتمال الحكم الالزامي في مقام دون مقام.

(٤) قد عرفت النتيجة من حيث التعيين والاهمال على الكشف ، وينسب الى المحقق شريف العلماء تعميم النتيجة على الكشف بغير ما مرّ ذكره.

١٩٥

الطريق ولو لم يصل أصلا (١) ، مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل إلا على وفق المثبتات من الاطراف دون النافيات ، إلا فيما إذا كان هناك

______________________________________________________

وحاصل ما نسب اليه انه بعد ان كانت مقدمات الانسداد كاشفة عن جعل الطريق فيكون لنا علم اجمالي بان هناك طريقا مجعولا شرعيا لامتثال الاحكام ، ومقتضى هذا العلم الاجمالي هو الاحتياط في اطرافه ، واطرافه هي الطرق ، ولما كان الطريق هو الظن فلا بد من العمل بجميع الظنون ، فتكون النتيجة معينة لا مهملة وهي الاحتياط في جميع الظنون.

وتوضيحه : ان مقدمات الانسداد كشفت عن جعل الظن في الجملة ، ولازمه ان لا يكون كل ظن حجة ، ولكنه حيث لم يعلم من مقدمات الانسداد الا كون الظن في الجملة حجة ، وعليه فلنا علم اجمالي بظن مجعول بين هذه الظنون ، ومقتضى هذا العلم الاجمالي هو العمل بجميع الظنون احتياطا ، لنعلم يقينا باتباع الظن المجعول قطعا فالنتيجة على كل حال عامة.

والحاصل : ان مقدار كشف مقدمات الانسداد هو كون الظن في الجملة حجة لا كل ظن حجة ، ولذا كان العلم الاجمالي بان هناك ظنا ـ في الجملة ـ مجعولا هو الموجب للاحتياط في العمل بجميع الظنون ، والى هذا اشار بقوله : «واما تعميم النتيجة بان قضية العلم الاجمالي بالطريق هو الاحتياط في اطرافه» فتكون النتيجة معيّنة لا مهملة وهي الاحتياط بالعمل بجميع الظنون.

(١) اورد عليه المصنف ايرادين : وهذا هو الايراد الاول ، وحاصله : انك قد عرفت ان الاحتمالات في الكشف نصب الطريق الواصل بنفسه ، وعليه فالحاصل من الانسداد هو حجية جميع الظنون ، فليس لنا علم اجمالي بجعل الطريق على وجه الاجمال حتى يكون مجال للاحتياط ، ومثله بناء على كون المنصوب هو الطريق الواصل ولو بطريقه ، فانه على هذا الاحتمال نستطيع تعيين الظن المجعول شرعا

١٩٦

ناف من جميع الاصناف ، ضرورة أن الاحتياط فيها يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم ، حيث لا ينافيه ، كيف؟ ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية ، كما لا يخفى ، فما ظنك بما لا يجب الاخذ بموجبه إلا من باب الاحتياط؟ فافهم (١).

______________________________________________________

بخصوصه ولو باجراء الانسداد مرة او مرات ، فالطريق المجعول يكون معلوما بالتفصيل لا بالاجمال ، فلا مجال للاحتياط عليه ايضا.

نعم بناء على كون المجعول هو الطريق ولو لم يصل فاللازم هو الاحتياط كما مرّ.

فاتضح : ان التعميم بنحو الاحتياط لا يتم الّا على الوجه الثالث ، وهو كون النتيجة هي الطريق ولو لم يصل ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فهو لا يكاد يتم» أي التعميم بنحو الاحتياط لا يتم «الا على تقدير كون النتيجة» في الكشف «هو نصب الطريق ولو لم يصل» واما بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه او ولو بطريقه فلا وجه للاحتياط.

(١) هذا هو الايراد الثاني ، وتوضيحه : ان لازم الاحتياط في المقام هو العمل بخصوص الطرق المثبتة للتكاليف دون النافية للتكليف ، لان العمل بالطريق المثبت للتكليف موصل اما الى الواقع فيما اذا كان الحكم الالزامي الواقعي على طبق الطريق المثبت للحكم ، واما لا مانع منه فيما اذا اخطأ الظن ولم يكن على طبقه حكم الزامي واقعي ، فالعمل بالطرق المثبتة للتكاليف الالزامية على وفق الاحتياط والعمل بها اخذ باحوط الطرق الموصلة الى الواقع ، واما الطرق النافية للتكليف فلا وجه للاحتياط فيها لفرض كونها نافية للتكليف.

فظهر ان الاحتياط في الطرق لاجل العلم الاجمالي يختصّ بالطرق المثبتة دون النافية ، ففي الطرق النافية للتكليف لا اثر لهذا العلم الاجمالي.

وقد تبيّن مما ذكرنا : ان المسائل التي يلزم الاحتياط فيها ـ مثلا ـ لاجل العلم بمزيد اهتمام الشارع بها كالفروج والدماء وحقوق الناس ، لا وجه للعمل فيها بالظن النافي

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

للتكليف حيث لا يجب العمل به ، ولما لم يعلم حجيّته بالخصوص لفرض كون الاخذ به من باب العلم الاجمالي ، وحيث نحتمل التكليف الالزامي الذي هو موقع اهتمام الشارع لو كان ولا مانع من الاحتياط فيه ، حيث يكون الفرض فرض عدم لزوم العسر والحرج وعدم الاختلال في النظام ، بل لا بد من العمل به لعدم قيام الحجة الشرعية في قباله ، لما عرفت من ان العمل بالطرق من باب العلم الاجمالي لا يقتضي حجية الظن النافي للتكليف ، فلا يجوز رفع اليد عن الاحتياط فيها ، لانه رفع يد عن تكليف منجز لو كان من دون قيام حجة على رفعه ، فيجب الاحتياط في هذه المسائل الفرعيّة.

نعم لو قامت جميع الظنون على نفي التكليف لما وجب الاحتياط للعمل بوجود الحجة الشرعية في قبال الاحتياط ، وان كان لا مانع من الاحتياط بنحو الجواز دون الوجوب.

اما مع عدم قيام جميع الظنون على نفيه فلا يكون لنا علم بوجود الحجة على نفيه ، وحيث يلزم فيه الامتثال فلا بد وان يكون بنحو الاحتياط فيكون الاحتياط فيها واجبا.

فاتضح مما ذكرنا : ان التعميم لكل ظن بواسطة العلم الاجمالي لا يتمّ في كل ظن ، بل يختص بخصوص الظنون المثبتة فتكون النتيجة خاصة لا عامة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «مع ان التعميم بذلك» أي بواسطة العلم الاجمالي بظن مجعول في ضمن هذه الظنون «لا يوجب» التعميم والعمل بكل ظن ، بل لا يوجب «العمل الا على وفق» خصوص «المثبتات من الاطراف» أي الظنون المثبتات للتكاليف «دون» الظنون «النافيات» للتكاليف ، لما عرفت من عدم حجية الظن النافي في مقام العلم الاجمالي بحجية ظن من الظنون ، ولا تكون الظنون النافية حجة «الا فيما اذا كان هناك ناف من جميع الاصناف» للعلم حينئذ بوجود الحجة القائمة على النفي ، اما اذا لم يكن هناك ظن ناف من جميع الاصناف للظنون فلا يجوز رفع اليد

١٩٨

فصل

قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد (١)

______________________________________________________

عن الاحتياط فيما اذا كان لازما في المسألة الفرعيّة ، لما عرفت من عدم حجة الظن النافي فيما اذا كان الموجب للاخذ بالظن هو العلم الاجمالي بحجية ظن من الظنون ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ضرورة ان الاحتياط فيها» أي في الظنون لاجل العلم الاجمالي بحجية احدها «لا يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية اذا لزم» الاحتياط في المسألة الفرعيّة «حيث لا ينافيه» أي حيث لا ينافي هذا الاحتياط اللازم في المسألة الفرعية الظن النافي للعلم الاجمالي بحجية ظن من الظنون ، لانه انما يقتضي الاحتياط في خصوص الظنون المثبتة دون النافية فيه ، فيكون رفع يد عن الاحتياط اللازم في المسألة من دون حجة تنافيه.

ثم اشار الى ان الاحتياط في مورد الظن النافي للتكليف يجوز ولو كان الظن النافي حجة ، فلا يتوهّم منافاة الاحتياط للظن النافي مطلقا بقوله : «كيف ويجوز الاحتياط فيها» أي في المسألة الفرعية «مع قيام الحجة النافية» للتكليف لان الاحتياط حسن على كل حال «فما ظنك بما لا يجب الاخذ بموجبه الا من باب الاحتياط» أي حيث يجوز الاحتياط مع قيام الحجة النافية فبالطريق الاولى انه يجوز الاحتياط في المسألة الفرعية فيما كان الاخذ بموجب الظن لاجل الاحتياط بحجية احد الظنون ، الذي قد عرفت انه لا يقتضي الّا العمل على طبق الظنون المثبتة دون الظنون النافية للتكاليف.

(١) لا يخفى ان المستفاد من النصوص الدالة على المنع عن العمل بالقياس ، ومن الاجماعات الكثيرة على عدم جواز العمل بالقياس مما يقطع بالنهي عن العمل بالقياس مطلقا ، سواء على الانفتاح او على الانسداد ، فعلى تمامية الاشكال الآتي في خصوص الانسداد على الحكومة يكون من قبيل الشبهة في مقابل البديهة للعلم بخروج الظن الحاصل من القياس ولو قلنا بالحكومة في الانسداد.

١٩٩

بتقرير الحكومة (١) ، وتقريره على ما في الرسائل أنه كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للاطاعة والمعصية ، ويقبح على الآمر

______________________________________________________

(١) السبب في اختصاص الاشكال بالحكومة دون مسلكي الكشف والتبعيض في الاحتياط ، انه بناء على الكشف وان نتيجة الانسداد هي جعل الشارع للظن في حال الانسداد ، فلا مجال لتوهم الاشكال بخروج الظن القياسي عنه ، فانه بعد ان كان الظن مجعولا شرعا فادلة خروج الظن القياسي عنه توجب اختصاص الظن الانسدادي المجعول شرعا بغير الظن الحاصل من القياس ، لوضوح انه للجاعل ان يخرج عن جعله ما يشاء ويدخل فيه ما يشاء.

لا يقال : ان جعل الشارع للظن في الانسداد انما هو لاجل طريقيّته الراجحة على الشك والوهم ، فلا فرق بين الظن القياسي وغيره من حيث كون كل منهما طريقا راجحا على الشك والوهم ، فالاشكال على فرضه لا يختص بالحكومة بل يرد حتى على الكشف.

فانه يقال ، اولا : انه لو كانت طريقيّة الظن ورجحانه هي العلة التامة لحجيته لما احتجنا الى جعل له من الشارع ، وتكون نتيجة الانسداد هي الحكومة دون الكشف وهو خلف ، لفرض كون الانسداد على الكشف لا يكتفى في حجية الظن عليه بأرجحية الظن بل لا بد من جعل الشارع له.

والحاصل : ان طريقيّة الظن وأرجحيّته تكون من قبيل ما هو المقتضي للموضوع الذي له الجعل من الشارع ، واما حجيّته فعلّتها جعل الشارع.

وثانيا : ان جعل الشارع للظن في حال الانسداد على الكشف بما هو طريق انما هو لكونه اقرب الطرق الى الواقع دون الشك والوهم ، ومنع الشارع عن الظن القياسي يكون كاشفا عن عدم قرب هذا الظن الى الواقع ، فلا مانع من النهي عن الظن القياسي بناء على الكشف اصلا.

٢٠٠