بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي هو متعلق الظن هو ماهية الحكم والمتأخر هو وجود الحكم واقعا ، فلا يلزم محذور تقدّم المتأخر وتأخير المتقدم.

ولكنه ينبغي ان لا يخفى ان دخالة الامارة واقعا في الحكم بنحو الموضوعية في جميع مراتبه ، وان لم يلزم منه الدور بحسب ما مرّ ، من امكان دخالتها على نحو لا يستلزم الدور إلّا انه يستلزم المحال إما فرضا او امتثالا.

وذلك لان دخالة الامارة في الحكم ان كانت دخالتها في وجود الحكم الواقعي بما له من الوجود المختص به ، فمعناه كون الواجب واقعا هو الواجب الذي قامت عليه الامارة ، ولازم ذلك الدور عروض الوجوب على الوجوب ، وعروض الشيء على نفسه محال لاستلزامه تقدم الموضوع طبعا ـ بما هو موضوع ـ وتأخره طبعا بما هو حكم عارض على الموضوع. مضافا الى الخلف بنحو آخر ، وهو انه بعد ان كان المفروض دخالتها في وجود الحكم الواقعي فهذا فرض وجود للحكم الواقعي من دون الامارة ، وقد فرضنا دخالتها فيه ، فهذا فرض يلزم من وجوده عدمه.

وان كانت دخالتها في الحكم الواقعي بنحو تركب موضوعه من مفهوم الامارة ومفهوم الحكم فيكون العارض هو وجود الحكم الواقعي على موضوعه ، وهو ماهية الحكم ومفهومه لا وجوده ، فلا يلزم عروض الشيء على نفسه ، فهو وان كان لا يلزم منه عروض الشيء على نفسه الّا أن لازمه عدم امكان امتثاله ، لضرورة لزوم قيام الامارة على الحكم الذي قامت عليه الامارة ، ولا ريب ان الامارة انما تقوم على الحكم لا على الحكم الذي قامت عليه الامارة ، مضافا الى انه على الفرض ان موضوع الحكم الفعلي هو قيام الامارة على الحكم بمفهومه لا بوجوده الواقعي ، ولما كانت الامارة تقوم على الحكم الواقعي فموضوع الحكم الفعلي لم يتحقق وهو قيام الامارة على الحكم بمفهومه لا بوجوده الواقعي.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان الظن المتعلق بماهية الحكم ان كانت هذه الماهية المتعلقة للظن قد تعلق الظن بها بما انها لها مطابق خارجي ، فيلزم الخلف ، لان المفروض ان الحكم بوجوده الخارجي متوقف على الظن المتعلق بماهيته.

وان لم يكن لها مطابق خارجي فلا يعقل ان يتعلق الظن بهذه الماهية ، لانه مع العلم بانه لا حكم واقعا كيف يتعلق الظن بماهية الحكم الذي علم انه لا مطابق له؟

فاتضح ان دخالة الامارة في الحكم بنحو الموضوعية محال اما فرضا او امتثالا ، فالتصويب بمعنى انه لا حكم واقعا قبل قيام الامارة ، وان الحكم الواقعي هو ما قامت عليه الامارة محال اما فرضا او امتثالا.

الثاني : ان يكون دخالة الامارة في الحكم في مرحلة الفعلية فقط ، بان يكون الحكم الواقعي في مرحلة الانشاء غير مأخوذ فيه شيء اصلا سوى موضوعه المتعلق به كالصلاة والصوم مثلا ، ولكنه اذا قامت الامارة عليه يضمحل الحكم الواقعي الانشائي وينشأ حكم على نحو ما قامت عليه الامارة سواء اصابت الامارة حتى لا يلزم التماثل أو أخطات الامارة حتى لا يلزم التضاد والتناقض.

وهذا ايضا إمّا محال او مما قام الاجماع على خلافه ، لوضوح ان الموضوع للامارة هو الشك في الحكم الواقعي ، فان كان حدوثا وبقاء فهو خلف ، لان المفروض في هذا الامر الثاني هو اضمحلال الحكم الواقعي بقيام الامارة ، وبعد قيام الامارة لا بقاء للحكم الواقعي ، ومع العلم بعدم بقائه كيف يبقى الشك فيه؟ ومع ارتفاع الشك فيه لا موضوع للامارة ، فيلزم من قيام الامارة على الحكم عدم الحكم ، وما يلزم من وجوده عدمه محال.

وان كان موضوع الامارة هو الشك في الحكم الواقعي حدوثا لا بقاء فهو مما قام الاجماع على عدمه ، لقيام الاجماع على انه هناك حكم واقعي أصابه من أصابه وأخطأه من أخطأه.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مضافا الى ان الحكم المفروض في مرحلة الانشاء هو الإنشاء للحكم بداعي جعل الداعي ، فان بقى الحكم بعد قيام الامارة فلا اضمحلال ، وهو خلاف المفروض من اضمحلال الحكم الواقعي بعد قيام الامارة ، وان لم يبق فلا يكون الحكم في مرحلة الانشاء هو الانشاء بداعي جعل الداعي ، لان هذا الانشاء لا يكون فعليا حتى يكون داعيا بداعي جعل لداعي.

الثالث : ان يكون بنحو التقييد للحكم في مرحلة الفعلية مع بقاء الحكم الواقعي الانشائي على حاله غير مقيد بقيام الامارة

ففيه اولا : ان الحكم الفعلي ليس هو إلّا الحكم الانشائي الذي بلغ مرتبة الفعلية ، فكيف يمكن تقييده في مرحلة الفعلية دون مرحلة الانشاء؟

وثانيا : دعوى كون الحكم الواقعي الفعلي مقيدا بالامارة ، بحيث يوجب صرف الحكم الواقعي الى الحكم المقيد بقيام الامارة مما قام الاجماع على عدمه ، لوضوح انه من البديهي المسلّم ان القطع بالحكم الواقعي الفعلي مما يوجب تنجزه ، ولو كان الحكم الفعلي مقيدا بالامارة لما كان العلم بالحكم الواقعي الفعلي موجبا لتنجزه ، لانه لم يتعلق العلم بالحكم الفعلي المقيد بالامارة ، بل تعلق بنفس الحكم ، فلا يكون موجبا للتنجز مع قيام الاجماع على تنجزه بالعلم ، فقيام الاجماع على تنجز الحكم بالعلم دليل على عدم تقييد الحكم الواقعي بالامارة.

وثالثا : يرد عليه ما اورد على الاضمحلال ، من كون موضوع الامارة هو الشك بالحكم الواقعي حدوثا وبقاء ، ومع فرض صرف الاحكام الواقعية الفعلية الى تقيدها بالامارة يكون الحكم الذي قامت عليه الامارة مقطوعا لا مشكوكا ، وبارتفاع الشك يرتفع موضوع الامارة فيلزم من وجود الشيء عدمه.

والحاصل : ان الامارة اذا قامت على الحكم الواقعي فان كان هناك حكم واقعي فانه يكون مقطوعا لا مشكوكا ، والّا يكون مقطوع العدم : أي اذا لم يكن هناك حكم واقعي والامارة أخطأت فيكون عدم الحكم مقطوعا.

١٤٣

واقع ، لا بما هو مؤدى طريق القطع ، كما عرفت (١).

______________________________________________________

الرابع : ان يكون الموجب للزوم اتباع ما قامت عليه الامارة أمرين :

الاول : اعتبار الشارع للامارة طريقا الى احكامه الواقعية.

الثاني : هو كونها مما تشتمل على مقدار من الاحكام الواقعية وافية بمعظم الفقه ، وهذان الامران يوجبان انحلال العلم الاجمالي الاول بالعلم الثاني ، لكون الامارات مما تشتمل على احكام واقعية وافية بمعظم الفقه ، وان الامارات التي تشتمل على ذلك مما اعتبرها الشارع ، فيكون لازم هذين الامرين انحلال العلم الاجمالي الاول بالعلم الاجمالي الثاني ، ولازمه اتباع ما قامت عليه الامارة المعتبرة ، وحيث لا سبيل للعلم بالامارة لفرض الانسداد ، فيتنزّل الى الظن بالامارة دون الظن بالحكم الواقعي ، لعدم تنجز العلم الاجمالي الاول بسبب الانحلال.

اذا عرفت هذه المقدمة ... فاعلم انه لا اشكال في ان كلام الفصول بعيد جدا ان يكون مراده الاحتمال الاول ، لصراحة كلامه بان لنا احكاما واقعية فعلية غير مقيدة بشيء اصلا ، فيدور امره بين الاحتمالات الثلاثة : الاضمحلال ، والتقييد ، وانحلال العلم الاول بالعلم الثاني.

ولما كانت الاحتمالات الثلاثة غير صحيحة ايضا ، لما عرفت مما يرد على الاضمحلال والتقييد ولما سيأتي من الايراد عليهما ، ولما سيأتي من الايراد على الثالث الذي هو رابع الاحتمالات .. وعليه فلا وجه لما ادعاه صاحب الفصول من كون نتيجة مقدمات الانسداد هو حجية الظن بالطريق دون الظن بالواقع.

(١) لا يخفى ان مراده من الصرف المقابل للتقييد هو الاضمحلال ، لما عرفت من إباء كلام الفصول عن الاحتمال الاول.

فعلى فرض ان يكون مراد الفصول بصرف التكاليف الواقعية الى اتباع الامارات الشرعيّة هو اضمحلال التكاليف الواقعية بعد جعل الامارات الشرعية ـ اورد عليه الماتن (قدس‌سره) ايرادين :

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : ما اشار اليه بقوله : «اذ الصرف لو لم يكن تصويبا» ، وحاصله : ما عرفت من ان الاضمحلال ايضا محال للزومه الخلف ، وانه يلزم من حجية الامارة عدم حجيتها لان موضوع الامارة هو الشك في الحكم الواقعي حدوثا وبقاء ، فاذا كان قيام الامارة موجبا لاضمحلال الحكم الواقعي كان ذلك موجبا لرفع حجيتها ، لارتفاع موضوع الامارة وهو الشك بالحكم الواقعي ، لوضوح انه بناء على الاضمحلال بعد قيام الامارة نقطع بعدم الحكم الواقعي ، ومع القطع بعدمه يرتفع الشك فيه ، ولازم ارتفاع الشك فيه ارتفاع حجية الامارة لارتفاع حجيتها بارتفاع موضوعها ، فيلزم من حجية الامارة عدم حجيتها.

الثاني : ما اشار اليه بقوله : «فلا أقل ... الى آخره» وحاصله : هو قيام الاجماع على عدم اضمحلال الحكم الواقعي بقيام الامارة ، لان الاجماع قائم على انه في حال العلم بوجود الامارات المعتبرة انه لو قطعنا بالحكم الواقعي كان قطعنا مجديا في لزوم التعويل على ما قطعنا به ، وان الاتيان بما قطعنا به مجز موجب للتنجز عند الاصابة وللعذر عند الخطأ ، ولو كان التكليف الواقعي مضمحلا لما كان القطع به موجبا للاجزاء ، فقيام الاجماع على الاجزاء مع علمنا بجعل الامارة مما يدل بوضوح على عدم اضمحلال الاحكام الواقعية وانصرافها الى ما قامت عليه الامارة ، فانه لو صحّ الاضمحلال لكان القطع بالحكم الواقعي لا اثر له ، وانما الاثر يكون لخصوص القطع بكون الحكم مؤدى طريق معتبر ، مع ان الاجماع قائم على الاجزاء فيما لو قطعنا بحكم واقعي مع القطع بانه لا طريق معتبر يؤدّى اليه.

والى هذا اشار بقوله : «فلا اقل من كونه مجمعا على بطلانه» ، ويدل على قيام الاجماع على بطلان الاضمحلال هو قيام ال «ضرورة» على «ان القطع بالواقع يجدي في الاجزاء» بالواقع «بما هو واقع» كان القطع طريقا اليه لا موضوعا فيه ، ولذا قال : «لا بما هو مؤدى طريق القطع» ليكون القطع موضوعيا فيكون الاجزاء

١٤٥

ومن هنا انقدح أن التقييد أيضا غير سديد (١) ، مع أن الالتزام بذلك غير مفيد ، فإن الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن

______________________________________________________

مستند الى موضوعية القطع بالواقع لا الى الواقع ، فلا يكون الاجماع منافيا للاضمحلال.

والحاصل : ان الاجماع قائم على ان القطع بالواقع كاف ومجد في الاتيان بالواقع ، ولو كان الحكم الواقعي مضمحلا لما اجدى القطع بالواقع ، وكون القطع موضوعيا لازمه الاجزاء لو انكشف الخلاف.

ولكنك قد عرفت ان الاجماع قائم على الاجزاء مع فرض الالتفات الى الطريقية ، ولذا لو انكشف الخلاف وجبت الاعادة في الوقت لخطأ الطريق.

(١) لا يخفى ان هذين الايرادين كما يردان على الاضمحلال يردان على التقييد ايضا ، لوضوح انه على فرض التقييد ايضا يلزم من حجية الامارة عدم حجيتها ، لاخذ الشك في الحكم الواقعي موضوعا في الامارة ، ومع التقييد للاحكام الواقعية الفعلية بقيام الامارة لا اثر للحكم الواقعي من ناحية كون الامارة طريقا اليه ، بل يكون الحكم الواقعي حقيقة هو مؤدّى الامارة ، ومع القطع بكون المؤدّى للامارة هو الحكم الواقعي لا بد من ارتفاع الشك بالحكم الواقعي بقيام الامارة ، لحصول القطع بالحكم الواقعي ، ومن الواضح عدم امكان كون الحكم الواقعي ـ الذي له الاثر واقعا ـ مشكوكا به ومقطوعا في آن واحد.

وايضا قيام الاجماع على الاجزاء بالاتيان الواقع في حال تعلق القطع به بما هو طريق دليل على عدم تقييد الاحكام الواقعية بمؤدى الطريق ، وإلّا لكان الاجزاء مستندا الى الاتيان بالحكم الواقعي بما هو مؤدى القطع لا بما هو حكم واقعي كان القطع طريقا اليه.

والى هذا اشار بقوله : «ومن هنا انقدح ان التقييد ايضا غير سديد».

١٤٦

الظن بأنه مؤدى طريق معتبر (١) ، والظن بالطريق ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد بناء على التقييد ، لعدم استلزامه الظن بالواقع المقيد به بدونه (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الايراد الثالث المختص بالتقييد ، وحاصله : ان الالتزام بالتقييد لا يفيد في اختصاص نتيجة مقدمات الانسداد بخصوص الظن بالطريق ، لان الظن بالطريق يلازم الظن بالواقع في التكاليف العامة البلوى ، ووجه اختصاصه بالتقييد دون الاضمحلال انه بناء على الاضمحلال لا واقع حتى يكون بينه وبين الطريق ملازمة ، بل لا يكون هناك شيء سوى الحكم الذي قام عليه الطريق.

واما وجه التلازم فهو ان التكاليف العامة البلوى عادة لا بد وان يكون قد قامت عليها الطرق المنصوبة من الشارع المعتبرة عنده ، لتوفّر الدواعي الى نقلها لكثرة الابتلاء بها ، فلا بد وان تكون هي معقد الاجماعات ومؤدى الاخبار الموثوقة الصحيحة ، فالظن بحجية الخبر يلازم الظن بكون مؤدّاه هو الواقع ، فلا تظهر نتيجة لاختصاص الحجية بالطريق ، ولذا قال (قدس‌سره) : «مع ان الالتزام بذلك» أي بالتقييد «غير مفيد» في كون النتيجة هي اختصاص الحجية بالطريق دون الواقع «فان الظن بالواقع فيما ابتلي به» المكلف «من التكاليف» العامة البلوى «لا يكاد ينفك عن الظن بانه مؤدى طريق معتبر».

(٢) هذا ايضا ما يختص بالتقييد ، وهو الايراد الرابع.

وحاصله : ان معنى التقييد هو التركيب من الواقع والطريق ، ولو بنحو ان يكون التقييد داخلا والقيد خارجا ، فاذا كان الظن متعلقا بالطريق فلا بد وان يكون متعلقا بطريق مقيد بكونه مؤدّيا الى الواقع ، فانه لو تعلّق الظن بطريق غير مظنون الأداء الى الواقع ، لا يكون ذلك متعلقا بما هو الحجة المنصوبة من الشارع ، لفرض كونه منصوبا مقيدا بالواقع ، فاذا ظننا بطريق انه من الطرق المجعولة فلا بد وان نظن بكونه مؤدّيا للواقع لفرض تقييده بالواقع ، واذا ظننا بواقع هو مؤدى طريق معتبر قد جعله

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الشارع طريقا اليه فقد حصل كلا جزأي المركب ، لوضوح حصول الظن بحكم له طريق معتبر ، اما معرفته بعينه فليس بداخل في المركب الذي هو الموضوع.

ولازم هذا هو عدم اختصاص النتيجة بناء على التقييد بالظن بالطريق ، بل لا بد من شمولها للظن بالواقع الذي نظن بانه له طريق معتبر وان لم نعرف طريقه بعينه.

وما ذكره من كون الظن بحكم قد ظن بان له طريقا لم نعرفه فيه خارجا عن دائرة المعلوم بالاجمال ، لعدم وصول الطريق فغير صحيح ، لان الموضوع على الفرض هو الحكم الواقعي الذي له طريق معتبر ، وعدم معرفته بعينه لازمه عدم وصوله تفصيلا لا عدم وصوله اجمالا ، وهذا الوصول الاجمالي يتحقق به الموضوع وهو الحكم الواقعي الذي قام عليه طريق معتبر.

فاتضح انه بناء على التقييد لا تختص نتيجة الانسداد بخصوص الظن بالطريق ، بل لا بد من شمولها ـ بناء على التقييد ـ للظن بالواقع الذي يظن بانه له طريق معتبر.

نعم هي لا تشمل الظن بالواقع الذي ظن بانه ليس له طريق معتبر.

وعلى كل فلا تختصّ النتيجة ـ بناء على التقييد ـ بخصوص الظن بالطريق كما هو مدعى الفصول ، بل لا بد من شمولها للظن بالواقع الذي يظن بانه له طريق معتبر وان لم نعرف طريقه بعينه ، لان المجعول ـ بناء على التقييد ـ هو الطريق المتعلق بالواقع ، فكما ان الظن يكون طريقا كافيا في براءة الذمة كذلك الظن بالواقع الذي له طريق معتبر كاف في براءة الذمة ، وهذا كله لاجل التقييد الموجب للملازمة وعدم انفكاك الظنين والى هذا اشار بقوله : «والظن بالطريق ما لم يظن باصابة» الطريق «الواقع غير مجد بناء على التقييد» لفرض كون موضوع الحجية هو الطريق المؤدّى الى الواقع ، فالظن بالطريق ما لم يظن بكونه مؤدّيا للواقع لا يكون من دائرة الظنون المتعلق بها العلم الاجمالي الثاني ـ بناء على التقييد ـ فان متعلق العلم الاجمالي الثاني هو انه لنا طرق مجعولة من الشارع الى الاحكام الواقعيّة ، فالظن بالطريق غير المظنون كون مؤدّاه هو الواقع يكون خارجا عن دائرة هذا العلم الاجمالي ، فكما ان

١٤٨

هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد (١) ، غايته أن العلم الاجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية إلى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف

______________________________________________________

الظن بالطريق الداخل في هذه الدائرة هو الظن المتعلق بطريق يظن بانه يؤدي الى الواقع يكون حجة في حال الانسداد ، فكذلك لا بد وان يكون الظن بالواقع المظنون كونه له طريق معتبر يكون ايضا حجة في حال الانسداد لدخوله في دائرة هذا العلم الاجمالي.

نعم لا بد من خروج الظن الذي لا نظن بكون مؤدّاه هو الواقع عن دائرة هذا العلم الاجمالي ولذا قال (قدس‌سره) : «لعدم استلزامه» أي لعدم استلزام الظن بالطريق الذي لا يظن بان مؤدّاه هو الواقع «الظن بالواقع المقيد به» أي الطريق «بدونه» أي بدون الظن بان مؤداه هو الواقع ، لان المفروض انه جزء الموضوع بناء على التقييد.

واذا كان الامر كذلك فلا اختصاص للظن بالطريق ، بل لا بد من شموله للظن بالواقع الذي يظن بانه له طريق معتبر وان لم نعرفه بعينه.

(١) هذا خامس الايرادات وهو مشترك الورود على الاضمحلال وعلى التقييد.

وحاصله : ما مر تحقيقه من وجود الاحكام الواقعية المشتركة بين من قامت عنده الطرق ، ومن لم تقم عنده الطرق ، وهو الحكم المشترك بين العالم والجاهل ، وان ادلة الطرق انما تساعد على كونها طريقا محضا الى الواقع من دون موضوعية لها اصلا.

وبعبارة اخرى : ان المختار للمصنف بحسب ما تساعده الادلة الدالة على الجعل هو الطريقية دون الموضوعية ، ولازم الاضمحلال والتقييد هو الموضوعية ، وهو واضح ، ولذا قال : «هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف» أي الاضمحلال «ولا على التقييد» للاحكام الواقعية بالطرق القائمة عليها.

١٤٩

الفعلية ، والانحلال وإن كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية ، إلا أنه إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما ، والفرض عدم اللزوم ، بل عدم الجواز. وعليه يكون التكاليف الواقعية ، كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية الظن بها حال انسداد باب العلم ، كما لا يخفى ، ولا بد حينئذ من عناية أخرى في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الاطاعة ، وعدم إهمالها رأسا كما أشرنا إليه ، ولا شبهة في أن الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام ، من الظن بالطريق ، فلا أقل من كونه مساويا فيما يهم العقل من تحصيل الأمن من العقوبة في كل حال (١) ، هذا مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت ان كلام الفصول لا يجوز ان يحمل على ما يستلزم التصويب المحض وانه لا حكم واقعي الّا ما قامت عليه الامارة ، لتصريحه بالعلم الاجمالي الاول وان متعلقه هي الاحكام الواقعيّة.

ولكنه يحتمل ان يكون مرتبا على الاضمحلال او التقييد ، وقد عرفت حالهما لو كان مراد الفصول ذلك.

ولا يخفى ان الانصاف انه ايضا بعيد عن مذاق الفصول ، فالانصاف ان كلام الفصول لا يريد به الّا الاحتمال الرابع ، وهو انه لنا علم اجمالي بتكاليف واقعية ولنا علم اجمالي ثان بطرق منصوبة من الشارع مؤدّية الى الاحكام الواقعية وافية بمعظم الفقه ، فينحل العلم الاجمالي الاول بهذا العلم الاجمالي الثاني ، وتكون النتيجة هي حجية خصوص الظن بالطريق كما مرّ بيان ذلك عند ذكر المقدمتين المذكورتين في كلامه المتقدم مبرهنا بهما على ما ادعاه من كون لازم ذلك هو اختصاص حجية الانسداد بالظن بالطرق دون الظن بالواقع.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وينبغي ـ قبل الشروع في ما يرد عليه ـ بيان الفرق بين كلام الفصول هنا ، والدليل العقلي المتقدم الاول الذي اقاموه على حجية الخبر.

وحاصل الفرق بينهما هو : ان الدليل هو وجود العلم الاجمالي الاول بالتكاليف الواقعية ، والعلم الاجمالي الثاني هو وجود معظم تلك التكاليف في ضمن الاخبار التي بأيدينا من دون ضم اعتبار الشارع لبعض الاخبار أو لجلّها ، فحينئذ يمكن ان يدعى عدم انحلال العلم الاجمالي الاول بالعلم الثاني ، كما مرّ دعوى ذلك من ان العلم بوجود تكاليف فيما بأيدينا من الاخبار لا يحلّ العلم الاجمالي الاول ، لبقاء العلم الاجمالي الاول بعد الاخذ بما في الاخبار ، بدعوى انه بعد ذلك لنا علم اجمالي بتكاليف واقعية في ضمن غير الاخبار من الاجماعات المنقولة والشهرات.

فاتضح مما ذكرنا : انه يمكن ان يدعى ان العلم بالتكاليف في مقامين لا يقتضي الانحلال.

واما في المقام فانه لا بد من الانحلال لضم اعتبار الشارع للامارات الخاصة المؤدّية الى الاحكام الواقعيّة ، فيدور الامر مدار العلم الاجمالي الثاني في المقام لانحلال العلم الاجمالي الاول به ، لان الاحكام الواقعية الفعلية هي الموجود في ضمن الامارات التي اعتبرها الشارع ، فيدور الامر مدار هذا العلم الاجمالي الثاني.

هذا غاية ما يمكن ان يدعى في تقريب ما اراده الفصول : من ان الانحلال موجب لحجية الظن بخصوص الطريق ، لان الاحكام الواقعية التي لم تقم عليها امارة تكون خارجة عن دائرة العلم الاجمالي الثاني ، والظن باعتبار الطريق لا يلازم الظن بالحكم الواقعي الذي هو مؤدّاه ، لان الظنون نوعية لا شخصية حتى تكون ملازمة بين الظن بالطريق والظن بكون مؤدّاه هو الواقع.

ومنه يتضح خروج الحكم الواقعي الذي يظن بانه قد قام عليه طريق معتبر ، لانه لا يوجب إلّا ظنا بدخوله في دائرة العلم الاجمالي الثاني ، ولا بد من القطع بكونه داخلا في دائرة العلم الاجمالي ، ولا يفيد الظن بدخوله في دائرة العلم الاجمالي

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

المنجز ، فلذلك تنحصر الحجية بخصوص الظن بالطريق بكونه من الظنون الخاصة المعتبرة عند الشارع.

والجواب عنه : هو ان غاية ما يقتضيه هذا الانحلال هو منجزية العلم الاجمالي الثاني ، وقد مرّ ـ فيما سبق ـ من ان العلم الاجمالي اذا لم تجب موافقته لا تحرم مخالفته ، لمحالية التفكيك بين وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية ، ومتى لم تجب الموافقة القطعية لا تحرم المخالفة القطعية.

وحيث لا يجب الاحتياط في دائرة هذا العلم الاجمالي لفرض لزوم العسر المرفوع اما عقلا او بأدلة رفع الحرج ، فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجزا في دائرته ، ولزوم الامتثال مستند الى الاجماع القائم على لزوم التعرّض لامتثال احكام المولى وعدم جواز اهمالها ، ولما كان هذا هو الموجب للتعرّض للامتثال ، ولا فرق في براءة الذمة عقلا عن هذا الوجوب المستفاد من الاجماع بين الظن بالطريق المعتبر او الظن بالحكم الواقعي ، ولذلك كانت نتيجة الانسداد هي الاعم من دون اختصاص لها بواحد من الظنين.

وقد اشار الى ان هذا العلم الاجمالي يوجب الانحلال واختصاص الاحكام الواقعية المنجزة بخصوص ما أدّت اليه الطرق ، وخروج الاحكام الواقعية التي لم يؤدّ اليها طريق لو كان هذا العلم منجزا بقوله : «غايته» أي غاية هذا الاحتمال الرابع هو «ان العلم الاجمالي بنصب طرق وافية» الذي هو العلم الاجمالي الثاني «يوجب انحلال العلم» الاجمالي الاول المتعلق «بالتكاليف الواقعية الى» الثاني وهو «العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية و» هذا «الانحلال وان كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤدّ اليه الطريق من التكاليف الواقعية» لكونه على هذا الفرض من الانحلال يكون خارجا عن دائرة العلم الاجمالي المنجز «الّا انه» انما يتمّ وتكون النتيجة منحصرة في خصوص الظن بالطريق فيما «اذا كان رعاية العلم بالنصب لازما» بان يكون الموجب للامتثال هو تنجز هذا العلم الاجمالي.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واما اذا لم يكن منجزا ولا تجب رعايته لعدم امكان التفكيك ، فلا يكون موجبا لتلك النتيجة التي ادعاها في الفصول من الاختصاص «والفرض عدم اللزوم» لرعاية هذا العلم الاجمالي لأدلة العسر «بل عدم الجواز» فيما اذا كان الاحتياط موجبا للاختلال.

«وعليه» أي وعلى هذا الفرض من عدم تنجز العلم الاجمالي في لزوم الموافقة القطعية فلا يكون موجبا لتنجز حرمة مخالفتها و «يكون» على هذا «التكاليف الواقعية» الاولية غير منحلة الى هذا العلم الثاني ، بل يكون حالها «كما اذا لم يكن علم بالنصب» في عدم الانحلال «ولا بد حينئذ من عناية اخرى» للزوم امتثالها والتعرض ل «لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الاطاعة وعدم اهمالها رأسا» وهذا هو الموجب لرعاية امتثالها.

واذا كان هذا هو الموجب ، وحيث فرض عدم امكان الاحتياط في مقام امتثالها فلا بد من التنزّل الى ما هو مبرئ للذمة في امتثالها ، وهو اعم من الاتيان بمؤدى الطريق المظنون اعتباره ، او بما هو المظنون انه حكم واقعي.

ولما كان العلم الاجمالي الاول غير منحل الى الثاني وهو الذي يجب رعاية التعرّض لامتثاله بنحو من انحاء الامتثال لا لمنجزيّته ، بل للاجماع والضرورة القائمين على عدم جواز اهمال الاحكام الواقعية ، فلا بد وان الظن بالواقع مع التنزّل اليه والاكتفاء به اولى من الظن بالطريق ، لانه اتيان للحكم المظنون ، بخلاف الظن بالطريق فانه اتيان لما يبرئ الذمة وان لم يكن مؤداه حكما واقعيا ، واذا لم يكن اولى فلا اقل من المساواة.

والى هذا اشار بقوله : «ولا شبهة ان الظن بالواقع لو لم يكن اولى» من الظن بالطريق «حينئذ لكونه» أي الظن بالواقع «اقرب في التوسل به الى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام» وهو لزوم التعرض لاتيان الاحكام الواقعية لانه ظن باتيان الاحكام الواقعية دون الظن بالطريق فانه يوجب البراءة دون الظن باتيان

١٥٣

وهو بلا شبهة يكفي ولو لم يكن هناك ظن بالطريق ، فافهم فإنه دقيق (١).

ثانيهما : ما اختص به بعض المحققين ، قال : لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية ، ولم يسقط عنا التكليف بالاحكام الشرعية ، وأن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف ، بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به ، وسقوط تكليفنا عنا ، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا ، حسبما مر تفصيل القول فيه ، فحينئذ نقول : ان صحّ لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع فلا اشكال في وجوبه وحصول البراءة به ، وان انسد علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه ، اذ هو الاقرب الى العلم به ، فيتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع

______________________________________________________

الحكم الواقعي ، فالاتيان بالواقع المظنون اقرب «من الظن بالطريق» ، ولو لم يكن اولى «فلا اقل من كونه» أي الظن بالواقع «مساويا» للظن بالطريق «فيما يهمّ العقل من» لزوم «تحصيل الأمن من العقوبة».

(١) حاصله الاشارة الى الايراد السابق ، وهو انه على فرض تسليم المقدمتين واقتضائهما الانحلال الّا ان النتيجة لا تقتضي الاختصاص بخصوص الظن بالطريق ، بل تشمل الظن بالواقع الذي يظن بانه قد قام عليه طريق معتبر وان لم نعرفه بعينه.

ومن الواضح ان الظن بالحكم الواقعي حيث انه انما يحصل من الامارات التي بأيدينا فلا بد وان يكون الظن به ملازما للظن بان له طريقا معتبرا ، وقد عرفت انه لا يلزم معرفة الطريق بعينه ... فتكون النتيجة هو الاتيان بمؤدى ما قام عليه الطريق المعتبر كما هو واضح.

١٥٤

كما يدعيه القائل باصالة حجية الظن .. انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الدليل الثاني الذي اختص به المحقق صاحب الهداية (١) في كون نتيجة الانسداد هي حجية الظن بالطريق دون الظن بالواقع ، وهو مركب من مقدمات ثلاث :

الاولى : ان لنا احكاما واقعية فعلية لا بد من فراغ ذمتنا عنها ، ولم يسقط بالانسداد لزوم فراغ ذمتنا عنها ، بل هي باقية على فعليتها.

والى هذه المقدمة اشار بقوله : «لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية ولم يسقط عنا التكليف بالاحكام الشرعية».

الثانية : ان طريق فراغ الذمة امران : العلم بادائها ، وحكم المكلّف ـ أي الشارع ـ بتفريغ الذمة عن ادائها.

والمهمّ هو الثاني ، لان العلم بتفريغ الذمة بحيث لا يتطرقه احتمال عدم اداء الواقع ، بحيث لا نحتاج الى اصل أو قاعدة تقتضي فراغ الذمة كالتمسك بالظهور وامثالها نادر جدا ، فالمهمّ هو الثاني ، والثاني لازم جعل الطريق من الشارع ، فانه اذا جعل لنا طريقا الى الواقع فسلكناه فلا بد من فراغ ذمتنا بسلوكه عند الشارع ، والّا فلا فائدة من سلوكه ، فلازم جعل الطريق من الشارع المكلّف بالاحكام هو حكمه بفراغ ذمتنا اذا سلكنا الطريق الذي جعله ، سواء علمنا بان مؤدى هذا الطريق هو الحكم الواقعي ام لا ، فان الشارع الجاعل للاحكام الواقعية اذا جعل لنا طريقا اليها فلا بد من حكمه بفراغ ذمة من سلك ذلك الطريق ، لان لازم قوله هذا طريقي الى احراز احكامي هو حكمه بان من سلك طريقه فقد فرغت ذمته من تكاليفه الواقعية التي جعل لها طريقا منه ، وهذا واضح لا خفاء فيه ، فملازمة حكم المكلّف ـ أي

__________________

(١) هداية المسترشدين ، ص ٣٩١.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الشارع ـ ببراءة ذمة من سلك طريقه المجعول الى احكامه لجعله للطريق هي ملازمة الزوجية للاربعة.

والى هذه اشار بقوله : «وان الواجب علينا اولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلّف» أي الشارع «بان يقطع» العبد «معه بحكمه» أي الشارع «بتفريغ ذمتنا عمّا كلّفنا به وسقوط تكليفنا عنا» وذلك يكون بإتياننا مؤدّى ما علمنا انه طريق شرعي قد جعله الشارع طريقا لاحكامه «سواء حصل» لنا «العلم معه» أي مع الاتيان بمؤدّاه بإتياننا «الواقع اولا حسبما مرّ تفصيل القول فيه» لما عرفت من الملازمة بين جعل الطريق وحكم الشارع بفراغ ذمة من سلكه.

الثالثة : انه ان قلنا بالانفتاح ومعرفة الطرق المجعولة ، فحينئذ يصح لنا العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع لإتياننا بمؤدى الطرق المجعولة ، ويجب علينا تحصيل هذا الفراغ لذمتنا المشغولة بالاحكام وبه تحصل البراءة قطعا عمّا كلفنا به من الاحكام ، وان انسد علينا سبيل العلم بمعرفة الطرق الشرعية المجعولة كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكم الشارع ، لانه بعد عدم امكان تحصيل اليقين بفراغ الذمة وعدم وجوب الاحتياط بل حرمته في بعض الاحيان فلا بد من التنزل من تحصيل اليقين بالفراغ الى الظن بالفراغ ، وذلك يكون باتيان مؤدّى ما ظننا انه هو الطريق المجعول فيتعيّن الاخذ به ، وتكون نتيجة الانسداد هي حجة الظن بالطريق دون الظن بالواقع ، لانه باتيان ما ظننا انه هو الواقع من دون ان يكون مؤدى طريق مظنون الاعتبار لا يحصل لنا الظن ببراءة الذمة بحكم الشارع.

والى هذه المقدمة الثالثة اشار بقوله : «فحينئذ نقول ان صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا ... الى آخر كلامه زيد في علو مقامه».

والى ما ذكرناه اخيرا من عدم الفائدة باتيان ما يحصل الظن منه باتيان الواقع اشار بقوله : «دون ما يحصل معه الظن باداء الواقع كما يدعيه القائل باصالة حجية

١٥٦

وفيه أولا : إن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالاطاعة والامتثال إنما هو العقل ، وليس للشارع في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل ، ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشادا إليه ، وقد عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو مفرغ ، وأن القطع به حقيقة أو تعبدا مؤمن جزما ، وأن المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا حال الانفتاح ، فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمنا حال الانسداد (١).

______________________________________________________

الظن» في الانسداد مطلقا سواء باتيان مؤدى الطريق المظنون او باتيان ما ظن انه هو الواقع.

(١) هذا هو الجواب الاول عن دعوى شيخ المحققين من اختصاص نتيجة الانسداد بحجية الظن بالطريق دون الاعم منه ومن الظن بالواقع ، وهو المناقشة في المقدمة الثانية ، وانه يجب علينا تحصيل الفراغ لذمتنا بحكم المكلّف أي الشارع.

وحاصله : انه ليس للشارع حكم بتفريغ الذمة ، وان الحاكم بتفريغ الذمة مطلقا هو العقل كما انه هو الحاكم بشغل الذمة ، ولا يعقل ان يكون للشارع حكم مولوي بما هو مولى وشارع في مقام براءة ذمة العبد باطاعته لما أمره به ونهاه عنه ، لما حقق في مقامه من ان حكم الشارع في باب الاطاعة والعصيان ارشادي لا مولوي ، ولو كانت اوامر الاطاعة مولوية لادّى ذلك الى التسلسل او الى الترجيح من دون مرجح ، لوضوح ان اوامر الاطاعة لو كانت مولوية لكانت بما هي صادرة من المولى تحتاج الى اطاعة أيضا وهلم جرا ... فيجيء التسلسل ، او نقول بان احدها بخصوصه مولوي والباقي ارشادي فيلزم الترجيح من دون مرجح.

فاتضح انه ليس للشارع بما هو شارع حكم ببراءة الذمة ، بل هو من احكام العقل المنتزعة باتيان ما امر المولى باتيانه ، والى هذا اشار بقوله : «وليس للشارع في هذا الباب» أي في باب تفريغ الذمة والحكم باتيان ما شغلت الذمة به «حكم مولوي» من الشارع بما هو مولى وشارع ومكلّف للعبد باحكامه بحيث يكون «يتبعه

١٥٧

وثانيا : سلمنا ذلك ، لكن حكمه بتفريغ الذمة ـ فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ـ ليس إلا بدعوى أن النصب يستلزمه ، مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى ، كما لا يخفى ، فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا (١).

______________________________________________________

حكم العقل» بتفريغ الذمة «ولو حكم» الشارع في هذا الباب بتفريغ الذمة «كان يتبع حكمه» أي كان حكمه يتبع حكم العقل وكان «ارشادا» منه «اليه» أي الى حكم العقل.

ثم اشار المصنف الى ما مرّ منه من البرهان على عموم النتيجة في باب الانسداد لما يشمل الظن بالواقع والظن بالطريق ، بعد كون العقل هو الحاكم المستقل في هذا الباب ، وانه يرى ان الحال في الانسداد على طبق الحال في الانفتاح ، فكما في الانفتاح يكون القطع بالاتيان بالواقع حقيقة او تعبدا مبرئا للذمة كذلك الحال في الانسداد ، ولازمه كون الظن باتيان الواقع مبرئا للذمة في الانسداد ، كما ان الظن بالاتيان بمؤدى الطريق المظنون اعتباره ايضا مبرئ للذمة ، غاية الامر انه تعبد لا حقيقة ، وذلك بقوله : «وان المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح ... الى آخر الجملة».

(١) هذا هو الجواب الثاني ، وحاصله : انه سلّمنا ان الحاكم ببراءة الذمة وفراغها هو الشارع المكلّف دون العقل مستقلا ، وان السبب في حكم الشارع ببراءة ذمة من سلك الطريق الذي جعله طريقا لاحكامه ليس هو إلّا ان لازم نصب الطريق ذلك ، لان اتيان العبد بمؤدى الطريق المجعول هو كل ما يستطيعه العبد في مقام امتثاله للحكم الواقعي المنجز عليه ، وبهذا المناط نقول انه لا بد من حكم الشارع ايضا ببراءة ذمة من اتى بالواقع ايضا ، لانه كل ما يستطيعه العبد في الاتيان بالحكم الواقعي المنجز عليه.

والى هذا اشار بقوله : «مع ان دعوى ان التكليف بالواقع» الفعلي المنجز «يستلزم» ايضا «حكمه» أي حكم الشارع بالتفريغ للذمة ايضا «فيما اذا اتى»

١٥٨

إن قلت : كيف يستلزمه الظن بالواقع؟ مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه ، كما إذا كان من القياس ، وهذا بخلاف الظن بالطريق ، فإنه يستلزمه ولو كان من القياس (١).

______________________________________________________

العبد «به» أي بالواقع ، بل حكم الشارع بتفريغ الذمة في مقام الاتيان بالواقع «اولى» لان المفروض في كلامه (قدس‌سره) كون الغاية من الطرق المجعولة هي المحافظة على الواقع ولاجل الاتيان بالواقع ، ولازم ذلك كون الاتيان بالواقع أولى في حكم الشارع بتفريغ ذمة العبد من إتيانه بمؤدّى الطريق ، لان المفروض انه اتيان للواقع التي كان غاية جعل الطريق هو الايصال اليه ، ولما كان المفروض الانسداد وان المدار على الظن بفراغ الذمة «فيكون» النتيجة «ان الظن به» أي بالواقع «ظنا بالحكم» من الشارع «بالتفريغ ايضا».

(١) حاصله : ايجاد الفرق بين الظن بالواقع والظن بالطريق ، وان الظن بالواقع لا يستلزم حكم الشارع بالفراغ ، بخلاف الظن بالطريق فانه ملازم لحكم الشارع بالفراغ ، فكيف يكون الظن بالواقع اولى في الحكم بالمفروغية من الظن بالطريق.

وحاصل هذا الفرق هو : ان الظن بالواقع ربما يكون حاصلا من القياس ، ومن الواضح ان لازم نهي الشارع عن العمل بالقياس هو عدم حكمه بمفروغية الذمة في اتباع القياس بما يؤدّي اليه من الحكم الواقعي ، ولا يشمل النهي عن القياس للقياس المؤدّى الى حجية طريق ، لان المفروض اداؤه الى حجية طريق شرعي ، لا ان الظن القياسي هو طريق شرعي ، وفرق واضح بين كون الظن القياسي طريقا الى حكم شرعي وبين كونه قائما على حجية طريق شرعي ، ومن الواضح ايضا ان النهي عن القياس لو كان شاملا للظن بالطريق لما حصل من القياس ظن بحجية طريق شرعي.

فاتضح ان ادلة النهي عن القياس لا تشمل القياس المؤدّي الى حجية طريق شرعي ، ومع عدم شمول ادلة النهي لذلك يكون فرق بين الظن القياسي المتعلق بحجية طريق ، وبين الظن القياسي المتعلق بحكم شرعي ، ويكون الظن المتعلق بحجية

١٥٩

قلت : الظن بالواقع أيضا يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ ، ولا ينافي القطع بعدم حجيته لدى الشارع ، وعدم كون المكلف معذورا ـ إذا عمل به فيهما ـ فيما أخطأ ، بل كان مستحقا للعقاب ـ ولو فيما أصاب ـ لو بنى على حجيته والاقتصار عليه لتجرّيه ، فافهم (١).

______________________________________________________

طريق شرعي مستلزما لحكم الشارع بفراغ الذمة ، دون الظن القياسي المتعلق بحكم شرعي فانه يكون مشمولا لادلة النهي عن القياس ، التي قد عرفت ان لازمها عدم حكم الشارع بمفروغية الذمة في الاكتفاء بالحكم الشرعي الحاصل من القياس ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ان قلت كيف يستلزم الظن بالواقع» الظن بحكم الشارع بالمفروغية «مع انه» أي المكلف «ربما يقطع بعدم حكمه» أي بعدم حكم الشارع «به» أي بالفراغ «معه» أي مع الاتيان بالحكم المظنون انه حكم واقعي «كما اذا كان» الظن بالحكم الواقعي حاصلا «من القياس وهذا بخلاف الظن بالطريق» الذي أدّى الى طريقيّة القياس «فانه يستلزمه» أي يستلزم حكم الشارع بالفراغ «ولو كان» الظن بحجية الطريق كان حاصلا «من القياس».

(١) حاصل الجواب : ان الظن بالواقع الحاصل من القياس ايضا يستلزم الظن بحكم الشارع بمفرغية الذمة ، لان النهي عن الظن القياسي ظاهر في كونه نهيا طريقيا عن القياس ، لعلم الشارع بخطإ القياس غالبا ، لا لموضوعية في القياس موجبة لمفسدة في متعلق الظن الحاصل من القياس ، وعلى هذا فاذا حصل ظن بالواقع من القياس فلازمه الظن بكون القياس في هذه الحالة غير مظنون الخطأ ، بل مظنون الاصابة ، ولازمه الظن بفراغ الذمة في هذه الحالة في حكم الشارع ، لفرض كونه ظنا بالمفرّغية في حال الانسداد.

فلا فرق بين الظن القياسي المتعلق بحكم واقعي او بحجية طريق شرعي في كون كلّ منهما في حال الانسداد مستلزما للظن بحكم الشارع بالمفرّغية.

١٦٠