بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد مرّ من المصنف القول بانه كلما دار الامر بين تخصيص العام بالخاص وبين نسخ العام للخاص فالتخصيص مقدم على النسخ ، وتكون النتيجة حجية السيرة ، ولو فرض عدم الترجيح للتخصيص فيتكافئان ، ولكن الاستصحاب في حجية السيرة قبل نزول الآيات الرادعة جار فنثبت حجيتها باستصحاب حجيتها قبل نزول الآيات.

ثم اورد هو (قدس‌سره) على نفسه بما حاصله : ان السيرة لما كانت مقيدة بعدم الردع فحجيتها دائما تكون مغياة بعدم ورود الردع ، ففي الزمان السابق على نزول الآيات تكون السيرة حجة ، واما في زمان نزول الآيات التي ظاهرها بحسب عمومها هو الردع فلا تكون حجة لانتهاء امد غايتها بنزول الرادع.

وبعبارة اخرى : انه ليس الامر من قبيل الدوران بين التخصيص والنسخ ، فان الدوران بينهما فيما اذا لم يكن احدهما مقيدا بعدم الآخر ، كظهور العام في معناه وظهور الخاص في معناه ، اما مقامنا فليس من هذا القبيل فان السيرة مقيدة بعدم الردع فيدور الامر بين التخصيص للعام وبين ارتفاع قيد السيرة ، وليس ارتفاع القيد من قبيل النسخ فليس المقام من قبيل الدوران بين التخصيص والنسخ.

ثم اجاب هو عن هذا الاشكال ، وتوضيحه : ان الغاية للسيرة لو كانت هي عنوان عدم الردع لكان الحال كما ذكر ، ولكن الشرط لحجتها هو الامضاء المستكشف بعدم الردع ، ولما كانت قبل نزول الآيات غير مردوعة فقد تحقق الامضاء المستكشف بعدم الردع عنها في الزمان السابق على نزول الآيات ، والامضاء غير مغيّا بعدم الردع فحجية السيرة غير مغياة بعدم الردع دائما بل هي غاية الى ان يستكشف الامضاء ، وبعد استكشافه تسقط غاية عدم الردع ، واذا لم يكن الامضاء مغيّا فظاهره الدوام والاستمرار ، فتكون حال السيرة في حجتها على خبر الثقة حال الدليل الابتدائي الدال على حجية خبر الثقة في ظهورها في الدوام والاستمرار الى ان يثبت ما يدل على انتهاء امد الامضاء.

٢١

فصل

في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد (١).

أحدها : إنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الاخبار من الائمة الاطهار عليهم‌السلام بمقدار واف بمعظم الفقه ، بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لانحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات الى العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الاخبار الصادرة المعلومة تفصيلا والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد سائر الامارات غير المعتبرة (٢).

______________________________________________________

وقد عرفت ان الآيات لا دلالة لها بالفعل على المنع عن الامضاء لدوريتها ، فتكون السيرة بحسب هذا الوجه حجة من دون مزاحم على الاخذ بخبر الثقة ومخصصة لعموم الآيات.

(١) قد ذكروا وجوها ثلاثة عقلية لحجية خبر الواحد ، وبالجملة ان القائلين بحجية خبر الواحد استدلوا لذلك بالكتاب وهي الآيات المتقدمة كآية النبأ وآية النفر ، وبالسنة وهي الاخبار التي مرّ التعرّض لها ، وبالاجماع وقد تقدم من المصنف بيانه ايضا بوجوه ثلاثة آخرها السيرة العقلائية ، وبالعقل وهو ايضا قد ذكر بطرق ثلاثة.

(٢) لا يخفى ان هذا الوجه الاول قد قرّره الشيخ الاعظم في رسائله على صورة غير هذه الصورة التي ذكرها المصنف ، وحاصل ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) مركب من مقدمات : الاولى : انا نعلم اجمالا بوجود احكام واقعية كثيرة في ضمن هذه الطرق من خبر الواحد والشهرة والاجماعات المنقولة.

الثانية : انا نعلم اجمالا ايضا بصدور اخبار كثيرة فيما بأيدينا من الاخبار ، وقد تضمنت احكاما واقعية.

الثالثة : ان تلك الاخبار قد تضمنت احكاما الزامية مخالفة للاصول النافية للتكليف.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابعة : ان تلك الاخبار مجردة عن القرائن الموجبة للظن بأقربيّة ما اقترنت به ، ولازم هذا العلم الاجمالي هو حجية ما بأيدينا من الاخبار ، لانه بعد العلم الاجمالي بوجود تكاليف واقعية في ضمن هذه الطرق فلا بد من كونها فعلية ، لوضوح ان مدلول هذه الطرق هي الاحكام الفعليّة ، وبعد حصول العلم الاجمالي يكون ما بأيدينا من الاخبار قد تضمنت احكاما واقعية فعليّة ، فلا بد من العمل بها ، لان العلم الاجمالي بتضمنها لاحكام واقعيّة يقتضي الاخذ بها جميعا ، لان كل واحد منها هو طرف للعمل الاجمالي بوجود التكاليف في ضمنها.

وقد ذكر الشيخ في الرسائل ما يدل على ان ما بأيدينا من الكتب الاربعة التي هي مجموع الاصول الاربعمائة وغيرها قد اشتملت على ما صدر من الائمة الاطهار عليهم‌السلام لبيان الاحكام الواقعية.

واما وجه المقدمة الثالثة ، فلان محض العلم بصدور هذه الاخبار عنهم عليهم‌السلام ما لم تكن متضمنة للعلم بتكاليف الزامية على خلاف ما تقتضيه الاصول النافية لا يكون علما يوجب الاخذ بالاخبار ، لان ما يوجب التنجز هو العلم بالحكم الالزامي دون العلم بالصدور ولو كان متضمنا لنفى التكليف.

واما وجه المقدمة الرابعة ، فلان الاخبار المقترنة بالقرينة توجب انحلال العلم وانحصار الاخذ بخصوص الاخبار المقترنة بالقرائن فلا تكون النتيجة الاخذ بالاخبار التي بأيدينا كلّها.

وقد اورد الشيخ (قدس‌سره) على هذا الوجه بهذا البيان الذي بينه بايرادات اربعة :

الاول : وتوضيحه ، ان العلم الاجمالي بصدور الاخبار المتضمنة لتكاليف فعلية لا يحل العلم الاجمالي الاول ، وهو علمنا بوجود تكاليف في ضمن الطرق التي منها الاجماعات المنقولة والشهرات ، لان العلم الاجمالي الاول بتكاليف فعلية في ضمن الطرق اوسع من العلم الاجمالي الثاني وهو كون الاخبار الصادرة في ضمن هذه

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاخبار متضمنة لتكاليف فعليّة ، واذا كان لنا علمان اجماليان كان ثانيهما اضيق دائرة من الاول لا يكون موجبا لانحلال الاول ، كما لو علمنا اجمالا بوجود غنم محرمة لكونها موطوءة ـ مثلا ـ في ضمن غنم بعضها سود وبعضها بيض ، ثم علمنا بوجود غنم محرمة لكونها مغصوبة مثلا في ضمن البيض ، إلّا انه كان علمنا الاجمالي بوجود غنم محرمة في ضمن البيض اقل من علمنا الاجمالي الاول ، وذلك بحيث لو عزلنا من الغنم البيض مقدارا بحيث ينحل علمنا الاجمالي الثاني بحرمة الغنم التي في البيض ، وضممنا بقية الغنم البيض الى الغنم السود كان علمنا الاجمالي الاول بوجود غنم محرمة في ضمن هذه الغنم التي هي مجموع بقية الغنم البيض والغنم السود موجودا فعلا ، فان العلم الاجمالي الثاني لا يحل العلم الاول وان احتملنا انطباق الغنم المغصوبة في علمنا الثاني على الغنم الموطوءة في علمنا الاول ، إلّا ان احتمال الانطباق لما كان مع عزل مقدار من الغنم البيض الذي به ينحل العلم الاجمالي الثاني بوجود الغنم المغصوبة في ضمن البيض يكون العلم الاجمالي الاول بوجود الغنم الموطوءة باقيا على الفرض في ضمن بقية الغنم البيض والسود ، فلا يكون العلم الاجمالي الثاني حالا للعلم الاول ، ويجب الاحتياط في جميع اطراف الغنم التي هي الغنم البيض والسود.

ومقامنا من هذا القبيل ، فان علمنا الاجمالي بوجود الاخبار الصادرة في ضمن ما بأيدينا من الاخبار لا يحل العلم الاجمالي بوجود تكاليف في ضمن الطرق التي منها الاجماعات المنقولة والشهرات ، ولذا لو عزلنا من الاخبار مقدارا ينحل به علمنا الاجمالي بوجود اخبار صادرة منهم عليهم‌السلام وضممنا بقية الاخبار الى الاجماعات المنقولة والشهرات لعلمنا ايضا بوجود تكاليف واقعية في ضمنها ايضا ، وعليه فيجب الاحتياط في الاخذ بالاجماعات والشهرات ايضا.

ومن الواضح ان الغرض من هذا الدليل العقلي هو الاخذ بخصوص الاخبار دون الاجماعات والشهرات.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : وتوضيحه ، انه حيث كان المفروض عدم حجية الخبر الواحد بجعل تعبّدي يخصه ، وانما يؤخذ به للعلم الاجمالي بوجود اخبار صادرة متضمنة لتكاليف واقعية فعلية ، فيكون الاخذ بالخبر انما هو لاجل ان هذه الاخبار متضمنة للتكاليف الواقعيّة.

ومن الواضح ان الخبر الواحد لا يوجب إلّا الظن بكون مؤداه هو الحكم الواقعي ، ولازم ذلك هو الاخذ بكل ما يوجب الظن بالحكم الواقعي اذا كان مؤداه موافقا لمضمون الخبر وان كان هو اجماعا او شهرة.

كما ان لازم كون الاخذ بالخبر الواحد لاجل كونه موجبا للظن بحكم الله هو الاخذ بالخبر الذي يظن بكون مضمونه حكم الله ، وان كان ذلك الخبر غير مظنون الصدور ، وترك الخبر المظنون الصدور اذا لم يحصل الظن بكون مضمونه هو حكم الله الواقعي.

والحاصل : ان لازم عدم حجية الخبر بالخصوص ، وانه من باب العلم الاجمالي بصدور اخبار منهم عليهم‌السلام هو الاخذ بكل خبر يظن بان مضمونه هو حكم الله ، لان العلم بصدور الاخبار لا لموضوعية الاخبار الصادرة بما هي اخبار صادرة ، بل لكون الاخبار الصادرة غالبا يكون صدورها لاجل بيان الحكم الواقعي ، فالمناط هو الاخذ بحكم الله ، فكل ما كان من الاخبار مضمونه مظنون كونه حكم الله الواقعي هو الذي يجب الاخذ به وان كان ضعيفا وموهوم الصدور ، ولا يجب الاخذ بمظنون الصدور اذا لم يكن مضمونه مما يظن بكونه حكم الله ويجب الاخذ بموهوم الصدور اذا كان مضمونه ما يظن بكونه حكم الله.

الثالث : وتوضيحه ، انه اذا كان الاخذ بالخبر للعلم الاجمالي بصدور اخبار متضمنة لحكم الله الواقعي ، فاللازم هو الاخذ بخصوص الخبر المثبت للتكليف ولا يجب الاخذ بالخبر النافي للتكليف ، والوجه فيه الاخذ بالخبر لكونه متضمنا لحكم الله ، فالملاك في الاخذ به هو تنجز الاحكام الواقعية ، والتنجز انما هو للأمر بطلب

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفعل او طلب تركه ، اما عدم التكليف فلا تنجز له ، فاذا لم يكن الخبر متضمنا لحكم الله بل كان نافيا للتكليف كان خارجا عن علمنا الاجمالي ، فان علمنا الاجمالي يرجع الى العلم بوجود احكام منجزة ، والحكم النافي للتكليف ناف للتنجز ايضا ، لما علمت ان المنجز هو التكليف لا عدم التكليف.

واما الرابع : فهو الذي اعترف المصنف بوروده ، وسيأتي بيانه بعد ذكر وجه المصنف ان شاء الله تعالى.

هذا حاصل وجه الشيخ وما اورده هو عليه (قدس‌سره) مع توضيح ذلك.

واما وجه المصنف في تقرير هذا الدليل العقلي الاول فهو مركب من مقدمات.

لا يخفى ان المقدمات الاربع المذكورة في وجه الشيخ لم يخالف المصنف الشيخ في ثلاث منها ، انما خالفه في واحدة وهي المقدمة الثانية ، ولذا ذكرنا المقدمة الاولى والثانية لانها بحسب تقرير المصنف يكون العلم الاجمالي فيها حالا للعلم الاجمالي في المقدمة الاولى ، ولذا لا يرد الايراد الاول الذي اورده الشيخ على هذا الوجه العقلي.

الاولى : هي المقدمة الاولى المذكورة في وجه الشيخ ، وهو العلم الاجمالي بتكاليف فعلية في ضمن الطرق من الاخبار والاجماعات والشهرات.

الثانية : وهي التي خالف بها الشيخ هو العلم الاجمالي بصدور كثير مما بأيدينا من الاخبار من الأئمة عليهم‌السلام المتضمنة للاحكام الواقعية ، وتلك الاخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام وافية بمعظم الفقه بحيث لو علمنا تفصيلا بتلك الاخبار الصادرة لا نحل علمنا الاجمالي بوجد تكاليف واقعية الى علم تفصيلي وشك بدوي.

وتوضيحه : ان العلم الاجمالي ، تارة ينحل الى علمين تفصيليين كما لو علمنا اجمالا بوجود عشرة من الغنم محرمة في ضمن غنم ثم علمنا تفصيلا بتلك العشرة ، فان هذا الانحلال لازمه هو العلم بالمحرّم بعينه من الغنم وهو العشرة وبالحلال بعينه من الغنم وهو الباقي من الغنم غير هذه العشرة.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي وشك بدوي ، كما لو علمنا بوجود غنم محرمة لا نعرف مقدارها على التحقيق ، ولكنا نعلم بانها لا تزيد على العشرين مثلا ، ونحتمل ان تكون اقل من ذلك ولكنها تزيد على العشرة ، فلو علمنا باثني عشر منها على التفصيل بانها محرمة فان علمنا الاجمالي ينحل الى علم تفصيلي بهذه الاثني عشر وشك بدوي في بقية الغنم.

ومقامنا من قبيل الثاني ، فان علمنا الاجمالي بوجود احكام في ضمن ما بأيدينا من الاخبار بحيث تكون وافية بمعظم الفقه ، يوجب انحلال علمنا الاجمالي الاول الى علم بان الاخذ بما بأيدينا من الاخبار يحصل به الاخذ بمقدار من الاحكام الواقعية كثيرة ، بحيث يوجب الشك في وجود احكام واقعية في غير هذا الاخبار من الطرق الاخرى كالإجماعات والشهرات.

ويدل على انحلال العلم الاجمالي الاول بالاحكام الواقعية في ضمن مطلق الطرق بهذا العلم الاجمالي الثاني ، وهو كون ما بأيدينا من الاخبار وافيا بمعظم الفقه ، أي انه موجود فيه معظم الاحكام الواقعية انه لو علمنا تفصيلا بالاحكام الواقعية الموجودة في ضمن ما بأيدينا من الاخبار لانحل العلم الاجمالي الاول الى علم تفصيلي بهذه الاحكام الواقعية وشك بدوي في وجود أحكام واقعية غير هذه الاحكام في ضمن الطرق الاخرى.

لا يقال : انا بالوجدان نرى انه مع الاخذ بالاخبار يحصل لنا علم اجمالي بوجود أحكام واقعية في ضمن الطرق الاخرى من الاجماعات والشهرات ، وانكار ذلك مكابرة.

فانا نقول : انه لا ننكر هذا العلم الاجمالي ولكنه محتمل الانطباق على الاحكام التي في ضمن الاخبار.

ودعوى ان هذا العلم الاجمالي معلوم عدم الانطباق بحيث انا نعلم ان هذه الاحكام الواقعية التي في ضمن الطرق الاخرى غير الاخبار هي غير الاحكام الواقعية

٢٧

ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الاخبار المثبتة ، وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له ، من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب ، (١) بناء على جريانه في أطراف ما

______________________________________________________

الموجودة في ضمن الاخبار ممنوعة ، بل دعواها مكابرة مع فرض ان ما بأيدينا من الاخبار واف بمعظم الفقه.

ومنه تبين انه لا يرد على هذا التقرير الايراد الاول الذي اورده الشيخ (قدس‌سره) على التقرير الاول.

والى ما ذكرنا اشار بقوله : «انه يعلم اجمالا بصدور كثير مما بايدينا من الاخبار من الأئمة الاطهار بمقدار واف بمعظم الفقه» أي انا نعلم بان اخبارنا عنهم عليهم‌السلام قد اشتملت على معظم الاحكام الواقعية «بحيث» يكون وجود احكام واقعية اخرى غير الاحكام الموجود في هذه الاخبار مشكوكا ، فينحل العلم الاجمالي الاول بالعلم الاجمالي الثاني ، ويدل على انحلاله به هو انه «لو علم تفصيلا ذاك المقدار» الموجود في ضمن هذه الاخبار من الاحكام الواقعية «لا نحل علمنا الاجمالي» الاول «بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات الى العلم التفصيلي بالتكاليف» الواقعية «في مضامين» هذه «الاخبار الصادرة المعلومة تفصيلا» انها صادرة ومتضمنة للاحكام الواقعية «والشك البدوي في ثبوت التكليف» الواقعي «في مورد سائر الامارات غير المعتبرة» كالاجماعات والشهرات ، ومراده من الشك البدوي في ثبوتها في هذه الموارد غير الاخبار ، هو الشك في ثبوتها بما انها غير منطبقة على ما هو موجود في الاخبار.

(١) يشير بهذا الى عدم ورود الايراد الثالث للشيخ لا على التقرير الاول ولا على التقرير الثاني ، وان اثر العلم الاجمالي ليس هو خصوص الاخبار المثبتة للتكاليف دون الاخبار النافية ، فان السبب في الاخذ بما بأيدينا من الاخبار هو العلم الاجمالي بصدور الاخبار في ضمنها ، ولا ريب انه لو علمنا بالخبر الصادر عنهم تفصيلا يجب

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل على طبقه اذا تضمن اثبات التكليف وجواز العمل على طبق الخبر النافي للتكاليف ، والمراد من جواز العمل على طبق الخبر النافي للتكليف هو عدم لزوم الاحتياط في مورده فيما اذا احتملنا وجوبا او حرمة ، وهذا هو المراد لمن اقام الدليل العقلي على الاخذ بما بأيدينا من الاخبار ، ولم يرد منه وجوب العمل على طبق جميعها باتيان ما اثبتته من التكاليف ونفي ما نفته من التكاليف حتى يرد عليهم بان لازم هذا الدليل هو الاخذ بالخبر المثبت للتكليف دون الخبر النافي ، لوضوح انهم لا يريدون من العمل على طبق الخبر النافي لزوم نفي التكليف به.

وعلى كل فحال العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة حال العلم التفصيلي بصدورها.

نعم هناك فرق بين العلم التفصيلي بالصادر النافي والعلم الاجمالي به ، في انه مع العلم التفصيلي بصدور الخبر النافي لا يؤخذ في مورده بأصل مثبت للتكليف كقاعدة الاشتغال او الاستصحاب ، وفي العلم الاجمالي لا بد من الاخذ بالاصل المثبت للتكليف من قاعدة الاشتغال او الاستصحاب في مورد الخبر النافي ، وانما يجوز العمل على طبق الخبر النافي حيث لا يكون في مورده اصل مثبت للتكليف.

والوجه في هذا الفرق هو انه مع العلم التفصيلي بصدور الخبر النافي يعلم بعدم التكليف تعبدا ، ومورد ثبوت التكليف بالاصل او القاعدة هو مقام الشك في التكليف لا العلم بعدم التكليف تعبدا ، وفي مقام العلم الاجمالي بصدور اخبار فيما بأيدينا من الاخبار لا يحصل علم تعبدا بعدم التكليف في مورد الخبر النافي ، لان المفروض في العلم الاجمالي هو ان فيها ما هو صادر لا أن جميعها صادرة ، وإلّا لكان علما تفصيليا ، فهو مورد الشك في التكليف فيكون الاصل او القاعدة مثبتا للتكليف.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «ولازم ذلك» أي ولازم العلم الاجمالي بصدور الاخبار الكثيرة فيما بأيدينا من الاخبار هو «لزوم العمل على وفق جميع

٢٩

علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها ، أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه ، وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق النافي بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال (١).

______________________________________________________

الاخبار المثبتة» للتكليف «وجواز العمل على طبق النافي منها» للتكليف ، لا كما يظهر من الشيخ من وجوب العمل على طبق المثبت للتكليف والغاء الخبر النافي بالمرة.

واشار الى اشتراط جواز العمل على طبق النافي بعدم وجود قاعدة او اصل في مورده بقوله : «فيما اذا لم يكن في» مورده «اصل مثبت له» أي للتكليف «من قاعدة الاشتغال او الاستصحاب».

(١) لما كان لا خلاف في جريان قاعدة الاشتغال للتكليف في اطراف العلم الاجمالي ولا تسقط الا بالتعارض ، ومع عدم التعارض فلا اشكال في جريانها مع العلم الاجمالي واثبات التكليف بها.

واما الاستصحاب فحيث قد مر منه ويأتي في بابه التعرض له ان جريان الاستصحاب في مورد العلم الاجمالي محل خلاف ، وقد مرت الاشارة الى ان الشيخ (قدس‌سره) يظهر منه عدم جريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي سواء أتعارض ام لم يتعارض ـ فأراد المصنف ان يشير الى ان الاستصحاب انما يكون مثبتا للتكليف في مورد الخبر النافي حيث نقول بجريانه في اطراف العلم الاجمالي ، واما اذا قلنا بعدم جريانه في اطراف العلم الاجمالي فلا يكون الاستصحاب مثبتا للتكليف في مورد الخبر النافي ، ويجوز حينئذ العمل على طبق الخبر النافي ، ويختص عدم جواز العمل على طبق الخبر النافي بخصوص قاعدة الاشتغال لعدم الخلاف في جريانها في اطراف العلم الاجمالي ، ولذا قال (قدس‌سره) : «او الاستصحاب» أي ان الاستصحاب انما يكون مثبتا للتكليف في مورد الخبر النافي كقاعدة الاشتغال «بناء على جريانه في اطراف ما علم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها» كما لو صلينا ـ مثلا ـ الى اربع جهات في مقام الجهل بالقبلة ، وعلمنا بعد خروج الوقت

٣٠

وفيه : إنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر ، بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره ، من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم (١) ، وإن

______________________________________________________

بفساد احدى الصلوات ، «او» كان الفساد في بعض الصلوات ل «قيام امارة معتبرة على انتقاضها» أي على انتقاض الحالة السابقة «فيه» أي في بعض ما علم اجمالا به ، كما لو قامت البينة على فساد بعض الصلوات ، فان الاستصحاب انما يجري في اثبات القضاء لصلوات عما في الذمة ، ولا يؤخذ بالخبر النافي للتكليف ، وهو قوله اذا خرج الوقت فقد دخل حائل حيث نقول بجريان الاستصحاب في اطراف العلم الاجمالي «وإلّا» أي وان لم نقل بجريانه في اطراف العلم الاجمالي «لاختص عدم جواز العمل على وفق» الخبر «النافي بما اذا كان» الخبر النافي «على خلاف قاعدة الاشتغال» فقط دون الاستصحاب.

وقد ظهر مما ذكره المصنف ان الايراد الاول لا يرد على التقرير الثاني ، والايراد الثالث لا يرد مطلقا ، ولم يتعرض المصنف للايراد الثاني.

(١) لما كان ايراد الشيخ الرابع واردا على التقريرين والمصنف معترف بوروده حتى على التقرير الثاني ـ اشار الى وروده على هذا التقرير.

وحاصله : انه لما كان الاخذ بما بأيدينا من الاخبار من باب العلم الاجمالي بصدور بعضها لا لحجية الخبر تعبدا ، فلا يمكن الاخذ بالخبر الواحد على تخصص به عموما او تقيد به اطلاقا ، لان رفع اليد عن عموم العام واطلاق المطلق انما هو لقيام حجة اقوى من حجية العام في عمومه والمطلق في اطلاقه.

ومن الواضح ان الاخذ بالخبر للعلم الاجمالي ليس لازمه حجية الخبر تعبدا حتى يكون الاخذ به من تقديم اقوى الحجتين ، فالخبر المخصص لعموم او المقيد لاطلاق لا يكون حجة اقوى من عموم العام واطلاق المطلق ، فلا يكون نتيجته الاخذ بالخبر للعلم الاجمالي كما هو المطلوب في حجة الخبر من تخصيص العام به وتقييد المطلق به ، وكما لا يخصص به عموم ولا يقيد به اطلاق كذلك لا يترجح ظهور الخبر

٣١

كان يسلم عما أورد عليه من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات ، لا في خصوص الروايات ، لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينهما بما علم بين الاخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا (١).

ثانيها : ما ذكره في الوافية ، مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة ، كالكتب الاربعة ، مع عمل جمع به من غير رد ظاهر ، وهو إنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ، سيما بالاصول الضرورية ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها ، مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر غير القطعي ،

______________________________________________________

المنطوقي على ظهور مفهوم ينافيه ، فان ترجيح المنطوق على المفهوم انما هو لظهور الخبر الذي كان حجة تعبدا لا للعلم الاجمالي ، وقد اشار الى ذلك بقوله : «انه لا يكاد ينهض ... الى آخر الجملة».

وقوله : «من عموم او اطلاق او مثل مفهوم» العموم له التخصيص والاطلاق له التقييد والمفهوم له الترجيح.

(١) هذا اشارة الى عدم ورود الايراد الاول على التقرير الثاني بعد العلم الاجمالي بكون الصادر فيما بايدينا من الاخبار وافيا بمعظم الفقه ، فانه به ينحل العلم الاجمالي الذي اطرافه الاخبار وساير الطرق من الاجماعات والشهرات كما مر تفصيله ، ولذا قال : «لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينهما» أي انحلال العلم بوجود احكام واقعية بين الاخبار وغيرها من الطرق بواسطة العلم الاجمالي الثاني بوجود احكام واقعية كثيرة في ضمن هذه الاخبار ، وهي الاخبار الصادرة الوافية بمعظم الفقه ، فالعلم الاجمالي الاول منحل «بما علم بين الاخبار بالخصوص» من الاحكام الكثيرة «ولو» كان العلم «ب» نحو «الاجمال».

٣٢

بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ، ومن أنكر فإنما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الدليل العقلي الثاني وقد استدل به صاحب الوافية على حجية الكتب الاربعة ، وهو مركب من مقدمتين :

الاولى : ان الكتاب الكريم والسنة القطعية قد دلا على تكاليف لا يختص بها الموجودون في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ، فنحن نقطع بان هذه التكاليف نحن مخاطبون بها فعلا وهي باقية الى زماننا كمثل الصلاة والصوم والحج والزكاة والبيع والنكاح وساير ابواب الفقه.

الثانية : انا نعلم ايضا ان هذه الماهيات مركبة من اجزاء وشرائط بحيث لو اقتصرنا على تفصيل اجزائها وشرائطها على السنة المتواترة القطعية والاجماعات المحصلة لخرجت تلك الامور عن حقائقها ، ونقطع ايضا بان ما بأيدينا من الكتب الاربعة قد تضمنت الاجزاء والشرائط لهذه الامور بحيث لا تخرج هذه الامور عن حقائقها فجيب العمل بالكتب الاربعة.

وملخص هذه الدليل هو انه بعد العلم بالخطاب المنجز بالامور التي ذكرها ، والعلم الاجمالي بان الكتب الاربعة قد اشتملت على حقائق اجزاء هذه الامور وشرائطها فيكون اللازم من هذين العلمين لزوم الاخذ بالكتب الاربعة ، لانحصار امتثال هذه الخطابات المعلومة بالضرورة في الاخذ باخبار هذه الكتب الاربعة.

والفرق بين هذا الدليل والدليل السابق ان متعلق العلم الاجمالي في هذا الدليل معلوم بعنوانه وهو الصلاة والصوم وأمثالهما ، ولكنه غير معلوم بالتفصيل من ناحية الاجزاء والشرائط ، وفي هذا الدليل السابق متعلق العلم غير معلوم حتى بعنوانه.

وايضا الفرق بينهما هو دعوى اشتمال خصوص الكتب الاربعة على الاخبار الصادرة المشتملة على الاجزاء والشرائط الواقعية في هذا الدليل الثاني ، وفي الاول اشتمال الاخبار التي بأيدينا على تفصيل التكاليف اعم من الكتب الاربعة وغيرها.

٣٣

وأورد عليه : أولا : بأن العلم الاجمالي حاصل بوجود الاجزاء والشرائط بين جميع الاخبار ، لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره ، فاللازم حينئذ : إما الاحتياط ، أو العمل بكل ما دل على جزئية شيء أو شرطيته (١).

______________________________________________________

وقد اشار المصنف الى المقدمة الاولى من هذا الدليل بقوله : «انا نقطع ببقاء التكليف ... الى آخر الجملة» ، والى المقدمة الثانية بقوله : «مع ان جل اجزائها ... الى آخر الجملة».

(١) المورد هو الشيخ الاعظم في رسائله ، وتوضيح الايراد الاول على هذا الدليل العقلي الثاني : هو ان العلم الاجمالي بوجود الاجزاء والشرائط لهذه الامور لا يختص بخصوص الكتب الاربعة بل هو موجود في الاخبار اعم من الموجود في الكتب الاربعة وغيرها ، فاللازم الاخذ بجميع ما بأيدينا من الاخبار لا خصوص الكتب الاربعة.

ولا يخفى ان الاخذ بالاخبار انما يكون بعد عدم امكان العلم بالاحتياط والاخذ بكل ما احتملنا جزئيته او شرطيته لهذه الامور ، لان اللازم بعد العلم يتنجز الخطاب بهذه الامور ، والعلم بانها مركبة من اجزاء وشرائط هو الاحتياط والاتيان بكل ما احتمل جزئيته او شرطيته ، ولكنه حيث ان العلم باشتمال هذه الاخبار على ما هو واف بمعظم الأجزاء والشرائط لذا ينحل العلم الاجمالي بالتكليف باتيان اجزاء وشرائط هذه الامور بالاخذ بما بأيدينا من الاخبار او ساير الطرق مما يدل على جزئية شيء او شرطيته لهذه الامور ، فلذا لا يجب علينا العلم بالاحتياط ، ونكون بالخيار بين العمل بالاحتياط وبين العمل بكل ما يدل على جزئية شيء أو شرطيته.

نعم اذا لم يمكن الاحتياط فحينئذ ينحصر الامر في الاخذ بكل ما يدل على جزئية شيء او شرطيته.

٣٤

قلت : يمكن أن يقال : إن العلم الاجمالي وإن كان حاصلا بين جميع الاخبار ، إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام بقدر الكفاية بين تلك الطائفة ، أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها ، يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي ، وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم ، كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول (١).

______________________________________________________

وعلى كل فلا تكون نتيجة هذا الدليل هو خصوص الاخذ بالكتب الاربعة ، وقد اشار الى هذا بقوله : «لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره» وهي كونها خصوص الموجودة في الكتب الاربعة.

واشار الى ان لازم العلم بتنجز هذه الامور هو الاحتياط أو العمل بكل ما اثبت جزئيته او شرطيته لا خصوص الكتب الاربعة بقوله : «فاللازم حينئذ اما الاحتياط أو العمل ... الى آخر كلامه».

(١) حاصله الايراد على ما اورده الشيخ ، وهو ان الاختصاص بخصوص الكتب الاربعة انما هو لانحلال العلم الاجمالي بالاجزاء والشرائط بالعلم بان ما في الكتب الاربعة من الاخبار الصادرة المشتملة على الاجزاء والشرائط وافية بمعظم اجزاء وشرائط هذه الامور ، وذلك موجب لانحلال العلم الاجمالي الاول بحيث يكون الشك في وجود اجزاء وشرائط في غيرها شكا بدويا ، وحاصله يرجع الى ما في تقرير الدليل العقلي الاول بالنحو الثاني لا بالنحو الذي ذكره الشيخ (قدس‌سره).

والى هذا اشار بقوله : «ان العلم الاجمالي» الاول «وان كان حاصلا بين جميع الاخبار» بل بين جميع الطرق «إلّا ان العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام بقدر الكفاية» لتفصيل الاجزاء والشرائط «بين تلك الطائفة» وهي الموجودة في خصوص الكتب الاربعة ، او نقول باشتمال الكتب الاربعة على ما هو مقطوع الاعتبار ان لم يكن مقطوع الصدور ، بحيث يكون مقطوع الاعتبار الموجود فيها وافيا بما فيه الكفاية للاجزاء والشرائط ، والى هذا اشار بقوله : «او العلم

٣٥

اللهم إلا أن يمنع عن ذلك ، وادعي عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره ، أو ادعي العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها (١) ،

______________________________________________________

باعتبار الطائفة كذلك» أي العلم بان مقطوع الاعتبار الموجود في الكتب الاربعة هو ايضا واف بما فيه الكفاية للاجزاء والشرائط «بينها» أي بين جميع الاخبار التي بايدينا هو الذي «يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي» وهو العلم الاجمالي الاول بوجود الشرائط والاجزاء في جميع ما بأيدينا من الاخبار ، اما الى العلم الاجمالي بوجود الاجزاء والشرائط بقدر فيه الكفاية وهي الاخبار الصادرة في ضمن الكتب الاربعة ، او الى العلم التفصيلي بالاجزاء والشرائط الموجودة في الكتب الاربعة اذا قلنا بان في الكتب الاربعة ما هو مقطوع الاعتبار ، وبذلك ينحل العلم الاجمالي الاول الى لزوم الاخذ بخصوص الطائفة الموجود في الكتب الاربعة «وصيرورة غيره» أي غير الموجود في الكتب الاربعة من الاخبار «خارجا عن طرف العلم» الاجمالي بعد هذا الانحلال.

ثم اشار الى ان الحال في المقام هو الحال في تقرير الدليل العقلي الاول بالنحو الذي ذكره المصنف بقوله : «كما مرت اليه الاشارة ... الى آخر الجملة».

(١) حاصله : ان هذا الايراد الاول من الشيخ على صاحب الوافية انما يتم بدعوى احد امرين وهما :

ـ اما دعوى العلم بان ما في الكتب الاربعة غير واف بقدر فيه الكفاية للاجزاء والشرائط ، وحاصله دعوى العلم بوجود اجزاء وشرائط في غير ما هو موجود في الكتب الاربعة فلا ينحل العلم الاجمالي الاول ، ويكون لازمه الاخذ بجميع ما بأيدينا من الاخبار لا خصوص الكتب الاربعة ، لان ما في الكتب الاربعة سواء قلنا بان فيها ما هو مقطوع الصدور او مقطوع الاعتبار غير واف بما فيه الكفاية للاجزاء والشرائط.

٣٦

فتأمل (١).

وثانيا : بأن قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية ، دون الاخبار النافية لهما (٢).

______________________________________________________

ـ واما دعوى انا نعلم بان في غير الكتب الاربعة ما هو مقطوع الصدور ايضا فلا يكون العلم بوجود الصادر في ضمن الكتب الاربعة موجبا لانحلال العلم الاول للعلم بوجود الصادر في غيره ايضا.

وقد اشار الى الدعوى الاولى بقوله : «وادعى عدم الكفاية» للوفاء بالاجزاء والشرائط «فيما علم بصدوره او» علم «اعتباره من تلك الطائفة» وهي الموجود في الكتب الاربعة.

والى الثانية اشار بقوله : «او ادعى العلم بصدور اخبار أخر بين غيرها» أي غير تلك الطائفة.

(١) يمكن ان يكون اشارة الى منع كلا الدعويين.

(٢) هذا هو الاشكال الثالث الذي مر التعرض له في اشكالات الشيخ على الدليل العقلي الاول بتقريره الاول ، وقد مر من المصنف الاشكال عليه.

وحاصل الاشكال : ان العلم الاجمالي بالاخبار الصادرة المتضمنة للاجزاء والشرائط الواقعية لازمه العمل بخصوص الخبر المثبت للاجزاء والشرائط دون الخبر النافي للجزئية والشرطية ، وقد مر من المصنف ان لازم العلم الاجمالي بوجود الصادر هو العمل على طبق المثبت للاجزاء والشرائط ، وجواز العمل على طبق النافي ما لم يكن هناك قاعدة او اصل مثبت للتكليف ، ولذا لم يتعرض له هنا ، ولعل عدم التعرض له لان العلم الاجمالي بوجود الصادر من الاخبار وان كان يقتضي العمل بالخبر المثبت للتكليف لكنه لا تثبت به حجية الخبر المطلوب ثبوتها له ، من تخصيص العام به وتقييد المطلق والترجيح لمنطوقه على مثل المفهوم المعارض له كما

٣٧

والاولى أن يورد عليه : بأن قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما ، من عموم دليل أو إطلاقه ، لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منهما ، أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

اورد المصنف به على التقرير الاول والثاني للدليل العقلي الاول ، وذكره هنا موردا به على هذا الدليل العقلي الثاني.

واما في النافي فهو وان كان يجوز العمل على طبقه لكنه فيما لم يكن هناك اصل او قاعدة مثبتة للتكليف ، وهذا ايضا لا يريده القائل بحجية الخبر ، فان المراد من حجية الخبر المطلوب ثبوتها له هو تقديم الخبر النافي على الاصل والقاعدة المثبتين للتكليف.

(١) حاصله ما عرفت ـ الآن ـ من ان اثبات حجية الخبر بواسطة هذا العلم الاجمالي لا تؤدي الى حجية الخبر المطوب ثبوتها له من تقييد الاطلاق به وتخصيص العموم به والترجيح لمنطوقه على مثل المفهوم المعارض له ، لما عرفت من انه لا يرفع اليد عن الاطلاق والعموم والظهور المفهومي الثابتات بالخبر المتواتر ـ مثلا ـ إلّا بحجة اقوى ، والعلم الاجمالي بوجود الصادر في ضمن ما بأيدينا من الاخبار أو في الكتب الاربعة كما يريده صاحب الوافية لا يجعل الخبر المقيد أو المخصص او المعارض للمفهوم حجة اقوى من عموم العام واطلاق المطلق وظهور المفهوم بعد عدم معرفة الصادر بعينه ، كما ان حجية الخبر النافي المطلوب فيها تقديمها على الاصل والقاعدة المثبتين للتكليف لا جواز العمل به ما لم يكن هناك قاعدة او اصل يثبت التكليف بهما.

والى الاول اشار بقوله : «بان قضيته» أي ان قضية الخبر بواسطة هذا العلم الاجمالي لا تثبت حجية الخبر كما هو المطوب بل «انما» تقتضيه «هو الاحتياط» في الاخذ «بالاخبار المثبتة» للجزئية والشرطية «فيما لم تقم حجة معتبرة» بتواتر ونحوه «على نفيهما» أي على نفي الجزئية والشرطية «من عموم دليل او اطلاقه»

٣٨

ثالثها : ما أفاده بعض المحققين بما ملخصه : إنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، فإن تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه ، فلا بد من الرجوع إليهما كذلك ، وإلا فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف ، فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار ، فلا بد من التنزل إلى الظن بأحدهما (١).

______________________________________________________

و «لا» يثبت بواسطة هذا العلم الاجمالي «الحجية» للخبر «بحيث يخصص او يقيد بالمثبت منها» أي من هذه الاخبار ، وليس هذا المقدار هو الحجية المطلوب ثبوتها للخبر المثبت للجزئية او الشرطية.

واشار الى الثاني بقوله : «او يعمل بالنافي» أي لا يثبت بواسطة العلم الاجمالي الحجية للخبر النافي بحيث يعمل به «في قبال حجة على الثبوت ولو كان اصلا» بل يتقدم على الخبر النافي كل حجة معتبرة ولو كانت اصلا او قاعدة ، فلا ينفع اثبات الحجية للخبر بهذا العلم الاجمالي «كما لا يخفى».

(١) لا يخفى ان هذا هو الدليل العقلي الثالث لحجية الخبر ، وهو للشيخ محمد تقي صاحب حاشية المعالم (قدس‌سره) ذكره في تعليقاته على المعالم ، وهو طويل قد نقل اكثره الشيخ الآشتياني (قدس‌سره) في حاشيته على رسائل الشيخ الاعظم (قدس‌سره) ، وهو على طوله واكثاره فيه من النقض والابرام بان قلت لكنه مشتبه المراد ، فقد فهم منه الشيخ الاعظم شيئا غير ما فهمه المصنف منه.

وعلى كل فقد لخصه المصنف على ما استفاده من كلامه في ان مرجعه الى مقدمتين :

الاولى : نعلم باننا يجب علينا الرجوع الى الكتاب والسنة ، ومراده من السنة هو السنة المحكية بالخبر الحاكي دون السنة الواقعية التي هي قول المعصوم او فعله او تقريره ، لوضوح ان الرجوع اليها انما يمكن التكليف به لأهل زمان الحضور ، اما في

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

زمان الغيبة فلا يعقل ، فلا بد وان يكون المراد بالتكليف بالرجوع اليها هو الرجوع الى الحاكي عنها ، والاخبار المتواترة فيها وان كان تقيد العلم بها إلّا انه في الحقيقة يفيد العلم بان المحكي به هو مطابق للواقع من السنة ، وبهذا المعنى قالوا ان الخبر المتواتر يفيد العلم بقول المعصوم : أي ان المحكي به يعلم بانه مطابق لها حقيقة. ومثله مرادهم من قوله ان نعلم بوجود الخبر الصادر من المعصوم في ضمن ما بأيدينا من الاخبار ، فان مرادهم منه هو العلم بالخبر الحاكي لها المطابق لها حقيقة وواقعا ، فان الواصل الينا هو قول الراوي قال الامام كذا او فعل كذا او قرر كذا ، وحيث كان ما نقله الراوي متواترا فلذا نعلم بان ما حكاه الراوي هو مطابق لقول الامام الذي تكلم به ولفعله وتقريره اللذين صدرا منه مطابقة واقعية حقيقية ، فلا بد وان يكون التكليف بالرجوع الى السنة في زماننا هذا هو التكليف بالرجوع الى الحاكي عنها.

ويدل ايضا على ان مراده من السنة هو الحاكي لها هو المقدمة الثانية كما سيأتي بيانها.

هذا ، مضافا الى ما ادعاه المصنف من تصريح المحقق المحشي في ذيل كلامه بان مراده من السنة هو الحاكي لها فراجع.

وقد اشار الى هذه المقدمة بقوله : «انا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع الى الكتاب والسنة الى يوم القيامة».

لا يقال : ان ظاهر اقتران السنة بالكتاب مما يدل على ان مراده من السنة نفس قول المعصوم او فعله او تقريره أي السنة الواقعية دون السنة المحكية.

فانا نقول : انه لما كان للكتاب الكريم وجود كتبي امكن الرجوع اليه بنفسه : أي الى وجوده الكتبي ، وليس للسنة وجود كتبي بل ليس الموجود لها الا الحكاية ، فاقتران السنة بالكتاب لا يقتضي ان يكون مراده منها هو السنة الواقعية.

المقدمة الثانية : ما اشار اليها بقوله : «فان تمكنا ... الى آخره» وتوضيحها ان المصنف قد فهم من كلام المحشي (قدس‌سره) ان التكليف بالرجوع الى السنة هو على

٤٠