بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

فصل

إذا قام ظن على عدم حجية ظن بالخصوص ، فالتحقيق أن يقال بعد تصور المنع عن بعض الظنون في حال الانسداد : إنه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه ، فضلا عما إذا ظن ، كما أشرنا إليه في الفصل السابق ، فلا بد من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص ، فإن كفى ، وإلا فبضميمة ما لم يظن المنع عنه (١) وإن

______________________________________________________

ثم اشار الى انه مع فرض عدم شمول ادلة المنع لحال الانسداد ، او مع فرض عدم حصول الظن من القياس لا يتأتى الاشكال بقوله : «غاية الامر انه لا إشكال مع فرض احد المنعين» لوضوح انه لو فرض عدم شمول ادلة المنع له فيكون الظن القياسي في حال الانسداد حجة ، ومع حجيته لا مجال للاشكال بانه لا يعقل النهي عنه ، وكذلك لو فرض عدم حصول الظن من القياس ، فانه ايضا لا مجال للاشكال في المنع عنه ، فانه حيث لا ظن لا وقع للاشكال بانه لا يصح المنع عن الظن.

ثم اشار الى انهما لا يصحان جوابا عن الاشكال مع فرض عموم المنع وحصول الظن بقوله : «لكنه غير فرض الاشكال».

(١) تحرير البحث في هذا الفصل هو انه مع الانسداد اذا قام ظن على عدم حجية ظن من الظنون فلا ريب في تنافي هذين الظنين ، لعدم معقولية حجية الظن المانع وحجية الظن الممنوع ، فانه اذا قام خبر الثقة ـ مثلا ـ على عدم حجية الظن الحاصل من الشهرة ، وقامت الشهرة على وجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ فلا يعقل الجمع بين حجية خبر الثقة على عدم حجية الشهرة وحجية الشهرة الدالة على وجوب صلاة الجمعة ، بل اما ان يكون المانع هو الحجة دون الممنوع ، او الممنوع هو الحجة دون المانع ، او تساقطهما.

وقد يقرر الاشكال بوجهين : الاول : ان حجية الظن المانع وحجية الظن الممنوع كليهما معا محال ، لان لازم حجية الظن المانع عدم العمل على طبق مؤدى الظن

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الممنوع ، ولازم حجية الظن الممنوع هو لزوم العمل على طبق مؤداه ، فاما ان يكون احدهما حجة دون الآخر ولا بد من المرجح له ، وإلّا كان من الترجيح بلا مرجح ، وإلّا فلا مناص عن التساقط.

وبتقرير الاشكال بهذا الوجه يرتبط الوجه الاول الذي سنذكره لبيان وجه الترجيح للظن المانع.

الوجه الثاني في تقرير الاشكال : هو ان حجية الظن مع احتمال المنع عنه غير معقول ، لان حجية الشيء لا بد وان تكون مقطوعا بها ، فاحتمال المنع عنها مناف لما لا بد منه في الحجية فضلا عن الظن بعدم الحجية ، وفرض قيام الظن المانع فرض قيام الظن على عدم حجية الظن الممنوع ، فاما ان يكون الظن الممنوع حجة فلا يكون الظن المانع حجة ، واما ان يكون الظن المانع حجة فلا يكون الظن الممنوع حجة ، فشمول دليل الانسداد لهما معا محال.

ولعله بالتقرير على هذا النحو الثاني يرتبط ما أجاب به المصنف وهو الوجه الثاني الذي سنذكره.

وعلى كل حال فهناك وجوه لترجيح الظن المانع دون الممنوع ، ولازمها حجية الظن المانع دون الممنوع وعدم التساقط ايضا ، اذ لا وجه للتساقط مع وجود المرجح لاحدهما ، وبعد وجود المرجح لخصوص الظن المانع ينتفي التساقط كما ينتفي ايضا الظن الممنوع لمرجوحيته :

الاول : ان الملاك في الظن المانع تام دون الممنوع ، وتقريب التمامية فيه دون الممنوع هو ان حجية الظن مطلقا معلقة على عدم وصول المنع عنه من الشارع ، والظن المانع يكون منعا واصلا بالنسبة الى الظن الممنوع ، بخلاف الظن الممنوع فانه لا يصلح ان يكون مانعا عن الظن المانع ، لان الظن الممنوع لا يدل على عدم حجية الظن المانع ، وانما حجيته تنافي حجية الظن المانع ، فالانسداد مقتض بلا مانع بالنسبة الى حجية المانع ، بخلافه بالنسبة للظن الممنوع فانه مقتض مقترن بالمانع.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : ان الاقتضاء تام بالنسبة الى الظن المانع ، لان الظن الممنوع لا يمنع عن حجيته وانما يزاحمها ، واما بالنسبة الى الممنوع فانه حيث كان الظن المانع واصلا فالاقتضاء بالنسبة اليه قد اقترن بالمانع ، فحجية الظن الممنوع تتوقف على عدم حجية الظن المانع ، وحجية الظن المانع لا تتوقف على عدم حجية الظن الممنوع ، فالظن الممنوع بعد ان كانت حجيته متوقفة على عدم حجية الظن المانع لا يعقل ان يكون مانعا عن حجية الظن المانع ، واما الظن المانع فلا تتوقف حجيته على عدم الظن الممنوع ، فلا مانع من ان يكون مانعا عن حجية الظن الممنوع.

وبعبارة اخرى : ان شمول الحجية للظن المانع تقتضي انتفاء ملاك الحجية في الظن الممنوع ، لوضوح انه بعد ان كانت دلالة الظن المانع هي عدم حجية الظن الممنوع فمعنى شمول الحجية لما كانت دلالته كذلك هو انتفاء حجية الممنوع ، بخلاف شمول الحجية للظن الممنوع فانها ليس معناها انتفاء حجية الظن المانع ، لفرض كون دلالة الظن الممنوع هي وجوب الصلاة لا عدم حجية الظن المانع.

نعم ، كون الظن الممنوع حجية يزاحم حجية الظن المانع لا انه يرفع حجيته ، واذا كان هناك فردان احدهما شمول الحجية له غير موقوف على عدم حجية الآخر ، بخلاف الفرد الآخر فان شمول الحجية له تكون موقوفة على عدم شمول الحجية للفرد الآخر ، فلا بد وان يكون الحجة هو الفرد الذي لا تكون حجيته موقوفة على شيء ، دون الثاني لان حجيته موقوفة على عدم شمول الحجية للفرد الاول ، فشمول الحجية بالنسبة الى الفرد الاول وهو الظن المانع لا مانع عنها ، بخلافها بالنسبة الى الظن الممنوع فانها مقترنة بالمانع ، فتختص الحجية بالظن المانع دون الممنوع ، وهذا هو مراد من قال : ان الظن المانع والممنوع بالنسبة الى دليل الانسداد من قبيل دوران الامر بين التخصيص والتخصص ، والتخصص اولى.

ومثله مراد من قال : ان الظن المانع والممنوع من قبيل الاصل السببي والمسببي ، والاصل السببي هو الحجة دون الاصل المسببي.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : ان تقدم الظن المانع من قبيل التخصص والممنوع من قبيل التخصيص ، وكلما دار الامر بين التخصص والتخصيص فالتخصص اولى ، او ان الظن المانع من قبيل الاصل السببي والظن الممنوع من قبيل الاصل المسببي ، واذا كان الدليل شاملا للاصل السببي فيخرج الاصل المسببي عن ان يكون مشمولا للدليل.

الوجه الثاني ما اشار اليه الماتن بقوله : «فالتحقيق» ، وحاصله : ان الموجب لاختصاص الحجية بالظن المانع دون الممنوع هو ما تقدم في المسألة السابقة : من ان حجية الظن معلقة على عدم احتمال المانع عن الحجية ، وانه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عن ان يظن بالمنع عنه ، فمع وجود الظن المانع عن حجية الظن الممنوع لا استقلال للعقل بحجيته ، فالانسداد غير موجب لحجية الظن الممنوع حتى يكون مزاحما لحجية الظن المانع ، لان احتمال المنع عن حجية الظن كاف في عدم اقتضاء مقدمات الانسداد لحجيته فضلا عن الظن بالمنع عن حجيته.

وبعبارة اخرى : قد مر انه لا مانع من المنع شرعا عن بعض الظنون في حال الانسداد ، ولازم هذا هو اختصاص استقلال العقل بحجية الظن الذي لا يحتمل المنع عنه ، وهو الظن الذي يقطع بعدم المنع عنه ، فان وفى بمعظم الفقه وإلّا فيتنزل الى الظن الذي لا يكون المنع عنه مظنونا.

فاتضح مما ذكرنا : ان الظن الممنوع ليس بحجة قطعا ، لفرض وجود الظن بالمنع عنه ومقدمات الانسداد قاصرة عن شمول حجيتها له ، والى هذا اشار بقوله :

«فالتحقيق ان يقال بعد تصور المنع» من الشارع «عن بعض الظنون في حال الانسداد» فلازمه كون استقلال العقل بحجية الظن موقوفة على احراز عدم المنع من الشارع ، ولازم هذا «انه لا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عما اذا ظن» المنع عنه كما هو المفروض في الظن الممنوع من قيام الظن المانع على المنع عنه «كما اشرنا اليه في الفصل السابق» من كون لازم امكان المنع احتمال المنع في غير ما قطع بعدم المنع عنه.

٢٢٤

احتمل ، مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد ، وإن انسد باب هذا الاحتمال معها ، كما لا يخفى ، وذلك ضرورة أنه لا احتمال مع الاستقلال حسب الفرض (١).

______________________________________________________

«فـ» اتضح انه «لا بد» في حال الانسداد «من الاقتصار على ظن قطع بعدم المنع عنه بالخصوص فان كفى» بالمعظم «وإلّا ف» يتنزل الى «ضميمته ما لم يظن بالمنع عنه».

فتبين من هذا ان الظن الممنوع لا اقتضاء لحجيته لفرض قيام الظن بالمنع عنه.

(١) هذا دفع لما يمكن ان يتوهم : من ان الظن لا بد من ان يكون مقطوع الحجية ، فكيف يمكن ان يكون الظن الذي لا يظن بالمنع عنه حجة؟ فان ظاهر هذا هو كون الظن المحتمل المنع عنه حجة ، وقد صرح ان الظن الذي يحتمل المنع عنه ليس بحجة ولا استقلال للعقل بحجيته.

فدفع هذا التوهم بان احتمال المنع عنه انما هو مع الغض عن دليل الانسداد ، وإلّا فبملاحظة دليل الانسداد وعدم كفاية ما يقطع بالمنع عنه للوفاء بالمعظم يقطع بعدم المنع عن هذا الظن بالفعل وان احتمل المنع عنه مع الغض عن الانسداد ، لان لازم تنجز الاحكام وعدم اهمالها ولزوم امتثالها لها وانحصار الامتثال بالظن مع عدم كفاية ما يقطع بعدم المنع عنه يحصل القطع بعدم المنع فعلا عن هذا الظن الذي يحتمل المنع عنه في غير حال الانسداد ، ولذا قال بعد قوله : «فبضميمة ما لم يظن» ب «المنع عنه وان احتمل» المنع عنه «مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد» أي لا ينبغي ان يتوهم أن هذا الذي لا يظن المنع عنه وان احتمل المنع عنه هو محتمل المنع بملاحظة حال الانسداد ، بل هو محتمل المنع مع قطع النظر عن حال الانسداد ، لما عرفت من انه بملاحظة حال الانسداد يكون مما قطع بعدم المنع عنه ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وان انسد باب هذا الاحتمال» أي باب احتمال المنع «معها» أي مع ملاحظة حال الانسداد ، فانه مع ملاحظتها يكون مما قطع بعدم المنع عنه.

٢٢٥

ومنه انقدح أنه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة هي حجية الظن في الاصول أو في الفروع أو فيهما ، فافهم (١).

______________________________________________________

ثم اشار الى سبب عدم احتمال المنع عنه بملاحظة حال الانسداد بقوله : «وذلك ضرورة انه لا احتمال» للمنع عن هذا الظن بالفعل مع عدم كفاية ما قطع بعدم المنع عنه مع تنجز الاحكام او انحصار امتثالها بالظن ، فانه «مع» هذه الامور يحصل «الاستقلال» للعقل بحجية هذا الظن فعلا «حسب الفرض» من تنجز الاحكام وعدم الوفاء من دون ضم هذا الظن وانحصار الامتثال بالظن.

(١) لا يخفى ان الوجه الثالث لحجية خصوص الظن المانع دون الممنوع ، هو انه بناء على كون نتيجة دليل الانسداد هو حجية الظن بالاصول دون الظن بالفروع ، فالظن القائم على عدم حجية الظن بوجوب صلاة الجمعة مثلا هو الحجة دون الظن القائم على وجوب الجمعة ، لان حجية الظن الانسدادي مما تختص بالظن المانع لانه من الظنون الاصولية دون الظن بالممنوع ، لانه من الظن بالفرع الخارج عما تقتضيه الحجية في الانسداد.

وفيه ـ قبل التعرض لما ذكره المصنف من الايراد عليه ـ ان الظن الممنوع قد يكون من الاصول ايضا كما لو قام الظن المانع على عدم حجية الظن الحاصل من الشهرة فيكون هذا الجواب اخص من المدعى.

وأما ما أشار اليه المصنف فحاصله : انه بعد ما عرفت من ان العقل لا يستقل بحجية الظن الذي يحتمل المنع عنه ، فسواء قلنا بكون النتيجة هي حجية خصوص الظن بالاصول او خصوص الظن بالحكم او هما معا ، فان لازم الكل هو عدم حجية الظن الممنوع ، لانه فيما اذا قلنا بان النتيجة هي خصوص الظن بالحكم ، فالظن المانع وان كان غير حجة بمقتضى دليل الانسداد لانه من الظنون الاصولية ، إلّا انه لا ريب في ان الظن بالحكم يكون مما احتمل المنع عنه ، فالظن الممنوع لا يكون داخلا في الظن الذي هو حجة في الانسداد ، لانه يختص بالظن الذي يقطع بعدم المنع عنه ،

٢٢٦

فصل

لا فرق في نتيجة دليل الانسداد ، بين الظن بالحكم من أمارة عليه ، وبين الظن به من أمارة متعلقة بألفاظ الآية أو الرواية ، كقول اللغوي فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه ، وهو واضح (١) ، ولا يخفى أن

______________________________________________________

فكون الظن المانع حجة في الانسداد او غير حجة لا يتفاوت حاله بالنسبة الى انه يوجب كون الظن الممنوع مما احتمل المنع عنه ، وقد عرفت ان استقلال العقل بحجية الظن في الانسداد معلقة على عدم احتمال المنع ، ومع احتمال المنع لا حكم للعقل بحجية الظن.

فاتضح : انه لا يتفاوت الحال حتى لو قلنا بان النتيجة هي خصوص الظن بالفروع دون الظن بالاصول ، واما لو قلنا بحجيتهما معا فكون الظن الممنوع مما قامت الحجة بحسب الانسداد على عدم حجيته مما لا ريب فيه ، لفرض كون الظن المانع حجة كالظن الممنوع ، لفرض حجية الظن بالاصول والفروع معا ، والموجب لاختصاص الحجية بالظن المانع هو ما ذكرناه من كون الظن الممنوع مما ظن بالمنع عنه ، ولا استقلال للعقل بحجية ظن احتمل المنع عنه فضلا عما ظن بالمنع عنه ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ومنه انقدح» ، ان وجه الانقداح هو اختصاص حكم العقل في حال الانسداد بحجية الظن الذي لا يحتمل المنع عنه ، فانه منه يتضح «انه لا تتفاوت الحال لو قيل بكون النتيجة» في الانسداد «هي حجية» خصوص «الظن في الاصول او» قيل بكون النتيجة هي خصوص الظن «في الفروع او» قيل بكون النتيجة هي الحجية «فيهما» أي الظن بالاصول والفروع معا ، فانه على كل حال يكون الظن الممنوع غير حجة لاحتمال المنع عنه.

(١) حاصله : ان نتيجة دليل الانسداد هي حجية الظن بالحكم الشرعي ، لان الظن بما هو ظن ارجح من الوهم والشك ، فالانسداد يقتضي حجية الظن الشخصي بالحكم سواء كان الظن بالحكم قد حصل من أمارة قائمة على الحكم ، او كان الظن بالحكم

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قد تعلق اولا وبالذات بالفاظ آية او بألفاظ رواية كانت مسلمة الحجية من حيث السند ولكن دلالتها كانت غير معلومة ، لان الفاظ الآية او الرواية غير واضحة الدلالة ، فحصل الظن من قول اللغوي في تفسير الفاظهما ، فان هذا الظن وان تعلق اولا وبالذات بألفاظ الرواية او الآية إلّا انه ينتهي الى الظن بالحكم الكلي الذي قد تضمناه ، ولما كان المدار في الانسداد على الظن بالحكم فلا فرق بين الظن به بلا واسطة او مع الواسطة.

ثم ان هذا لا ربط له بكون قول اللغوي حجة بالخصوص اولا ، لان الظن الحاصل من قوله حجة في الانسداد لانه ظن ، لا لانه قد حصل من قول اللغوي ، فان قول اللغوي وان قلنا بعدم حجيته بالخصوص إلّا انه بعد ان حصل الظن منه فالظن الحاصل منه لانه ظن بالحكم في حال الانسداد حجة وان كان قول اللغوي ليس بحجة ، ولا مدخل لحجية قول اللغوي وعدم حجيته بذلك.

والى هذا اشار بقوله : «لا فرق في نتيجة دليل الانسداد» بعد ان كانت هي حجية الظن بالحكم بما هو ظن بالحكم الكلي «بين الظن بالحكم» الحاصل «من امارة» تقوم «عليه» بلا واسطة «وبين الظن به» مع الواسطة بان يحصل الظن بالحكم الكلي «من امارة متعلقة» اولا وبالذات «بالفاظ الآية او الرواية كقول اللغوي» فان متعلق تفسيره هو الفاظ الآية او الرواية ، ولكن حيث كان ذلك الظن ينتهي الى الظن بالحكم الكلي فهو حجة ، لكونه بالنتيجة كان ظنا بالحكم الكلي وان كان مع الواسطة ، فقول اللغوي «فيما يورث الظن بمراد الشارع من لفظه» في الآية او الرواية المنتهى الى الظن بالحكم الشرعي حجة لكونه ظنا بالحكم وهو واضح.

٢٢٨

اعتبار ما يورثه لا يختص ظاهرا بما إذا كان مما ينسد فيه باب العلم ، فقول أهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد ، ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد (١).

نعم لا يكاد يترتب عليه أثر آخر من تعيين المراد في وصية أو إقرار أو غيرهما من الموضوعات الخارجية ، إلا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت من ان الظن الحاصل من قول اللغوي انما كان حجة في الانسداد لانه ظن بالحكم الكلي ، لا لحجية قول اللغوي بالخصوص ، بل هو حجة مع القول بان قول اللغوي ليس بحجة يتضح لك انه لا حاجة الى ترتيب الانسداد في اللغة ، لان ترتيب مقدمات الانسداد في اللغة انما تنفع في اثبات حجية قول اللغوي ، لا فيما كان الظن بما هو ظن حجة ، فلو فرضنا انفتاح باب العلم باللغة في جميع الموارد عدا تلك الالفاظ الواردة في الآية او الرواية لكان الظن الحاصل من قول اللغوي حجة فيهما ، حيث يكون انسداد في الاحكام ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ولا يخفى ان اعتبار ما يورثه» قول اللغوي من الظن «لا يختص ظاهرا» بحجية قول اللغوي حتى يتوقف حجية الظن الحاصل من قوله على حجية الظن الحاصل من قوله على حجية قوله فتحتاج في الانسداد الى اثبات انسداد خاص به ، فيكون الظن الحاصل من قوله حجة مختصا «بما اذا كان» قول اللغوي «مما ينسد فيه باب العلم» بالخصوص ، ولما لم يكن كذلك ، بل كان الظن الحاصل من قوله حجة لانه ظن في حال الانسداد بالاحكام «ف» لذلك كان «قول اهل اللغة حجة فيما يورث الظن بالحكم مع الانسداد» في الاحكام «ولو انفتح باب العلم باللغة في غير المورد» مما يتعلق بالفاظ الآية او الرواية ، فانه من الواضح انه لو كان الامر مرتبطا بحجية قول اللغوي لما كان الظن الحاصل من قوله حجة في فرض انفتاح باب العلم باللغة.

٢٢٩

بالخصوص ، أو ذاك المخصوص (١) ، ومثله الظن الحاصل بحكم شرعي كلي من الظن بموضوع خارجي ، كالظن بأن راوي الخبر هو زرارة بن أعين مثلا ، لا آخر (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان الانسداد المفروض انما هو في الاحكام الكلية ، فالظن المتعلق بكلي الحكم الاقراري او بكلي الحكم بالوصايا ـ مثلا ـ هو الذي يكون قول اللغوي حجة فيه فيما اذا أورث الظن بالفاظ رواية مؤداها حكم كلي فيهما.

اما في مصداق الحكم الكلي كما لو شك في تعيين مراد المقر في اقراره او مراد الموصي في وصيته ، فلا يكون الظن الحاصل من قول اللغوي حجة فيه ، لوضوح ان المتحصل منهما ليس حكما كليا ، والذي يكون قول اللغوي حجة فيه من جهة الانسداد هو الحكم الكلي دون الحكم الجزئي لانه لا انسداد فيه ، فلا يكون قول اللغوي الموجب للظن فيه حجة.

نعم ، اذا ثبت بدليل خاص حجية مطلق الظن ، او ثبت بالدليل الخاص حجية الظن في خصوص الاقرار او الوصية ـ مثلا ـ يكون حينئذ الظن الحاصل من قول اللغوي المتعلق بالفاظ المقر او ألفاظ الموصي حجة ، والى هذا اشار بقوله : «نعم لا يكاد يترتب عليه» أي على قول اللغوي «اثر آخر» غير المتعلق بالحكم الكلي فيما اذا كان متعلقا بغيره من الحكم الجزئي ، كما لو لم يظهر الحال «من تعيين المراد في وصية» لموص «او اقرار» لمقر «او» في «غيرهما من الموضوعات الخارجية» فحصل الظن من قول اللغوي في الفاظ الوصية او الاقرار ، فان هذا الظن ليس بحجة ، ولا يكون الظن الحاصل من قول اللغوي حجة في الموضوعات الخارجية «الا فيما يثبت فيه حجية مطلق الظن» بدليل يدل عليه «بالخصوص او» ثبت بالدليل الخاص حجية الظن في «ذاك الموضوع المخصوص».

(٢) هذا معطوف على قول اللغوي المتعلق بالحكم الكلي ، فقد عرفت حجية الظن الحاصل منه في حال الانسداد ، ومثله في الحجية هو الظن الحاصل من التمييز بين

٢٣٠

فانقدح أن الظنون الرجالية مجدية في حال الانسداد ، ولو لم يقم دليل على اعتبار قول الرجالي (١) ، لا من باب الشهادة ولا من باب الرواية (٢).

______________________________________________________

المشتركات في الرجال في كون الراوي للرواية الفلانية هو زرارة بن اعين الثقة دون زرارة بن لطيفة المجهول ، فان هذا الظن الحاصل من قولهم مما ينتهي الى الظن بالحكم الكلي لكنه مع الواسطة ، وقد عرفت عدم الفرق بين الظن المتعلق بالحكم بلا واسطة او به مع الواسطة ، فشأن هذا الظن شأن قول اللغوي في انه في حال الانسداد حجة ، وهو مثله ايضا في انه ينتهي الى الظن بالحكم الكلي مع الواسطة ، فلا فرق بين ظن متعلق بالفاظ الرواية وبين ظن متعلق بموضوع خارجي في كون كل منهما ينتهي الى الظن بالحكم الكلي ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ومثله» أي ومثل الظن الحاصل بالحكم الكلي من قول اللغوي في الحجية هو «الظن الحاصل بحكم شرعي كلي» قد حصل «من الظن بموضوع خارجي كالظن بان راوي الخبر هو زرارة بن اعين مثلا» الثقة دون زرارة «الآخر» غير الثقة.

(١) وجه الانقداح واضح ، فان الظن الحاصل من قول اللغوي انما كان حجة لا لكون قول اللغوي حجة ، بل لحجية الظن المتعلق بالحكم الكلي في حال الانسداد ، ولما كان قول اللغوي موجبا للظن كان قول اللغوي حجة بهذا المعنى ، مع القول بعدم حجية قول اللغوي في نفسه ، فالظن الحاصل من اقوال الرجال المتعلق بالحكم الكلي في حال الانسداد حجة من هذا الطريق ، لا من جهة حجية الظن الرجالي في نفسه ، بل مع القول بعدم حجية الظنون الرجالية مع ذلك تكون نافعة ومجدية في حال الانسداد ، لانها مما تنتهي الى الظن بالحكم الكلي ، والى هذا اشار بقوله : «فانقدح ان الظنون الرجالية مجدية الى آخر الجملة».

(٢) الفرق بين باب الشهادة وباب الرواية هو اشتراط التعدد في باب الشهادة ، بان يكون الشاهد اكثر من واحد ، بخلاف باب الرواية فانه لا يشترط التعدد فيها ، فيكفي في باب الرواية الراوي الواحد.

٢٣١

تنبيه : لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات المتطرقة إلى مثل السند أو الدلالة أو جهة الصدور ، مهما أمكن في الرواية ، وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها بلا سد بابه فيه بالحجة من علم أو علمي ، وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد إلى الضعيف مع التمكن من القوي أو ما بحكمه عقلا ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان اول حد في باب الشهادة هو الاثنان ولكنه لا يشترط فيما يزيد على الاثنين ، وأول الحد في باب الرواية هو الواحد وهو ايضا لا يشترط من حيث ما يزيد على الواحد.

(١) توضيحه : ان الملاك لحجية الظن في حال الانسداد لانه ارجح ، فتجب الاطاعة الظنية لانها ارجح من الوهمية والشكية ، وبهذا المناط يترجح الظن القوي على الظن الضعيف ، فمهما امكن تحصيل الظن القوي لا يتنزل عنه الى الظن الضعيف ، لان القوي ارجح من الضعيف ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ولا بد من الاخذ بالراجح اذا امكن.

ولا يخفى ايضا ان في الخبر جهات ثلاث : الصدور وهي حيثية سند الرواية ، والدلالة وهي حيثية ظهور الرواية ، وجهة الصدور وهي كون الحكم صادر البيان الواقع في الرواية.

ولا يخفى ان حصول الجهات الثلاث بالعلم موجب لخروج الرواية عن فرض الانسداد لانه يكون من باب الانفتاح حقيقة ، ومثله حصول الجهات الثلاث بالعلمي فانه موجب للخروج ايضا عن الانسداد لانه انفتاح حكما ، ففرض الانسداد يقتضي الكلام في امكان حصول بعض هذه الجهات الثلاث بالعلم أو العلمي لا كلها ، فمع امكان تحصيل العلم أو العلمي في بعض الجهات هل يجب تحصيله أو لا؟

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعد ما عرفت من تعدد الجهات في الخبر فاحتمال الخلاف في الحكم الذي هو مؤدى الخبر يتعدد ايضا ، لاحتمال كونه غير صادر واحتمال كونه غير ظاهر واحتمال كونه غير صادر لبيان الواقع بان يكون لتقية او غيرها.

ومن الواضح : انه قيام العلم أو العلمي على جهة واحدة او جهتين منها موجب لقوة الظن بالحكم ، وقد عرفت لزوم تحصيل الظن القوي مهما امكن ، فاذا امكن تقليل احتمال الخلاف في الخبر في جهة واحدة أو جهتين فالعقل يحكم بلزوم ذلك لاقتضائه قوة الظن بالحكم ، فاذا احتملنا تحصيل علم او علمي يقوم على جهة واحدة او جهتين في الرواية يجب الفحص عن ذلك ليقوي الظن بالحكم ، فيلزم سد باب الاحتمال مهما امكن.

وقد اشار (قدس‌سره) الى لزوم تقليل الاحتمالات بقوله : «لا يبعد استقلال العقل بلزوم تقليل الاحتمالات» واشار الى الجهات الثلاث في الرواية بقوله : «المتطرقة الى مثل السند او الدلالة او جهة الصدور» واشار الى عدم صحة الاقتصار على الظن الضعيف حيث يمكن تحصيل الظن القوي بقوله : «وعدم الاقتصار على الظن الحاصل منها» أي من الرواية «بلا سد بابه» أي بلا سد باب الاحتمال «فيه» تذكير الضمير في (فيه) يقتضي عدم رجوعه الى الرواية ، وهو اما ان يرجع الى استقلال العقل ، او يرجع الى الانسداد وان لم يتقدم للفظه ذكر ، لكنه هو موضوع الكلام في هذا التنبيه وهذه الفصول ، وعلى كل فلا بد من سد باب الاحتمال مهما امكن «بالحجة من علم او علمي».

ثم اشار الى العلة في ذلك ، وهو مناط الأرجحية في الظن القوي على الظن الضعيف بقوله : «وذلك لعدم جواز التنزل في صورة الانسداد الى الظن الضعيف مع التمكن من القوي» حقيقة بواسطة تقليل الاحتمال بالعلم «او» في «ما بحكمه» أي بحكم العلم وهو العلمي ، وقد عرفت لزوم ذلك «عقلا».

٢٣٣

فصل

إنما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الاحكام هو حجية الظن فيها ، لا حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها ، فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها ، لا في إتيانها ، بل لا بد من علم أو علمي بإتيانها ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) توضيحه : ان لنا مقامين : مقام التكليف ، ومقام الاتيان به ، ومن الواضح ان مجرى دليل الانسداد المقتضي لحجية الظن هو مقام التكليف والحكم الكلي ، لان مقدمات الانسداد المنتجة لحجية الظن هي العلم بالتكاليف الكلية ، وانسداد باب العلم والعلمي فيها الى آخر المقدمات المذكورة مفصلا.

واما المقام الثاني وهو إتيان التكليف وتطبيقه على الفعل الخارجي فهو خارج عن مجرى دليل الانسداد ، فانه لا علم اجمالي فيه ولا انسداد لباب العلم فيه ، فلا وجه لدعوى حجية الظن الانسدادي فيه.

ولكنه يمكن ان يدعى ان وجه التوهم لكفاية الظن في مقام الإتيان والتطبيق هو ان جل التكاليف ثابتة بالظن دون العلم ، فاشتراط العلم بالتطبيق لا يفيد العلم بامتثال الحكم الواقعي ، لان الحكم بعد ان كان ثبوته بالظن ، والنتيجة بالضرورة تابعة لأخس المقدمات ، فسواء علم باتيان التكليف في الخارج او ظن باتيانه فالنتيجة دائما هي الظن باتيان الحكم الواقعي ، فلا وجه لاشتراط العلم بالإتيان وانطباقه على الخارج ، نعم في ما اذا علم بالاتيان للتكليف المظنون يكون الظن باتيان الواقع اقوى مما اذا كان الإتيان به بنحو الظن.

ويرد عليه أولا : انه لا بد من اتباع الاقوى مهما امكن.

وثانيا : ان حجية الظن عقلا على الحكومة في الانسداد او شرعا بناء على الكشف هو كون الظن منجزا للواقع لو اصاب ومعذرا لو أخطأ ، ولا بد على فرض

٢٣٤

نعم ربما يجري نظير مقدمات الانسداد في الاحكام في بعض الموضوعات الخارجية ، من انسداد باب العلم به غالبا ، واهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفته الواقع بإجراء الاصول فيه مهما أمكن ، وعدم وجوب الاحتياط شرعا (١)

______________________________________________________

الاصابة من الاتيان بالتكليف الواقعي ، ومع الاكتفاء بالظن في مقام الاتيان لا يحرز الاتيان بالتكليف الواقعي على فرض الاصابة.

وبعبارة اخرى : انه لا بد من احراز المؤمن عن عهدة التكليف الثابت ولو بالظن ، ومع الاتيان به ظنا لا يحرز المؤمن عن عهدته ، لاحتمال عدم اتيان ما هو الواقع مع احتمال كون الظن بالتكليف قد اصاب الواقع ، بل لا بد اما من العلم او من العلمي كالبينة او مثل قاعدة التجاوز او الفراغ ، ولذا قال (قدس‌سره) : «انما الثابت بمقدمات دليل الانسداد في الاحكام هو حجية الظن فيها» أي في الاحكام لانها هي المجرى لمقدمات الانسداد ، و «لا» تقتضي مقدمات الانسداد «حجيته» أي حجية الظن «في» مقام «تطبيق المأتي به في الخارج معها» أي مع الاحكام فانه مقام آخر غير مقام الظن بالاحكام.

ثم فرع عليه بقوله : «فيتبع مثلا في وجوب صلاة الجمعة يومها» أي انما يتبع الظن الانسداد في اتيانه لوجوب صلاة الجمعة في يوم الجمعة ، و «لا» يتبع في مقام «اتيانها» أي اتيان صلاة الجمعة خارجا ، بان يكتفي المكلف باتيان صلاة الجمعة ظنا «بل لا بد من علم او علمي باتيانها» أي لا بد في مقام امتثالها من علم المكلف بالاتيان بها ، أو قيام علمي بالخصوص على اتيانها ، كما لو شك المكلف باتيانها وقامت عنده البينة باتيانها ، او شك في اتيان اجزائها او شرائطها واحرزها بقاعدة التجاوز او الفراغ.

(١) قد عرفت ان محل الانسداد وحجية الظن هو الاحكام الكلية دون غيرها لا في مقام التطبيق ، ومن موارده هو الاحتمال الناشئ من الموضوعات الخارجية ، فانه

٢٣٥

أو عدم إمكانه عقلا ، كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلا ، فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ أيضا (١) ،

______________________________________________________

ـ مثلا ـ بعد قيام الظن بالتكليف الكلي ولو بالانسداد باشتراط مأكولية اللحم او الطهارة في لباس المصلي ، فعلمنا ان احد الثوبين من غير مأكول اللحم او علمنا بنجاسة احدهما ، ولكنا ظننا بان احدهما بخصوصه هو من المأكول او انه هو الطاهر فلا مجال لحجية الظن في هذا المقام ، بل لا بد من الرجوع فيه الى الاصول ، فان احرزت طهارة احدهما ـ مثلا ـ بان كان احدهما مستصحب النجاسة والآخر مستصحب الطهارة فهو المرجع ، وإلّا فلا بد من تركهما معا والصلاة في غيرهما.

نعم ، فيما لو علمنا باهتمام الشارع في مورد من الموارد بالخصوص بحيث احرزنا انه لا يرضى بالترك للامتثال فيما اذا اقتضت الاصول ذلك ، فمع احراز الاهتمام كذلك وانسداد باب العلم والعلمي فلا بد حينئذ من الرجوع الى الظن ، فيكون هذا الانسداد في الموضوع الخارجي الذي له حكم جزئي نظير الانسداد في الحكم الكلي ، ويكون الظن هو المتبع فيه كالظن في مقام الانسداد في الاحكام الكلية.

والحاصل : انه في هذا المورد الخاص يجري انسداد مختص به ، ومقدماته هو العلم بلزوم امتثال هذا الحكم للعلم باهتمام الشارع فيه ، وانسداد باب العلم والعلمي في مقام امتثاله ، وعدم وجوب الاحتياط شرعا في مقام الامتثال ، او عدم امكان الاحتياط فيه ، وسيأتي بيان مثاله وعدم جواز الرجوع فيه الى الاصول ، فحينئذ يتعين الظن في مقام امتثاله ، وقد اشار الى انه نظير الانسداد في الاحكام الكلية بقوله : «ربما يجري نظير مقدمات الانسداد الى آخر الجملة» واشار الى مقدمات الانسداد في مورد هذا الموضوع الخارجي بقوله : «من انسداد باب العلم به غالبا واهتمام الشارع به الى آخر الجملة».

(١) قد أشار الى مثاله في المتن وهو موارد الضرر ، وقد نقل عنه (قدس‌سره) مثال آخر غير موارد الضرر ، وهو ما اذا ضاق الوقت بحيث لا يسع إلّا صلاة واحدة في احد

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثوبين المردد امرهما بين الماكولية وغير الماكولية ، بان علم ان احدهما من غير المأكول ، ومن الواضح اهتمام الشارع بالصلاة بحيث لا يجوز تركها بحال ، ومن الواضح ايضا لزوم كون الساتر من المأكول ، وقد انسد باب العلم والعلمي بمعرفة غير المأكول فلا يجوز الرجوع الى البراءة عن وجوب الصلاة المشترطة بالساتر بعد تردده بين المأكول وغير المأكول ، فيتعين الرجوع الى الظن في تمييز الساتر غير المأكول من الساتر المأكول ، فان حصل الظن بان احدهما من الساتر المأكول عمل بموجبه ، وإلّا فيصلي عريانا او يتخير بين الصلاة عريانا والصلاة في احد الثوبين.

ولا يخفى انه كان مثالا لعدم امكان الاحتياط عقلا بفرض ضيق الوقت الا عن صلاة واحدة.

واما ما ذكره مثالا في الكتاب وهو موارد الضرر ..

فتوضيحه : ان ما يوجب استعماله الضرر حرام واقعا ، فاحتمل المكلف ان في استعمال الماء في الوضوء او الغسل ضرر ، فيدور امر استعمال الماء في الغسل او الوضوء بين كونه واجبا واقعا لاشتراط الصلاة بالطهارة اما وضوءا او غسلا فيما اذا لم يكن مضرا ، وبين كونه حراما واقعا فيما اذا كان مضرا واقعا ، ومن الواضح ان ما يدور امره بين الوجوب والحرمة لا يمكن الاحتياط فيه عقلا ، وقد انسد باب العلم والعلمي بمعرفة كونه مضرا او غير مضر ، ومن الواضح اهتمام الشارع بالصلاة ولا يجوز تركها بحال ، فلا مناص حينئذ من اتباع الظن لو امكن حصوله في كون استعمال الماء مضرا او غير مضر ، فان حصل الظن بكونه مضرا ترك الطهارة المائية وصار فرضه الطهارة الترابية ، وان حصل الظن بعدم الضرر استعمل الماء في الطهارة الوضوئية او الغسلية ، والى هذا اشار بقوله : «كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب» لكونه شرطا في الوضوء أو الغسل «والحرمة مثلا» لكونه مضرا واقعا «فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ ايضا» كما يتبع في مورد الانسداد في الاحكام الكلية.

٢٣٧

فافهم (١).

خاتمة : يذكر فيها أمران استطرادا : الاول : هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية ، المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح ، يتبع في الاصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الاعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والانقياد له ، أو لا؟ الظاهر لا (٢) ، فإن الامر

______________________________________________________

(١) لعله اشارة الى ان المتحصل من الاخبار هو كون الموضوع لجواز الاستعمال وعدمه هو خوف الضرر العقلائي وان لم يكن بالغا درجة الظن ، بل ولو كان وهما ولكنه كان عقلائيا ، كما لو حصل الاحتمال للضرر من قول الطبيب العارف ولكنه لم يحصل من قوله الظن ، فان هذا الاحتمال عقلائي وان لم يكن بالغا مرتبة الظن ، فاذا كان المدار على خوف الضرر العقلائي وهو امر وجداني اما ان يحصل او لا يحصل ، فلا يدور الامر في موارد الضرر بين الوجوب والحرمة ، بل الفرض اما ان يكون هو وجوب استعمال الماء للوضوء أو الغسل حيث لا يحصل خوف من استعمال الماء ، واما ان يكون الفرض الطهارة الترابية حيث يحصل خوف من استعمال الماء ، وحصول الخوف وعدمه امر وجداني لا واقعي ، بخلاف ما اذا كان الموضوع هو الضرر الواقعي فانه يمكن فيه الدوران بين الوجوب والحرمة واقعا لانه امر واقعي.

(٢) الامر الاول في هذه الخاتمة هو : انه قد مر حكم العقل في الفروع بلزوم التنزل الى الظن حيث ينسد باب العلم فيها ، فهل العقل يحكم في الاصول الاعتقادية بلزوم التنزل الى الظن فيها فيما اذا انسد باب العلم بها كما حكم في الفروع أو لا؟

وينبغي بيان امرين توضيحا لعبارة المتن :

الاول : ان المطلوب في الفروع هو العمل الجارحي : أي الفعل الذي تقوم به الجوارح ، وهي الاعضاء كاليد والرجل واللسان كما في الصلاة والحج وامثالهما ، او ما يتعلق بأمر خارجي كالزكاة فان المطلوب فيها اعطاء المال.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واما في الاصول الاعتقادية فالمطلوب فيها هو العمل الذي تقوم به الجوانح كالعلم بها وعقد القلب عليها وتحملها : أي جعلها من محمولات القلب والبناء على الانقياد لها.

لا يقال : ان الفروع ايضا لها عمل تقوم به الجوانح كما تقوم بفعلها الجوارح وهو الالتزام بها.

فانه يقال ، اولا : انه قد مر في باب القطع عدم وجوب الالتزام بها ، وان المطلوب فيها ليس إلّا العمل الاعضائي دون العمل القلبي.

وثانيا : وعلى فرضه فنقول : ان الفرق بين الفروع والاصول الاعتقادية هو ان المسلم في الفروع هو طلب العمل الجارحي ، واما العمل الجانحي ففيه خلاف ، وعلى فرض القول به فهو مطلوب ثان غير العمل الجارحي ، واما في الاصول الاعتقادية فالمطلوب فيها ليس إلّا العمل الجانحي من العلم وعقد القلب وامثالها دون العمل الجارحي.

الامر الثاني : ان عقد القلب امر غير العلم والتصديق بالشيء ، كما مر بيانه في مبحث اتحاد الطلب والارادة ، ويدل عليه ـ مضافا الى شهادة الوجدان بان عقد القلب والبناء القلبي غير العلم والتصديق ـ قوله تعالى حاكيا عن الكفار بالنسبة الى رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(١) بناء على ان المراد من الجحود بها هو البناء القلبي على عدم التصديق بها ، وان كانوا قد صدقوا بها واقعا دون الجحود اللساني.

وقد اشار بقوله : «هل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع العملية» التي هي «المطلوب فيها اولا العمل بالجوارح» وفي قوله اولا اشارة الى ان الفروع

__________________

(١) النمل : الآية ١٤.

٢٣٩

الاعتقادي وإن انسد باب القطع به ، إلا أن باب الاعتقاد إجمالا ـ بما هو واقعه والانقياد له وتحمله ـ غير منسد ، بخلاف العمل بالجوارح ، فإنه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالاحتياط ، والمفروض عدم وجوبه شرعا ، أو عدم جوازه عقلا ، ولا أقرب من العمل على وفق الظن.

وبالجملة : لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الاعمال الجوانحية على الظن فيها ، مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها ، فلا يتحمل إلا لما هو الواقع ، ولا ينقاد إلا له ، لا لما هو مظنونه ، وهذا بخلاف العمليات ، فإنه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد (١).

______________________________________________________

اما المطلوب فيها هو العمل الجارحي لا غير أو ان العمل الجانحي مطلوب ثانوي فيها ، بخلاف الاصول الاعتقادية فان المطلوب هو العمل الجانحي لا غير.

وعلى كل ، فهل الظن كما يتبع عند الانسداد عقلا في الفروع «يتبع» ايضا عند الانسداد «في الاصول الاعتقادية» التي كان «المطلوب فيها هو عمل الجوانح» لا غير «من الاعتقادية» أي بالاصل الاعتقادي «وعقد القلب عليه وتحمله» أي جعله حملا للقلب يحتفظ به والبناء على «الانقياد له ، اولا» أي أو لا يتبع الظن في الاصول الاعتقادية اذا انسد باب العلم فيها.

(١) توضيحه : انه في الامر الاعتقادي عملان للجوانح : الاول العلم به الذي هو التصديق ، والثاني وهو مما يترتب على العلم والتصديق وهو عقد القلب على ما علم وصدق به ، ومن الواضح في غير الانسدادي ـ أي في الانفتاح ـ حصول الامرين معا العلم بالشيء بعنوانه الخاص به ، وعقد القلب عليه بذلك العنوان الخاص به ، واما في حال الانسداد فلا مجال للامر الاول وهو العلم لفرض انسداد باب العلم ، ولا سبيل لحكم العقل بالتنزل الى الظن حيث ينسد باب العلم ، لان العقل انما حكم

٢٤٠