بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة (١) ،

______________________________________________________

وقد عرفت ايضا انه لا تردّد للعقل عندهم في حكمه بان ذلك في التكليف الواصل دون التكليف الذي لم يصل بحجة شرعية ولا تردّد لهم في ذلك.

واما من ناحية تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد حتى يكون مورد قاعدة دفع الضرر من هذه الجهة فقد عرفت ايضا انهم يقولون بتبعيّة الاحكام للمصالح والمفاسد النوعية دون الشخصية فلا ملازمة ايضا.

وقد اشار الى كلا هذين الامرين بقوله : «وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة».

واشار الى ابتنائه على مذهب العدلية في المقامين بقوله : «على القول باستقلاله بذلك».

واشار الى ان المصالح والمفاسد عندهم التي هي مناطات الاحكام نوعيّة لا شخصية بقوله : «هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله» أي ليس مناط حكم العقل بقبح المفسدة وحسن المصلحة هو المفسدة والمصلحة الشخصيّة حتى يكون الظن بالتكليف ملازما للظن بالضرر في المخالفة من ناحية علل الاحكام ، لانها نوعيّة لا شخصيّة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون هاهنا اصلا» لا من ناحية الظن بالعقوبة لان المفروض ان التكليف غير واصل ، ولا من ناحية المفسدة لانها نوعية لا شخصية.

(١) يشير بهذا الى ما عن شيخ الطائفة في العدّة من دعوى استقلال العقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة ، وان الاقدام على ما لا يؤمن مفسدته كالاقدام على ما علم مفسدته ، وهذا مناط آخر للزوم اتباع الظن بالتكليف ، فان الظن بالتكليف وان كان لا يستلزم الظن بالمفسدة إلّا انه يلازم احتمال المفسدة ، ولو لاحتمال كون المفسدة شخصية ، والعقل مستقل بقبح فعل محتمل المفسدة ، فعلى هذه القاعدة يلزم اتيان التكليف المظنون ، لانه لا اشكال في استلزامه لاحتمال المفسدة ، وان كان لا يلازم

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الظن بها ، ولكن احتمالها كاف في الحكم بقبح الفعل الذي هو مخالفة التكليف المظنون.

فالمتحصّل من هذه القاعدة : هو لزوم الاتيان لحكم العقل بقبح المخالفة لا من جهة وجوب دفع الضرر ، بل حكم العقل بالقبح هو بنفسه مدرك للزوم ترك مخالفة التكليف المظنون ، وبناء على كون ترك المصلحة هو مفسدة ايضا يكون مخالفة ما فيه احتمال المصلحة داخلا في هذه القاعدة ايضا.

ولا يخفى ان ظاهر كلام الشيخ ان المراد من المفسدة ليست هي العقوبة حتى يعود الجواب الذي تقدم ، بل المراد منه هو ظاهره وهو المفسدة ، ولكن مدرك ترك المفسدة هو حكم العقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة ، لان الشيخ في العدّة استدل على لزوم ترك محتمل المفسدة بانه كالذي علم مفسدته بقبح اخبار المخبر عمّا لا يعلم كذبه كقبح الاخبار بما علم كذبه.

وفيه اولا : منع هذه الدعوى ، وانه لا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة ، وقياسه المقام بالاخبار وان ما لم يعلم كذبه كالذي علم كذبه قياس مع الفارق ، لان قبح الاخبار عما لم يعلم كذبه انما هو من ناحية القبح المخبري لا القبح الخبري ، فان المدار في القبح في الاخبار هو الاخبار عما لا يعتقد صدقه ، ولما كان المخبر عما لم يعلم كذبه لا يعتقد صدقه فلذا كان قبيحا ، والسبب في كون المناط هو عدم اعتقاد الصدق دون الكذب المخبري هو ان المناط للمدح والذم عندهم الامور الاختيارية ، ومطابقة الواقع وعدم مطابقته ليست من الامور الاختيارية ، بخلاف الاخبار عما يعتقد وما لا يعتقد فانه من الامور الاختيارية للمخبر ، فلذا كان المناط في القبح في مقام الاخبار هو المخبري دون الخبري ، بل العقل انما يستقل بقبح ما علم مفسدته لا ما احتمل مفسدته ، وعمل العقلاء بما هم عقلاء في الاقدام على ما فيه احتمال المفسدة خير شاهد على منع هذه الدعوى.

٦٢

فافهم (١).

الثاني : إنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح (٢).

______________________________________________________

وثانيا : منع كون ترك المصلحة من المفسدة ، فهو على تقدير تماميته يتم في الظن بالتكليف التحريمي دون الوجوبي.

وثالثا : بناء على تماميّة هذه الدعوى لا اختصاص لها بالظن بالتكليف بل تشمل ايضا الشك بالتكليف.

(١) لعله اشارة الى ما تقدم منه من الاستدلال على العقوبة المحتملة من ناحية لزوم دفع الضرر المشكوك ، وحيث ان احتمال المفسدة احتمال الضرر ايضا فيمكن ان يكون لزوم اتباع الظن بالحكم من ناحية لزوم دفع الضرر المشكوك لاستلزام الظن بالحكم احتمال المفسدة.

ولا يخفى انه يتمّ في الحكم التحريمي وان لازمه الاحتياط في مقام الشك بالتكليف ايضا.

(٢) هذا هو الدليل العقلي الثاني الذي اقيم على حجية مطلق الظن بالحكم.

وحاصله : هو انه مركب من مقدمتين : الاولى : انه اذا أدّى الظن الى شيء فيكون ما أدى اليه الظن هو الراجح ، لان حقيقة الظن هو رجحان احد الطرفين بخصوصه على الطرف الآخر ، فاذا ظننت ـ مثلا ـ بوجود زيد في الدار فمعناه كون وجوده في الدار ارجح من عدم وجوده فيها ، فاذا قام الظن على حكم فالاخذ به أخذ بما هو المظنون وهو الراجح ، وعدم الاخذ بما قام عليه الظن معناه الاخذ بالطرف الموهوم المرجوح ، فانه اذا أدّى الظن الى وجوب الجمعة ـ مثلا ـ فاتيان الفرض بنحو ما ذكر في ترتيب الاتيان بصلاة الجمعة اخذ بالراجح ، واتيان الفرض بنحو ما يأتي بالظهر في ساير الايام اخذ بالمرجوح ، ولذا كانت هذه المقدمة هي عبارة عن القضية المتصلة التي اشار اليها في المتن ، وهي «انه لو لم يؤخذ بالظن لزم

٦٣

وفيه : إنه لا يكاد يلزم منه ذلك إلا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما ، مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا ، أو عدم وجوبه شرعا ، ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ، ولا يكاد يدور الامر بينهما إلا بمقدمات دليل الانسداد ، وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات ، على ما ستطلع على حقيقة الحال (١).

______________________________________________________

ترجيح المرجوح على الراجح» لان عدم الاخذ بما قام عليه معناه الاخذ بعدم هذا الظن ، وهو الاخذ بالطرف المقابل لهذا الظن وهو المرجوح.

والمقدمة الثانية : هو ان ترجيح المرجوح على الراجح قبيح فترك الاخذ بالظن قبيح ، ومن الواضح عدم صحة العمل القبيح ، فترك ما قام عليه الظن عمل غير صحيح ، والى هذه المقدمة اشار بقوله : «وهو قبيح».

(١) لما كانت المقدمة الثانية مسلّمة وهي قبح ترجيح المرجوح على الراجح وعدم صحته فهي ليست محلا للمناقشة فانحصرت المناقشة في المقدمة الاولى.

وحاصل الاشكال والمناقشة فيها : ان المفروض هو كون هذا الدليل غير دليل الانسداد ، والذي هو رابع الادلة التي اقيمت على حجية الظن كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ، وعلى هذا فنقول :

لا نسلّم انه لو لم يؤخذ بما قام عليه الظن يلزم ترجيح المرجوح على الراجح ، لان المقام اما ان يكون مقام الفتوى من المجتهد ، فنقول ان المجتهد اذا قام ظنه على حكم ولم يفت على طبق ظنه لا يلزم منه ترجيح المرجوح على الراجح ، لان الاطراف للمجتهد ثلاثة الفتوى على طبق ظنه ، والتوقف عن الفتوى رأسا ، والفتوى على خلاف ظنه.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن الواضح ان توقفه عن الفتوى رأسا احوط له ، فلا ينحصر امره بالفتوى على خلاف ظنه اذا لم يفت على طبق ظنه حتى يكون ذلك من ترجيح المرجوح على الراجح.

نعم في مقام انحصار الفتوى به ولا يسعه الافتاء بالاحتياط يكون حاله حال الفرض الثاني ، وهو حال المجتهد في مقام علمه فيما اذا قام ظنه على حكم.

وعلى كل ففي مقام الفتوى لا يلزم من عدم الاخذ بالظن ترجيح المرجوح مطلقا كما هو ظاهر هذا الدليل.

واما الكلام في المقام الثاني ، وهو عمل المجتهد فيما اذا قام ظنه على شيء فنقول : انما يكون الاخذ بخلاف ما قام عليه الظن من الاخذ بالمرجوح حيث تنضم الى هذه المقدمة بقية مقدمات الانسداد الآتية وهي :

قيام العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعلية ، فانه لو لم يعلم اجمالا بثبوت تكاليف فعلية لا يكون الاخذ بخلاف ما قام عليه الظن مرجوحا ، لوضوح عدم لزوم امتثال غير التكاليف الفعلية.

وانسداد باب العلم والعلمي ، لانه لو لم ينسد عليه باب العلم والعلمي ، بان كان باب العلم والعلمي مفتوحا ، فالاخذ بالطريق العلمي المنصوب من الشارع فيما اذا قام على خلاف ما قام عليه ظنه لا يكون ذلك من ترجيح المرجوح ، فاذا قام الخبر الذي ثبتت من الشارع حجيته على وجوب الظهر ـ مثلا ـ وظن المجتهد ان الحكم هو الجمعة ، فالعمل منه على طبق الخبر الذي ثبتت حجيّته لا يكون من الاخذ بالمرجوح وهو واضح ، بل الاخذ بما قام عليه الظن مع فرض عدم ثبوت حجيّته من الشارع بالخصوص هو من الاخذ بالمرجوح ، لصحة العقاب على ترك ما قام الخبر الثابت حجيّته عليه.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وانه لا يجوز لنا الاهمال وعدم التعرض لامتثال شيء من الاحكام ، فانه لو كان الاهمال جائزا لما لزمنا الاخذ بما قام عليه الظن بالتكليف ، فان الاخذ بما هو جائز شرعا لا يعقل ان يكون قبيحا.

وانه لا يجب علينا الاحتياط ، ولا يجوز لنا الرجوع الى الاصول ، فانه لو امكن الاحتياط ووجب لا يكون ترك الاخذ بما قام عليه الظن الى الاخذ بالاحتياط من المرجوح ، بل ترك الراجح الى ما هو ارجح منه والزم ، بل هو بالنسبة الى الاحتياط من المرجوح.

وكذا لو جاز شرعا الرجوع الى الاصول لا يكون الاخذ بخلاف ما أدّى اليه الظن ـ اذا كان هو مؤدى الاصول ـ من القبيح ، لما عرفت من ان الأخذ بما يجوز شرعا ليس من القبيح.

نعم لو تمت هذه المقدمات يكون مجال لما ذكر ، وهو انه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح.

فاتضح ان هذه بعض مقدمات دليل الانسداد وليست دليلا براسها ، والمفروض كونها دليلا براسها.

وبعبارة اخرى : انه انما يتعين الاخذ بما قام عليه الظن في مقام يدور الامر بين الاخذ به او الاخذ بطرفه وهو الموهوم والمرجوح ، وانما يكون ذلك فيما اذا كان لنا علم اجمالي باحكام فعلية ، وانسداد باب العلم والعلمي ، وعلمنا بعدم جواز الاهمال ، ولا يجب الاحتياط اما لعدم امكانه كما في الدوران بين محذورين ، او كان مخلا بالنظام ، او كان خارجا عن الطاقة ، او كان ممكنا ولكنه قام الدليل الشرعي على عدم وجوبه.

وحينئذ يدور الامر بين العمل بالظن او بطرفه فيتعيّن العمل بالظن ، وهذه هي مقدمات الانسداد ، وبعضها ما ذكر دليلا برأسه وهو انه لو لم يؤخذ بالظن للزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح ، ولذا قال (قدس‌سره) : «ولا يكاد يدور

٦٦

الثالث : ما عن السيد الطباطبائي (قدس‌سره) : من إنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما ، وترك ما يحتمل الحرمة كذلك ، ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله ، لانه عسر اكيد وحرج شديد ، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات

______________________________________________________

بينهما» أي بين الاخذ بالظن او بطرفه المرجوح «إلّا بمقدمات الانسداد» وتماميتها «والّا» أي وان لم تتم مقدمات الانسداد باختلال احدها كما عرفت «كان اللازم هو» عدم الرجوع الى الظن ، بل اللازم «الرجوع الى العلم والعلمي» كما لو انفتح باب العلم والعلمي ولم ينسد بابهما «او» الرجوع الى «الاحتياط» فيما اذا انسد بابهما ولكن امكن الاحتياط ، فانه يجب الرجوع اليه «او» كان الاحتياط غير واجب ولكن يجوز الرجوع الى الاصول مثل «البراءة او غيرهما» كالاستصحاب او الرجوع الى الغير والاخذ بفتواه ، فمع احد هذه الامور لا يتعين العمل بالظن.

ولما كان تمامية مقدمات الانسداد وعدم تماميتها يختلف بحسب الآراء او الاحوال اشار الى ذلك بقوله : «على حسب اختلاف الاشخاص» بان كان بعضهم مثلا يرى حجية خصوص الخبر المعدّل بعدلين في جميع طبقاته ، ومثله قليل بين الاخبار التي بأيدينا ولا يكون وافيا بمعظم الفقه ، فعند هذا البعض باب العلمي منسد ، واما باب العلم فهو منسد عند الاكثر ، لعدم وفاء المتواتر من الاخبار والمحصّل من الاجماعات بمعظم الفقه ، ولكن من يرى حجية خبر الثقة فانه عنده باب العلمي منفتح.

او لأجل اختلاف الاحوال كما في مورد الدماء والفروج ، فان المشهور على الاحتياط فيه.

٦٧

والموهومات ، لان الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعا (١).

ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد ، فإنه بعض مقدمات دليل الانسداد ، ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ، ومعه لا يكون دليلا آخر ، بل ذاك الدليل (٢).

______________________________________________________

(١) وهو السيد محمد الحجة نجل صاحب الرياض (قدس‌سرهما) ... وهو مركب من مقدمتين :

الاولى : العلم الاجمالي بوجود واجبات ومحرمات فعليّة كثيرة.

الثانية : ان القاعدة الاولى في العلم الاجمالي هو الاحتياط باتيان جميع الاطراف المشتبهة في مورد الوجوب وترك جميع الاطراف في مورد الحرمة ، الّا ان الاحتياط كذلك لا يجب لانه منفي بقاعدة الحرج ، فالجمع بين العلم الاجمالي بالاحكام الفعلية ، وبين قاعدة الاحتياط وقاعدة نفي الحرج يقتضي العمل بالمظنون دون المشكوك والموهوم ، لان العلم الاجمالي بفعلية الاحكام تقتضي الامتثال ، وبعد رفع الاحتياط بقاعدة الحرج يدور الامر في الامتثال للاحكام الفعلية بين العمل بالظن فيها او الشك او الوهم ، ولا اشكال انه حيث يدور الامر بين الاخذ بالمظنونات او المشكوكات والموهومات يتعيّن الاخذ بالمظنون ، لان الاخذ بالمشكوك والموهوم وترك المظنون مما قام الاجماع على بطلانه ، فيتعيّن العمل بالظن ... هذا حاصل ما في المتن والعبارة واضحة.

(٢) حاصله : ان هذا الدليل المفروض فيه انه دليل في قبال الدليل الرابع الذي هو الانسداد.

ومن الواضح انه لو اقتصرنا على هاتين المقدمتين لا تنتج وجوب العمل بالظن وحجيته ، لانه لو انفتح باب العلم والعلمي مثلا فلا يتعيّن الرجوع الى ما قام عليه الظن.

٦٨

الرابع : دليل الانسداد ، وهو مؤلف من مقدمات ، يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ، ولا يكاد يستقل بها بدونها ، وهي خمس.

أولها : إنه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.

ثانيها : إنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي إلى كثير منها.

ثالثها : إنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا.

رابعها : إنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا ، بل لا يجوز في الجملة ، كما لا يجوز الرجوع إلى الاصل في المسألة ، من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ، ولا إلى فتوى العالم بحكمها (١).

______________________________________________________

وان ضممنا اليهما المقدمات الآخر كان هو دليل الانسداد لا دليلا آخر في قباله كما هو المفروض.

وعلى كل فالمقدمتان المذكورتان هما بعض مقدمات دليل الانسداد ، ولا بد من ضمّ المقدمات الآخر اليهما لينتج لزوم العمل بالظن.

والحاصل : ان هذا الدليل باطل لوجهين : الاول : انه لو اقتصرنا عليهما لا يكون نتيجتهما هو لزوم العمل بالظن ، لانهما بعض مقدمات الانسداد ، بل لا بد من ضمّ بقية مقدمات الانسداد اليهما ، والى هذا اشار بقوله : «فانه بعض مقدمات دليل الانسداد ... الى آخر الجملة».

الثاني : انه مع ضمّ بقية مقدمات الانسداد اليهما لا يكون دليلا آخر في قبال دليل الانسداد كما هو المفروض فيه ، فانه قد ذكر بما أنّه دليل آخر في قبال دليل الانسداد ، والى هذا اشار بقوله : «ومعه لا يكون دليلا آخر بل ذاك الدليل» أي بل يكون هو دليل الانسداد بعينه.

(١) قوله : (قدس‌سره) : «الرابع دليل الانسداد ... الخ» لا يخفى ان كلامه من هنا الى قوله : «وهي خمس» يتضمن امرين :

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاول : كون دليل الانسداد عقليا واليه اشار بقوله : «وهو مؤلف من مقدمات يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية» والوجه في كونه عقليا مع ان بعض مقدماته شرعية ـ كما سيأتي بيانها ـ هو ان المقدمات الاربع : وهي العلم الاجمالي بالتكاليف ، وانسداد باب العلم والعلمي اليها ، وعدم جواز الاهمال ، وعدم وجوب الاحتياط مع عدم جواز الرجوع الى الاصول هي مقدم لقضية شرطيّة ، والتالي لها هي المقدمة الخامسة ، وهو عدم جواز الرجوع الى الشك والوهم ، فيتعين الرجوع الى الظن.

ومن الواضح ان استلزام المقدّم للتالي عقلي ، وان كان بعض اجزاء المقدم شرعيا ككون مقدمة الواجب عقلية باعتبار استلزام وجوب ذي المقدمة لوجوب ذيها ، فان الوجوب وان كان شرعيا الّا ان استلزامه لوجوب مقدمته عقلي لا شرعي ، وليست عقلية هذا الدليل باعتبار كونه قياسا مستلزما للنتيجة ، فان كل قياس يستلزم نتيجته ، ولكنه لا يقتضي كون المسألة عقلية ، فان كون الامر دالا على الوجوب ايضا هو مركب من قياس نتيجته دلالة الامر على الوجوب ، إلّا انه لا يقتضي كون هذه المسألة عقليّة ، بل السبب في كون الانسداد عقليا هو استلزام المقدمات الاربع لانحصار الامتثال بالظن وهو عقلي.

وبعبارة اخرى : ان القياس المشتمل على المقدمتين هو هكذا ، الظن قد انحصر به امتثال التكاليف ، وكلما انحصر به امتثال التكليف يلزم العمل على طبقه ، فالظن يلزم العمل على طبقه ، وليست عقلية دليل الانسداد لكون العمل بالظن نتيجة هذا القياس ، بل عقليّته انما هي لكون المقدمات الاربع تستلزم عقلا انحصار الامتثال بالظن ، التي هي المقدمة الخامسة ، وهذا الاستلزام عقلي لا تكون نتيجة القياس هو لزوم العمل على طبق الظن.

ومما ذكرنا يتضح انه لا فرق في كون دليل الانسداد عقليا على الحكومة وعلى الكشف ، فان عقليته بعد ان كانت لاستلزام المقدمات الاربع انحصار الامتثال به

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ فلا فرق بعد هذا الاستلزام العقلي ان تكون النتيجة هو كون الظن حجة عقلا كالقطع ، او انه مجعول شرعا ، فان عقليته انما هي لاستلزام المقدمات ـ عقلا ـ للانحصار به.

واما كون الظن بعد الانحصار به يكون حجة عقلا او حجة شرعا فلا ربط له بكون دليل الانسداد من الادلة العقليّة ، ولذا قال (قدس‌سره) : «حكومة او كشفا ... ولا يكاد يستقل» العقل «بها» أي بكفاية الاطاعة الظنية «بدونها» أي بدون المقدمات.

الامر الثاني : ما اشار اليه بقوله : «وهي خمس» فانه قد اختلف فيها هل هي اربع او خمس؟ ويظهر من الشيخ الاعظم انها اربع ، ومختار المصنف انها خمس ، ولذا قال وهي خمس.

وتوضيح الحال : ان الشيخ ذكرها اربع ، وحذف المقدمة الاولى وهي العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعلية ، وجعل المقدمة الاولى هي انسداد باب العلم والعلمي ، ولم يذكر الوجه في اسقاطه للعلم الاجمالي ، ويحتمل ان يكون الداعي له وجهان :

الاول : وضوحه ، ولا يخفى انه لا وجه لاسقاطه لوضوحه ، فان بعض المقدمات ايضا واضحة كمثل عدم جواز الاهمال ، ومثل قبح ترجيح المرجوح على الراجح.

الثاني : ان اسقاطها لعدم الحاجة اليها ، ولا يخفى ايضا ان عدم الحاجة اليها ، اما لعدم ربط لها واقعا فيما هو الغرض في المقام.

ففيه : انه كيف يمكن ان يكون لا دخل لها فيما هو الغرض مع ان جملة من المقدمات الباقية لو لا العلم الاجمالي بثبوت التكاليف لكانت من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فان مثل انسداد باب العلم والعلمي لو لا العلم الاجمالي لكان لا موضوع له إلّا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، لوضوح انه لو لم تكن هناك تكاليف لكان عدم وجود العلم والعلمي بها من باب انه لا وجود للتكاليف ، لا ان التكاليف

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

موجودة والطريق اليها منسد ، ومثل عدم وجوب الاحتياط ايضا كذلك فانه يكون عدم وجوب الاحتياط لعدم التكاليف لا لعدم امكانه او حرجيته مع وجود التكاليف.

واما لإغناء المقدمة الثالثة عنه ، بدعوى انه اذا اقام الاجماع او الضرورة على عدم جواز الاهمال فلا حاجة الى العلم الاجمالي بثبوت التكاليف ، فانه لا يجوز الاهمال ولو كانت التكاليف محتملة غير معلومة اجمالا.

وفيه : ان القدر المتيقن من الاجماع او الضرورة هو عدم جواز الاهمال في حال وجود العلم الاجمالي ، فان وجود العلم الاجمالي بالتكاليف متحقق قطعا ، ولا نقطع بقيام الاجماع او الضرورة على عدم جواز الاهمال فيما لو لم يكن لنا علم اجمالي بثبوت التكاليف.

وقد توهم العكس ، وهو كون المقدمات اربعا لإغناء العلم الاجمالي وهي المقدمة الاولى عن المقدمة الثالثة وهي عدم جواز الاهمال.

بدعوى ان العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعليّة يغني عن عدم جواز الاهمال ، لان العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي يستدعي لزوم الامتثال عقلا ، لوضوح حكم العقل باستحقاق العقاب على عدم امتثال التكاليف البالغة درجة الفعليّة ، ومع حكم العقل بتنجز التكاليف الفعلية ولزوم امتثالها لا حاجة الى دعوى عدم جواز الاهمال ، فان مرجعه الى لزوم الامتثال.

وفيه اولا : ان مراتب الحكم عند المصنف أربع ، ثالثها مرتبة الفعليّة ورابعها مرتبة التنجز ، وعدم جواز الاهمال هو مرتبة التنجز وبلوغ الحكم الى مرتبة لا يجوز اهماله ويستحق العقاب على ترك التعرض له مطلقا بنحو انحاء الامتثال ، فالمقدمة الاولى هي العلم الاجمالي بتكاليف بالغة مرتبة الفعلية ، والمقدمة الثالثة هي بلوغها مرتبة التنجز بحيث يستحق العقاب على عدم التعرّض لامتثالها اصلا ، ويستحق الثواب بالتعرّض لامتثالها بنحو الظن حيث لا يمكن الاحتياط او لا يجب.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيا : لو قلنا بمساوقة مرتبة التنجز لمرتبة الفعلية ، او بان مرتبة التنجز ليست من مراتب الحكم بل هي امر انتزاعي يتنزع من بلوغ الحكم للمرتبة الفعلية ، وانه اذا بلغ الحكم مرتبة الفعليّة يحكم العقل بلزوم اطاعته وحرمة مخالفته ومنها ينتزع التنجز.

ولكنه مع ذلك نقول بلزوم المقدمة الثالثة لان مقدمات الانسداد لا بد وان تكون مطردة على جميع المحتملات ، وحيث ان كون التكاليف فعلية في المقام لا تستوجب التنجز على جميع الآراء ، لانه من يقول بعدم امكان التفكيك بين عدم وجوب الموافقة القطعية وبين عدم حرمة المخالفة القطعية ، فالتكاليف على هذا الرأي وان كانت فعلية إلّا انها لا تكون منجزة لعدم امكان الامتثال التفصيلي او لحرجيّته ، فالموافقة القطعية غير واجبة قطعا اما لعدم امكانها او لحرجيتها ، واذا لم تجب الموافقة القطعية لا تحرم المخالفة القطعية ، فلا يكون العلم الاجمالي بثبوت التكاليف الفعلية موجبا لتنجزها ، فنحتاج الى تنجزها وهو انما يثبت بواسطة المقدمة الثالثة وهي قيام الاجماع او الضرورة على عدم جواز الاهمال.

وقد يقال : بانه لا داعي الى الجوابين المذكورين ، فان الحاجة الى المقدمة الثالثة انما هو لان محض العلم الاجمالي بتكاليف لا علم بعناوينها مع انسداد باب العلم والعلمي اليها يوجب عدم فعليتها ، لان الفعلية لا تكون إلّا بالوصول ، وحيث لا وصول لها لانسداد باب العلم والعلمي فلا فعلية لها ، فلا بد من المقدمة الثالثة لانه بها تتم فعلية العلم الاجمالي المنسد باب العلم والعلمي بسبب قيام الضرورة والاجماع على عدم جواز الاهمال ، والله العالم.

وقد تبيّن مما ذكرنا : ان المقدمات خمس لا أربع كما ادعي ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وهي خمس» كما ذكرها (قدس‌سره).

قوله (قدس‌سره) : «بل لا يجوز في الجملة ... الخ» وذلك فيما كان الاحتياط موجبا لاختلال النظام.

٧٣

خامسها : إنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا ، فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة ، وإلا لزم ـ بعد انسداد باب العلم والعلمي بها ـ إما إهمالها ، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها ، وإما الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة ، مع قطع النظر عن العلم بها ، أو التقليد فيها ، أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية والفرض بطلان كل واحد منها (١):

______________________________________________________

قوله : «كما لا يجوز الرجوع الى الاصل ... الخ» اما لعدم جريانها في اطراف العلم الاجمالي او لانها متعارضة في بعض الاحوال ، أو لأن المثبت منها للحكم قليل والنافي منها باطل لانه مساوق للاهمال الذي علم عدم جوازه.

قوله (قدس‌سره) : «ولا الى فتوى العالم ... الخ» : لا يخفى ان دليل الانسداد المقام لحجية مطلق الظن هو في مورد الشبهات الحكمية والاحكام الكلية التي هي وظيفة المجتهد العالم ، ومن الواضح ان العالم لا يجوز له الرجوع الى غيره مضافا الى ان العالم غيره اما ان يكون انسداديا فحكم الامثال سواء ، واما ان يكون انفتاحيا فلا يجوز رجوع العالم الذي يرى الانسداد اليه.

(١) ظاهر صدر عبارة المتن كون هذه هي المقدمة الخامسة ، ولا يخفى ان ذيل عبارته (قدس‌سره) تقتضي ان قبح ترجيح المرجوح على الراجح هو دليل هذه المقدمة الخامسة ، وهو اقتضاء المقدمات المذكورة لانحصار الامتثال بالاطاعة الظنية ، لان بطلان الاكتفاء بالإطاعة الشكيّة والوهميّة مع التمكن من الاطاعة الظنيّة انما هو لانه من ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح.

والاولى كون نفس قبح الترجيح هو المقدمة ، لانه بعد تمامية هذه المقدمات الخمس تكون النتيجة هي التنزل الى الاطاعة الظنية ، وكون هذه دليل المقدمة الخامسة ، وان المقدمات الاربع تقتضي الاطاعة الظنيّة ، ودليل ذلك هو قبح الترجيح

٧٤

أما المقدمة الاولى : فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الاخبار الصادرة عن الائمة الطاهرين عليهم‌السلام التي تكون فيما بأيدينا ، من الروايات في الكتب المعتبرة ، ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات (١) ، وهو غير مستلزم للعسر

______________________________________________________

ـ فلا يخلو من شيء ، لان الدليل على الشيء من مقدمات الاذعان به ، فقبح الترجيح مع ضمّ المقدمات الاربع تقتضي الاطاعة الظنيّة.

(١) قد تقدّم في الدليل الاول الذي اقيم على حجية الخبر ان العلم الاجمالي بوجود تكاليف فعلية لا ريب فيه ، ولكنه منحل بالعلم الاجمالي بصدور اخبار فيما بأيدينا من الاخبار مشتملة على الاحكام الواقعية وافية بمعظم الفقه فهذا العلم الاجمالي المدعى في المقام منحل بالعلم الاجمالي الثاني في خصوص الاخبار الموجودة في الكتب الاربعة وغيرها من الكتب كالوسائل ، فلا اثر لهذا العلم الاجمالي بوجود تكاليف فعليّة بعد الانحلال بالعلم الاجمالي الثاني ، فاللازم الاحتياط في مورد العلم الاجمالي الثاني بالاخذ بكل خبر دل على ثبوت حكم وجواز العمل بالخبر النافي كما مرّ الكلام فيه.

والى هذا اشار بقوله : «اما المقدمة الاولى» وهي العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعلية «بديهية» لا ريب فيها ولكنه لا اثر لهذا العلم الاجمالي لانحلاله ، ولذا قال : «الّا انه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي» الاول «بما» علمنا به اجمالا ايضا من الاحكام الواقعية «في الاخبار الصادرة عن الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام التي تكون» تلك الاخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام هي «في» ضمن «ما بأيدينا من» مجموع «الروايات» الموجودة «في الكتب المعتبرة» كالكتب الاربعة وغيرها «ومعه» أي ومع هذا العلم الاجمالي الثاني «لا موجب للاحتياط الا في خصوص ما» بأيدينا من «الروايات».

٧٥

فضلا عما يوجب الاختلال ، ولا إجماع على عدم وجوبه (١) ، ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت في المقدمة الرابعة دعوى عدم وجوب الاحتياط في العلم الاجمالي الاول وهو العلم بثبوت تكاليف فعلية اما لعسره المرفوع بأدلّة الحرج ، واما لدعوى قيام الاجماع على عدم وجوبه ، بل ربما يدعى حرمته لاستلزامه اختلال النظام ، وهذه الدعوى لا تصح في الاحتياط فيما بأيدينا من الاخبار ، فانه لا يستلزم عسرا فضلا عن ان يكون مستلزما لاختلال النظام ، وايضا لا اجماع على عدم وجوبه.

ومما ذكرنا تبيّن : انه لا يصح ان يقال ان العلم الاجمالي الثاني انما يحل العلم الاجمالي الاول بشرط كونه مؤثرا ، ومع عدم وجوب الاحتياط في الاخبار التي هي اطراف العلم الاجمالي الثاني لا يكون مؤثرا ، ومع عدم تأثيره لا يكون حالا للعلم الاجمالي الاول وهو العلم بثبوت تكاليف فعليّة.

وانما لا يصح لما عرفت من تأثير العلم الاجمالي الثاني ، لان الاحتياط في اطرافه لا يستلزم عسرا ولا اختلالا في النظام ، ولا اجماع ايضا على عدم وجوبه.

(٢) حاصله : انه لو سلّمنا الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في اطراف العلم الاجمالي الاول فيما لو قلنا بعدم انحلاله بالعلم الاجمالي الثاني ، لكنّا لا نسلّمه لانحلاله بالعلم الثاني ، وفي قوله ولو سلّم الاجماع تمريض لدعوى الاجماع.

ولعل الوجه فيه ، انه لو قلنا بعدم انحلال العلم الاجمالي الاول بالعلم الاجمالي الثاني فالدليل على عدم وجوب الاحتياط ينبغي ان يكون دليل العسر لو تمّ ، وعلى حرمته هو لزوم اختلال النظام منه.

واما دعوى الاجماع على عدم وجوبه فلا تصح الّا على سبيل الفرض ، لما تقدم من ان المشهور على انفتاح باب العلمي وقيام الحجة الشرعية القطعية عندهم على حجية الخبر بالخصوص ، ومع هذا لا يصح دعوى الاجماع الّا على سبيل الفرض والتقدير ، أي ان العلماء لو كانوا غير انفتاحيين وكانوا من القائلين بالانسداد لقالوا

٧٦

وأما المقدمة الثانية : أما بالنسبة إلى العلم ، فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بيّنة وجدانية ، يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد.

وأما بالنسبة إلى العلمي ، فالظاهر أنها غير ثابتة ، لما عرفت من نهوض الادلة على حجية خبر (١) يوثق بصدقه ، وهو بحمد الله واف

______________________________________________________

بعدم وجوب الاحتياط ولقام الاجماع منهم على عدم وجوبه. وفيه ايضا انه لو كانوا انسداديين وقالوا بعدم وجوب الاحتياط لما كان ذلك اجماعا ، لاحتمال كون المدرك لعدم وجوب الاحتياط عندهم على الفرض هو لزوم العسر او اختلال النظام ، ومع احتمال المدرك لا تصح دعوى الاجماع.

(١) قد عرفت ان المقدمة الثانية هي دعوى انسداد باب العلم والعلمي ، ونحن نسلّم انسداد باب العلم في زماننا ، ولا نسلّم انسداد باب العلمي ، والسبب في تسليمنا لانسداد باب العلم هو انه بعد العلم الاجمالي بثبوت تكاليف فعلية لا ينحل هذا العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بمقدار من الاحكام الواقعية بحيث تكون وافية بمعظم الفقه ، فان الاخبار المتواترة والاجماعات المحصلة القطعية قليلة جدا لا تفي بانحلال العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بمقدار يفي بمعظم الفقه وشك بدوي يكون مجرى للاصول ، وهذا واضح لكل من تعرّض لاستنباط الاحكام من ادلتها ، فباب العلم الذي به ينحلّ العلم الاجمالي مما لا ريب في انسداده ، ولكنّا لا نسلّم انسداد باب العلمي وهو الحجة الشرعية المقطوع جعلها من الشارع طريقا منجزا لو اصاب ومعذرا لو خالف ، لما تقدم من دلالة الآيات والاخبار المتواترة اجمالا وقيام السيرة على حجية الخبر الموثوق ، وبه مع ضميمة ما قام التواتر عليه من الاحكام والاجماعات المحصّلة ينحل العلم الاجمالي الى علم تفصيلي بالحجة الشرعية المعذرة والمنجزة الوافية بمعظم الفقه ، والى شك بدوي في غيره ، فالمقدمة الثانية غير تامة لانفتاح باب العلمي وانسداد باب العلم.

٧٧

بمعظم الفقه ، لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها ، كما لا يخفى (١).

وأما الثالثة : فهي قطعية (٢) ، ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا

______________________________________________________

وقد اشار الى تسليم انسداد باب العلم بقوله : «اما بالنسبة الى العلم فهي بالنسبة الى زماننا بيّنة وجدانيّة ... الى آخر الجملة» والى عدم انسداد باب العلمي بقوله : «واما بالنسبة الى العلمي فالظاهر انها غير ثابتة ... الى آخر الجملة».

(١) ظاهره هو حجية الخبر الموثوق المضمون ، وبينه وبين حجية خبر الثقة عموم من وجه ، لاجتماعهما في خبر الثقة المضمون ، وصدق الاول بدون الثاني في الخبر الضعيف من ناحية الراوي الموثوق من ناحية مضمونه بقيام الظن على وفقه ، وصدق الثاني بدون الاول في خبر الثقة الذي لا يكون مضمونه موثوقا لقيام الظن على خلافه ، وقد تقدم منه ما ظاهره القول بحجيّة خبر الثقة كقوله في السيرة «دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الاديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة».

ولعل مراده من قوله يوثق بصدقه أي يوثق بصدق المخبر بالخبر فيرجع الى خبر الثقة والله العالم.

(٢) المقدمة الثالثة هي انه لا يجوز اهمال التكاليف المعلومة اجمالا ، ولا يجوز عدم التعرّض لامتثالها.

وبعبارة اخرى : انه من المعلوم بالضرورة او بالاجماع اهتمام الشارع بالتعرّض لامتثال احكامه المعلومة اجمالا بنحو من الامتثال.

ولا يخفى ان الكلام في هذه المقدمة انما هو بعد تسليم المقدمتين المتقدمتين ، لوضوح انه لو انحل العلم الاجمالي الاول بالعلم الاجمالي الثاني فيكون الاهتمام ولزوم التعرّض وعدم جواز الاهمال انما هو في ما بأيدينا من الاخبار ، ولو قلنا بالانفتاح والعلم بوجود الحجة الشرعية المجعولة بالخصوص تفصيلا كخبر الثقة فينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي بالحجة والشك البدوي في غيره ، فلا يكون لنا علم

٧٨

مطلقا (١) أو فيما جاز ، أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه ، كما في المقام حسب ما يأتي ، وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا

______________________________________________________

اجمالي حتى يدعى قيام الضرورة او الاجماع على عدم جواز اهماله ولزوم التعرّض لامتثاله بنحو من الانحاء.

والحاصل : انه بعد تمامية المقدمتين الاوليين لا اشكال في هذه المقدمة الثالثة ، وهي قيام الضرورة والاجماع على عدم جواز الاهمال وعلى لزوم التعرّض لامتثال الاحكام المعلومة اجمالا بنحو من الانحاء ، وقد اشار الى هذا بقوله : «فهي قطعيّة».

واشار الى قيام الضرورة والاجماع عليها بقوله في ذيل عبارته «وذلك لان اهمال معظم الاحكام» وذلك اما ب «عدم الاجتناب كثيرا عن الحرام» او بترك الامتثال لما هو الواجب «مما يقطع بانه مرغوب عنه شرعا» وهذا هو معنى قيام الضرورة على عدم جواز الاهمال شرعا.

والى الاجماع اشار بقوله : «ومما يلزم تركه اجماعا».

(١) لا يخفى انه قد مرّ في باب القطع الكلام في كون العلم الاجمالي هل هو علة تامة للتنجز ، او انه بنحو الاقتضاء فقط ، او بالتفصيل بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعيّة بكونه علة تامة في الاولى ومقتضيا بالنسبة الى الثانية؟

وقيل بالعلية التامة بالنسبة الى الاولى وهي حرمة المخالفة القطعية ، وبعدم الاقتضاء فضلا عن العلية بالنسبة الى الثانية وهي وجوب الموافقة القطعية.

وربما نسب الى بعض القول بعدم الاقتضاء وعدم العلية ايضا بالنسبة الى كلا المقامين ، وسيأتي ان شاء الله تعالى التعرض لهذا البحث ايضا في باب البراءة والاشتغال.

وعلى كلّ فلو قلنا ـ فرضا ـ بالمقالة الاخيرة وهو عدم كون العلم اجمالي مقتضيا ولا منجزا مطلقا بالنسبة الى حرمة المخالفة والى وجوب الموافقة ـ فانا نقول في هذا العلم الاجمالي في المقام بالتكاليف بلزوم التعرّض لامتثال الاحكام المعلومة اجمالا

٧٩

عن الحرام ، مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا (١).

إن قلت : إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف ـ كما أشير إليه ـ فهل كان العقاب على المخالفة في سائر

______________________________________________________

بنحو من الأنحاء لقيام الضرورة والاجماع على عدم جواز اهمالها بالمرة ، ولذا قال : «فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا».

(١) توضيحه : انه قد مرّ في باب القطع انه يظهر من المصنف القول بكون العلم الاجمالي مقتضيا بالنسبة الى كلا الامرين من حرمة المخالفة ووجوب الموافقة ، وسيأتي منه في باب البراءة والاشتغال القول بكونه علة تامة بالنسبة الى كلا الامرين.

الّا انه سيأتي ان كون العلم الاجمالي منجزا تاما مشروطا بعدم الرخصة في احد اطرافه : اما جوازا كما في مورد الشبهة غير المحصورة الكثيرة ، او الخارج بعض اطرافها عن محل الابتلاء وان كانت الاطراف قليلة ، كما لو علمنا بنجاسة احد إناءين كان أحدهما في بلد والآخر في بلد بعيد.

او وجوبا كما لو وجب الاقتحام في احد الاطراف بسب الاضطرار الى احد الاطراف مخيرا ، كما لو علمنا بنجاسة احد الإناءين من الماء وحصل عطش مهلك اضطررنا معه الى شرب احدهما مخيرا ، فان مع اهمية حفظ النفس يجب الشرب لاحدهما ، او في مثل مقامنا لو كان الاحتياط موجبا لاختلال النظام ، فانه يجب ارتكاب بعض الاطراف بمقدار يحفظ به النظام.

وعلى كل فمع جواز الاقتحام في بعض الاطراف او وجوبه لا يكون العلم الاجمالي منجزا ، ولكنه مع ذلك حيث علم اهتمام الشارع وعدم جواز الاهمال لامتثال احكامه رأسا ، وانه يجب التعرّض لامتثالها بنحو من الانحاء وان كان العلم الاجمالي في المقام غير منجز لوجوب الاقتحام في بعض اطرافه او جواز الاقتحام فيها ، والى هذا اشار بقوله : «او فيما جاز او وجب الاقتحام في بعض اطرافه كما في المقام» للزوم اختلال النظام من الاحتياط التام في اطراف العلم الاجمالي بالتكاليف.

٨٠